مواضيع اليوم

آيات القرمزي تحت قبة الكونغرس الأمريكي!

علي آل طالب

2011-06-04 12:32:21

0


بالرغم من أوجه الاختلاف الآيدلوجي والسياسي وطبيعة النشاط الاجتماعي ما بين الشاعرة البحرينية والطالبة الجامعيّة "آيات القرمزي" والناشطة الأمريكية ذات الأصول اليهودية، والعضو في منظمة كود بينك CODEPINK النسائية لحقوق الإنسان "راي ابيليا"، ناهيك عن تباين صورة الحدث والمشهد والطبيعية الجيوسياسيّة بينهما، بيد أنهما يشتركان في الموقف إزاء استحقاقات إنسانيّة في إرساء معالم الحرية والعدالة والمساواة، مع الأخذ بعين الاهتمام بأن طبيعة الحقوق والمطالب الشعبية في البحرين هي على تباين واضح عمّا عليه الحال بالنسبة لحقوق الفلسطينيين، وبموجب ذلك نحن أمام نموذجين سياسيين لبلدين مختلفتين، غير أن ما يقرب الصورة هو تماهي الحدث والمشهد وربما المصير بين السيدتين؛ القرمزي وابيليا!.

ما كنتُ لأستغرب بتاتًا أن تكون ردة الفعل بهذا المستوى من الحماقة تُجاه من يعبر عن رأيه وحسب الطرق المشروعة والمعترف بها قانونيًّا وحقوقيًّا، خاصة إذا ما كانت في بلدان لا تقترب في سياستها من النموذج الديمقراطي، لكن أن يصدر ذلك في الولايات المتحدة الأمريكية، وتحت قبة الكونغرس الأمريكي؛ فذلك ما هو في غاية الغرابة والاستنكار، حدث ذلك أن أقدمت السيدة "راي ابيليا" وهي امرأة أمريكيّة من أصل يهودي على مقاطعة خطاب رئيس وزراء الكيان الصهيوني نتنياهو أمام أعضاء مجلس النواب والشيوخ في الكونغرس الأمريكي بعبارات مقتضبة مطالبةً بإيقاف جرائم الحرب المنظمة ضد الفلسطينيين، وبحقوق متساوية لهم، "كفى للاحتلال، وأوقفوا جرائم الحرب"، حيث اعتقد البعض بأن المشهد توقف عند هذا الحد، غير أنها تعرضت للضرب المبرح انتهى بها الأمر إلى الدخول إلى مستشفى جامعة جورج واشنطن بعد إصابتها برضوض في الرقبة والكتف، المفارقة أن الحادثة لم تقع في بلاد أخرى لا تتخذ من الديمقراطية نموذجًا أخاذًا في بنائها السياسي، إنما كان الحادث في بلاد الحرية والديمقراطية.

الملفت في الأمر أن نيتنياهو لم يتوانَ في الرد على هذه السيدة بعبارات قصيرة أشعلت الحاضرين بالتصيف له، عندما قال: هذه هي الديمقراطية الحقيقية التي لا يمكن أن تجدونها في طرابلس أو دمشق أو إيران، إنما فقط تجدونها في إسرائيل وأمريكا، حيث لم يعرف هؤلاء الحاضرين ماذا كان كان مصير هذه المرأة وإلى أين انتهى بها المطاف!؟. فلم يشفع لها انتسابها لليهودية أو الجواز الإسرائيلي الذي ما يزال والدها يحمله معه، بل لم يحترم رجال الـ "أبياك" شرفية انتمائها لمنظمة دوليّة تُعنى بمناهضة الحروب وإرساء دعائم السلام. إنها ازدواجيّة المعايير بأبلغ صورها، وكما يبدو أن الديمقراطية التي تحدث عنها السيد نتنياهو تحت قبة الكونغرس الأمريكي هي نفسها التي حرمت السيدة ابيليا من إيصال صوتها والمناشدة بحقوق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره والاعتراف به.

إن الديمقراطية ذات المقاس الصهيوأمريكي هي ذاتها التي دهست جسد "راشيل كوري" وطحنت عظامها بصورة وحشية من قبل جرافة إسرائيلية، في محاولة يائسة للتصدي بجسدها للحيلولة من هدم بعض المباني المدنية والخاصة بالفلسطينيين في قطاع غزة مع مطلع 2003م. الفتاة الأمريكية اليهودية كوري وبوصفها ناشطة إنسانيّة وعضو في حركة التضامن العالمية دفعت حياتها لأجل أن توصل للرأي العام العالمي مدى وحشية هذه الديمقراطية الإسرائيلية والتي لم تقم إلا على مبدأ القتل والاستلاب لابسط مقدرات الفلسطينيين وحقهم في الأرض وفي تقرير المصير، ليس في الوقت الراهن، بل منذ 63 عامًا، حيث لا شيء بالامكان تقديمه سوى المصالح والصفقات المشبوهة، وهذا ما يحكم تلازم العلاقة بين الإدارتين الأمريكية والإسرائيلية، وما تباين المواقف ووجهات النظر في أكثر من قضية مصيرية في الشرق الأوسط، لا سيما المواقف من الثورات العربية الأخيرة خير برهان على إزدواجية المعايير وسياسة الكيل بمكيالين!.

أما سجناء الرأي والتعبير في العالم العربي فحدث ولا حرج، فبعضهم إن لم يكن أغلبهم لا يتمتع بالحد الأدنى من حقوق السجين المنصوص عليها سواء في التشريعات الوطنية أو المواثيق الدولية مع قياس نسبة التطابق والتعارض بين الوجهتين، فثمة من السجناء السياسيين ورجال الحقوق لا يحظون بمبدأ التعامل بالشفافية، بدءًا بالاتهام حتى الإدانة وانتهاءً بقضاء فترة العقوبة، بل إن البعض يقضي سنوات طويلة، وهو لا يزال على ذمة التحقيق، ولا يتم إخضاعه لقضاء مستوفٍ لموجبات حقوق السجين المتعارف عليها، باعتبار جزءًا لا يتجزأ من المجتمع، فليس المقصود من العقوبة هو إحداث الضرر والإلم؛ بقدر ما يكون الهدف منها هو إصلاح السجين وتأهيله ليكون فاعلا في هذا الواقع لا معزولا عنه، فله الحق في تأمين السلامة وعدم تعرضه للتعذيب والإيذاء النفسي والجسدي، أو اعتقاله على خلفيّة التميز والتفرقة، دينية أو عرقية أو طائفية .. أو أن يتعرض السجين إلى حالة من حالات الاختفاء القسري.. ولوائح القوانين في هذا المضمار تطول. بيد أن مجريات الأحداث في العالم العربي تحديدًا تؤشر بأن كل شيء له يصبح له قيمة في نظر بعض الأنظمة المستبدة إلا الإنسان، فهو بهذا الاعتبار الطوباوي يصبح رخيصًا جدًّا.

وعودًا على بدء، وعلى خلفية مشاركتها بقصيدة شعرية في موجة الاحتجاجات التي شهدتها البحرين منذ 14 فبراير الماضي المطالبة بالمزيد من الحريات والعدالة الاجتماعية والاصلاحات السياسية، ما زالت الشابة العشرينية "آيات القرمزي" رهن الاعتقال منذ 31 مارس الماضي، بعد مطاردة لها من قبل قوى الأمن البحرينية، في عملية تعرض أفراد عائلتها للترهيب، وبقوة وبطش معهودين اعتقلت ابنة العشرين ربيعًا بعد أن حُطم أثاث غرفتها وفُتشت كافة مقتنياتها الخاصة، ولم تكتمل فصول مشهد المعاناة عند هذا الحد، فبعد الاعتقال ظلت العائلة ولمدة ليست بالقصيرة تتفقد مصير ابنتها متنقلة بين مراكز الشرطة العديدة؛ لأجل اللاطمئنان على سلامتها وصحتها، حيث لم يكن في الحسبان والبحرين يعتبر من البلدان التي يعرف شعبها من الشعوب المحافظة وأن تعتقل النساء أسوة بالرجال وبهذه الصورة البشعة دون وازع من دين أو رادع من عادات وأعراف وأخلاقيات اجتماعية. ويستمر اعتقال آيات إلى الآن بدواعي أنها شاركت المحتجين في دوار اللؤلؤة بقصيدة شعرية، فيها من الهجاء والنقد لرئيس الوزراء البحريني. واليوم تكمل آيات القرمزي الشهر الثالث وهي رهن الاعتقال المجهول، حيث ما يزال القضاء لم يقل كلمته بعد، فيصبح مصيرها كمصير العشرات من النساء اللائي لا ذنب لهنَّ سوى أنهنَّ مارسنَ شيئًا من الحراك الذي لا يخرج عن الأطر الإنسانية المشروعة أو ما يمكن تسميته بحرية الرأي والتعبير!.

القرمزي هي لا تختلف في الأهداف عن أبيليا، ولو أنهما لم يلتقيا في الواقع كما يبدو، هذا لا يلغي التوافق لديهما في مناهضة الظلم وممارسة أبسط الحقوق للدفاع عن حقوق الإنسان سواء كان في فلسطين أو في البحرين، فقد تكون أبيليا أوفر حظًا من القرمزي، ولو أن مقاطعتها لخطاب نتنياهو تحت قبة الكونغرس الأمريكي كلفها دخول المستشفى نظرًا لما تلقاه جسدها من كدمات أحدثها ناشطو الأيباك أثناء إخراجها عنوة من القاعة، ولا نعلم هل ستمثل أمام القضاء الأمريكي أم لا !؟. وإن كانت ردة الفعل هذه - وإلى حد ما- تعتبر غير مبررة، خاصة وإنها تحدث في بلد كأمريكا، إلا أن ذلك لا يمكن مقارنته بما يجري اليوم للسيدة القرمزي بوصفها تختزل معاناة المرأة المواطنة والإنسانة بشكل خاص، وحال الشعوب العربية وما يقع عليها من حيف وظلم من قبل بعض تلك الأنظمة الدكتاتورية بشكل عام، قد تكون لعبة المصالح هي أيضا المسؤولة عن قياس ردود الأفعال تلك، وقد تتفاوت العقوبة حسب طبيعة القانون من بلد إلى آخر، فأمريكا غير البحرين وغير الدول العربية التي هي بالرغم من أجواء الثورات، ما تزال ما بينها وبين الديمقراطية ومبادئ حقوق الإنسان مسافة ليست بالقصيرة أبدًا. في الأخير، كل يوم يمر والسيدة القرمزي في السجن لا يمثل وصمة عار وإدانة للحكومة البحرينية فحسب، بل لكل الأنظمة العربية الأخرى، ومحل إحراج كبير للمجتمع الدولي وموقفه من قضايا الديمقراطية وحقوق الإنسان!.

 

علي آل طالب – السعودية




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

LOADING...

المزيد من الفيديوهات