حاولت وأنا اقرأ كتاب (الحزب الهاشمي) لسيد القمني ان افهم سبب اعتبار هذا الكتاب ابداعا يستحق عليه هذا الكاتب جائزة الدولة التقديرية المقدمة من وزارة الثقافة المصرية . لكني لم استطع ذلك مطلقا . فالقمني اللذي ادعى العلمية في هذا البحث حاول بكل جهده لي عنق النصوص التاريخية والدينية (( الصحيحة والموضوعة والمختلف عليها )) لأقناع القاريء بنظريات اقل ما يقال عنها انها غير علمية وغير موضوعية . اما كيف ولماذا فسأحاول هنا شرح اسباب قولي هذا بكل تواضع .
نظرية امة عربية واحدة , للقمني
عندما بدأت بقرآءة كتاب (الحزب الهاشمي) اعتقدت ان الأقوال اللتي قيلت عن عداء القمني للرسول وللأسلام ما هي الا تخرصات من الظلاميين التكفيريين اللذين لا يخضعون لمنطق الحجة العلمية واللذين يقدسون النصوص التأريخية كتقديسهم للقرآن . خاصة بعد قرآئتي للعبارة التالية في مقدمة الكتاب .
(( وهي النافذة اللتي اللتي اردنا ان نطل منها بقرآءة علمية على الفرز اللذي ادى اليه جدل احداث المرحلة قبل الأسلامية , وقراءة اوضاع جزيرة العرب آنذاك الأجتماعية والسياسية والأقتصادية , وهو الفرز اللذي كشفناه مطلبا للتوحد القومي بقيادة نبي مؤسس لدولة واحدة مركزية . ويبدو ان هذا القول قد صدم مقولاتهم الثابتة حتى انهم لم يروا فيه سوى المروق , اللذي يبدو انه حكما قد تأسس على عدم قدرة قبول الأمر بأعتباره امرا اعتياديا تسبقه مقدمات لابد ان تؤدي الى نتائج , يقبلها العقل ومنطق العقل ومنطق الواقع , بعد ان اعتادوا على منهج يرى ان كل شيء يجب ان يظهر فجأة من عدم , غير مرتبط مطلقا بواقع , لغزا غير مفهوم , بهذا فقط يكون مرهوبا ومخيفا ومحترما , المهم الا يكون مفهوم الأصول والا يكون منطقي
ولكني ما ان بدأت بقرآءة فصول الكتاب حتى علمت مغزى هذه العبارة اللي ساقها القمني في مقدمة كتابه , فالقمني يدس السم بالعسل . فهو لم ينكر نبوة الرسول صلواة الله وسلامه عليه وعلى آله وسلم صراحة في كتابه هذا ولم يتطاول بالقول عليه مطلقا بل انه يصلي على الرسول كلما ذكر اسمه الكريم في كتابه . ولكنه لم يدخر جهدا للمس بسماوية رسالة الرسول صلواة الله عليه وعلى آله بطريقة التقية , ولم يحاول ابدا قطع الطريق على أي شبهة ولو بعبارة مقتضبة مثل " انا لا اشكك بنزول الوحي بل اريد التحليل العلمي " . يقولها في بداية الكتاب وينهي بها هذا الجدل كله . وهذا ما فهمه مريدوه والمدافعين عنه قبل اعدائه .
ولكي لا نطيل في الموضوع فسنأخذ بعض ما قاله القمني في كتابه الحزب الهاشمي ونناقشه علنا نعرف مواطن الأبداع عند القمني واللتي استحق عنها الجائزة .
يقول القمني في الفصل اللذي اسماه تأسيس وفي الصفحة الخامسة من كتابه هذا .
اذا اراد الله انشاء دولة خلق لها مثل هؤلاء . " قالها عبد المطلب بن هاشم " . (( وهنا اود ان اطلب من القاريء العزيز لأن يعينني على البحث عن مصدر موثوق لهذه المقولة لنستطيع معرفة صحتها من عدمها علميا . فالقمني يرميني الى الكاتبة ابكار السقاف , وأبكار ترميني الى خفاجة والجيار . ومن هنا انقطع الخيط عندي واصبح الموضوع وكأنه مقولة قيلت في منتدى ما وباقي المنتديات نقلت عنه )) ونعود لعبارة القمني ليكمل ويقول . وهو يشير الى ابنائه وحفدته , فبرغم التفكك القبلي في بيئة البداوة اللتي عاشتها جزيرة العرب فأن هناك من استطاع ان يقرأ الظروف الموضوعية لمدينة مكة بوجه خاص , وأن يخرج من قرآئته برؤية واضحة : هي امكان قيام وحدة سياسية بين عرب الجزيرة تكون مركزها ونواتها مكة تحديدا برغم واقع الجزيرة ان ذاك . وكان هناك من هو لرأي عبد المطلب من ذوي النظر الثاقب والفكر المنهجي المخطط اللذين استطاعوا ان يصلوا الى النتيجة نفسها بعد قرآءة واعية للخريطة السياسية والظروف الأجتماعية والأقتصادية , لكن الكثرة الغالبة لم ترى ذلك , حتى اليهود اللذين كانوا يعيشون بين ظهراني العرب كعرب لم يروا ذلك ...وبعد كلام يورده يتم قوله هذا بالقول . ومن ثم اجاز العقاد لنفسه – وهو رجل متزن ومتوازن – أن يجزم قاطعا بأن شان اليهودية في توضيح هذه الحقائق كان اعظم من كل شأن لها في جزيرة العرب .
اذا فالقمني يرى ان العرب كانوا يتهيأون منذ زمن طويل يسبق البعثة المحمدية لتأسيس دولة قومية لهم تضمهم جميعا في مناطق تواجدهم لأول مرة في التأريخ . كما ان الهاشميين كانوا يطمعون ويخططون منذ مدة الى سيادة العرب وتولي مقاليد ملكهم حال أن يؤسسوا دولتهم المنتظرة . وأن نبوة الرسول "صلوات الله عليه وعلى آله" هي نتاج لهذا الحلم القومي ! .
وهذا ماتبينه الخلاصة اللتي خرج بها القمني في صفحة 56 من كتابه حيث يقول .
(( اما المهمة الجليلة والعظمى فكانت قيام النبي (صلى الله عليه وسلم) بأنشاء اول دولة عربية اسلامية في الجزيرة محققا نبوءة جده : اذا اراد الله انشاء دولة خلق لها امثال هؤلاء )) .
لقد استنجد القمني في العبارة الأولى بقول للكاتب الكبير عباس العقاد لأيهام القاريء بأن العقاد هذا الكاتب المتزن والمتوازن كما وصفه يرى ما يراه هو من ان العلمية تحتم وجود مقدمات لابد ان تؤدي الى نتائج كما قال في مقدمته للكتاب موحيا ان البعثة النبوية هي نتاج الظروف القائمة انذاك في الجزيرة العربية . الا ان الرجوع للعبارة الأصلية في كتاب العقاد "طوالع البعثة المحمدية" واللتي قالها بعد سرد طويل لهذه الظروف , تقول .
والأسلام قد استصفى تاريخ العرب قبل دعوته فجمعه كله في الوحدة القومية وأقام هذه الوحدة على ركنيها اللذين لا قوام لها بغيرهما على تساند وأتفاق . وهما ركن اللغة وركن الحرية الدينية . الا ان معجزة الأسلام في جميع مقدماته ونتائجه ان هذه النتائج لم تكن قط منقادة مسخرة لتلك المقدمات . فأن هذه العصبية اللغوية الدينية قد آلت بيد الأسلام الى دعوة انسانية عالمية لاتنكر شيئا كما تنكر العصبية الجاهلية , ولا تعرف ربا غير رب العالمين ولا قسطاسا غير قسطاس العمل الصالح يتفاضل به القرشي والحبشي والعربي والأعجمي وعترة النبي ومن ليس بينه وبين النبي لحمة غير لحمة الأيمان .
ونعود فنقول ان شأن اليهودية في توضيح هذه الحقائق اعظم من كل شأن لها في في الجزيرة العربية . فما لا نزاع فيه ان اناسا من اليهود قدموا الى الجزيرة العربية بلغة غير اللغة الحجازية . فأحتفظوا بلغة الدين للدين , ولم يمضي عليهم زمن طويل حتى عم التفاهم بينهم وبين سائر العرب بلسان الحجاز وتهامة ونجد ومن جاورهم من الأنباط وعرب الحيرة وبادية الشام . وهذه حقيقة تاريخية واقعية مسقطة لكل دعوى يتحذلق بها ادعياء العلم من محترفي التبشير والأستشراق .
ومن عبارة الكبير العقاد هذه سنفهم ان الرجل "المتزن المتوازن" لايمكن ان يركن لنظرية القمني . فالرسالة المحمدية أن لم تكن سماوية لما قال العقاد عبارته الملونة بالأخضر" معجزة الأسلام في جميع مقدماته ونتائجه لم تكن قط منقادة مسخرة لتلك المقدمات " والقمني ليس فقط يخالف الأستاذ العقاد بل أنه لوى عنق النص هنا ليوحي بأن العقاد على رأيه .
والحقيقة ان مفكرا كبيرا كالعقاد شأنه شأن أي رجل علمي محايد لابد ان يخرج بالأنطباع اللذي وصفه بهذه العبارة . فالأوضاع الأجتماعية في الجزيرة العربية قبل البعثة المحمدية اللتي شرحها الكثيرون من اللذين استقى منهم القمني معلوماته وملأ بأسمائهم هوامش كتابه , لايمكن ان تقنع احدا بأنها ظروف ستؤدي الى وحدة قومية على الأطلاق . وحتى القمني نفسه وفي عدة اماكن من كتابه يعترف بذلك .
فالعرب أي كان الظرف الأجتماعي لاتقبل بفرد يملك عليهم ويسود لأن معنى ذلك سيادة عشيرة على عشيرة , صفحة 5 .
وفي صفحة 6 يستنتج القمني من خطاب النعمان بن المنذر امام كسرى مايلي .
والخطاب هنا – سواء صحت نسبته للنعمان او لم تصح- لصاحب رؤية سياسية فذة . حاول ان يوضح بأيجاز , الظرف الأجتماعي العربي اللذي حال حتى هذا الوقت دون قيام وحدة سياسية كبرى لعرب الجزيرة . ذلك النظام المتمثل في نظام قبلي وعصبية عشائرية كانت من لزوم ما يلزم عن شكل المجتمع البدوي غير المستقر للأبقاء على وجود القبيلة .
ولا ادري كيف اصبحت هذه الظروف اللتي تمنع وحدة أي مجتمع مهما كان جنسه او نوعه مقدمة لوحدة قومية منتظرة يحلم بها العرب جميعا وعلى رأسهم قريش وآل المطلب بالذات .
اذا كان العرب اليوم وفي القرن الواحد والعشرين واللذين تربطهم روابط اقلها اللغة والتاريخ والدين والجغرافيا . وفي عصر الأنترنت والستلايت وما يسمى بثورة المعلومات وهم في اكثرهم من المتعلمين . وكثيرا منهم مثقفين واساتذة وحتى علماء . وبعد تجارب هائلة لأحزاب قومية وناصرية وبعثية ووو. عاجزين عن تحقيق حلم الوحدة العربية وهم 22 قبيلة فقط . فكيف يمكن ان نصدق من يقول ان الآف القبائل العربية واللتي كان اكثرها من الأعراب كانت تحلم بالوحدة العربية وتسعى لها .
لقد بات من ينادي بهذه الوحدة اليوم هدفا للتهكم . وصار الكلام عن الوطن العربي الكبير نكتة يتندر بها الكثير من العرب وأولهم القمني ومن يؤيده . الا ان سيد القمني يرى ان حلم الوحدة العربية هذا كان حلم كل العرب (( ومتى )) في القرن السادس الميلادي أي في أيام الجاهلية ... (الجاهلية يارجل) . والله كلام علمي جميل .
تعالوا نأخذ بعض اللمحات عن عقلية وطبيعة القبائل العربية في الفترة اللتي سبقت البعثة المحمدية واللتي عاش الرسول صلوات الله وسلامه عليه 40 سنة منها قبل ان يبعث.
يقول الدكتور جواد علي في كتابه الموسوعة (( المفصل في العرب قبل الأسلام )) , وهو من أكبر علماء التاريخ العرب واللذي اكتسب شهرة عالمية كبيرة ( وقد اخذ القمني منه في كتابه كما يشير ) . ان عرب الجزيرة كانوا في معظمهم من البداوة حتى انهم باتوا لا يعرفون غير الغزو مصدرا للرزق . وأنهم نتيجة لهذه الظروف اصبحوا قبائل متناحرة معتدة بنفسها فنسجت من حروبها الحقيقية المستمرة هذه اساطير اسموها بأيام العرب . ومنها ما كان بين بطون قبيلة واحدة مثل حرب داحس والغبراء اللتي استمرت لعقود .
وفي الجزء الخامس من هذا الكتاب يقول جواد علي . الفصل الرابع والخمسون . صفحة 334
فالغزو اذا هو حاصل ظروف طبيعية وأقتصادية وأجتماعية المت بالأعراب . وأجبرتهم على ركوب هذا المركب الخشن . كارهين ام مختارين فليس للأعرابي للمحافظة على حياته ولتأمين رزقه غير هذا الغزو . وقد بقي يغزو حتى في الأسلام مع منع الأسلام له لا يجد في ذلك غضاضة ولا بأسا . وهو وأن امتنع عنه اليوم فأنه لم يتركه عن أرادة وأختيار وطيب خاطر . وأنه يعلم أنه ان قام به , فأن هناك حكومات اقوى منه .
وهذه حقيقة مثبتة في كل كتب التاريخ ولا تحتاج الى جهد لأثباتها .
اما عن معتقادت العرب الدارجة واللتي كان يعتقد بها معظمهم آن ذاك فيقول في الجزء الخامس . الفصل السابع والثمانون . ص 806
ولأهل الجاهلية عادات وأساطير كثيرة . فمن ذلك ما كانوا يفعلونه في اسفارهم أذ كان أحدهم اذا خرج الى السفرعمد الى شجرة من الرتم فعقد غصنا منها , فأذا عاد من سفره ووجده قد انحل قال "خانتني زوجتي" .
ومن اعتقادهم في السفر ان من خرج في سفر وألتفت وراءه لم يتم سفره . وايضا منها التصفيق . كانوا اذا ظل الرجل في الفلات , قلب ثيابه وحبس ناقته , وصاح في اذنها وكأنه يوميء الى انسان . وصفق بيديه , الواحا الواحا . النجا النجا . هيكل . الساعة الساعة . الي الي . عجل . ثم يحرك الناقة ويهتدي .
فبأي منطق علمي من الممكن ان نرتضي به مقولة القمني وأمثاله من الكتاب اللذين يريدون اجبارنا على تصديق ان هذه القبائل المتناحرة والمتخلفة والجاهلة . كانت تعج بالأفكار القومية والدينية المتطورة . محتجين بآحاد من العرب الأحناف اللذين يتواجدون بين ظهرانيهم . وببعض المسيحيين اللذين كان موطنهم الأصلي قبائل الغساسنة في الشام وغيرهم من اللذين يعيشون خارج الجزيرة العربية في نشر وعي قومي وثقافي مزعوم لايوجد ما يؤكده في كتب التاريخ الا بلي عنق نصوص هذه الكتب وجعلها مقدمات لتحقيق حلم العرب " والحزب الهاشمي" بالوحدة القومية العربية في جزيرة العرب .
بل ان المصادر كانت تؤكد عدم اقتناع حتى المتمدنين من العرب(( ونحن نتكلم عن مدن اشبه بالقرى هنا )) بهذه الأفكار الحنفية وقد كانوا كلهم من المشركين بعبادة الله اوثانا شتى .
كما يتضح من قصة امية بن ابي الصلت انه حتى اعتى الأحناف العرب على قلتهم لم يسلم بعض من لحق منهم بالرسول الأعظم فكيف يمكننا ان نقتنع بأن العرب المشركين كانوا يطالبون بموحد قومي يجمعهم على دين واحد تهفوا اليه قلوبهم ومهد له الأحناف .
يقول ابن عساكر في البداية والنهاية .. اخبار امية بن ابي الصلت الثقفي . وبعد حديث طويل عن نقاشات فكرية كثيرة دارت بين ابي سفيان وابن الصلت مايلي .
قال: ثم خرج أمية بن أبي الصلت إلى البحرين . وأقام أمية بالبحرين ثماني سنوات وتنبأ رسول الله سنين . ثم قدم الطائف فقال لهم: ما يقول محمد بن عبد الله؟ قالوا: يزعم أنه نبي هو الذي كنت تتمنى ,
قال: فخرج حتى قدم عليه مكة فلقيه فقال: يا ابن عبد المطلب ما هذا الذي تقول؟ قال: أقول إني رسول الله، وأن لا إله إلا هو. قال: إني أريد أن أكلمك فعدني غدا. قال: فموعدك غدا. قال: فتحب أن آتيك وحدي أو في جماعة من أصحابي، وتأتيني وحدك أو في جماعة من أصحابك؟ . فقال رسول الله . أي ذلك شئت. قال: فإني آتيك في جماعة، فأت في جماعة.
قال: فلما كان الغد غدا أمية في جماعة من قريش، قال: وغدا رسول الله معه نفر من أصحابه حتى جلسوا في ظل الكعبة .
قال: فبدأ أمية فخطب، ثم سجع، ثم أنشد الشعر، حتى إذا فرغ الشعر قال: أجبني يا ابن عبد المطلب . فقال رسول الله . بسم الله الرحمن الرحيم يس وَالْقُرْآنِ الْحَكِيم . حتى إذا فرغ منها وثب أمية يجر رجليه قال: فتبعته قريش يقولون: ما تقول يا أمية؟ .
قال: أشهد أنه على الحق . فقالوا: هل تتبعه؟ . قال: حتى أنظر في أمره .
قال: ثم خرج أمية إلى الشام، وقدم رسول الله المدينة .
فلما قتل أهل بدر، قدم أمية من الشام حتى نزل بدرا، ثم ترحل يريد رسول الله . فقال قائل: يا أبا الصلت ما تريد؟ .
قال: أريد محمدا . قال: وما تصنع؟ . قال: أؤمن به، وألقي إليه مقاليد هذا الأمر . قال: أتدري من في القليب؟ . قال: لا . قال: فيه عتبة بن ربيعة، وشيبة بن ربيعة وهما ابنا خالك - وأمه ربيعة بنت عبد شمس . قال: فجدع أذني ناقته، وقطع ذنبها، ثم وقف على القليب يقول .
ماذا ببدر فالعقنقل من مرازبة جحاجح .
القصيدة إلى آخرها، كما سيأتي ذكرها بتمامها في قصة بدر إن شاء الله. ثم رجع إلى مكة والطائف وترك الإسلام .
ونعود لنتسائل هنا كيف يمكن ان نصدق من يقول ان عرب الجزيرة الوثنيين كانوا ينتظرون نبيا ليقيم لهم دولتا واحدة في جزيرة العرب . بينما ابن ابي الصلت افضل الأحناف العرب كما تقول كتب التاريخ رفض ان يدخل الأسلام ومات كافرا بعد ان اتخذ من قول سادات قريش حجة لتكذيبه نبوءة الرسول . ولماذا لأنه عربي لايقبل بسيادة احد عليه كما نعرف عن طبيعة العرب . وأذا بالقمني يقول لنا ان العرب وبتأثير الأحناف كانوا ينتظرون نبيا مخلصا . ويوحي لنا بأن رسول الله أخذ قرآنه من شعر ابن الصلت وغيره . متناسيا أن أشعار هؤلاء الأحناف تستند الى التوراة والأنجيل اللذيين جاء القرآن متمما لهما ومصححا لما دس فيهما .
لم تشفع في تفنيد هذه النظرية السقيمة عند القمني ومن هو على رأيه اخبار محاربة قريش ذاتها لدين الأسلام اللذي بشرها به ابنها رسول الله كما لم يحارب نبي من قبل . ولم تشفع في تفنيدها غزوات بدر وأحد والخندق . ولم تشفع حروب الرسول مع قبائل العرب من هوازن والطائف وبني الحارث وغيرها . ولم تشفع في تفنيدها عنده حروب الردة اللتي اشتعلت في انحاء الجزيرة بمجرد وفاة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم . فكل هذه الحروب والمعاندة والمكابرة في دخول الأسلام من عرب الجزيرة هي دليل علمي عند القمني واخوته على انتظار الجزيرة العربية لموحد قومي وديني يؤسس لهم دولة واحدة في جزيرة العرب . وحتى اعتراف القمني ذاته بوضوح هذه الأدلة لم يقنعه بأستحالة نظريته هذه . فها هويقول
بعد كلام كثير عن هذه المقدمات في صفحة 6 .
وأزاء كل هذه العوائق الواضحة والمحبطات السافرة للحلم , وللأمل وللتوقع لم يجد الآخرون سوى الأهتداء الى أنه لاحل سوى ان يكون منشيء الدولة المرتقبة نبيا مثل داود . وعندما وصلوا الى هذا فشا الأمر بسرعة هائلة بين العرب . حتى اشتد الأرهاص بالنبي المنتظر خلال فترة وجيزة , وآمن هؤلاء بذلك . وأخذوا يسعون للتوطئة للعظيم الآتي . وأن ظلت المشاعر القبلية داخل النفوس اللتي تهفوا للوحدة . وظن كل منهم أن الآتي سيكون منهم , مثل امية بن عبد الله الثقفي اللذي راودته نفسه بالنبوة والملك فقام ينادي . (( الا نبي منا فيخبرنا ما بعد غايتنا في رأس محيانا ؟ )) .
نظرية الكعبة والكعبات , للقمني .
اما محاولة القمني لتحويل قصة سيطرة بني هاشم على سدانة الكعبة الى حجة لأثبات نظريته فهذه نظرية خائبة اخرى من نظريات القمني الكثيرة المثيرة للضحك .
ففي فصل الكعبات صفحة 11 من كتابه . يتكلم القمني عن خطة مزعومة لبني هاشم لتحويل العرب عن الكعبات الكثيرة اللتي كانت تنتشر في ربوع الجزيرة العربية آنذاك الى الكعبة المشرفة في مكة ومحاولتهم لمحو أي اثر لهذه الكعبات بأستثناء كعبتهم . وذلك لأستغلال سدانتهم للكعبة المشرفة في الدعوة الى حزبهم اولا . ولتسهيل انقياد العرب الى من سيخرج منهم لقيادتهم عندما تحين ساعة قيام الدولة العربية على يد احد افراد هذا الحزب المزعوم ثانيا. وهذا ما كان لرسول الله صلواة الله وسلامه عليه على حد زعمه .ولنتمعن فيما يقول القمني بهذا الشأن.
بعد سرد تأريخي مدعم بالمراجع للكعبات اللتي كانت منتشرة في جزيرة العرب وأوصافها ومواقعها , يبدأ القمني بشرح خطة الحزب الهاشمي في توحيد الكعبات بكعبة مكة وكيف نفذها هذا الحزب فيقول في صفحة. ص12 .
وواضح لدى اي باحث أن هذا التفرق العقائدي , وتعدد العبادات والأرباب , قد ساعد بفعالية في زيادة الفرقة القبلية . بحيث اصبحت عائقا دائما ومستمرا في سبيل المحاولات اللتي قامت من اجل خلق كيانات سياسية في جزيرة العرب .
ففطن بنو هاشم لذلك . فما اللذي فعلوه كما يقول القمني في فصل مكة – حلم السيادة ص 15
اما كيف دخلت مكة هذا الدور فهو ما سيعود بنا الى استفاضات في ذكره كتب التراث . ذلك العهد اللذي استطاعت فيه قريش ان تستولي على مكة قبل زمن الفيل بزمان . تحت قيادة قصي بن كلاب . ذلك القرشي اللذي استطاع بعبقرية نادرة ان يكون في مكة سيدا مطلقا .
وفي فصل قصي بن كلاب ص 19 . يشرح القمني اول من بدأ بأعداد وتنفيذ خطة توحيد العرب بقبضة بني هاشم فيقول .
ولا يغيب عن فطن ان امتلاك قصي السيادة على مكة , قد قام وفق خطة مرسومة ومدروسة ومنظمة , قامت على وعي سياسي نافذ هادف نحو غاية , وسائلها هي الدين ممثلا في الكعبة المكية . حتى قال ابن الأثير " كان امر قصي فيهم شرعا متبعا , معرفتا منهم لفضله وتيمنا بأمره . وقال الطبري " فكان امره في قومه في حياته وبعد موته كالدين المتبع " . وقد تيسر المال من عشور التجارة , وتأليف القلوب حوله بالبذل والعطاء كالملوك من خلال السقاية والرفادة وهكذا , استطاع ان يجمع بين يديه كل الوضائف الرئيسية والدينية والتشريعية , فكان أول سيد مطلق النفوذ في دولته الصغيرة , مكة .
ثم يستمر القمني في سرد قصة السيطرة المزعومة عن طريق الكعبة ويصف اعمال هاشم جد الرسول وتعظيمه للكعبة وسيادته في مكة ومن ثم الى عبد المطلب جد الرسول وكيف حفر زمزم في سياق نفس الخطة فيقول .
ثم يعقب بالقول "يعني ابن كثير" ان عبد المطلب ساد في قريش سيادة عظمى , وذهب بشرفهم ورئاستهم فكان جماع امرهم عليه , وكانت اليه السيادة والرفادة بعد المطلب , وهو اللذي جدد حفر زمزم , بعدما كانت مطمورة من زمن جرهم , وهو اول من طلى الكعبة بذهب في ابوابها من تينك الغزالتين اللتين من ذهب , وجدهما في زمزم مع تلك الأسياف القليعة .
(( ثم يؤكد " ويقصد ابن كثير " ان عبد المطلب كان مؤسسا لملة وأعتقاد , فيروي عن ابن عباس وأبن عمرو ومجاهد والشعبي وقتادة . " عن ديانة ابي طالب بن عبد المطلب " هو على ملة الأشياخ ... هو على ملة عبد المطلب )) .
وبذلك يصل القمني الى نظرية ان قصي جد الرسول الأول قد وضع خطة السيطرة على الدولة المكية عن طريق الكعبة . ومن ثم سار عليها ابنائه ينفذون بنودها بندا بندا وصولا الى رسول الله اللذي قطف ثمارها بتأسيس دولته . وهذا ما قاله نصا في استنتاجه من كلام المسعودي المؤرخ المعروف في فصل قصي بن كلاب ص 18 . حيث يقول القمني .
وهو قول (( يعني قول المسعودي )) يشير الى تطور في خطط قصي لرفع شأن دولته المكية عن طريق الكعبة وأستضافتها ارباب القبائل الكبرى .
وهنا يجب ان نقف قليلا لنرى كيف استغل رسول الله صلواة الله وسلامه عليه كل هذا التخطيط وهذه الخطوات العملية اللتي قام بها اجداده الهاشميين "او حزبه الهاشمي" على مدى اكثر من قرن من الزمان في تأسيس دولته اللتي وحد بها العرب ومن ثم تملك عليهم محققا نبوءة جده عبد المطلب المزعومة , اذا اراد الله انشاء دولة خلق لها مثل هؤلاء .
بعد ان بدأ قصي بن كلاب في رفع شأن دولته المكية عن طريق الكعبة وبعد ان قام هاشم بذات العمل وبعد ان قام عبد المطلب بحفر زمزم وزين الكعبة بالذهب اللذي وجده اثناء الحفر , وبعد ان سيطر الحزب الهاشمي على السقاية بعد الرفادة وبذلك أكملوا كل الظروف اللتي تمكن محمد بن عبدالله الهاشمي واللذي أختاره الحزب لبدأ أعلان الدولة العربية الكبرى تحت قيادته واللذي فهم لعبة الكعبة جيدا وتشرب بها وتربى عليها في كنف هذا الحزب . كما يزعم القمني . بعد هذا كله ماذا فعل الرسول صلواة الله عليه وسلامه ؟؟؟ .
بدلا من ان يدعوا العرب للدخول الى الأسلام بأعتباره من الهاشميين اسياد كعبتهم . امر اهله الهاشميين اعضاء الحزب من اللذين اسلموا وكذلك باقي العرب اللذين بدؤا بالدخول في دين الهاشميين الجديد بالصلاة اللتي فرضها الله عليهم . وأن يتجهوا الى قبلة واحدة يتجه اليها جميع المسلمين في صلواتهم اينما كانوا وهذه القبلة هي (((المسجد الأقصى)))؟؟؟!!!.
نعم سيداتي سادتي محمد بن عبد الله الهاشمي نفذ خطة الحزب الهاشمي اللتي اخترعها القمني واللتي اكلت منهم الوقت والمال والجهد بأن جعل القبلة في الصلاة المسجد الأقصى وقبة الصخرة المشرفة، واللتي تقع هناك خارج جزيرة العرب اللتي يريد ان يوحدها بقبضته . هناك في بلاد الشام البعيدة الواقعة بقبضة الروم ؟!!!.
والسؤال هنا لماذا يضيع قائد الحزب الهاشمي الجديد كل هذه الجهود والأموال ليرفع من شأن مدينة القدس ومسجدها الأقصى على حساب كعبة مكة المشرفة ، حجة الهاشميين وعذرهم اللذي مهدوه لأخضاع العرب على القبول بحكمهم . ناهيك عن جعل المدينة المنورة عاصمة لدولته الأسلامية فيما بعد من دون مكة . ولم يغيرها حتى بعد ان فتحها وأصبحت من مدن دولته الجديدة بل وأوصى ألا يدفن فيها وهي مسقط رأسه وأن يدفن في المدينة المنورة .
والجواب هنا بسيط جدا جدا . وهو ان هذا امر ألهي لايستطيع رسول الله صلوات الله وسلامه عليه مخالفته , حتى وأن كان رسول الله يرغب بجعل الكعبة المشرفة قبلة للمسلمين كما تؤكد كتب التاريخ . لأنه نبي يأخذ اوامره من السماء لا من حزب بني هاشم العربي الأشتراكي الأسلامي ياسيد قمني يا (( دكتور؟؟ )) .
في مجمع البيان عن الأمام القمي (( وانا هنا اقتبس )) طعن السفهاء من المشركين وأهل الكتاب وقالوا : ما وَلاَّهم عن قبلتهم التي كانوا عليها ، فنزل قوله تعالى (( : َيَقُولُ السُّفَهَاء مِنَ النَّاسِ مَا وَلاَّهُمْ عَن قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُواْ عَلَيْهَا قُل لِّلّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَن يَشَاء إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ (( البقرة : 142
في قوله تعالى) الآية ، عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) قال : ( تحوّلت القبلة إلى الكعبة ، بعدما صلّى النبي ( صلى الله عليه وآله ) بمكّة ثلاث عشرة سنة إلى بيت المقدس ، وبعد مهاجرته إلى المدينة صلّى إلى بيت المقدس سبعة أشهر ) ، قال : ( ثمّ وجهه الله إلى مكّة ، وذلك أنّ اليهود كانوا يعيرون على رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، ويقولون أنت تابع لنا ، تصلّي إلى قبلتنا ، فاغتم رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) من ذلك غمّاً شديداً ، وخرج في جوف الليل ينظر إلى آفاق السماء ، ينتظر من الله في ذلك أمراً ، فلمّا أصبح وحضر وقت صلاة الظهر كان في مسجد بنى سلمة ، وقد صلّى من الظهر ركعتين ، فنزل جبرائيل فأخذ بعضديه وحوّله إلى الكعبة وأنزل عليه : ( قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاء فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ) فكان قد صلّى ركعتين إلى بيت المقدس وركعتين إلى الكعبة ، فقالت اليهود والسفهاء : ما وليهم عن قبلتهم التي كانوا عليها (.
وعلى خطى اليهود المشككين في كل الأحوال يشكك القمني ومن قبله ومن بعده ممن تأثروا ببعض المستشرقين بأي حدث تأريخي يثبت نزول الوحي على الرسول الأعظم صلوات الله وسلامه عليه فأذا قال الرسول يمينا قالوا هم يسارا . وأذا قال يسارا قالوا يمينا وكل ذلك بالعلم والمراجع ؟ .
أعتقد في رأيي المتواضع ان امر الله لرسوله صلوات الله وسلامه عليه يالصلاة الى بيت المقدس واللذي اكدته جميع كتب التاريخ معجزة ما بعدها معجزة , وذلك لأمرين .
اولهما ان الله جل جلاله يعلم ان القمني ومن على رأيه سيتخرصون على رسول الله بمثل هذه التخرصات وهو العالم فوق كل عالم . فأجل الصلاة الى الكعبة طوال فترة ضعف الدعوة المحمدية في مكة ومجاهدتها للبقاء ولما يقارب السنتين ايضا بعد ان أصبح لرسول الله دولة وأتباع كثر في يثرب لا في مكة . بينما لو كان الموضوع هو خطة لحزب الهاشميين لكان عكس الآية هو الأكثر منطقية وعلمية هنا . فالرسول في فترة ضعفه وبداية دعوته كان يحتاج بشدة للأحتجاج بسدانة بني هاشم للكعبة وأبراز شرفها وتفردها بهذه السدانة أضافة لسقاية الحجيج وكان يستطيع تغيير القبلة الى اينما يشاء بعد ان يبني دولة بني هاشم العربية الموحدة ويسودها . الا ان ماحصل هو العكس تماما مما يؤكد المعجزة في هذا الأمر الألهي وكذب نظرية السيطرة على العرب بالكعبة .
وثاني الأمرين اللذين يجعلان من تغيير القبلة معجزة كبيرة . هي علمه سبحانه وتعالى بعلو بني اسرائيل الثاني واللذي أكده في سورة الأسراء (((3) وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا (4) فَإِذَا جَاء وَعْدُ أُولاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَّنَا أُوْلِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُواْ خِلاَلَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْدًا مَّفْعُولاً (5) ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا ))) . فلا يكون لمن يقول يومها بأن بيت المقدس هذا قضية الفلسطينيين وحدهم وليس لباقي المسلمين شأنا بها .
حيث جعلها اولى القبلتين فتنة ليمحص بها قلوب المسلمين اليوم كما جعلها امتحنا لكشف اللذين في قلوبهم زيغ ايام الرسول .
كما اني لا اعرف لماذا لم يشرح لنا القمني سبب ارتداد عدد من العرب عن الأسلام بعد حادث تغيير القبلة الى مكة اذا كان توحيد الكعبات في مكة خطة مدروسة بعناية لجذب العرب من قبل الحزب الهاشمي .
والخلاصة من كل ما سبق ان القمني قد ضرب بالعلم والعلمية عرض الحائط في كتابه اللذي وصفه بالدراسة تعديا . وهو يسهب في تحليلات تاريخية لنصوص مستقاة من كتب قيمة ( وأن كانت لا تخلوا من ضعف هنا او هناك ) ليدعم وجهة نظر معينة يراها هو , الا ان النتائج تكون مخالفة تماما لوجهة نظره .
فهو يسهب في شرح خطة الهاشميين للتحضير لدولتهم القومية المزعومة وعاصمتها مكة . فأذا بالعاصمة اللتي يختارها رسول الله هي المدينة المنورة . ويسهب في شرح خطة الهاشميين بجعل الكعبة رمزا للوحدة العربية تحت قيادتهم هم سدنة الكعبة . وأذا برسول الله يجعل المسلمين يصلون الى بيت المقدس ثلاثة عشر سنة .
ومن ثم يجعل من كل الظروف الأجتماعية دلالة على تهيأ العرب للوحدة القومية فأذا بالصراعات والحروب الأهلية تتوالى بين عشائر مكة ذاتها بعد البعث النبوية ومن ثم مع باقي العرب في كل مكان من جزيرتهم .
وكذلك بعد محاولات مستميتة يقوم بها القمني لأقناع القاريء بعبقرية الحزب الهاشمي اللذي اقنع العرب بنبوة محمد بن عبدالله الهاشمي صلوات الله عليه , نكتشف في آخر الكتاب وجود احزاب قرشية أخرى لا تقل عن الحزب الهاشمي شرفا وقوة وقربا من العرب جميعا وأهمها , الحزب الأموي اللذي انتصر على المشروع الهاشمي في نهاية الأمر بمشهد يزيد بن معاوية وهو ينكت ثنايا رأس بن رسول الله بعصاه وهو ينشد .
تلعبت هاشم بالملك فلا خبر جاء ولا وحي نزل
فأذا لم يكن الأمر أمر نبوة سماوية ووحي يتنزل من السماء فلماذا لم يخرج من بني امية الأذكياء الأقوياء نبي يوحد العرب تحت رايتهم كما فعل الهاشميون .
كما أن شروحات وتحليلات القمني للخطة الهاشمية افرزت في بعض نتائجها تكذيبا هاشميا جزئيا غير مبرر لنبوة الرسول وهم اهل الخطة ومن رسمها . كما يتضح من قصة ابي لهب عم الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم واللذي توعده رسول الله وأمرأته حمالة الحطب بالنار يوم القيامة . ولا ارى سببا لحصول ذلك الا عدم سماع هذا الرهط من بني هاشم بهذه الخطة . ربما لأنها ليست موجودة الا برأس القمني وبعض المستشرقين اللذين سبقوه لهذه النظريات .
لقد كان العرب عند نقطة شروع الرسول نحو نشر رسالته العالمية من مكة , في قمة الجهل والتخلف الأجتماعي والحضاري والديني كما تثبت كل كتب التاريخ المحبة والكارهة للأسلام . وبذلك لا يمكن الركون لنظريات القمني وغيره في تفسير الأصلاح اللذي قام به الرسول صلى الله عليه وآله وسلم . بل اننا ليس امامنا ألا الأعتراف بأن ما قام به رسول الله من اصلاح في الجزيرة العربية لايمكن ان يقوم به اكبر المصلحين المثقفين المتنورين في عصرنا الحالي هذا . وبالتالي لايمكن ان يكون هذا الرجل الأمي اللذي لا يعرف القراءة والكتابة ولا حتى الشعر لسان العرب الا نبيا يستمد قواه وتعاليمه وتشريعاته من السماء . وهذا ما توصل اليه الكثيرون من العرب والعجم , المسلمون وغير المسلمين . المحبون والمبغضون المحايدين . ألا المبغضين اللذين يجرفهم حقدهم على ظواهر لاتنتمي الى الأسلام الحق هنا او هناك الى كره الأسلام ورسوله والأفتراء عليه دون وجه حق .
قال تولستوي الحكيم الروسي في كتابه حكم النبي محمد . وفي الفصل الخامس من هذا الكتاب والمعنون – من هو محمد: ص44
ومما لا ريب فيه أن النبي محمداً كان من عظام الرجال المصلحين الذين خدموا المجتمع الإنساني خدمة جليلة ، ويكفيه فخراً أنه هدى أمة برمتها إلى نور الحق ، وجعلها تجنح للسكينة والسلام وتؤثر عيشة الزهد ، ومنعها من سفك الدماء وتقديم الضحايا البشرية وفتح لها طريق الرقي والمدنية وهو عمل عظيم لا يقوم به إلا شخص أوتي قوة ، ورجل مثل هذا جدير بالاحترام والإكرام .
لااحد يستطيع ان ينكر كل الأحداث التاريخية اللتي يستنجد بها القمني ومن لف لفه في التخرص على الأسلام . ولكن أي عاقل ومنصف سيعرف أن هذه الأحداث والظروف كانت موجودة في كل مجتمع ظهر فيه نبي من الأنبياء أولي العزم . وأن كل الأنبياء اللذين بعثهم الله قبل محمد صلواة الله وسلامه عليه كانوا من عوائل ذات شرف وقوة ليمنعوه عن أعدائه وهذه حكمة ألهية مهمة لأتمام الرسالات . وأن كل البشائر اللتي بشرت بقدوم الرسول الأعظم صلى الله عليه وعلى آله وسلم هي من جنس البشائر اللتي ظهرت قبل بعثة موسى وعيسى وغيره من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام أجمعين . فهو وهم صلواة الله عليهم أخوة كما كان يؤكد رسول الله . رسالتهم تأتي من مصدر واحد ووحيد هو الله عز وجل .
كما اننا يجب أن نقر بأن قرون طويلة من حكم أعداء آل بيت الرسول من أمويين وعباسيين وعثمانيين وسيطرتهم على المرافق الثقافية والدينية , وشرائهم لذمم وعاظ السلاطين . كل ذلك قد اسفر عن نصوص تراثية لايمكن الركون الى صحتها بالمطلق . بل أن الدس على رسول الله وسيرته قد وصل حتى الى أحاديثه اللتي هي مرجع مهم للشريعة . مما يتطلب منا نحن المسلمين وقفة جادة لتنقية كتب الحديث والتراث من بعض الشوائب اللتي لحقت بها . وكذلك اهمية ان نفهم الفرق مابين التراث ومصادر الشريعة من قرآن وسنة . ولكن دون المساس بأصول الدين . فالأستنباط والتفلسف يكون في فروع الدين لا بقولة ( لا اله الا الله . محمد رسول الله ) .
وفي النهاية لا نملك ألا ان نتسائل . أين الأبداع يالجنة المسابقات المصرية . وهل أن تخرصات كهذه كتبها مدعي الدكتوراه هذا يمكن أن نسميها بحثا علميا ومبدعا ايضا . ألا يحق للمصريين أن يطالبوا بأرجاع نقودهم اللتي أخذت من خزينة دولتهم لتعطى لرجل يحاول أن يشكك في نبيهم ودينهم دون أي دليل علمي مقبول , ولأسباب باتت معروفة للقاصي والداني . والمصيبة أن مدعي العلم والعلمية يقفون مع الحكومات اللتي يدينوها ليل نهار ليدافعوا عن هذا المزور فقط لأن ما جاء به القمني يتماهى مع أفكارهم الحاقدة على الأسلام والمسلمين .
وليس لي ألا أن أذكرهم مرة اخرى بعبارة العبقري عباس محمود العقاد اللذي فهم ما لم يفهمه القمني , حين يقول .
والأسلام قد استصفى تاريخ العرب قبل دعوته فجمعه كله في الوحدة القومية وأقام هذه الوحدة على ركنيها اللذين لا قوام لها بغيرهما على تساند وأتفاق . وهما ركن اللغة وركن الحرية الدينية . الا ان معجزة الأسلام في جميع مقدماته ونتائجه ان هذه النتائج لم تكن قط منقادة مسخرة لتلك المقدمات . فأن هذه العصبية اللغوية الدينية قد آلت بيد الأسلام الى دعوة انسانية عالمية لاتنكر شيئا كما تنكر العصبية الجاهلية , ولا تعرف ربا غير رب العالمين ولا قسطاسا غير قسطاس العمل الصالح يتفاضل به القرشي والحبشي والعربي والأعجمي وعترة النبي ومن ليس بينه وبين النبي لحمة غير لحمة الأيمان .
ونعود فنقول ان شأن اليهودية في توضيح هذه الحقائق اعظم من كل شأن لها في في الجزيرة العربية . فما لا نزاع فيه ان اناسا من اليهود قدموا الى الجزيرة العربية بلغة غير اللغة الحجازية . فأحتفظوا بلغة الدين للدين , ولم يمضي عليهم زمن طويل حتى عم التفاهم بينهم وبين سائر العرب بلسان الحجاز وتهامة ونجد ومن جاورهم من الأنباط وعرب الحيرة وبادية الشام . وهذه حقيقة تاريخية واقعية مسقطة لكل دعوى يتحذلق بها ادعياء العلم من محترفي التبشير والأستشراق .
-----------------------------------------------------------------------------------------------------
التعليقات (1)
1 - رائع
أمل - 2016-08-22 10:44:20
شكرا مقالة مفيدة وفيها نقاط قوية للرد على القمني