مواضيع اليوم

آية الله السيد محمد علي الحسيني يكتب عن فقه الفرح ونظرة الشريعة الاسلامية

فقه الفرح

http://www.mohamadelhusseini.com//pic//12260cb503.jpg

العلامة محمد علي الحسيني


إن الإسلام دين حياة وشريعة، يراعي فيها طبيعة نفس الإنسان وفطرته التي تميل نحو انفعال النفس بالمسرة والفرح، فيزرعه فيها لتعطي وتنتج وتبدع من خلال أجواء الفرح والسرور والبهجة، ولكن نبه الإسلام على ضرورة أن يكون للفرح ضابطة شرعية، وميزان يتناسب مع هدفه ومسؤوليته دون إفراط وبلا تفريط، فالفرح الذي يعني الانبساط والانفراج وبهجة القلب ولذته، يختلف مدحا وذما باختلاف مقتضياته ودواعيه وهو نوعان: فرح مذموم وفرح محمود.


الفرح المذموم والمحمود في الشريعة الإسلامية

إن الشريعة الإسلامية ترى بأن الفرح بالحياة الدنيا والإفراط في الفرح بأمر لا خير له في الآخرة قد ذمه الله (عز وجل) في الآية الكريمة: ﴿وفرحوا بالحياة الدنيا وما الحياة الدنيا في الآخرة إلا متاع﴾ ويشتد الأمر خطورة حينما يفرح الإنسان بما لم يفعل، من باب الرياء والتكبر، ففي مثل هؤلاء يقول الله تعالى: ﴿لا تحسبن الذين يفرحون بما أتوا ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا فلا تحسبنهم بمفازة من العذاب ولهم عذاب أليم﴾، فضلا عن فرح الإنسان بتقصيره في طاعة الله، أو بتخلفه عن ركب الصلاح والاستقامة ﴿فرح المخلفون بمقعدهم خلاف رسول الله وكرهوا أن يجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله وقالوا لا تنفروا في الحر قل نار جهنم أشد حرا لو كانوا يفقهون﴾، إضافة إلى الفرح بمصيبة المؤمنين، والتضايق من مسراتهم ﴿إن تصبك حسنة تسؤهم وإن تصبك مصيبة يقولوا قد أخذنا أمرنا من قبل ويتولوا وهم فرحون﴾.


كما أن الفرح المرفوض الذي لا يحبه الله (عز وجل) هو بسبب الظلم والحصول على ثروة بالباطل: ﴿إن قارون كان من قوم موسىٰ فبغىٰ عليهم وآتيناه من الكنوز ما إن مفاتحه لتنوء بالعصبة أولي القوة إذ قال له قومه لا تفرح إن الله لا يحب الفرحين﴾، والفرح بالباطل والمخالف للحق بقوله تعالى: ﴿ذلكم بما كنتم تفرحون في الأرض بغير الحق﴾.


نفهم من خلال الآيات الكريمة أن الفرح المنهي عنه هو الذي يسخط الله، ويضر صاحبه في الدنيا وفي الآخرة، والذي يولد الأشر والبطر والذوبان في الدنيا والاطمئنان لها والتمسك بها ونسيان الآخرة، فهذا ميزان الفرح المذموم.


أما الفرح المحمود فهو الذي جاء به الإسلام ليحقق للناس السعادة الحقيقية الدائمة، لا الزائفة المؤقتة، وقد شرع الإسلام الفرح، بل حث على إدخال السرور على الناس وإظهاره، من هنا فإن أصل حكم الفرح المنضبط بالضوابط الشرعية اللازم مراعاتها مباح شرعا، والفرح المحمود المعتدل والذي يكون سببا أو مسببا بتحقيق طاعة الله أو بالحصول على نعمة الله أو بتحقق موعود الله أو بتوفيقه للطاعات والقربات، أو بانتصار الحق على الباطل فهذا هو ضابطة وميزان الفرح المحمود.


ومن آيات القرآن التي دلت على الفرح المحمود بسبب انتصار الحق على الباطل؛ قوله تعالى: ﴿ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله ينصر من يشاء وهو العزيز الرحيم﴾، فالفرح يكون محمودا في مقابل نعمة التوفيق لطاعة من الطاعات، كما في قوله تعالى: ﴿قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون﴾.


والفرح بالمسبب هو الفرح الذي يشعر به المسلم بما يحصل له من ثمرة وجزاء للسبب من النعيم في الجنة، وما يدل على ذلك قول الله تعالى:﴿فرحين بما آتاهم الله من فضله﴾.


وفي الحديث عن الفرح بسبب التوفيق لطاعة الله كفرح الصائم بفطره - الذي أرشد إليه النبي (صلى الله عليه وآله وصحبه الأخيار) بقوله: «للصائم فرحتان يفرحهما؛ إذا أفطر فرح، وإذا لقي ربه فرح بصومه» ومن مصاديق الفرح المحمود من فرح يتيما أو صبيا؛ فعن رسول الله (صلى الله عليه وآله وصحبه الأخيار):

.»«إن في الجنة دارا يقال لها دار الفرح لا يدخلها إلا من فرح يتامى المؤمنين


ومن سر مؤمنا وأفرحه سر رسول الله؛ قال (صلى الله عليه وآله وصحبه الأخيار):

«من أدخل على مؤمن فرحا فقد أدخل علي فرحا، ومن أدخل علي فرحا فقد اتخذ عند الله عهدا، ومن اتخذ عند الله عهدا .»جاء من الآمنين يوم القيامة


الفرح في سلوك رسول الرحمة والإنسانية

إن أسوتنا وقدوتنا من أرسل ﴿رحمة للعالمين﴾ وهو على ﴿وإنك لعلىٰ خلق عظيم﴾ وبعث لإتمام مكارم الأخلاق، رسول الرحمة والإنسانية محمد (صلى الله عليه وآله وصحبه الأخيار)، كان فرحه منضبطا بضوابط الشرع الحنيف، فليس بالضاحك الذي أسرف على نفسه، وليس بالذي تقمص شخصية الحزن والكآبة، فهو وسط في الحزن والفرح، وفي كل شيء، وكان ضحكه (صلى الله عليه وآله وصحبه الأخيار) ابتساما، وكان يبتسم كثيرا، والضحك نادر في حياته، وأكبر .»ضحكه - كما ورد في الحديث - أنه «ضحك حتى بدت نواجذه


ودعا إلى التبسم وإظهار الفرح للتعبير عن السعادة بلغة الجسد بالتبسم، وأكد على أجر وثواب ذلك؛ فعنه (صلى الله عليه وآله وصحبه الأخيار): «تبسمك في وجه أخيك صدقة» فبهذه الأخلاق والضحكة والتبسم حاز على قلوب الناس والقبائل والشعوب.


خلاصة فقه الفرح: إن الفرح واحد، له أفراده ومصادقيه، وهي التي تختلف باختلاف دوافعها، فيتصف بالمدح والحق تارة، وبالذم والباطل أخرى، وليس مذموما بنفسه، وحكمه الإباحة وفق الضوابط المذكورة، وإلا فلا.


وإن النصوص الشرعية من الكتاب والسنة النبوية كـ «يستبشرون» و«فرحين» و«بشروا» و«تبسم» كلها تؤكد على ضرورة الاستبشار والتفاؤل بالخير وإظهار السعادة والفرح المعتدل المنضبط، بل تدعو لصناعة الطاقة الإيجابية والتحلي بها وإظهارها ونشرها مهما كانت الظروف والتحديات.

وفي المقابل فإنها تنبذ أولئك المتشائمين أصحاب الطاقة السلبية والرؤى السوداوية.






التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

LOADING...

المزيد من الفيديوهات