مواضيع اليوم

أبن الصفيح

نواف الردعي

2010-06-15 10:43:23

0

العمر يمضي وأنا أقف في سكة الحديد العثمانية ذات القضبان الصدئة.. هل لأنني ابن الصفيح المجاور لأخطاء أهل المدينة.. أم هي عقدة التفوق لأبناء المدينة التي تكرست في أعماق أهل ذلك الحي العشوائي غير المنسق المترامي الأشلاء أم هي مقارنة الفروق الاجتماعية التي تبعث على الانكسار الأزلي السافر في اعماقي ردة فعل مبحوحة تستجدي القهر.أنا أحد أحفاد قافلة الضجيج المدجج بالخوف والتي كسرت اعراف القبيلة هربا من الجوع والقحط الذي استشرى في الاربعينات في القرن الماضي وحطت في ضاحية المدينة بعد ان جردت من مقدراتها غير الشرعية في أغلب الأحيان، وصلت الى مشارف المدينة بعد رحلة تردد مثيرة بطلها كهل استطاع ان يغامر الى بر الأمان منذ ما يقارب السبعين عاما: انا حفيد هذا الكهل الذي وصل وهو لا يملك الا سبع (نياق) وثقافة (العد والمقطان والكر والفر) انني اعترف بالهزيمة التي جعلت مني شخصية مترددة ترزح تحت عقدة التفوق لأبناء المدينة الذين اتوهم انهم الأجدر بطرح ثقافتهم المتحضرة عبر وسائل الاعلام.. كانت لهم مساحات الترفيه وأفلام السينما تدار لهم وتفتح لها الجدران كانت الفصول الدراسية التي تجمعنا بهم تعج بالحديث عن انواع الترفيه المنزلي واحداث افلام الأبيض والاسود.. كانت تتعلق كالأحذية في مخيلتي بلا ضوابط لا استطيع تجميعها ولا يمكن تخيلها عندما يتبادلون الحديث عنها كانت ادواتي متواضعة لا تتعدى ثقافة الصفيح والعد والمقطان.. كان الحي العشوائي يستقبل انواعا غريبة من حليب الكيكوز الذي حل محل الرضاعة الطبيعية من الماعز المحاصرة بقلة المراعي هكذا كان يتبجح المنافقون مع أهل المدينة من أحل الحي العشوائي وأنا من معي من ابناء الصفيح نقضي يومنا في محيط محارق المدينة ونتنافس على البنسلين المنتهي الصلاحية والبراويز القذرة وكان لنا (علكا) خاصا نستخرجه من احجار الراديو الملقاة على مشارف الحي العشوائي هذا البحث المضني عن هذه الاشياء يعتبر مكسبا لطفولة بائسة نقوم بتجميعها باحتفالية بريئة لسد النقص التكنولوجي العارم.. ها أنا اغازل الصحافة بثقافتي المتمزقة في دخان المحارق.. احس في اعماقي انني نشاز ولا يمكن أن اكتب بخلفية ثقافة امهات الكتب والمناهج التعليمية اللزجة. مضت السنون؟ الى متى سأكون هكذا؟ حان الوقت ليتفجر العبث الأشعث لن استجدي بعد هذا الانتظار المزري، عليكم أن تقبلوا ثقافة متمرغة في سحابة الدخان الأسود الذي لا يرحم عندما تكون الرياح شمالية.. او عندما يتصاعد إلى السماء في يوم راكد تكاد أن تتوقف ثوانيه ويستقر دخانه في الطبقات العليا كسحابة يوم بائس..نعم أنا ابن الحي العشوائي المتأهب للرحيل المسكون بالضجيج على مشارف الوسم، أنا من اعتقلته الحضارة المزيفة تحت هجير الصفيح الخانق في الضواحي النائية البعيدة عن الليالي الارستقراطية المشبعة بالروائح العطرية التي تنفثها مكيفات الصرف الآلي.لا استطيع ان اطير مع الخيال على مسطحات خضراء برفقتي غيمة حالمة على ايقاعات منسابة لنسمات صباح ماطر.. أجد في ذلك عيباً وقفزا لعتبة التاريخ وخيانة عظمى لتعليمات الحي ونسفا للثوابت.. نعم اتجرأ بيني وبين نفسي ولكنني اشعر بالخجل.. انها الازدواجية الكريهة كيف اتخلص من اشيائي القديمة التي تلازمني في خيالي.. لا استطيع أن أرقص رقصة صاخبة فتقع البراويز وعلب البنسلين وعلك (النيكل كاديوم) ومازالت الرائحة النتنة لخليط الأعشاب المؤذي الذي علق في رقبتي لمكافحة مرض "العفنة" الذي يحدث بروزا في الفك العلوي ويسبب انفراجا في الأسنان الأمامية مازال يلازمني.. ثقافة متجذرة انتقلت عبر ممرات الزمن.. والايام الحبلى بالمفاجآت والصباحات غير السارة في الزمن الغابر.. اضطراب ازلي من المكان والزمان.. معزز بقصص وبطولات قديمة.. عقدة استطاع اهل هذا الحي العشوائي ان يطوعوها لتستقيم في خط ثابت للاستقرار المدني استطاعوا ان يجعلوها تستقيم في خط ثابت مخادع ليصلوا الى مشارف الاستقرار الشكلي، انه الصراع الخفي بين الترحال والجمود وانتقل عبر الجينات الوراثية واستقر؟ ويستفز بالقصص البطولية في ارواح تعشق المغامرة.. لم أكن أحلم انني سوف اتعامل مع صحافة الألفية الثالثة بهذا الارث الأغبر ولكنها الكتابة ذلك الهاتف الخفي الذي يحرض مكامن التهور في الأعماق كي اصل بهذه الحالة غير مستنسخة الى تجربة اعتقد انها ناضجة وبيضاء ستثبت انها لن تصل على طريقة "الاوتوستوب" ولكنها ربما تنتحر في محطة قطار خال من المتعاطفين.

 




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !