أثـر إنتخاب ترامب على نظام الخرطوم الحاكم
مصعب المشـرّف
12 نوفمبر 2016م
دون مقدمات وإطالة وبكل وضوح ؛ وعلى طريقة دونالد ترامب نفسه التي سيفرضها منذ اليوم فصاعداً وطوال فترة ولايته القادمة على العالم .فإن آثار إنتخابه على نظام الإنقاذ الحاكم سيكون كالتالي:
1) الإبقاء على السودان في مقدمة قائمة الدول الراعية والداعمة للإرهاب.
2) الإبقاء على المقاطعة الدولية الغير معلنة.
3)رفض الإصغاء إلى كافة المطالب والوساطات التي تتعلق بإلغاء مذكرات الجلب الصادرة من قاضي المحكمة الجنائية الدولية بحق شخصيات سودانية.
4)ستكون حكومة الإنقاذ من اليوم فصاعداً مطالبة بتقديم المزيد من التنازلات في جانب توسيع وتعميق الممارسة الديمقراطية ، وإحترام حقوق مواطنها الإنسان . والتقدم بخطوات عملية تساهم في محاربة الإرهاب الديني ...
أولاً / ......
ولجهة ما يعزز الإبقاء على السودان في مقدمة قائمة الدول الراعية والداعمة للإرهاب ... فإن المنطق هو الذي سيفرض إستمرار دونالد ترامب في هذا المسار لسبب ما يجققه ذلك من تعزيز لأهم معطيات حملته الإنتخابية التي ركز فيها على محاربة الإرهاب ، وإعتبار القضاء عليه هو هدفه الأول حتى لو إضطره ذلك إلى وضع يده في يد الرئيس الروسي بوتين .... بوتين الذي مدحه ترامب بأنه يساهم في القضاء على الإرهاب الديني والطائفي في منطقة الشرق الأوسط ؛ المتمثل في تنظيم داعش والتهديد النووي الفارسي.
كون أن نظام الإنقاذ (بعد إقصاء الترابي وتلاميذه) لم يعد يمارس دوراً منوطـاً به ضمن منظومة الأصولية العالمية . فإن مثل هذه الحجج التي قد يسوقها وزير الخارجية السودانية عند جلوسه أمام موظفي القسم المختص في إدارة الشرق الأوسط بوزارة الخارجية الأمريكية ... مثل هذه الحجج والتبريرات وحدها لن تجد آذانا صاغية .. والسبب أبسط مما يتخيله البعض ؛ وهو أن النظام الحاكم في الخرطوم كان ولا يزال يعلن تمسكه بواجهته الإسلامية السياسية.
ولا أدري هل تحتاح هذه العبارة (أن النظام الحاكم في الخرطوم كان ولا يزال يعلن تمسكه بواجهته الإسلامية السياسية) تحتاج إلى دروس عصـر وتقوية أم لا؟
تمسك السودان وحرصه الإعلان عن واجهته الإسلامية بغض النظر عن سقوط ورقة التوت والمصداقية هنا أو عدمها يظل يحرج كل موظف صغير في كاونتر قسم الشرق الأوسط بإدارة العلاقات الخارجية الأمريكية ؛ ناهيك عن واقع إحراجه لرئيس أمريكي منتخب جاء محمولاً إلى البيت الأبيض فوق أكتاف داعش التي توصف اليوم بأنها قمة جبل الجليد في محيط الإرهاب الديني.
والذي يفوت على البعض أن دولة بحجم الولايات المتحدة لاتستطيع الإدارة فيها (كل إدارة) أن تخطط على طريقة الدول الأفريقية الصغيرة والشموليات المتخلفة ... أو كما يردد المطرب الراحل خليل إسماعيل : (يـوم بيـوم نبيع الكُـمبا).
الولايات المتحدة تبني سياساتها ومواقفها وفق إستراتيجيات وأهداف ممتدة . وعلى نحو يفرضها عليها موقعها ودورها ومصالحها العليا ....
وبالتالي فإنها حين تتخذ قراراً ما ؛ لا يتوقع منها العالمون ببواطن الأمور حولها أن تسارع فتعلن أو تعمل على إلغائه في اليوم التالي .....
وبتوضيح أكثر ؛ فإنه يلزم لحكومة الرئيس عمر البشير أن لا تتوقع تغيرات دراماتيكية في سياسات الولايات المتحدة وقرارات سيد البيت الأبيض بهذه السرعة وتلك البساطة ؛ والتقلبات مابين الشيء ونقيضه التي تعهدها حكومة الخرطوم في نفسها ، وأسلوب إدارتها للشأن السوداني ، ولعلاقاتها الخارجية وتحالفاتها المفاجئة مع الغير .
ثانياً/ ........
الإبقاء على المقاطعة الدولية الغير معلنة تظل واردة لعدة أسباب وتبريرات تراها الولايات المتحدة لازمة ومتسقة مع مكافحة الإرهاب والقضاء عليه أكثر من أنها تساهم في تغيير وإسقاط الأنظمة الحاكمة المنوطة بها الشعوب وحدها في داخل بلدانها.
والذي تراه الولايات المتحدة في هذا المجال يتعلق بحرمان حكومة الخرطوم من تسهيلات وإئتمانات مالية تتيح له إستيراد قطع غيار ومعدات عسكرية وطائرات مدنية وأجهزة إتصال يستخدمها في حربه ضد معارضة وطنية داخلية مسلحة ؛ تطالب وترفع شعارات بتكريس نظام ديمقراطي علماني غير جهوي ...... وهو ما يتسق مباشرة مع مطالب وقناعات الولايات المتحدة والإتحاد الأوروبي وروسيا (مجتمعة) الثابتة والإستراتيجية التي عانت ولا تزال من آثار الإرهاب والثورات الأصولية الإسلامية . سواء في حرب أفغانستان التي فككت الإتحاد السوفيتي أو الشيشان أو هجمات 11 سبتمبر أو التفجيرات التي طالت معظم عواصم الإتحاد الأوروبي الرئيسية ، وساهمت بدرجة كبيرة في خروج المملكة المتحدة من الإتحاد الأوروبي .. لا بل وباتت اليوم تهدد جديا بتفكيك هذا الإتحاد الأيقونة ... والقضاء على جميع المكتسبات التي حققها الغرب في مجال الإقتصاد والسياسة ، والحريات والديمقراطية والسلم والأمن عقب الحربين العالمية الأولى والثانية.
وعليه فإن الأثر السلبي الذي يمتد على السودان هنا إنما يكمن في أنه لا يعقل أن يظل السودان في ظل الإنقاذ ضمن قائمة الدول الراعية والداعمة للإرهاب من جهة . ثم تهيء له الولايات المتحدة أسباب ما يمكنه من تمكين قدراته العسكرية والإقتصادية في الجهة الأخرى.
من جهة أخرى لا تقل أهمية عن تلك الأسباب العامة التي تعزز لدى ترامب إستمرار وضع السودان في قائمة الدول الأرهابية . أن إتخام هذه القائمة بمزيد من الدول ناهيك عن شطب الموجود فيها هو الذي يعزز مصداقية ترامب ويبرر أسباب وصوله للبيت الأبيض ..
من غير الطبيعي إذن ولا يستقيم من حيث المنطق أن يسارع ترامب إلى فقدان أهم هذه الأسماء (السودان) من بين القائمة. The List
هكذا إذن ستبدو الأمور في ذهن ترامب متسقة وشرعية عند مناقشة وجهات نظره هذه مع شعبه والمجتمع الدولي ..... أو مع وسطاء الخرطوم من الأجاويد أثرياء الدول العربية.
وحين أقول متسقة وشرعية . فإن المقصود هنا أن ترامب عندما يبرر أمام الغير موقفه لجهة أسباب إستمرار إدراج السودان في القائمة ، وفرض العقوبات على النحو المشار إليه أعلاه . فإنه يدفع وينفي عن نفسه أية إتهامات بأنه يسعى إلى التدخل في الشأن السوداني الداخلي أو تغيير نظامه الحاكم بالقوة ....... وبالتالي يستغنى بهذا الإدراج وتلك العقوبات عن ممارسة سياسات من شأنها المساس بأحكام وقواعد القانون الدولي ومنظمة الأمم المتحدة......
المساس بأحكام وقواعد القانون الدولي وتجاوز منظمة الأمم المتحدة هي أكثر ما يخيف ويثير شكوك العالم المتقدم اليوم بعد إنتخاب ترامب رئيساً لشرطي العالم ...... ولا شك أن مستشاري البيت الأبيض سيعملون قصارى جهدهم لتطمين العالم بأن ترامب ليس كما يظنون وتعتريهم حياله الهواجس.
المسألة هنا تندرج إذن في إطار الإستراتيجية والفلسفة والمنطق وأنياب القانون على طاولة متخذي القرار في الغرب ... هذه الأدوات (الغربية) المجتمعة التي لا نزال نفتقر إليها في إدارة الشأن الداخلي والخارجي لبلادنا.... لا بل وربما يفتقر متخذ القرار السوداني إلى موهبة وأسس فهمها وإستيعابها ؛ وفق ما نسمع من تصريحات وآراء لمسئولين في قمة هرم السلطة ؛ وذوي مناصب سياسية وقيادية رفيعة المستوى لدينا.
ثالثاً / ........
وعند التفكير في الموقف الأمريكي المعلن تجاه مذكرات الجلب أمام المحكمة الجنائية . فإن هذا الموقف يتمحور في إعلان الخارجية الأمريكية بأنها غير معنية بذلك لكونها غير عضو في هذه المحكمة . ولكنها لا تستطيع الوعد بعدم تسليم الأشخاص الذين صدرت في حقهم مذكرات جلب أمام محاكم جنائية متى ما طلب منها ذلك وكان هؤلاء الأشخاص داخل أراضيها.
وأذكر أنني أشرت في أكثر من مقال سابق تناول هذا الموضوع إلى أن قرار التحفظ وتسليم الأشخاص إلى المحكمة لجنائية الدولية إنما هو قرار قضائي وليس قرار سياسي .
وأنه في دول مثل الولايات المتحدة ، ومرتع الديمقراطية الخصب والفصل بين السلطات في الغرب الأوروبي خاصة ..... من غير المنطق أو المعقول التفكير في إمكانية أن يتدخل الساسة للتأثير في قناعات وقرارات وأحكام السلطة القضائية ومساراتها سواء من قريب أو بعيد.
وعليه فإنه وطالما كان الأمر كذلك ؛ فمن العبث وإضاعة الوقت وهدر المال العام أن تنشغل الخارجية السودانية بجابهة وحلحلة مثل هذا الأمر القضائي الجنائي . وتلف وتدور دورات كاملة في الفراغ ، وتثير الأرض كالثور المربوط بحبل محكم في الوتد المغروس.
وأما مسألة اللعب السياسي والعزف على أوتار الأنظمة السياسية الأفريقية . فإنها تبقى أيضاً مضيعة للوقت ، وإهدار للمال العام حين تسعى الخارجية السودانية لتأسيس محكمة جنائية أفريقية على طريقة (من دقنو وأفتل له) ستبقى قراراتها ودفوعاتها ملهاة أفريقية جديدة ، ولا يستفيد من ورائها سوى بعض القضاة والمحامين والمستشارين القانونيين ؛ بما سيتقاضونه من رواتب وأتعاب وبدلات للحصول على أحكام قضائية (على الطريقة الأفريقية) لا تقدم ولا تؤخر ......
كذلك فإن الجهد السياسي لتحريض حكومات الدول الأفريقية الإنسحاب من عضوية المحكمة الجنائية لن يقدم ولن يؤخرن وذلك لأسباب منطقية يرددها حتى أقطاب الحزب الحاكم وعلى رأسها قولهم (الزارعنا يجي يقلعنا).
لن يجدي إنسحاب دول أفريقية من عضوية المحكمة الجنائية الدولية فتيلا ... فهذه الدول لم تنشيء (أو تزرع) هذه المحكمة .. ولا تموّلها .... وربما يبقى الأمل الوحيد يراوح حالة ظرف المستحيل وتوقعات اللاممكن ؛ ألا وهو حل مجلس الأمن ومنظمة الأمم المتحدة نهائياً ؛ وتحويل النظام القضائي والتشريعي في الولايات المتحدة والغرب الأوروبي إلى نظام أفريقي أباً عن جـــد .....
رابعاً / ......
على ضوء كل ما ذكر فإن الحال سيبقى على ما هو عليه ... وربما وجب على نظام الإنقاذ أن يصلي ليل نهار ويدعو أن يظل الحال كذلك...
سيكون نظام الخرطوم مطالباً بالخضوع للمجتمع الدولي فيما يتعلق بسياساته التي يرى هذا المجتمع أنها داعمة بشكل أو بآخر للإرهاب الديني ةالهجرة الغير شرعية من أفريقيا إلى أوروبا.
وعلى النظام الحاكم فضلاً عن تطوير خطوات عملية محسوسة لمحاربة الإرهاب الديني ، ومحاصرة الهجرة الغير شرعية بمجهوداته الذاتية .. عليه أن يأخذ الإلتزام بمخرجات الحوار الوطني على محمل الجد . وأن لا يضيع هذه الفرصة التي منحتها له بعض القوى السياسية بغض النظر عن حجمها أو تأثيرها وأهدافها وموالاتها ... ولكنها تبقى على الأقل مؤسسات سياسية ومدنية وطنية (على الورق) ؛ تحاجج بها الخارجية السودانية المجتمع الدولي في صورته الجديدة المتوقعة على عهد الشعبوي الشفاف ترامـب.
التعليقات (0)