قلت لها عبر الهاتف أنني لن أترك مكاناً لا أذهب إليه مع (مرام ) بعد زواجنا وكنت في قمة السعادة بعد إعلان خطبتي لملاكي البريء الطاهر وروحي الحالمة بالغد الجميل معا..فاجأتني بصوت خافت حزين أطبق على كل فرحتي وصدمني كثيراً..بل هز كياني وأبكاني حين قالت لي ( أبو أروى لم يأخذني ولا مرة للفسحة معاً !! ).. أعادتني عبارتها لأيام طفولتي فقد كانت هي أمي الثانية..ولا أكذب لو قلت كانت هي أمي الحقيقية الحانية فقد كان لعددنا الكبير أسرياً سبباً كافياً ليجعلها تعرف الأمومة مبكراً وتقدم التضحية قبل تفتح أوراقها الغضة..
تركت المدرسة لتتفرغ لعمل البيت وتساعد أمي فيه وفي تربية الأولاد الذين لم يكن الفرق بين الواحد والأخر سوى سنة أو سنتين !! أتذكرها وهي تربط لي حذائي في أول يوم دراسي لي.. لن أنسى ذلك أبداً .. ولن أنسى تلك العظيمة التي انحنت لتهتم بي وتدفعني للامام وجميع إخوتي ..
كانت زهرة البيت جمالاً وأدباً وجاء لها الخطاب من كل صوب حتى من الخليج فرفضهم أبي فقد كانت غاليةً عليه رغم ما عانته من تحمل المسئولية الكبيرة مع قسوة الأم في دفعها لهذه المسئولية..رفضهم لأنه لن يسلم إبنته للمجهول ولا لمن يملك ولا يعرف عنه شيئا ..
ثم أراد الله لها الزواج بشاب مجتهد في حياته ويشق طريقه فساعده أبي وجميعنا في العرس وفيما بعد في بناء بيته المستقل عن عائلته.. تزوجت أختي الكبيرة وهي في العشرين من عمرها وذهبت لبيت زوجها وأهله الذين خصصوا لها ولزوجها غرفة في البيت.. كانت عمتها - أم زوجها - من أشد المتحمسين لها بل المقاتلين لأخذها زوجة لإبنها فهي تعرف أدبها وخلقها وتحملها للمسئولية..
ما أذكره بعد أن أنتهينا من الذبائح والعرس والزفاف وقد فعل أبي الكثير تكريماً لها لما فعلته معنا ولحبه الكبير لها وبعد أن اوصلناها لبيت أهل زوجها لم يسمح أبي لنا بزيارتها لمدة طويلة لحكمة جميلة مقصدها ان تتأقلم مع زوجها وأهله وحتى لا تتقوى بنا ونحن ثمانية أخوه وذوي البنية ..ولتشعر أن بيتها حيث يكون زوجها..
مرت السنين وأهدت أختي لزوجها واهله أول مولود لها ( أحمد ) وهو أول طفل صبي لأهل زوجها بعد أن قدمت لهم زوجة إبنهم الكبير ثلاث بنات لا أجمل منهن ..حماة اختي لم يسعها الخبر فرحاً وبالفعل أصبح أحمداً في حضن جدته أكثر من حضن أمه بعد أن كبر قليلاً وحيث ما تذهب جدته تأخذه معها حتى كبر أكثر ولا أحد يقدر أن يسيطر عليه ولا إيقاف صراخه وطلباته..
ذات يوم نجد أختنا الكبيرة ترجع للبيت ومعها أحمداً وأبنتها الصغيرة ( أروى) وتبدأ بالبكاء والشكوى لأبي وأمي وكنا نسترق السمع..عرفنا شكواها فقد كانت عمتها غير منصفة في معاملتها مقارنة بزوجه إبنها الكبير فأختي أصبحت تتولى مسئولية البيت هناك ولوحدها مع عمتها بينما زوجة الأخ الكبير تعمل في وظيفة حكومية وأخت زوجها تدرس معنا في الثانوية فرميت كل المسئولية على عاتق أختي المسكينة ومن سنين وهي صابرةً !! فزوجة الأخ الكبير لا تنسى عمتها حين إستلامها لراتبها ولا من الهدايا وبنية طيبة لتكسب عمتها وبطريقه غير مباشره تتحمل أختي كل العبء !! رفض والدي ما أتت به أختي من أعذار ولم يسمع لها واعادها لبيت أهل زوجها ..
بعد مدة من الزمن بدأ صهرنا العزيز ببناء بيت له منفصل عن أهله وقريب منهم وساعدناه جميعا بل كنا أكثر من ساعده مقارنة بإخوته المنشغلين بأمورهم الخاصة.. وحدثت مشكلة أخرى بين أختي وعمتها لا اتذكرها ولكن هنا أقر أبي حجة أختي فكرامة أبنته فوق كل شيئ وبالفعل جاء صهرنا واهله كلهم وأمه يعتذرون ويتأسفون ويتعهدون فأنتهى الأمر بسلام وبسرعة كبيرة..
وهاهي أختي الأن في بيتها مع زوجها وأبنائها الثلاثة وتتابع دراستهم ويزورونا دائما ويذهب أخوتي وكالمعتاد للتخزين مع صهرنا ويأتي هو لبيتنا كذلك فهم في إرتباط وعلاقة قوية..وصهرنا منذ زواجه وهو يحترمنا ونحترمه ويحترم الوالد بشكل كبير وبأدب جم لا أعرف بمن أعجب فيهما!!.. فأعجب بكليهما..وبالفعل كسب أبي رجلاً حين فضله على غيره ممن يملك المال الكثير.
بالفعل صهرنا طيب ورجل..ولكن هل يعيب الرجولة أن يتمتع الرجل بحياته مع زوجته فيخرجان معا ويتنزهان والبحر على بعد خطوات من بيتهما !! لماذا لا يكون الواحد منا رجلا وإنسانا !! مسئولية وترفيهاً تضفي للجو الأسري تناغماً جميلاً.. تماسكاً وحيويةً..يجدد في عاطفة الحياة وربيعها ... أتسأل بحسرةَ ..أحبابنا .. من لهم !! .
التعليقات (0)