مواضيع اليوم

آيات للحرب والسلام

نزار النهري

2011-08-10 11:58:14

0

من النادر ان يكون هناك عمل مبجل ومخيف ومساء استخدامه مثل القرآن. لقد اختلفت الارواح بخصوص نزول الوحي الالهي على النبي محمد، هل كتاب المسلمين المقدس هو عبارة عن نصوص شريعة فقط؟ ام من الممكن تحديث معانيه كالانجيل؟
من بين جميع الناس ، الذين يشقون طريقهم بعناء خلال محطة القطار لا يمكنك الانتباه الى نصر حامد ابو زيد،الذي يرتدي قبعة زرقاء مسحوبة ويحمل كرشه الصغير وملف اوراق كاي موظف مواظب في طريقه الى العمل. خرج البروفسور من فناء المحطة. وجهته كانت الجامعة الهولندية القديمة المعروفة. ففي جامعة (ريكس) Rijks يقف بعناء مرة اخرى في محاظرته عن (النظرية الاسلامية). والتي من اجلها يراقب ويقيم من قبل تلاميذه ويعاني الكراهية من قبل كل الجماعات الاسلامية المتشددة في جميع انحاء العالم. هذا المصري الذي توجب عليه الهرب الى هولندا الهادئة المسالمة قبل 12 سنة مضت والبالغ من العمر 64 عاما، يتمشى بكل هدوء وبدون تلفت بين جمال وزينة بيوت الاغنياء في بلده الجديد وهو يحتمي في سترته من البرد الشديد. في بلده القاهرة لا يستطيع البروفسور التحرك بحرية ثانية، عندما يجازف بزيارة اهله على النيل، يجب عليه تسجيل اسمه لدى دائرة الشرطة. التي تجهز له حارسين وظابط شرطة ليكونوا جنبه. ولا يستطيع كذلك الانصراف بسهولة من المؤسسات الهولندية ففي منفاه يجب ان توفر له الحماية ايضا.
يقول انا تعودت ان اعيش مع الموت وبرمشات سريعة خلال نظاراته السميكة يتحدث بلطف قائلا عندما يكون الوقت وقت الموت فهذا هو اسهل الاوقات. جريمته هي نفس جريمة الكاتب البريطاني الهندي سلمان رشدي مع كتابه (الايات الشيطانية). لقد وقف ابو زيد على عمل يعتبره العالم الاسلامي مقدسا جدا وغير قابل للمساس. وهو القرآن الذي يعتبر اخر الكتب الجبارة التي ارسلها الله للبشر والذي ظهر في القرن الثامن الميلادي للنبي محمد في مكة والمدينة.
في الوقت الذي يتعامل به معظم مسلمي العالم البالغ عددهم 1,3 مليار تعاملا حرفيا مع كل سطر في القرآن الذي يحوي على 114 سورة، فان ابو زيد مقتنع ان "الله تكلم لمحمد بطريقة صورية وبايحاء يجب علينا نقلها لزمننا هذا
بالنسبة لخصومه المحافظين سواء من اساتذة او شيوخ الازهر يعتبر هكذا تفكير عبارة عن هرطقة. لان الفقهاء يرون ان القرآن هو ارث الله الذي لا يتغيرالى الابد، فهم يحاولون الارتقاء بكل جهد لاعطاء الايات معاني جديدة.
"ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين" السورة 2 الاية 2.
تمنع قوانين جامعة الازهر الاصلاحي المصري من التحدث لمجموعةكبيرة من الناس في بلده الاصلي، بالطبع اصبح ابوزيد معروفا هناك
لقد قدمت الدراسة "زنادقة من القاهرة" على الانترنيت ونوقشت في محاظرات الجامعات، ونوقش كتابه "نقد الخطاب الديني". لقد اقر عالم الاسلاميات من بون شتيفان فيلد حقيقة "ان المناقشات الاصلاحية المرجوة من الغرب حول الاسلام قد قامت بالفعل، لكنها بطيئة وهادئة للغاية، كما نتمنى وليس لها مخرج واضح".
بامكان الخطاب ان ياتي بنتائج للمصلحين. وفي اسوء الاحوال ممكن ان ينفون او يقتلون ـ كما حدث لفرج فودة، الكاتب المصري الذي انتقد الخطباء المتشددين اصحاب النفوذ واعدم رميا بالرصاص في مكان عام في القاهرة.
ولكن الخطاب يمكنه ان يحرك الامل ايضا. يعول المصلحون على عامل الزمن، لانهم يعرفون، لا التأويل المتشدد للكتابات المقدسة ولا الارهاب يمكنهما حل مشاكل العالم الاسلامي. يحذر السياسيون امثال وزير الثقافة المغربي احمد توفيق الذي يقول "ليس بامكان المسلمين الانغلاق على المستقبل"، ويضيف ، يجب ان نسمح بسقوط التابوات.
وهكذا وحتى لو سمع بصورة منخفضة، الاصوات الشجاعة، علماء مثل الفيلسوف الايراني عبد الكريم سوروش، الذي يقف ضد رهن القرآن بيد الملالي، والعالم الاسلامي الناشط من بيروت رضوان السيد، الذي يحارب ضد المفهوم الاوحد لحزب الله الاسلامي. وفي تركيا العلمانية هناك المدرسة المسماة ميهمت باشاسي Mehmet Paçaci و اومير اوزوي Ömer Özsoy، التي تنادي بالنظر للوحي حسب تغير الزمن.
وكذلك النساء اللواتي احدثن ثورة داخل الثورة، مثل المحامية الحاصلة على جائزة نوبل شيرين عبادي، التي توجهت ضد "التاويل السيء و الخاطي" للقرآن من خلال اللاهوت "البطريكي". وتحث مثلها مثل الباحثة الاجتماعية المغربية فاطمة ميرنيسي، على تأويل معتدل للوحي.
هن يدعون والى جانبهم الداعية لحقوق المرأة المصرية المولد ناهد سليم "باخذ القرآن من الرجال".
ولكن اي عمل هذا، الذي يقول عنه المسلم المؤمن ابو زيد، انه " اجمل وفي نفس الوقت اخطر كتاب في العالم"؟
القرآن هو حقا اكثر الكتب تناقضا وجدلا وفي نفس الوقت الاكثر غموضا في العالم. هو عمل مليء بالشعر والنثر والالغاز التي لا يمكن حلها. فمرة متسامح ثم متشدد ثانية، وبعدها رحيم ثم عديم الرحمة. وكذلك هو كتاب عنف، وبالنسبة للمؤمنين هو الترجمة الوحيدة الصالحة لوصايا الله، العمل الكامل للخلق.
بينما يجذب الانجيل بالقصص والمساواة والمعجزات الكاملة وعلاقات الرحمة، وكذلك ايضا بالمكائد والجرائم، تكون البداية في القرآن عبارة عن معرفة وقرارات، تكون عواقبها ـ محيرة مافيه الكفاية ـ وليست مرتبة زمنيا بل مرتبة حسب طول السور ـ وهنا تاتي السور الطويلة في البداية باستثناء سورة البدء.
هو كتاب ينظم ادق التفاصيل في حياة المؤمنين، مرة بواسطة العنف والصور الكلامية القاتمة ومرة بواسطة تفاصيل الحياة المحكمة البسيطة، من تقسيم الميراث الى اوقات الرضاعة للاطفال الذين انفصلوا عن ابائهم. كتاب يسحر الطبيعة مثل الخيال تقريبا، ولكن تظهر فيه ايضا حروف مبهمة، لا يعلم معانيها احد ومن عندها يمكن معرفة "الحقيقة غير المرئية لله"، كما يقول المسلمون الصوفيون.
وفي نفس الوقت فالقران هو بحق اعظم كتاب في العالم. بقواعده ومحرماته ومعرفته يعتبر الدليل الحالي المتواصل لخمس البشر، وهو اكثر شمولا وشدة من كتاب المسيحيين المقدس.
على سبيل المثال تلقن الاية 130 من السورة 20 كدعاء "فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا وَمِنْ آنَاء اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ لَعَلَّكَ تَرْضَى".
حقا ان الانجيل يحتفظ بالرقم القياسي لاكثر عمل مطبوع في العالم، فقد اعد في عام 2006، 400 مليون كتاب بطبعتيه العهد القديم والحديث، ومع ان القرآن يقل عن هذه العدد، ولكن ممكن التقدير، عندما تعلن مطبعة الملك فهد في السعودية انها تطبع لوحدها اكثر من 8 الاف نسخة سنويا، وكل واحد من حجيج مكة يحصل على نسخة مجانية منها.
وبالرغم من ان القرآن لا يمكن تلاوته الا بالعربية، الا انه يوجد العشرات من الترجمات. واخيرا يريد ان يعرف المسلمون من غير العرب وايضا غير المسلمين في الغرب ماذا توجب على الله قوله لمحمد.
لقد ساهم نشاط الدين العالمي الجديد لارتفاع الطبعات القرآنية قبل اي شيء آخر. هناك دول غنية تنتمي لحزام الدول الاسلامية مثل سلطنة بروناي او الامارات العربية المتحدة، ولكن ايضا دول فقيرة مثل بنجلادش وموريتانيا. يسير الدين الذي ولد في الصحراء، الحياة اليومية لـ 15 مليون مسلم في غرب اوربا من المهاجرين والمتحولين، لا تنمو هنا عقائد جماعية بسرعة وتعتمد في تصرفاتها على الثقة بالنفس. كعلامة لمهابة الله اصبح القرآن كذلك مبجل في الكونكرس في واشنطن كما هو على المشنقة في بغداد. في الكونكرس الامريكي يوجد كيث السون، الديمقراطي من مينيسوتا وهو اول نائب امريكي مسلم، والذي بدا عمله في الرابع من يناير عام 2007. القرآن الذي حمله اليسون بيديه، هو نفس الكتاب الذي ورثه من مؤسس الولايات المتحدة ثوماس جيفيرسون شخصيا، والذي يجب ان يعطي اشارة، ان الولايات المتحدة الامريكية يجب ان لا يكون عندها خوف من المسلمين، وكذلك المسلمون يجب ان لا يخافوا من اميركا.
وبنفس النص تشبث في بغداد صدام حسين، عندما لف حبل المشنقة على عنقه. قرآن اخضر مجلد بالجلد كان اخر ما يملك واحد من العظماء مثل هذا الدكتاتور الغني. في يوم 30 ديسمبر 2006 في يوم اعدامه، قال للقاضي اخر امنياته، وهي تسليم النموذج لصديق .
ان شدة رمز قوة العمل هو انه لا يمكن نقاشه. يحسم التاويل القراني احيانا على انه حرب او سلام، نزاع او صلح.
مرة يعطي الوحي القتلة من حماس، الجهاد والقاعدة شرعية لارهابهم، "قاتلوا الكافرين والمنافقين وعاملوهم بقسوة" يتلو الاسلاميون في بغداد او غزة او كابول في افلامهم آيات من السورة التاسعة وغالبا ما يستشهدون باية من السورة الرابعة والتي تعدهم بالجنة وهي " ومن يقاتل في سبيل الله فيقتل او يغلب فسوف نؤتيه اجرا عظيما".
هكذا بحث الانتحاريون عن اجرهم في نيويوك و واشنطن 2001 وفي بالي 2002, وفي مدريد 2004، وفي لندن 2005. وفجأة يتحول الشباب المسلم الى اجسام طائرة رهيبة تصطاد الابنية العالية وقاعات الديسكو ومتروات الانفاق المليئة وتقتل المئات من الناس. اي دين معتم هذا، الذي يقتبس منه هؤلاء القتلة؟ اي سيناريو ظالم يصدر هذا القرآن؟
وفي نفس الاثناء تريد الستراتيجيات في الغرب ان يستخدموا نفس الكتاب المقدس كسلاح وفسروه كقراءة واجبة " لكي يربحوا عقل ميدان المعركة" يقرأ اللواء دوغلاس ستون Douglas Stone القائد المسؤول عن برنامج المساجين في العراق كل يوم القرآن ويدعو في الحال مساجينه بالامل، ان يكتشفوا فقرات متسامحة في الكتاب، والتي هي فعلا موجودة. القاتل الذي يقتل بدون ذنب كما يعلم القرآن، يجب ان يعامل "كانه قتل الناس جميعا".
يفكك الغرب القرآن ولكن كسلاح نفسي، عندما يتعلق الامر، بالمشتبه بهم بالارهاب في المعسكر الامني الامريكي في جوانتانامو لترويعهم بالاستجواب ولكسر وحشيتهم. وتوجب على الجنود الامريكيين المشي على كتاب الله بارجلهم وسحب السيفون عليه في المرحاض. وعندما انتشر الخبر خرج المسلمون في شمال افريقيا و الباكستان واندونيسيا الى الشوارع.
لقد دفع المخرج الهولندي تيو فان كوخ حياته بسبب انه دنس القرآن بصورة علنية. بفلمه القصير "خضوع" يعرض امرأة مسلمة عارية تحت برقعها الاسود الشفاف، جسمها مرسوم من اثار الصياط و خطوط من ايات قرآنية على العفة. وبعد اسبوعين على عرض الفيلم في التلفزيون طعن احد الهولنديين من اصل مغربي فان كوخ في نوفمبر 2004. على الجثة ثبت بسكينه سور للقرآن وتهديد قذر لآيان حرصي علي الصومالية المولد والتي الفت كتاب الفلم والذي فيه انتقاد حاد للمتشددين المسلمين.
لقد كان المسيحيون خائفون من كتاب المسلمين المقدس، وذلك لظهور موسى وابراهيم وحتى عيسى و مريم في القرآن، وقد سخر منه قبل مئات السنين بانه عبارة عن "انجيل تركي". ومن الذين قرأوا تاريخ القرآن مثل فولتير، اكد القرآن " كتاب مبهم، يقوم بتشتيت الفهم الصحيح في كل الاتجاهات".
يشتكي صديق المسلمين يوهان فولفجانج من "جوتة" على "الحشو اللانهائي والتكرارات" ويبين "ويدعونا هذا غالبا الى الاشمئزاز". لكن الشاعر ذو المنزلة الذي يدرس القرآن لـ "ديوان شعره الشرقي الغربي" يعترف ايضا في الوقت نفسه ان الكتاب بالنسبة له "يجذبه الى الدهشة ويترك فيه نزعة اعجاب في النهاية".
ينظر للعمل في العالم الاسلامي غالبا على انه دهشة غير مشروطة، ويسميه المؤمنون بـ "القرآن الكريم". فبالنسبة للمسلمين ليس فقط المحتوى بل ايضا الكتاب نفسه كقطعة يعتبر تجسيدا لله. الذي يتلوه او الذي ينصت اليه بامكانه سماع ورؤية واحساس القدرة.
يقارن علماء الاديان معنى القرآن بالنسبة للمسلمين كقيمة، بمجيء يسوع للمسيحيين، ففي احداها يتقمص الله جسم انسان وفي الاخرى يتقمص كتاب.
لقد جمع البروفسور ميشائيل كوك Michael Cook بعض النماذج ومنها، كيف يندهش الاوربيون من وقتها من تعامل المسلمين مع كتابهم المقدس "القرآن" فهم يتجنبون بشكل مطلق عدم وضع قرآنهم في المناطق السفلية من الجسم "تحت مستوى الحزام" هذا ما دونه المستشرق الانكليزي الذي سافر الى مصر في القرن العشرين. وقبل هذا بثلاثمئة عام انتبه اوربي آخر بدهشة، بالنسبة للاتراك "يعتبر من الاشياء الشنيعة جدا، عندما يجلس شخص على القرآن، حتى وان كان عن عدم قصد".
في الثقافة التي احدى تقاليدها جلوس الناس على الارض، يجب ان يرفع الكتاب ايضا عاليا لزيادة مكانته. لذلك يوضع القرآن في الجامع على قاعدة صغيرة تسمى كرسي. ولحد الان ينتبه كثير من المسلمين اثناء وضعهم للقرآن مع مجموعة من الكتب، ان يضعوه في الجهة العليا منها.
بينما يبقى الانجيل في المانيا غير مقروء يملاه الغبار في رفوف المكتبة، تجد القرآن متواجدا في كل مكان في معظم بلدان الشرق. يتذكر المؤمنون وبكل احاسيسهم رسالة الله باستمرار، نادرا ما يفوت زائر القاهرة الاصوات الدينية في التكسي. كاسيتات وسيديات لاجمل التلاوات تباع في كل زوايا الطريق. وحتى في زحمة المرور يدندن سواق السيارات فقراتهم المفضلة ليهدأوا. تهمس الجدات المسلمات احيانا في آذان الاطفال في الفراش بعض الايات عندما يلتزم الامر تهدئتهم. الكراس "الدعاء السليم مع القرآن" هو من اكثر الكتب مبيعا في معرض الكتاب الدولي في القاهرة. يتم مراقبة نغمات الموبايل التي هي على شكل ايات قرآنية من قبل لجنة المراقبة السنية في جامعة الازهر.
اصبح القرآن بالنسبة للشيعة ثاني اكبر طائفة اسلامية جزء منتظما في عباداتهم. تبيع احدى الشركات الايرانية قرآنا صغيرا على شكل ميدالية مفاتيح. وفي تلفزيون طهران تجد اعلانا لاستبدال نغمات الانتظار في التلفونات الى ايات قرآنية، ولتنزيلها يجب عليك فقط اختيار رقم السورة القرآنية.

المصدر:
مجلة دير شبيغل الالمانية، العدد 52 لسنة 2007 الصفحات من 18 ولغاية 23
ترجمة نزار النهري




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !