مواضيع اليوم

أثق بالشبـــــــاب

جمعة الشاوش

2011-10-19 14:07:47

0

تجاوزتُ سنَّ ربيعِ العُمرِ بكثيرِ في الوقت الذي أصبحتُ فيه أكثر انحيازا وحماسة وثقة في الشباب،الشباب الذي صنع "الرّبيع العربي"...
كنتُ أعيش ذات الربيع حلما بديعا لمّا باغتني واقعا ينبض بالحياة في وطني تونس حيث فاحت رائحة ياسمينه لتعْبَقَ بها أرجاء الوطن العربي فتوّة وإرادة تغيير معطاءة...
ما استطاعت تجاربُ الحياة وخبرة السنين أن تسْعفني بتَمَثـُّل الحلم يتحوّل إلى حقيقة ماثلة تبوح بها أحداثها المنتزعة للإعجاب إبهارا والتي نسج خيوطها بعزم ومهارة أبنائي...أبنائي الشباب
إنّه الشباب العربي يصنع ربيعه...
ربيعُ العمر يصنع ربيعَ الشعوب في الوقت الذي كان فيه الشيوخ منكفئون على "خريفهم" يتعاطوْنه حصادَ تجربةِ عذابٍ لهزيمةٍ عنوانها التّسكُّعُ على هامش الحضارة الحديثة،والتيهُ في غَيَاهبِ الأمجاد الغابرة...
بلى،فللشيوخ تاريخ حافل بالمقاومة والنضال والتضحية يشهد عليه ربيع عمرهم،يشهد عليه استمرارُ نبض الحياة في عروقهم،يشهد عليه صبرهم وصمودهم وأحلامهم،يشهد عليه تناسلهم وإنجابهم لشباب "الربيع العربي" ...
بذلوا النّفْس والنّفيس احتجاجا على الهوان العربي ومناشدة للكرامة المفقودة،غير أنّ الحصاد كان اجترارا لأحلامهم الجميلة يقتاتون  أملا في غد لا يخذلهم ومعاناة لحاضر رديء عصيٍّ عن التغيير...
رصيدُ الشيوخ خبرة وتجربة وحكمة وعٍبَرٌ صنعتها ندُوب السنين ومرارة الهزيمة...هل لِذَاتِ رصيدٍ أن يُؤْتَمَن على "الرّبيع العربي" ،ربيع الشباب ؟...
لا أنصحُ الشبابَ بأن يُلقوا بالأجيال التي سبقتهم في البحر أو في مزبلة التاريخ لحصادها الذي كان هزيلا وقصورها عن فعل ما كان يُعَدّ مستحيلا،فتلك أجيالٌ كان يُداعبها ذات الحلم الذي حقّقه أبناؤها وفعلت ما استطاعت فلم يُحالفها التوفيق أو لعلّها مهّدت،من حيث لا تدري، لقدوم الربيع...
لكنّي أدعو الشيوخ إلى تقدير عطاء أبنائهم تقديرا لا يكتفي بالثناء على جرأتهم واندفاعهم وذكائهم بل يستحثّهم على استكمال قيادتهم للثورة التي لولاهم ما كان لقوس قزحٍ أن يرسم خيوطه الزاهية في سماء عربية ظلت بلا أفق...
أليس من المثير حقا أن يتسلّم الشيوخ مشعل قيادة الثورات العربية من الشباب بتعلّة أنّ هذا الأخير يفتقر إلى التجربة والخبرة والحنكة والدربة السياسية التي يمتلكها الآباء الزعماء ؟..
أليس من الغريب أن يرضى الشباب الذي صنع "الربيع العربي" بلعب دور المراقب أو الفاعل خارج دائرة القرار في منعرج تاريخي تشكّلت مفاعيله بإرادة منه ؟...
الأدهى والأمرُّ أنّه يُروَّجُ بالقول أنّ هذا الشباب العربي الذي أطاح بحكّامه الطغاة هو غير مكترث باحتلال المواقع القيادية لتحقيق أهدافه التي حدّدها بوضوح قطعا مع الاستبداد والحيف والدكتاتورية،وهو غير مُتَحمّس للانخراط الفعلي في تجسيم مشروعه الحضاري ديمقراطية وكرامة وعدلا...
يقولون:"في الشباب قوّة وفي المَشيب حكمة" والمرحلة الانتقالية تحتاج إلى حكمة لا إلى قوّة،يقولون:"السلطة زينة الشيخوخة" والشباب ليس بحاجة إلى زينة لذلك لا يحتاج إلى سلطة...
يقولون إنه من مؤشرات عدم شعور الشباب بالمسؤولية عزوفه عن التسجيل بالقائمات الانتخابية - بالقدر الكافي- لممارسة حقّه في أول انتخابات نزيهة تشهدها تونس ويتحدّد من خلالها مستقبل الشباب والبلاد،بل سائر أقطار الوطن العربي.من ذلك أنّ دراسة اجتماعية بعنوان "انتخابات المجلس التأسيسي في عيون الشباب" أعدها "المرصد الوطني للشباب" كشفت عن أن 25,5 بالمائة من الشبان الذين شملتهم الدراسة لم يسجلوا أسماءهم للانتخابات لـ"عدم اقتناعهم بالعملية الانتخابية" ،وبسبب"عدم المعرفة اللازمة بالأحزاب" و إلى "عدم الاهتمام بالسياسة"...  هذه الدراسة تفيد أنّ 22 بالمائة فقط من الشباب منخرطون في أحزاب سياسية، جلّهم من مستويات تعليمية "متوسطة"...
الاسترسال في الاستنجاد بأدلّة توحي بتنكر الشباب لثورته متاح في الكثير مما يُروَّج له بمكر ودهاء للانتهاء إلى خلاصة تقول:للشباب دور مفصلي في إشعال فتيل الثورات العربية،إلا أنّ فعله التاريخي في مشهد بناء المستقبل متواضع...
أيُّ مستقبل يُبْنى بلا حماسة الشباب واندفاعه؟..
ترى مَنْ يتآمر على الشباب العربي الذي أبهر العالم بالتأسيس لنمط مبتكر من الثورات لا تقودها زعامات كارزماتيّة وتحذق فنون المباغتة وتستعمل من الوسائل ما غدا يُصطَلح عليه بـ"السلاح الناعم" المُعْتَمَدِ،أساسا،على الوسائط التكنولوجية الحديثة التي لا تستوجب سوى حذق الإبحار في العالم الافتراضي واعتماده لتأسيس شبكات تواصل فاعلة تزلزل الواقع العربي المُعيب ؟..
قد يكون "خطأ الشباب أنهم يرون أنّ الذّكاء يُغني عن التجارب" غير أنّ "خطأ الشيوخ أنهم يرون أنّ التجارب تغني عن الذكاء"...
ولأنّ قدر تونس يرشحها ليستمرّ الاهتمام العالمي بها باعتبارها "مخبرا" لمصير الثورات العربية،فإنّ على شعبها أن يُراهن على شبابه طاقةَ إبداعٍ وعطاءٍ سخيّة لا تنضب لنحت مستقبل واعد نراه في بريق تلمع به عيون الشباب حيث لا غيره قادر على ضرب موعد مع التاريخ شموخا وأمجادا...
استعداد الشباب للاضطلاع بأعباء المسؤولية التاريخية تفصح عنه نسب ترشحه المرتفعة والمشجّعة لعضوية "المجلس الوطني التأسيسي"...ألا يكون من البرّ بالأبناء الذين أخلّصوا للآباء وخلّصوهم من هوانهم أن يمنحهم الشعب ثقته؟...
قائمات المرشحين للمجلس التأسيسي تعجّ بالكفاءات الشابة المقتدرة علما وذكاء وانخراطا في العصر وجرأة وعزما على التغيير،فهل يجوز أن نخذلها لصالح شيوخ السياسة وربما...الخساسة؟..
لئن كان من المفهوم الاستنارة بخبرة الشيوخ ليتأثث بها مشهد الانتقال الديمقراطي،فإنّه من غير المعقول،إطلاقا،أن تُنجِز الشعوب العربية الإصلاح المنشود والتحوّل المحمود والإبداع الحضاري المستشرف للمستقبل بغير حضور الشباب بكثافة في موقع صنع القرار ومشاركته الفاعلة والنشيطة في صياغة قدره بإرادته الحرّة...

إنّ الغد للشباب فكيف لا يكون شريكا في صنعه؟..
تُرى هل يفي "المجلس الوطني التأسيسي" بوعود "الربيع العربي" فيقوم على "ربيع العمر" الذي أطاح بأعتى الدكتاتوريات في العالم ؟..

 




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !