أبطال من دخان
- محمد المودني
- نونبر 2007
كم كنا نشتاق ليوم الأربعاء في الثمانينات وبداية التسعينات. كانت أيام الأسبوع ثقيلة تكاد لا تتحرك ونحن ننتظر بلهفة عشية الأربعاء لنمنح أنفسنا عطلة كاذبة كما هو حال شبابنا اليائس هذه الأيام الذي يضرب عن الحياة مساء كل أربعاء ويتكدس في المقاهي أمام شاشة مرض العصر ينقسم على نفسه بين أقدام برشلونة والريال يغازل أبطالهما لتحل العداوة محل المحبة في قلوب الأشق...اء والأصدقاء وتكسر مشاعر الشعب الواحد بعدما تخلى عنه أبطاله في كل المعارك . كان العامل يتخلف عن معمله والطالب عن كليته والمدرس عن تلاميذه والموظف عن إدارته مساء كل أربعاء ويتلاحم الجميع في لوحة واحدة أمام التلفزيون في نظام بديع وصمت رهيب لا تكسره إلا ضربات ٌ المعارضة ‘‘ على طاولات البرلمان ٌوانتقاداتها ٌ اللاذعة للحكومة . وكم كانت مصطلحات الاستاذ الراحل علي يعته تخترق قلوبنا كما يخترق حنان الام قلب صغيرها . وما ان ينتهي الصراخ والضجيج بإسدال التلفزة الوطنية ستار مسرح الشعب حتى تتحول المقهى الى برلمان ساذج يناقش في توتر حاد ادوار ممثلينا على شاشتنا ، وننتهي بانتقاء عفوي لابطال أحلامنا آملين في قدومهم المظفر على صهوة ديمقراطية مطلقة لينقذونا من مخالب إدارة شاخت على استبدادها وتعسفها تغط في نوم عميق بعدما ابتلعت حقنا في الحياة .
كم كنا نكيل لرؤسائنا ومديرينا ووزرائنا اصناف الشتائم سرا وجهرا وندعوا لهم بالسقوط عند كل آذان ونتوسل لخالقنا ، بعد كل صلاة ، بأن يوفق شبابنا في الزحف على إداراتنا يكسر أرائكها ويخلصنا من عقليات أقل ما قلنا عنها متحجرة ومتخلفة ، ويقتحم أوراش البناء والتشييد ، كل في موقعه ، يحارب الظلم والفساد والفقر والبؤس والتخلف بسيف العدالة وينشد بقلب واحد : كلنا مغاربة مهما اختلفنا لينتهى شقاؤنا إلى الأبد . لكن ما أن قبل أبطال احلامنا بفتات المائدة،واستبشرنا خيرا باجتياح الشباب المتفتح "الطموح"، الذي عاش مرارة الزمن الرديء،للمواقع الإدارية حتى تناسى بصمات بؤسه واستكبر واستعلى – من فراغ علمي ومهني – وتنكر لهويته وحرق مذكراته وداس على أحلامنا وبقينا نئن تحت وطأة المثل الشعبي :( ماتبدل صحبك غير بمكرف).
فعوض أن يسلك رأساؤنا ومديرونا ووزراؤنا الشباب مسلك الجد في العمل والتواضع والتواصل والنقاش الإجابي وحسن السلوك – كما كانوا ينادون بذلك وهم على الهامش – ليساهموا في التخفيف من معانات الشعب وتحقيق طموحات كل أفراده دخلوا حرب تصفية الحسابات السياسية والادارية والمالية ،واختلقوا صراعات دينية ولغوية وثقافية وأمنية واستبدوا بالفكر والقرار،ووزعوا المناصب العليا والدنيا على أعوانهم من دون وجه حق ليظل الشعب كما كان قطيع شياه يجتر بدون أضراس شعارات مليئة بأقراص الإهانة والاحتقار ابدعها أبطال من دخان يتلذذون حلاوة زيف الانتصار متناسين مرارة الطرد أو التقاعد او الاحتضار كما كان مصير أسلافهم الاشرار، ويبقى الوطن أسير سنوات الرصاص بصيغة الحاضر والمستقبل.
- محمد المودني - فاس . نونبر 2007
التعليقات (0)