أكثر ما يثبت نظرية أبن خلدون القائلة "بأن المغلوب مجبول على تقليد الغالب " هو هذا الدفاع المستميت من قبل بعض الكتاب والمعلقين والصحفيين والمدونين العرب ، بمواضيع منشورة على الصحف والمواقع الألكترونية ، واللتي أجمع فيها هؤلاء على أن الأعراق غير البيضاء هي اللتي تسببت في أعمال الشغب والسرقة والنهب اللتي ضربت مدن بريطانيا بصورة صادمة حتى لدول العلم الثالث ، على الرغم من أن الشرطة البريطانية أذاعت بياناً قالت فيه.
" ان المتورطين في اعمال الشغب العنيفة والسرقة في الايام الاخيرة ليسوا من عرق واحد ولا من جماعة دينية بعينها ولا من طائفة محددة في المجتمع " .
فالبريطاني الأبيض بحسب المصابين بعقدة الخواجة ، مثقف ، يحترم حقوق الأنسان ، علماني ، لايعتمد العنف كوسيلة لتحقيق أي هدف كما تفعل باقي الأعراق الهمجية .
في 2004 ، وردا على سؤال فى البرلمان البريطانى عن أحداث شغب وقعت في الملاعب الأوربية ، أدان تونى بلير رئيس وزراء بريطانيا العنف الذى قام به الهوليجانز من أنصار المنتخب الأنجليزى لكرة القدم ، حيث قال : "أن مثل هؤلاء المشاغبون جلبوا الخزى والعار للأمة البريطانية" .
والهوليجانز ، أو الداء الأنجليزى ، كما يطلق عليهم ، هى عباره عن بعض الجماعات التى تشجع بعض الأنديه و التى يجب ان تشتبك مع المجموعات للنادى المقابل او النادى المنافس قبل او بعد المباراه مباشرة ، وغالبا ما تكون هذه المشاجارات متفق عليها من قبل و تكون فى اماكن بعيده عن الأستاد حتى تبقى بعيد عن اعين الشرطه ، وأعضاء الهوليجانز دائماً ما يكونون من العرق الأوربي الأبيض .
اول حوادث الشغب حدثت فى عام 1880 ولم تكن تقتصر على الشجار بين المجموعتين بل كانت تمتد لتشمل الحكام والاعبين ايضا ، ما يعني أن للعنف جذوراً ضاربة في تأريخ المجتمع البريطاني قبل الهجرات الأفريقية الآسيوية العربية...
أجمع الخبراء على أن لأحداث بريطانيا أسبابا بعيدة عن كونها أحتجاج أقليات على تصرف الشرطة العنصري معها ، مع أن هذه المعاملة هي واحدة من الأسباب اللتي أدت الى أندلاع العنف .
يقول الخبراء أن العنف أندلع كأحتجاج على الظروف المعاشية اللتي تدهورت نتيجة الأزمة الأقتصادية العالمية اللتي تضرب بقوة في كل العالم وخاصة أوربا ، ويؤكد علماء النفس أن العوامل الإقتصادية تلعب دورا لا يمكن إغفاله في تفشي العنف في أي مجتمع ، مهما كان هذا المجتمع .
في موضوع قرأته عن أحداث بريطانيا ، يقول عالم الاجتماع في جامعة ليدز الدكتور بول باغولاي .
" إن من ينخرطون في مواجهات مع الشرطة هم عادة من الشباب الذكور الصغار ، أما النهابون فيكون من بينهم صبية وفتيات ، مما يوحي بأنهم بحاجة لتلك السلع لقيمتها ، حيث ستعطى لآباء وامهات عاطلين عن العمل .
كما كان من الملاحظ في أحداث الشغب الأخيرة أن بعض الامور لا تحدث حسب النمط المعتاد ، ومن بينها أن كثيرين ممن ارتكبوا جريمة النهب كانوا ممن يفعلون ذلك للمرة الأولى ، وإذا كان النهب ظاهرة تحدث إلى جانب ظواهر أخرى في كل شغب فإن النهب كان هو الظاهرة الأبرز في الأحداث التي شهدتها المدن البريطانية مؤخرا .
ويعزى ذلك إلى تغير طبيعة الأسواق وطبيعة الشباب في آن واحد ، فإذا قورنت الأحداث الأخيرة بأحداث الشغب في الثمانينيات لوجدنا أن من يريد النهب الآن سيجد ما يزيد بكثير عما كان موجودا قبل ذلك ، وخاصة أجهزة الهاتف المحمول واللاب توب والتلفزيونات الرشيقة وغيرها ، كما أنها سلع تجمعها خواص مشتركة أبرزها صغر الحجم وارتفاع الثمن .
مثل هذا السلع الجذابة لجيل الشباب تدفع المشاركين في النهب إلى التساؤل ( كيف لي أن أحصل على هذا الأشياء إن لم أحصل عليها الآن ) ؟
ويعود الدكتور بيتس إلى التأكيد على أن النهب موقف معقد ، ويصعب تصنيفه في خانة جريمة مباشرة مثل البلطجة ، بل ينبغى النظر إلى النهب في إطار أوسع من «الغضب الإجتماعي المتصاعد» بين الشباب بسبب البطالة وتفاوت فرص التعليم بين الأغنياء والفقراء وكذلك التفاوت الكبير في مستويات الدخل" .
من المعلوم أن الرأسمالية مرتبطة أرتباطاً عضويا بالعلمانية اللتي تتبناها المجتمعات الغربية ، بسبب تبنيها للحرية المطلقة لرأس المال واللتي تتوافق مع مبدأ الحرية المطلقة في كل نواحي الحياة للعلمانية ، ليؤلفا معاً منظومة أخلاقية ، سياسية ، أقتصادية ، حاكمة لهذه المجتمعات .
هذه الحرية الرأسمالية – العلمانية ، سمحت ببناء أقتصاد مبني بالكامل على أسس ربوية " من الربى " تتعامل بها البنوك والمؤسسات المالية الغربية ، ولأن الغرب هو الغالب اليوم ، فأنه فرض هذه المعاملات الربوية على دول العالم قاطبة "بما فيها دولنا المسلمة" .
بدأت الأزمة العالمية من تسويق العقارات في أمريكا لمحدودي الدخل بطريقة ربوية جشعة تجعل القسط يرتفع مع طول المدة ، وعند عدم السداد لمرة واحدة تأخذ فوائد القسط ثلاثة أضعاف عن الشهر الذي لم يتم سداده .
ثم نجحت شركات العقار في تسويق المنازل لمحدودي الدخل ونجحت بالالتفاف على قوانين الحد الائتماني ، مما نتج عنه ارتفاع بأسعار العقار، ومن ثم أصبحت منازل محدودي الدخل تقدر بمبالغ تتعدى قيمة الشراء الحقيقة لأوائل المشترين ، فبدأ محدودي الدخل بأخذ قروض من البنوك بضمان منازلهم التي لم تسدد بالأساس وكان الاعتماد بصرف هذه القروض على فرق السعر بين المطلوب والقيمة في السوق ، ولكن بعد فترة أصبحت الأقساط الشهرية لا تطاق ، وامتنع كثيرين عن السداد ، فبدأت أسعار العقار تهوي ، وتساقطت البنوك والمؤسسات المالية والأتمانية كأحجار الدومنو ، وجرت معها العالم الى المصيبة الحالية .
أي أن الغرب هو اللذي خلق المصيبة الأقتصادية العالمية ، وهو اللذي أنتفضت طبقاته الفقيرة من البيض والملونين فحرقت بريطانيا ، وقبلها فرنسا ، وقد تمتد الى باقي أوربا غدا ، ألا أن العرب والمسلمين والقاعدة والأفارقة والآسيويين وحتى الجن الأزرق هم السبب في ذلك ، ألا الخواجة الأبيض اللذي لايخطأ أبداً .
الحقيقة أن غير البيض الأوربيين قد ظلموا كثيرا ، فهم جلبوا من قبل البيض الأوربيين أما كعبيد في السابق أو كمهاجرين ولاجئين عندما كانت أوربا محتاجة الى أيد عاملة كثيرة بعد الثورة الصناعية اللتي مكنتها من نهب ثروات الشعوب ، وبقيت هذه الفئة أقل طبقياً من الأخرى بسبب تكدس الأموال بيد الرأسماليين من أهل البلد الأصليين ، ما حرم الأولى من التعليم الجيد وبالتالي الوظائف الجيدة .
ولأن هذه البلدان كانت من الغنى الفاحش ما جعل المواطنين الجدد يظلون بمنأى عن البطالة والفقر ، فأنه ومع بدأ المشاكل الأقتصادية اللتي تسببت بها الحكومات الغربية ، وجد هؤلاء المواطنون الجدد والمقيمون أنفسهم ملامين ، لأنهم يأخذون الوظائف اللتي أصبحت فجأة لا تكفي الجميع ، أو لتفشي الجريمة بينهم بسبب الفقر في مجتمع أستهلاكي مليئ باللذات المادية والجنسية.
هنا بدأ الكلام عن عدم الأندماج الثقافي ، والتقوقع العرقي ، والأسلام فوبيا ، وكل هذه الترهات ، والمطلوب أن يدفع غير الأصليين الثمن مرة أخرى على ذنوب أرتكبها الأصليين !.
ليست هذه المرة الأولى اللتي تحدث فيها مثل هذه الأزمة الأقتصادية العالمية وتوابعها الأجتماعية خلال العقود القليلة الماضية ، ولقد أثبتت الحالة العالمية اليوم المليئة بالغزوات والحروب والأستغلال الطبقي والعنف الأجتماعي أن هناك خللا واضحاً في النظام الغالب على العالم ، ما يعني أن كل ما يقال عن الحداثة والديموقراطية والحرية والعلمانية الغربية بحاجة الى مراجعة حثيثة من الجميع ، وأول الجميع نحن ، خاصة وأننا نمر بمرحلة أنتقالية مهمة نحاول فيها التخلص من الأنظمة الشمولية اللتي عفا عليها الزمن .
ولكي نجد لنا هوية في المستقبل ، لا بد أن نتعظ من الحاضر اللذي أثبت أن النظريات المختلفة الحالية اللتي أخترعها البشر على الرغم من كل محاسنها ، فأنها لازالت غير صالحة لأن نعتمدها كمنهاج لحياتنا القادمة ، وبدلا من تمجيد الغالب في كل مناسبة ، فلا بأس من أن يعود المغلوب ليستخلص العبر من منظومته الأخلاقية والفكرية الخاصة به ، ليمزجها بحسنات ما توصل أليه الفكر الأنساني ، ويطرد منها مايضرها ، فيشكل منظومة جديدة أفضل مما موجود اليوم ، ويعود لينهض من جديد على أسس وقواعد جديدة بدلا من القديمة اللتي لاتتماشى مع الزمن الحاضر ، ومن المستوردة بالكامل ، واللتي تثبت التجربة أنها لاتصلح لنا أبدا بشكلها الحالي .
((الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس ذلك بأنهم قالوا إنما البيع مثل الربا وأحل الله البيع وحرم الربا فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف وأمره إلى الله ومن عاد فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون))
http://www.bbc.co.uk/arabic/worldnews/2011/08/110809_riots_uk.shtml
http://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%A3%D8%B2%D9%85%D8%A9_%D8%A7%D9%84%D8%B1%D9%87%D9%86
_%D8%A7%D9%84%D8%B9%D9%82%D8%A7%D8%B1%D9%8A
التعليقات (0)