يوسف القدرة
مِنْ أَبَدِ اللَّيْلِ أَنْسِجُ وَرْدَاً للضَّائِعِ مِنْ رُوْحِيَ. أَضَعْهُ على توابيتَ فِيْ الأَمْكِنَةِ زَرَعْتُها أَلْحَانَاً نَاقِصَةً. تَرَكْتُ الرِّيْحَ تُرَبِّيْها كَمَا يَرَى المَدَى. والمَدَى يُغْمِضُ عَيْنَيْهِ عَادَةً حِيْنَ يَخْنُقُهُ مَلَلٌ تَنْفُثُهُ ذِكْرَياتٌ رَمَادِيّةْ. الحَاضِرُ يَذُوْبُ فِيْ غِيَابِ الوَعْي والمَاضِي يَعِي ما يُرِيْد. ظِلّي لا يَزَالُ خَلْفَ الشَّجَرَةِ سَاهٍ فِيْ ظِلِّها. والحَيَاةُ ظِلَالٌ يا تُرى؟!
العَازِفُ يَحْمِي اسْمَهُ مِنْ وَهْمِهِ بالوَتَرِ المُقَدّسِ، والوَهْمُ يَحْرُسُ قوَّتَهُ بالصَّوْتِ الوَاثِقِ، ويبْقَى الْاسْمُ مُرْتَجِفَاً فِيْ عُرْي الأيّامْ. كَذَلِكَ أَحْرُسُ الضَّيَاعَ فِيْ مَتَاهَةِ اللُّغَةِ، وتَكْبُرُ المُتَرَادِفَاتُ فِيْ رَغْبَةِ الرَّحِيلْ. القَهْوةُ السَّاخِنَةُ لا تَعْبَأُ بِلَسْعِ القَلْبِ فِيْ مُتَنَزّهٍ يَسْتَرْخِي فِيْ آخِرِ العَتْمَةِ والقَلْبُ يَفْرِدُ احْتِمَالاتِهِ عَلَى طَاوِلةِ النَّرْدِ.
[الْاحْتِمَالُ ضِدٌّ لا يَعْرِفْ]
أُربِكُ حَدَسَي، ويحْدُثُ أنْ أتركْ الصَّمْتَ سَيّداً مُؤيَّداً مُؤيِّداً بلاغتَهُ فِيْ حِوَارِهِ الحَالِمِ، مُربِّتاً على أَلَمِهِ المُسَالِمِ، نَافِضَاً غُبَارَاً كَثِيْفَاً عَنْ وَجْهِ أَمَلِهِ بِرِفْقَةِ وُجُوهِ الغُرَبَاءْ. أَمْحُو حُلْكَةَ الْمَسَافَةِ بالْرَّتِيْبِ مِنْ الْأَجْوِبَةِ، وأُحيْكُ مَعَانٍ أَسْتَعِيْرُها من مجازِ الشَّبابيكْ. لا أسألُ الصَّدى من أيِّ صوتٍ قَدْ أَتَى، وأَنْأَى بِثَوْبِ الْحِيَادِ عَلَى خَطْوِ الجِيَادِ.
لِهَذا المَدَى أَنْ يَتَمَدَّدَ عَلَى سَرِيْرِ الْاحْتِرَاقْ. الْانْتِظَارُ مَضَى وَحْدهُ دُوْنَ رَفِيْقٍ. حِيْنَ ضَاقَ الْمُتَّسعُ بِهِ هَبَّ وَاهِبَاً خُطَاهُ إِلَى دُرُوْبٍ صَامِتَة. صَارَ سُكْراً يَذُوْبُ في لَيَالٍ سَكْرَانَة بِمَا أَضَاعَتْ. أَعْيَتْهُ الْأَمَانِي المَغْزُوْلَة فِيْ هَوَاءٍ مُرطّبٍ يَنِزُّ مِنْ رِئتَيْ الْكَلامْ.
أجهرُ بالوردِ النابتِ في روحِكِ حين تغفو. وأهجرُ البدايةَ التي صاحبتها غيماتٌ لم يكنّ لشتاءٍ عادلْ. أدلُّ قدماي على نبعٍ ساكنْ وأسكنُ اللحظةَ المُثلى. هل رأيتِ سفراً عظيماً مبلولاً بالدمعِ كهذا؟
التعليقات (0)