أصبحت الإثارة بالمكذوب من الأخبار من شيم الكثير من الصحف المستقلة، وهي ليست بالمستقلة وليست بالحيادية؛ لأنه لا حياد في الإعلام، فصاحب رأس المال له الحق في التوجيه وإضفاء البصمة الصحفية ورسم خطها، على مذهب مَن يدفع "يأمر"، وللأسف الشديد تخلط الصحف بين الخبر والتحليل، فالخبر لا بد أن يكون صحيحًا وموثقًا، أما التحليل فمن حقك أن تقول التحليل كيفما شئت، نختلف فيه أو نتفق عليه ليس مهمًّا، ولكن لا بد من الفصل بين الخبر الذي هو حق للقارئ والتحليل الذي هو حق للكاتب أو الصحفي.
أما أن يكون الخبر مكذوبًا وليس له أساس من الصحة وغير منطقي فهو في البداية جريمة في حقِّ القارئ، بل وانتحار للصحيفة؛ لأنها تفقد بذلك مصداقيتها وشرفها المهني، وأخيرًا هو كَذِبٌ يحاسب عليه أمام القانون ويحاسب عليه أمام الله (مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ (18)) (ق).
ولكننا نرى اليوم للأسف بعض الصحفيين يكذبون ويتحرّون الكذب.. لا يكذب فقط وإنما يتحرّى الكذب، يبحث عنه بحثًا، عن الشهرة والإثارة؛ حتى يشتري القارئ الجريدة، وهو بذلك يسعى إلى نجاح مؤقت؛ لأن النجاح الدائم يعتمد على المصداقية والصدق والشفافية.
رأينا صحفًا في عهد المخلوع ورفاقه تؤجِّر صفحاتها لصالح "أمن الدولة"، خصوصًا في مرحلة ما قبل الانتخابات وأثناءها، وتختلق كذبًا وتصدقه وتأتي بالمحللين لتحليل الكذب المصنوع، ويبدع المحللون، ولا أحد يتطرق إلى صحة الخبر من عدمه.
رأينا صحفًا حاولت إلصاق تهم العنف بالإخوان، وقالت إن الإخوان لهم ميليشيات في الجامعة (ميليشيات الأزهر) كذبًا وزورًا وبهتانًا، حتى صرتُ عندما آتي بالصحيفة أبحث عن "الكذب اليوم" ما هو موضوعه ومَن هم شخصياته.
رأينا صحفًا تروِّج أن صفقةً تُعقد بين الإخوان والحزب الوطني، بل إن صحيفةً يشرق يومها بالأكاذيب قالت إن اجتماعًا عُقد للتوافق بين الإخوان والحزب الوطني لتوزيع حصص مقاعد مجلس الشعب، فلما اتصلت بالصحفي أقسم وأكد أنه صحيح وأن يوم الخميس القادم سوف يُعقد الاجتماع الثاني، وسوف يحضر من جهة الإخوان "فلان الفلاني"، وأنه سوف يصوِّر ويسجِّل الاجتماع، فلما قلت له إذن سوف أجد هذا منشورًا في صحيفتكم يوم الجمعة، قال لا يوم السبت، ولم يأتِ يوم السبت حتى الآن رغم مرور أكثر من عام.
ورأينا صحفًا تحاول أن تلصق كذبًا أن الإخوان بينها وبين المجلس العسكري صفقةً، ولم ير هؤلاء الإخوان عندما خرجوا مع الشعب بالملايين ضد "وثيقة السلمي" وضد المادتين (9، 10) اللتين تجعلان المجلس العسكري فوق المساءلة والحساب.
وأخيرًا تدَّعي صحيفة كذبًا وبهتانًا أن فضيلة المرشد العام د. محمد بديع ونائب المرشد م. خيرت الشاطر ذهبا لزيارة حسني مبارك في المستشفى للاطمئنان على صحته، يا سلام!!!.
حسني مبارك الذي حبس 45 ألفًا من الإخوان وصادر أموالهم..
حسني مبارك الذي حبس م. خيرت الشاطر أكثر من 15 سنةً خلال العشرين عامًا الماضية..
حسني مبارك الذي جرَّ الخراب والدمار على مصر..
حسني مبارك الذي باع مصر في الخارج لـ"إسرائيل" وفي الداخل لشلة الحرامية الذين سمُّوا زورًا بـ"رجال الأعمال".
يا سادة.. الإخوان منهجهم لا تحالف مع السلطة ضد الشعب، منهج ينحاز إلى الشعب في اختياراته ومواقفه ومطالبه، منهج متدرج وسطي معتدل، يبغي الصلاح والإصلاح، ويحارب الفساد والاستبداد، ويعلي قيم العدل والحرية والمساواة.
فهل من المقبول والمنطقي أن يضحِّي الإخوان بالقبول الشعبي والمصداقية التي دفعوا ثمنها على أعواد المشانق وفي المعتقلات حتى يزوروا المخلوع، الإخوان أول من ينادي بمحاكمة كل مجرم أجرم في حقِّ الشعب، ولا يملك فصيل أن يجعل مجرمًا أو مؤسسة تفلت من العقاب.
أقول للإخوان: لا تحزنوا؛ فقد تعودنا على ذلك، ولن تتأثر شعبيتنا، فشعبية الإخوان صنعتها المواقف لا الأقاويل، صنعتها التضحيات لا الكلمات.
قديمًا قالوا في السيدة عائشة "حديث الإفك" زوجة رسول الله صلى الله عليه وسلم وابنة الصديق أبي بكر، وسوف يظل مروِّجو الأكاذيب وأحاديث الإفك دومًا إلى أن يلفظهم الشعب والمجتمع، وإن غدًا لناظره لقريب.
ومقال
م. علي عبد الفتاح
التعليقات (0)