مواضيع اليوم

أثر الإستبداد على الفرد والمجتمع:

mohamed benamor

2010-09-15 21:02:22

0

II – أثر الإستبداد على الفرد والمجتمع:
1-إنحراف الغرائز:
أكد لنا الكواكبي إلى حدّ الآن أن الإستبداد يبسط نفوذه المقيت على النفوس فيملؤها خوفا ورهبة، ويهيمن على العقول فتغشيها الضلالات والجهالات حتى تمسي في ظلمة حالكة مدلهمة..‘وسنحاول فيما يلي ترصد أثر كل ذلك على الفرد و المجتمع.

تتولد عن ظاهرة الإستبداد أمراض عديدة و مدمرة، وهي على كثرتها شديدة الفتك بالفرد و بالمجتمع عميقة الأثر في انحطاطه، والسير به نحو الضعف والتهلهل، مما يجعله في نهاية المطاف مرشحا للوقوع في براثن الإستعمار الخارجي خضوعا لسنن الكون و الإنسان والحياة.
فعندما تنتشر العلاقات الإستبدادية الظالمة في المجتمع وتمنع الذات من تفجير فعاليتها الإجتماعية وصناعة الواقع التاريخي، فإنها تنفجر غرائزها وتتفتح الشهوة بدون أن تعرف حدودا أو إمكانية للإشباع أو الإرتواء، فالإنسان الذي يعيش وسط جحيم الخوف و الإرهاب والجهل وانتشار العلاقات الإنتهازية الظالمة ينكفئ على ذاته، ويضيع حزمه ويفقد مقدرته وثقته بنفسه، فتتقلص تبعا لذلك اهتماماته العلمية والروحية، وتتعطل طاقاته الإبداعية، وتقتل حوافزه وطموحاته، وتطغى على نفسه اللامبالاة، ومن ثم يتسع اغترابه _ كل يوم _ عن ذاته و مجتمعه .. وهذا ما يجعل أسير الإستبداد يعيش "خاملا خامدا ضائع القصد، حائرا لا يدري كيف يميت ساعاته وأوقاته، ويدرج أيامه وأعوامه كأنه حريص على بلوغ أجله ليستتر تحت التراب".
إن تقلص اهتمامات الإنسان وفعاليته الإجتماعية يقابلها اهتمام متزايد بشهوات البطن والجنس، وبذلك يصبح المأكل والمشرب والزينة المبالغة فيها والجنس المحموم وتزجية الوقت في اللهو والعبث.. شغل الإنسان الشاغل. وتتولد لديه رغبة شهوانية جامحة لا تعرف الشبع أو الإرتواء .. بل إن الحياة الجنسية ذاتها تصبح "تعاش كأحد مجالات التسلط وساحة من ساحات القهر و الإستبداد.. فيحاول الرجل أن يؤكد فحولته بكثرة اتصالاته الجنسية وتكرار الجماع في اليوم الواحد" وكأن ليس له وظيفة في الحياة سوى " مشاركة الوحوش الضارية في جعلها بطونها مقابر للحيوانات ومزابل للنباتات، واستفراغ الشهوة حتى لكأن جسمه خلق دملا على أديم الأرض وظيفته توليد الصديد ودفعه".
وهكذا تغيب الفكرة، ويعلو الصنم، صنم البطن والجنس وعبادة الذات..!. إنه تصوير رائع وجميل، لأنه يكشف لنا سبب العطالة التي يعيشها أبناء الدول المتخلفة اليوم/ دول العالم الثالث وكل دول العالم الإسلامي .!! ويبرز لنا سببا هاما من أسباب عدم قدرة هذه الدول على تحقيق اكتفائها الذاتي حتى في الحاجات الضرورية كالمواد الغذائية وهو ما ينطبق على المجتمع العربي الذي لا يزال يعتمد على الغرب من الإبرة إلى الصاروخ...‘ فيذهب محمد الغزالي إلى القول بأننا لو قلنا لكل شيء ارجع مكانك لبقينا حفاة عراة...!؟ إن العرب لا يزالون يستهلكون أكثر مما ينتجون رغم امتلاكهم لأحسن الأراضي الفلاحية في العالم..! بالإضافة إلى مواردهم المتنوعة الهائلة كالنفط و الغاز والحديد والمناجم الكثيرة التي تنتج مختلف المواد الأولية وطاقاتهم البشرية المتعددة... ولا خير في مجتمع يموت من الفقر أفراده ويعتمد في بقائه على ما يأتيه من وراء البحار..!!؟
إن غياب الفكرة عن أمة ما، يسهل استبلاهها، وتوجيه اهتمامات أفرادها إلى توافه الأمور: كمواكبة أحدث أنواع التقليعات في المأكل والملبس والزينة وتسقط أخبار الفنانين ولاعبي كرة القدم..!، لأن انغلاق السبل أمام إفراغ طاقات الإنسان فيما يفيد، تجعله يفرغ هذه الطاقات فيما لا يفيد، ولهذا السبب تكثر بين أفراد المجتمعات المتعطلة والمتخلفة الأحقاد التي يحملون، والمكائد التي يضمرون والقيل والقال، التي يتقنون.. و الأمراض المزمنة التي يعانون.. فأينما تولى وجهك، تجد حقدا دفينا توشك أن تتقد ناره، ومكائد تحاك ضد هذا وذاك..وإذا نشط أحد ليعبر عن ذاته ويبدع في ميدانه.. لاحقته الإشاعات وهدته الإنتقادات، وفي مثل هذا المجتمع يسهل تمرير سياسة الإستبداد والفقر والظلم و حكم الطواغيت المتألهين.!!؟ فإذا ما أراد المستبد خوض حرب اقتضاها عناده واستكباره ومصالحه وغروره يغرر بالأمة تحت اسم منفعتها، ويوهمها انه يريد نصرة الدين وصيانة شوكة الشعب وقوته..! ويسرف بالملايين في ملذاته وملذات صنائعه باسم حفظ شرف الأمة وأبهة حاكمها. فالحاكم المستبد تسره غفلة الشعب لأنه يتمكن بغفلتهم من الصولة عليهم و استغلالهم والتنكيل بأعداء إستبداده وظلمه..!
2-الإستبداد الإجتماعي:
إن غياب الفكرة عن الإنسان وخضوعه لهيمنة رغبات البطن والجنس والعادات الفاسدة تخلق منه إنسانا شريرا، يجنح إلى الجريمة والنهب وينتهج كافة السبل ويستعمل كل الوسائل الممكنة لإشباع حاجياته العضوية ورغبته الجنسية الضاغطة عليه والتي لا تعرف الشبع أو الإرتواء أبدا. وتنقلب مفاهيم العدالة في ذهنه رأسا على عقب، فالمجتمع الذي يحكمه الإستبداد السياسي ينتهي به الأمر إلى تطبع غالبية العلاقات التي تتم داخله بطابع التسلط والقهر وإن الإنسان المقهور الذي يشعر بالعجز إزاء قاهره لا يمكن له أن يحس إلا بتبخيس الذات وتحقيرها، ولن يسترجع بعضا من توازنه النفسي إلا بالثأر لذاته المهانة بالإستعلاء على طرف آخر اضعف منه لأن الإنسان المقهور ينتهي باستبطان صورة قاهره وهو ما يجعل "الحكومة المستبدة مستبدة في كل فروعها، من المستبد الأعظم إلى الشرطي إلى الفراش إلى كناس الشوارع".!؟
يسعى الإستبداد السياسي إلى تقسيم الأمة شيعا.. متبعا ديدن الطغاة والمستكبرين على مرّ التاريخ وهو سياسة "فرق تسد".
كما يعمد المستبد إلى تقسيم ثروات البلاد بطريقة جائرة، لينقسم المجتمع بدوره إلى "طبقتين" متناقضتين في مصالحهما، متحاربتين، طبقة تعاني ويلات الفقر والحرمان، تنتج ولا تستثمر وهي عادة تتكون من أولئك الكادحين في ميادين الصناعة والزراعة، فهذه الطبقة هي التي يسلط عليها ظلم الإستبداد واستغلاله .. وهي رغم قيامها بالعمل الشاق والمنتج في المجتمع إلا أنها لا تتمتع بثمار سواعدها.
وتقابل هذه الطبقة المكدودة المستغلة طبقة المستكرشين و المستكبرين وهي تمثل "القسم المضر" حسب تعبير الكواكبي.. وتظم هذه الطبقة رجال السياسة والأديان ونساء المدن... وهؤلاء هم المستمتعون الحقيقيون بثروات الأمة وخيراتها، وينفردون بحظ عظيم من مال الدولة و عطاياها.. رغم أن عددهم لا يتجاوز الواحد في المائة (1%). أنه لعجب كبير أن يستوعب الكواكبي بهذا الشكل المعمق النظرية الماركسية رغم ثقافته التقليدية وعدم تمكنه من لغة أجنبية تتيح له إطلاعا مباشرا على ما كتب حول هذا الموضوع.. بالإضافة إلى انتمائه الطبقي إلى عائلة الأشراف، الذي كان من المفترض أن يحجب عنه مثل هذه الحقائق حتى لو اطلع فعلا على المؤلفات الماركسية مترجمة ومعلقا عليها. لقد لفت ماركس انتباه الناس إلى كون العامل رغم قيامه بالعمل والإنتاج إلا أنه لا يتمتع بنتاج سواعده، حيث أصبحت الطبقة البرجوازية الرأسمالية (يعبر الكواكبي عن ذلك بلفظ الإستبداد المالي) هي المالكة بل المغتصبة لما ينبغي أن يكون ملكا للعمال من مصادر الإنتاج. ثم لا يتردد الكواكبي في الكشف عن سيرة آل عثمان مع بعض الوصوليين من أتباعهم، فقد أطلق السلطان العثماني ويقصد عبد الحميد أيدي هؤلاء الإنتهازيين المتقربين من بابه في تحصيل الثروة بالسرقة من بيت المال "وبالتعدي على الحقوق العامة وبغصب ما في أيدي الضعفاء" كما سهل لهم "الإتجار بالدين" والتعامل بالرّبا وبناء الملاهي والحانات، واستغلال أفراد الأمة... كما خصص المال الكثير لترف المستبد نفسه وسرفه. وتغدق الدولة المال والجاه على صنائعها من الجواسيس والمتمجدين وكل الذين يستخدمون في تحصيل شهواتها، ومن يعينها على طغيانها من المتملقين و"رجال الدين" أمثال أبي الهدى الصيادي عدو الكواكبي اللدود..! ويعيش سائر أفراد الشعب في بؤس وشقاء و فقر مدقع.!!؟
إن هذه التفرقة بين أفراد المجتمع والقسمة الضيزى لثروة الأمة بين مختلف فئاته تولد في النفوس الإحن والعداوات فيكثر المكر والكيد بين الناس ويسود جو من الصراع والتقاتل – وهو ما يسعى المستبدون دوما لتكريسه لتفريق الأمة إلى فرق و شيع متناحرة- ، وما كان ليحدث هذا التطاحن والصراع إلا بسبب من اجتماع الثروة لهذه القلة المستغلة المسرفة والتي قسمت الناس إلى عبيد وسادة. فهذه القلة المالكة المتحكمة التي تسمي نفسها "الأصلاء" تعتبر "جرثومة البلاء" في مجتمع الإستبداد لأنها رباط من ربائط القهر والطغيان، وهي تمثل عونا للمستبد على البقاء والإستمرار والهيمنة و الإجرام.
فالإستبداد الإجتماعي محمي بقلاع الإستبداد السياسي، لأن انقسام المجتمع على نفسه وتشرذمه وانتشار الأحقاد بين أفراده هو ما يسعى الظالمون إلى تكريسه وحمايته وتوفير كافة الأسباب لتواصله واستمراره واتساع أفقه، لأن ذلك هو الضامن الوحيد لبقاء المستبد و أعوانه في سدة الحكم وخنوع الرعية للظلم والإستغلال و الإستغفال.
وهذا الواقع المرير الذي يعيش في ظله الناس ويتنسمون روائحه الكريهة،يولد في النفوس:الإحن والقلق والنقمة على كل شيء ويساعد على التظالم بين الوالد وولده والجار وجاره، والمرأة وزوجها حتى يعم البغي الإجتماعي والتظالم كافة أفراد المجتمع.
إن الحكومة المستبدة تقتل في النفوس العزة الحقيقية بالمفاخرة بالأعمال النافعة، وتخلق نوعا من السيادة الكاذبة و كثرة المتملقين، لأن هذه النفوس لم يعد يهمها المجد الحقيقي باستجلاب محبة الناس، وإنما يهمها التمجد والقربى من ذوي السلطان.. وفي مثل هذا المجتمع تفتقد علاقة المحبة والمودة بين الناس و تكثر ضغائنهم، وتنحرف ميولاتهم الطبيعية، حتى يغدو الواحد لا يحب قومه لأنهم عون الإستبداد عليه، ولا يحب وطنه لأنه يشقى فيه ويود لو هاجر منه.. إذ على رأي فولتير:" في ظل ملك صالح يكون للإنسان وطن. ولكنه في ظل ملك شرير لا وطن له" كما تضعف محبة الإنسان لأسرته لأنه ليس سعيدا فيها. ولا يركن إلى صديقه لأنه قد يأتي يوم يكون عونا للظلم والباطل ومصدر شر له. و لا تحب المرأة زوجها لأنه متطبع بالإستبداد و الإجرام مثله مثل رئيسه المستبد إلاهه المعبود ..؟!!
وهكذا يصل المجتمع إلى حالة من التنافر والإضطراب، فتمرض العقول ويختل الشعور، ويفتقد الناس إلى معايير التمييز بين الخير والشر في كل ما ليس من ضروريات حياتهم الحيوانية والبيولوجية. ويصبح باسهم بينهم شديد ، ويعيشون بالتغالب والتحايل لا بالتعاون و التبادل ويسقطون بالتالي في مستنقع التخلف والإنحطاط.

3- الفوضى وانحطاط الأخلاق:
تنقسم الخصال حسب الكواكبي إلى "الحسنة الطبيعية، والشرعية و الإعتيادية" لكن كل هذه الأقسام تشتبك وتشترك ويؤثر بعضها في بعض ويكون مجموعها تحت تأثير الألفة.
ومادامت العلاقات التي تحكم المجتمع فاسدة فلا يمكن للإنسان الذي يعيش في ظلها إلا أن يتطبع بأخلاق رديئة انبثقت مباشرة عن علاقات الظلم والقهر والفساد التي يرزح تحتها المجتمع ويعيش تحت كلاكلها ومن ثم تصبح خُلة فيه.
لا تكون الأخلاق أخلاقا ما لم تكن مبنية على قانون ونظام، والمستبد يقلقه أن تنتظم حياة الأفراد ويسير الناس وفق نظام ضابط واضح وجلي و معايير معلومة و بينة، لأن انتظام الحياة يسهل على الناس التمييز بين الغث والسمين، وبين الخبيث والطيب. لذلك فالمستبد في حرص شديد أن تكون المعيشة في إدارته ويكون النماء فيها يشبه نماء الأشجار الطبيعية في الغابات وأن يترك الأمر للصدفة تعوج أو تستقيم تثمر أو تعقم.
إن مصلحة المستبد والكيفية التي ينظر بها إلى الأشياء تقتضي أن يكون كالحطاب الذي إن وجد أشجارا رائعة وثمارا يانعة وأزهارا ناعمة مغروسة في انتظام وروعة، أفسدها بالقطف وخربها بغية إرضاء شهوته وتحقيق ما يراه نافعا له وحده. ألم يقل "منتسكيو" : أن طبيعة الحكومة الإستبدادية تشبه متوحشي "لويزيانا". فعندما يريدون قطف الثمار يقطعون الشجرة من أصلها..! وبالتالي فإن مقام المستبد بإزاء الأخلاق كمقام الحطاب الجاهل الذي لا يرجى منه خير مطلقا، فهو مخرب مفسد.. ويزداد شرّه قسوة إذا كان غريبا (تركيا في مقام الحال) عن ديار العرب ولم يخلق من تربتهم.!؟
وهذه الفوضى السياسية تجعل الفرد لا نظام في حياته ما دامت كل القوى التي لها تأثير وسلطان على المجتمع تدفعه بطريقة أو بأخرى أن يعيش في فوضى، مشوش البال بحيث تنحصر كل اهتماماته في حفظ حياته الحيوانية حياة "الدناءة" – حسب تعبير الكواكبي- ويعيش محروما من الملذات الروحية والفكرية التي ترتقي به إلى مصاف الإنسانية الحقة..! قد يوجد في هذا المجتمع بعض الأخيار الذين استطاعوا تزكية نفوسهم من وباء المجتمع ومقاومة التيار الجارف للفساد، لكن الإدارة المتعسفة ترغمهم على إلفة الرياء والنفاق بصورة ظاهرة أو خفية لأنها تعين الأشرار على باطلهم آمنين حتى من الإنتقاد والفضيحة ‘ فلا يجرؤ أحد على التشهير بهم أو تقديمهم إلى "العدالة" وهل هناك عدالة في ظل حكومة المستبدين!؟ بالإضافة إلى خوف الناس من تبعة قول الحق وما يجره عليهم من ويلات..!!؟؟
فالأمة الواقعة تحت حكم الإطلاق تفتقد في الغالب الأعم إلى المربين الصادقين ذوي الخبرة والمعرفة الصحيحة فقلّ أن يوجد بها "من يعلم التربية أو يعلمها".. فالقلة التي تتصدر "الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر" هم على الأكثر من رجال السلطان أو من أولئك المتملقين المرائين الذين لا خلاق لهم.! وهؤلاء ينحصر موضوع نهيهم في الرذائل النفسية فقط دون غيرها من الرذائل السياسية و الإجتماعية و الإقتصادية.. مما لا يفيد الأمة في شيء. لأن المجتمع في واقعه ليس مجرد مجموع أفراده فهو حقيقة قائمة بذاتها، وله قوانينه الصارمة ومطالبه ومقتضياته الخاصة التي تزيد عن كونها حاصل جمع آلي لاتجاهات الأفراد المكونين له.
لقد فطن الكواكبي إلى هذه الحقيقة الإجتماعية و العلمية الهامة. وكان فيها سابقا لعصره، وهذا ما دفعه إلى خوض حرب لا هوادة فيها ضد أولئك الذين كانوا يعتقدون أن المجتمع ليس إلا مجموع أفراده، وإن إصلاح الأفراد معناه إصلاح المجتمع. إن إمكانية تغيير المجتمع بالتركيز على إصلاح أخلاق الفرد وهو لا يزال يعيش في ظل علاقات الإستبداد مستحيلة وغير عملية، لأن المجتمع تحكمه علاقات سياسية واجتماعية، وتربط بين أفراده أفكار ومشاعر وأنظمة وقوانين موحدة، فإذا ما أريد تغيير أي مجتمع فلا بد من تغيير هذه العلاقات الفاسدة التي تحكمه وعلى رأسها النظام السياسي وطرق توزيع الثروة أي تغيير كل القوانين التي تسير دواليب الدولة : وهو ما يجعل من الإعتناء بالتربية زمن الإستبداد حمق وبلاهة وجهل لطبيعة الإصلاح والتغيير و حقيقته.!
فالأجدى بالإنسان الساعي بصدق إلى تغيير حقيقي وانقلابي/ثوري أن يجتهد أولا في إزالة الإستبداد وتغيير العلاقات والأفكار التي تحكم المجتمع الذي يعيش طور الإنحطاط بأفكار أخرى تقدمية.. تحمل بذور النهضة والرقي و التغيير الحقيقي، عندها فقط يصبح الإعتناء بالتربية مثمرا، لأن التربة حينئذ تصبح مهيأة لتقبل الغرس الطيب..أنه لمن العبث أن يفكر إنسان في تربية الناس وهم يعيشون وسط انخرام علاقات المجتمع السياسية والإجتماعية و الإقتصادية لأن كل ما يمكن أن تبنيه التربية في أعوام يهدمه الإستبداد في ساعات. إذ بمجرد أن يختلط المرء ببني جنسه ويشارك المجتمع الحياة العامة يصطدم بفساد علاقاته وانخرامها كاستشراء الرشوة والوصولية والتمجد والإستغلال و الفساد، فإذا صمد قليلا فإنه لا يمكنه أن يصمد طويلا، فينخرط بدوره في حركة المجتمع ويخضع لقوانينه وأخلاقه الفاسدة وينسى تلك الأخلاق السامية التي نُشئ عليها منذ كان طفلا، وهكذا يضيع مجهود سنوات بمجرد اختلاط الإنسان بمحيطه و بمجتمعه.
III- شروط بقاء الإستبداد و ركائزه:
1- الإرهاب:
جاء في تمفصلات تحليلنا السابقة أن سبب الإستبداد المباشر: الخوف الذي يهيمن على نفوس أفراد الشعب. فالخوف بمثابة الوحش الكاسر الذي يخضع الرعية لسلطان المستبد وزبانيته ويجعلهم قاصرين و عاجزين عن الحركة والوقوف في وجه الظلم المسلط عليهم وتخليص ذواتهم من الإستبداد. فهو روح المستبد وعدته والأرض الصلبة التي يقف عليها، يعرف المستبد أنه لولا استشراء الخوف بين الناس ما دام له سلطان، ولا امتد له نفوذ، لذا فهو في سعي دائب لتربية هذا الوحش الكاسر وإطالة أظافره ورعايته بكل الوسائل المستحدثة حتى يتمكن من بسط هيمنته على كافة أفراد المجتمع.
لا يعدم الطغاة وسيلة يرونها تكرس الخوف منهم وهيبتهم وتنشر الرعب إلا ويستعملونها للضغط على النفوس والأرواح والأجساد. فهم ما فتئوا منذ أقدم العصور يبتكرون الحيل ويطورون وسائل الإرهاب للضغط على العقول حتى يكمموا الأفواه عن الشكاية والضجيج، ويحكموا من قبضتهم على رقاب الناس حتى تضمن لهم القوة والإستمرار في الحكم.
فالإستبداد ليس مجرد رغبة وشهوة شخصية، ولا حتى غفلة جماهيرية فحسب وإنما هناك شروط وركائز يعتمدها الظالمون للحفاظ على عروشهم وحماية مصالحهم من كل ما من شانه أن يهدد سلطانهم بالزوال، ويمكن حصرها في ست(6) ركائز أساسية تتصدرها عملية الإرهاب نفسها، فالمستبد يعتمد عادة على أجهزة مختصة لإرهاب الناس وتخويفهم وقهرهم وإذلالهم، مثل أجهزة البوليس والجواسيس والعملاء وغيرهم... فكلما كان الطاغية حريصا على العسف والخسف والتنكيل بالأحرار احتاج إلى زيادة جيش هؤلاء ممن لا خلاق لهم ولا ذمة، فهذه الشرذمة التي يعتمدها المستبد للإرهاب والتنكيل هي من أقسى الناس قلوبا وأحطهم أخلاقا وأقلهم مروءة، فالأسافل لا يميلون لغير اللأسافل من المتملقين و المنافقين مثل صاحبهم المستبد الأكبر، ومهمة هؤلاء الأوغاد: إخضاع الناس بالقوة وتذليلهم حتى يصبحوا منهم ومن السائرين في ركبهم، ومراقبة كل معارض لحكم القهر والجبروت..! والتجسس على الناس في ديارهم وإثارة القلاقل والفتن ونشر الفساد، وتكميم الأفواه حتى لا تنبس ببنت شفة، وتحطيم أصحاب الأقلام الحرة، ودفع الناس إلى أن يعيشوا عيشة البهائم..!!؟

إن الغاية من تكثيف أجهزة الإرهاب هي إذلال الناس وتحطيم حياتهم و معنوياتهم.. وجعلهم طائعين مستسلمين لا يرجى منهم خير أو صلاح، وكيف يرجى الصلاح من أناس يعيشون تحت الإرهاب ليل نهار فتكثر هواجسهم حتى يعتقدوا أن داخل رؤوسهم جواسيس عليهم، وبذلك يصبح أسراء الإستبداد يعيشون داخل سجون وهمية صورتها لهم نفوسهم المريضة وهواجسهم الكثيرة.

2-القوة المسلحة:
إن القوة المسلحة والجيش الذي أنيط بعهدته – في الأصل- مهمة حماية ثغور الأمة من الأعداء المتربصين، ينقلب في عهد الإستبداد إلى قوة معادية لمصالح الأمة، تخدم المستبد وتكرس الإرهاب وتوجه طاقاتها لإثارة الفتن والقلاقل الداخلية وتصبح درعا تحمي المستبد وأعوانه وقت الشدة وتحول بين الأمة واقتصاصها من الطغاة.
فعهد الظلم يقلب حقائق الأشياء ومهماتها البديهية وينحرف بأدوارها في سبيل حماية المصالح المعادية لمصالح الأمة.إن الجهاز العسكري الذي كونته الأمة وصرفت عليه الأموال الطائلة لنشر الأمن والإستقرار بين الناس وحمايتها من تسلط الأعداء.. يصبح وقت الإستبداد جهازا مختصا في نشر الرعب وترويع الآمنين ومن ثم يسير بالأمة نحو التآكل الداخلي والإندحار.!؟

3- القوة المالية:
كما تعتمد إدارة الطغيان على الرجعية الداخلية التي تحتكر الثروات، فهؤلاء بفضل الثروة الطائلة التي اغتصبوها من عرق جبين الأمة ظلما واعتسافا يكثرون من إظهار الأبهة والعظمة وإنشاء الأماكن الخاصة بهم وحدهم لمتعتهم وسمرهم ويستكبرون على الناس بأموالهم وسلطانهم. ويطلق المستبد أيدي هؤلاء في ظلم الناس وإذلالهم وغصب حقوقهم وأكل أرزاقهم حتى تنكسر شوكتهم ويكثر أنينهم وتستفحل أسقامهم، فيعجزون ضرورة عن مقاومة الإستغلال والظلم المسلط عليهم... يدرك المستبد أهمية أهل الثروات في مساعدته على إذلال الرعية وإخضاعها واسترهاب أعين الناس وسحر عقولهم بما يصبغونه على أنفسهم من مظاهر الأبهة والإستغلال فيعطيهم الألقاب والرتب وشيئا من النفوذ والتسلط على الناس. ويذللهم بالترف حتى يجعلهم يترامون بين رجليه ثم يتخذهم لجاما لتذليل الرعية لأنّ الكل يجب أن يكون في خدمة السلطان، فهو "الرب" وهم "العبيد" ولا يمكن أن يترك أحدا يعلو على مقامه ولذلك يعمد في كثير من الأحيان إلى نشر الفساد بينهم وإلهائهم بملذات الحياة ونعيمها لإبعادهم بذلك عن أي انخراط مع أحرار الأمة في مقاومة الظلم أو الإتفاق عليه أو الإنقلاب ضدّه.

4- العادة والألفة:
تقتل العادة والألفة التفكير وتحيل ذهن المرء على التقاعد المبكر، لأن العادة – وهي أخطر فتكا من كل داء- تجعل الناس يستنيمون للظلم ويستكينون له ويألفون القسوة والركود لا يحركهم ظلم أو طغيان ولا يغضبون لانتهاك الحرمات ولا يحرجهم التعدي على الأعراض، قد فقدوا الرجولة والشهامة وأصبح الألف منهم كأف مما يحولهم في ذهن المستبد وزبانيته إلى مجرد "أشباح فيها أرواح" فيصبح ما لهم فيئا ينتهب وشرفهم – إن كان لهم شرف أصلا- مهانا وكرامتهم في التراب، فالمستعبد الذي يعيش في ظل الإستبداد السياسي لا يملك مالا غير معرض للسلب ولا شرفا غير معرض للإهانة ولا يملك آمالا مستقبلية وتقتصر حياته على الملذات الحيوانية لأنه لا يعرف غيرها.
تنحط الألفة بالإدراك وتسهل انخداع الناس بالمظاهر الكاذبة التي يتفنن المستبد وأعوانه في إبرازها للإرهاب والتخويف، فتسيطر الأوهام على الأذهان ويسهل انصياع الناس للأكاذيب والأراجيف "انصياع الغنم بين أيدي الذئاب" فيصيرون إلى حتفهم ويهلكون أنفسهم بأيديهم وأيدي الطغاة و زبانيتهم..!!؟

5- القوة الخارجية " الإستعمار":
الإستعمار هو العمل، أو مجموعة الأعمال التي من شأنها السيطرة أو بسط النفوذ بواسطة الدولة، أو جماعة من الناس، على مساحة من الأرض لم تكن تابعة لهم، أو على سكان تلك الأرض أو على الأرض والسكان في آن واحد. هذا هو المفهوم الظاهر الذي اصطلح عليه الناس للإستعمار، أما ما نقصده هنا فيتمثل في مناصرة المستبد ومد يد العون له من قبل الدول الخارجية، فلقد كان الإنفراد بالسلطة والإستبداد بأمر الأمة ثغرة حرص الغرب الإستعماري على بقائها حتى تظل فرصته سانحة لإغتصاب استقلال البلاد. لأن الإستعمار يتفق مع إستبداد الأتراك بالعرب بكونه يمثل أسوأ مظاهر الإستغلال والإستعباد والتخريب والتدمير، فالشعب المالك يتمتع بحريته ويسير وفق إرادته، والمملوك مسير لا مخير، وليس له من الإرادة في تصريف أمره وتكييف مجرى حياته إلا بمقدار ما يسمح به سيده المالك المهيمن.
وهكذا تلتقي دائما مصالح الإستعمار والمستبدين و تتحد.. وعوا بذلك أو لم يعوا..! إذ يكفي الحاكم المستبد جرما في حق أمته أن يهيئ النفوس للظلم ويفقدها الحصانة على المقاومة. والثابت أن الإستعمار الغربي ما دخل ديار العرب والمسلمين إلا لما فقدت هذه الأخيرة حصانتها الداخلية و صارت لها قابلية الإستعمار بفضل عصور الإستبداد والإنحطاط وانفراد المستبدين /المتألهين في ديارنا بالحكم و النفوذ و ثروة البلاد.. !!؟
لكل هذه الأسباب اعتبر الكواكبي أنه من العدل الإلهي وقوانينه الأزلية في الكون أن الشعب الذي رضي باستبداد حكامه ولم يعمل على مقاومته أن يتسلط عليه شعب آخر يستعبده ويستعمره وينتهب خيراته... وهو بذلك يحذر الشعوب الإسلامية من مفاجآت المستقبل ما دامت قد رضيت باستبداد الأتراك العثمانيين، والكواكبي يعرفنا أن أي شعب لا يتعرض إلى الإستعمار الخارجي إلا بعد أن يفقد حصانته الداخلية التي ضمنتها له "الإسلامية" وهو البديل الذي طرحه الكواكبي للتخلص من الإستبداد وتحقيق النهضة كما سنرى لاحقا.
6- رجال الدين:
وهم الذين ربطوا أنفسهم بنظام المستبد وباعوا ضمائرهم للشيطان.. ! فعادة ما يعمد هؤلاء إلى تأويل الدين تأويلا يجانب الصواب عن عمد، ويقلبون الحقائق ويزيفونها، فيوهمون الناس بأن الإستبداد وكل ما يتسلط عليهم من قبل زبانية السلطان / المستبد من ظلم واعتساف قضاء وقدر "جاء من السماء فلا مرد له بغير الصبر والرضا" ويطلقون على أي ثورة ضد السلطان الجائر "فتنة" والفتنة أشد من القتل!؟ وقولهم "حاكم غشوم خير من فتنة تدوم"؟ ويلزمونهم بطاعة "أولي الأمر". وإن كان لا يربط هؤلاء المستبدين بالإسلام إلا انتسابهم إليه انتسابا شكليا و وراثيا، كما يشيعون بين أفراد الأمة أن التخلف جاء"بسبب التهاون في الدين" فما عليها (الأمة) إلا أن تكثر من العبادة والنسك وإقامة الطقوس الدينية فينصلح الحال، في حين أن هذا الجانب من جوانب الدين لن يزعج أهل الباطل والإستبداد في شيء، ولن يقض مضاجعهم بل من المؤكد أن مثل هذه الآراء تساعدهم على إحكام قبضتهم على رقاب المسلمين وإبقائهم في درك الإنحطاط. فزيادة العبادة والنسك عن حدها المشروع "أضر على الأمة من نقصها، كما هو مشاهد في المتنسكين" وبالتالي تصبح نية هؤلاء "المتفقهجين و المتاجرين بالدين" الكذب على الأمة وخداعها رغم علمهم أن حكم الإطلاق رأس كل شر ووراء كل مصيبة.!
حرص الكواكبي لما كان بصدد البحث في علاقة الإستبداد بالدين أن يهدم الآراء الخاطئة عن الإسلام التي تبناها المسلمون.!؟ ودحض الإنتقادات التي يوجهها إليه الأوروبيون في آن واحد‘ مثل نسبتهم الإستبداد إلى الإسلام ومبادئه نفسها.!!!؟

فلقد شاع لدى بعض المفكرين الغربيين الرأي القائل بانبثاق الإستبداد السياسي عن الإستبداد الديني لاعتماد كليهما على ركيزة أساسية وهي الخوف. فتاريخ الأديان يعلمنا أن المعتقدات القديمة وخاصة المعتقدات الطوطمية قد ظهرت بسبب ما كان يستشعره الإنسان البدائي من خوف تجاه قوى طبيعية متعددة تتحكم بقسط كبير في حياته. ولقد جاء قول ماركس ملخصا لهذه الآراء حينما قرر: "أن كل دين ليس سوى الإنعكاس الواهم في دماغ البشر للقوى الطبيعية التي تسيطر على وجودهم اليومي". ولا شك أن النظرة العادية لمنشأ كل من الإستبداد والدين يخرج بنتيجة مؤداها وجود اتفاق كلي بين الركيزة التي يعتمدها الإستبداد لبسط نفوذه على أرواح البشر وأجسادهم، والركيزة التي يعتمدها الدين للتحكم في عالم القلوب .. فهما: "أخوان أو صنوان بينهما رابطة الحاجة على التعاون بتذليل الإنسان" وهذا ما يجعل الإصلاح السياسي مشروطا بإزالة الدين أو عزله عن الحياة- حسب تأكيدات رجال الأنوار-، فها هو أحد المتنورين الغربيين يحدثنا بحماس فياض عن فكرة التحرر والإنعتاق من ربقة الكنيسة التي كانت تضطهد الناس وتستبد بهم باسم الدين. يقول كوندرسي كاريتا Condorcet Caritat (1743-1794): "إيه أية صورة رائعة للجنس البشري إذ يتحرر من قيوده وينعتق من عبودية الصدفة، وكأنه ينعتق من أعداء التقدم، ثم يسير بخطى ثابتة أكيدة على طريق الحقيقة والفضيلة والسعادة تعنّ للفيلسوف فتعزيه عن الأخطاء والجرائم والمظالم التي ما زالت الأرض تعج بها والتي كثيرا ما يقع هو ضحيتها، وهو يجد مكافأة لجهوده من أجل تقدم العقل والدفاع عن الحرية في تأمل هذه الرؤيا، عند ذلك يجرؤ على ربط جهوده بالتسلسل الأزلي للقدر الإنساني وهو يجد هناك المكافأة الصحيحة للفضيلة. وتلك هي اللذة في أنه خلق خيرا، ثابتا لا يستطيع القدر أن يهدمه مهما وعد من ثواب في مقابل إعادة الأفكار الموروثة والعبودية".
إن الكواكبي وهو العالم المتبحر في معرفة التاريخ قديمه وحديثه، يقر بصحة هذه الآراء التي تقف ضد موروث الدين، ويتعاطف معها.. غير أنه يقرر أن هذه الأفكار وهذه الآراء لا تنسحب على الإسلام، بل تنسحب فقط على المسيحية واليهودية بسبب ما قام به أتباع هذه الديانات من تحريف لكتبها المقدسة، وهو ما لم يقع للقرآن الذي حفظه الله من التحريف وحماه من التبديل بسبب اختلافه عن قول البشر و إعجازه و تجاوزه لقدرات الجن و الإنس و لو اجتمعوا.. وهو ما يجعل مقولة أن القرآن جاء باستبداد مؤيد للإستبداد السياسي لا أساس لها من الصحة، خاصة وان القرآن لا يزال بيننا ويمكننا التثبت من بطلان مثل هذه المقولات والإدعاءات. لقد انفرد الإسلام من دون كل الأديان بإماتة الإستبداد ومحاربته بفضل ما حوته تعاليمه من دعوة للشورى وعدم الإنفراد بالرأي وإحياء العدل والتساوي.
إن جعل كلمة لا إله إلا الله محور الدين في الإسلام كفيلا بأن يذكر النفوس أن العزة لله وحده، وأن النفوس لا يصح أن تذل لأحد سواه أو ترهب غيره،أو تتبع قانونا غير قانونه.. فهذه الكلمة توحي بالضعف أمام الله والقوة وعزة النفس، فثمرة الإيمان بوحدانية الله "عتق العقول من الإسارة" على حد تعبير الكواكبي.
فإذا ما كان الدين الإسلامي خاليا من السلبيات المقيتة التي من شأنها أن تعطل الإنسان أو تخدره أو تصرفه عن مقاومة الإستبداد، وهو صالح لكل زمان ومكان، فإن الخطر كل الخطر يكمن " في العلماء المتعممين" من رجال السلطان الذين يقلبون الحقائق ويزيفونها و يشرعون للظلم و الإستبداد في سبيل خدمة الطغاة وإرضاء شهواتهم، وبذلك يصبح هؤلاء "أضر على الدين من الشياطين" لأن هذه الفئة الضالة تستخدم رسالات السماء لخدمة المستبد لنيل فتات موائده.
إن حملة الكواكبي على رجال الدين لها ما يبررها تاريخيا، فقد كثر في زمنه المتملقون من العلماء ورجال الدين والمتصوفة، ولعل أبا الهدى الصيادي كان يمثل رمزا لكل هؤلاء، فقد قال عنه محمد عمارة: "كبير مشعوذي الدولة العثمانية في ذلك الحين وهو الذي ساهم في اضطهاد العديد من الأحرار. وفي مقدمتهم جمال الدين الأفغاني، وعبد الله نديم، ومحمد عبده" وكان عدوا للإصلاح، ملأ من ضحاياه السجون والمعتقلات وأعماق البحار، ونفى وأذل وأفقر من البشر ما لا حصر له، واستطاع أن يلعب بعقل السلطان عبد الحميد ويستبلهه بحيل روحية حتى انقاد له ومكن له في الأرض ليعبث فيها ويهلك الحرث والنسل. وكان لجمال الدين الأفغاني رأي فيه، وهو مناجزته، وللشيخ عبده رأي آخر فيه هو مسايرته، ويظهر أن الكواكبي قد أخذ برأي جمال الدين فأقام عليه حربا ضروسا لا هوادة فيها ناهيك بما كان بينهما من خصام عائلي.

 

 

 

 




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !