أبي ماذا أقول لك، ماذا أقول للدمعة أستشرفها تسيل علي خديك؟ اشتاق إليك كل يوم، أنا التي كنت بطلتك وأنت بطلي الوحيد.
أعود في الذاكرة... كأنني اليوم أركض نحوك بملابسي الجديدة، اشترتها أمي بمال جنيته لي بعرق الجبين. أركض بدفتر علاماتي فيه إنجازاتي، ما ارتضيت يوما الا أن أشكرك علي تعبك بالطريقة التي ترضيك.
تعبك كبير، كتعب كل أب، وأكثر تعب الأب العربي الذي بني لا بيتا واحدا، بل بيتين وأكثر. حروب تتالت، وكنت كل مرة تبدأ من جديد، من الصفر أو حتي من تحت الأنقاض كنت تقوم. تقوم بالواجب وأكثر، أركض إليك عند عودتك إلي المنزل بعد عناء يوم طويل أطالبك بالمشوار، وإن قصّرت يوما في هذا المطلب أحرد وأعاتب، لم أدعك تنجو من لساني السليط غنج ودلع "أبي لا يرفض طلبا لأميرته، هيا بنا نخرج إلي الحياة"، لطالما أصرّرت أن يحظي أبي بقسط من الفرح، كنت أريده هدية مني إليك.
كبرت يا أبي ورأيت الحياة أمامي أرضا شاسعة. ما زلت أركض بروح غبّت محبة وفرحا في دارها فلا يعوزها شيء ولا تجفل أمام تحدٍّ أو صعاب. أركض بفرح ولكن أراني أركض نحو شمس جديدة نحو البعيد. قلت لي: أترين هذه الدرب يا بنتي، هنا هذا الدرب القريبة فيها الأزهار والورود والأنهر والخضار؟ أنا أراها مناسبة لك بالله عليك اسلكيها تهنئي. لم أرض. عيني نحو البعيد.
تساءلت أيكون هو طمعك بي بأن أبقي إلي جنبك... أم هو مجتمعك وتقاليدك التي اعتنقت؟ تقول لي العصفور خلق ليبقي تحت جناحي أهله حتي يأتي اليوم فيطير وهنا في عالمنا العربي طيورنا تحلق ذكرًا وأنثي، لم تردني أن أحلق وحدي أتراك خفت علي؟... أم هي دروس الحياة التي منها تشبعت؟... لم أرضَ بخيارك لي لطالما حدّقت بالبعيد.
قلت لك يا أبي أنا أري دربي هناك بعيدة بعض الشيء...أتراك حزنت لفراقي؟ أبي أعتذر أنا عنيدة وأريد أن أقبل علي الحياة بيدين مفتوحتين.
عاندت وكابرت وكان عنادك أكبر. ثم حكمت الظروف. يتجهّم وجهي عندما أتخيلك في المنزل جالسا علي أريكتك ترسم في بالك صورة عني، عن حياتي التي أنت عنها غريب، حتي أنك لم تزر منزلي، لا تعرف أضواء شارعي.
قلتها لي بحسرة، كيف أفرح وصغيرتي اليوم بعيدة عن أحضاني. ما أهونها أياما نقص فيها الكساء والغذاء وكان أولادي ولو تحت القصف في أرجائي. اليوم ألتفت حولي أراكم كل واحد بات في دار بعيدة.
غريب كيف تتبدل الأحوال، اليوم أنا أريدك بعيدة عني، بعيدة عن المصائب والكدر. لا تعودي يا ابنتي، ولأي سبب تعودين، ألن نكون تحت سقف واحد، أنت هنا معي أبقيك دافئة في عش حكته لك في قلبي. عزيزتي طيري حلقي بعيدا فوق الأشواك طاردي الفرح. كوني امرأة عاملة، كوني أيضا الأم والزوجة الصالحة.
كوني كل ما تريدين، ولكن الأهم أن تبقي ابنتي الصغيرة وأن تبقي الضحكة في القلب، لست أرضاك سجينة... اليوم يا أبي أنا لدي حنين، أريد أن أعود ولو لحين أشرب من العين فأنا عطشي ثكلاء. حروب مضت وحروب مقبلة في الأجواء. انتخابات وشعارات، ومفاوضات أمن عسير.
التعليقات (0)