ساعة فرحة اسثنائية غمرتني وانا اقرأ الخبر الذي مفاده بأنه تم اكتشاف واحد من أكبر عشرات حقول النفط في العالم بمدينة الصدر والذي تناقلته وسائل الاعلام المحلية كافة ويقول الخبر: نقلت صحيفة "مالطا توداي" عن خبير نفطي من الجنسية المالطية، واسمه رايموند ماليا يعمل في العراق إنه "اكتشف أكبر حقل نفطي في العراق شرقي بغداد ويبلغ احتياطيه أكثر من 8 مليارات برميل"، لافتاً إلى أن "جزءاً كبيراً من الحقل منه يقع تحت مدينة الصدر". وأضافت الصحيفة أن الحقل المكتشف لا يوجد بحجمه سوى عشرات قليلة من الآبار في العالم، إلا أنها لفتت إلى أنه يحتاج إلى حفر مئات الآبار للوصول به إلى مستوى مقارب من طاقته الإنتاجية، خصوصاً أنه يقع في منطقة مكتظة بالسكان، مما يعيق أعمال الحفر مقارنة بالمناطق الصحراوية في جنوب العراق. ويضيف الخبر: أنه حفر بئرين نفطيين لحد الآن ضمن الحقل المكتشف، وبينت أن الأولى تنتج 2000 برميل في اليوم، أما الثانية فقد وصل مستوى الحفر فيها إلى 3 آلاف و600 متر.
اكتشاف العصر هذا ماذا من شأنه ان يفعل للعراق وللعاصمة بغداد ولمدينة الصدر تحديدا ؟ ينبئنا بذلك الخبير المالطي قائلا: العراق سيكون رائداً في عالم النفط .. انه يملك ما يسعى اليه الصينيون والهنود .
مدينة الصدر (الثورة) تعد أحدى أهم الانجازات الستراتيجية لحكومة الزعيم الوطني عبد الكريم قاسم التي قام بتوزيعها على مواطني محافظات الجنوب، واصبحت فيما بعد واحدة من اهم مناطق العاصمة ، والتي يسكنها اليوم قرابة الثلاثة ملايين نسمة بحسب احدث الاحصائيات، ومنذ ان وجدت في ستينيات القرن الماضي وهي تعيش واقعاً بائساً وحرماناً كبيرين ولعل المدينة خير نموذج للمقولة "الحرمان يولد الابداع" فبرغم شظف العيش والحيف الا ان هذه المدينة تركت بصمتها الواضحة في المسيرة الوطنية في مقارعة النظام الدكتاتوري وكانت اول مدينة تتمرد على ذلك النظام الاستبدادي، ومازلت اذكر تلك التراجيديا ابان استشهاد المرجع الديني السيد الصدر الثاني عندما شاهدت تلك الجموع الشبابية وهي تهتف بأعلى صوتها واصفة صدام بانه عدو لله وللشعب وللوطن، مشهد مازالت مخيلتي تأبى مفارقته ، وبعد ذلك استمرت شتى انواع مقاومة النظام الدكتاتوري حتى اسقاطه. وفي المجال الابداعي اخرجت المدينة مئات المبدعين والباحثين والاساتذة ومنهم اليوم من دخل عالم المجد والشهرة والنجومية من اوسع ابوابها ومازالت معيناً لا ينضب في اخراج تلك الطاقات الكامنة بداخلها.
حجم الاهمال والتهميش الذي عاشته وتعيشه المدينة هو بحجم تضحياتها ، فلم تجد التفاتة صادقة وحقيقية من قبل الحكومات التي تعاقبت على البلاد بعد العام 2003 ، وظلت تئن من مشاكلها وأزماتها .
واليوم اذ تقف المدينة أمام مكافأة ربانية عظيمة ربما كان جزاء صبرها واحتسابها وتضحيتها، ستكون قبلة لشركات النفط العالمية (اكسون موبيل واخواتها) ومهوى افئدة المستثمرين والخبراء والمستكشفين. هل ستنتقل من اسفل السافلين الى أعلى عليين ؟ وهل ستختفي جنود العاطلين عن العمل الذين يتزاحمون في دور لا تتجاوز مساحتها في احسن الاحوال الـ144 متراً وفي أسوئها 55 متراً مع اطفالهم واهليهم ؟ وليت شعري هل ستندثر احياء "طارق" و "التنك" و "النصر" و "الشيشان" ؟ حيث البؤس والحرمان والفقر على اصوله وينتهي معها فصل من فصول تلك الحياة المزرية حيث يتقاسم الناس المسكن مع الكلاب والمواشي والحمير واتلال النفايات ومخلفات البناء، هل ستتحول تلك المدينة الى واحة خضراء وتكون كما في الاثر " ان الله يحب ان يرى آثار نعمته على عبده" ؟. أم ستكون المدينة على موعد مع فصل جديد من التنافس والصراع والمحاصصة والمزايدات السياسية كما كانت من قبل كركوك التي قال عنها أحد ابنائها الذين احتضنهم الغرب بعدما رفضهم الوطن "كركوك لم تذق طعم استقرار منذ وجد فيها النفط " هل ستتحول فرحتنا الى نكد خصوصا واننا نشاهد حال البصرة رئة العراق الاقتصادية , صاحبة الثروتين النفط والزراعة، هل ستدفع المدينة دماءً جديدة بسبب بحيرتها النفطية ؟ في كل الاحوال ابشري مدينة الصدر.
التعليقات (0)