آيات القرمزي: ذلك الرمز الخالد
في الثورات والازمات تظهر المعادن الحقيقية للبشر ومنها الرموز الشعبية التي تتخلد اسمائها وشخوصها بدون ان تحتاج الى أذن مسبق وتجميل زائف كبقية المرتزقة واشباه البشر! وتتعرى الرموز الزائفة الاخرى التي سخرت لاجلها كل الامكانيات وزيفت الوقائع ودلست وشوهت العقول ومسخت كي تقبلها كأصنام جامدة للعبادة الخاوية والتي سقطت في لحظة قياسية كدلالة على ان التاريخ لايقبل التزييف والتدليس وان طال الزمن،وان الايام دول فقد يأتي يوم ينهار كل شيء في لحظة ليتأسس آخر على أنقاضه مختلف عنه جذريا!.
والرمز البحريني الفريد والجديد هو آيات القرمزي...تلك الشاعرة الحرة الابية ذات العشرون ربيعا والتي استغلت موهبتها الادبية المتميزة التي لا يحصل على ملكتها الا ذو حظ عظيم، في تحريك النفوس المتعبة واليائسة وتعرية الطغاة واتباعهم وجعلهم في اسوأ مكانة يمكن ان يصلوا اليها ووضعت امام الامر الواقع كل من يقف معهم بدون وعي او علم يمنحه فرصة لاثبات الذات الحرة المستقلة وتحريرها من مستنقعات الاستعباد الآسنة!.
آيات لا يمكن ان تكون رمزا خاصا بشعب البحرين الحر فحسب! بل هي رمزا مضافا لكل الشعوب الحرة والمستضعفة التواقة للحرية والعدالة والمساواة بدون حدود زائفة ولا صراعات حضارية كاذبة،ومثالا رائعا لكل طالب حق وعدل!.
كم يكون الطغاة اغبياء عندما يعتقلون الثوار ويعذبونهم ويحكمون عليهم بالاعدام اوالسجن دون ادنى اعتبار للتاريخ ودروسه القاسية التي لا ترحم احدا يحاول ان يقف في طريق عدالته الحتمية!...لقد كانوا اغبياءا عندما استمروا في طغيانهم بعد بدء الالفية الجديدة،وأزدادوا غباءا وطغيانا عندما لم يفوا بوعودهم الكاذبة ولم يقفوا ولو في لحظة تأمل سريعة لاعادة وعيهم المفقود لما وصل اليه طاغيتي تونس ومصر من نهاية بائسة،ثم اراد الله تعالى ان يفضح خيانتهم وتخلفهم للجميع عندما قمعوا الثورة بأسلوب همجي متخلف خال من اخلاق الفروسية والحكمة واشترك معهم فيه اغبياء آخرون من البلاد المجاورة بطريقة مباشرة او غير مباشرة كأن شعب البحرين غنيمة بين قبائل العرب الوحشية المتصارعة!...ولم يكتفوا وكأنهم لا يمتون للانسانية بصلة فكان اعتقالهم المخجل لآيات وغيرها من كوادر المجتمع العليا ومحاكمتهم المخزية لها ولغيرها والفاقدة لادنى شروط العدالة والانسانية!.
ماض متقدم وحاضر متأخر!
وكأن الانسان يسير في الاتجاه المعاكس لحركة التاريخ ويزداد تخلفا،عندما نرى كيف كانت قصيدة واحدة تكفي لاسقاط وزارة او وزير بل وتغيير قوانين وانظمة بل وكانت تشعل حروبا وتحل سلاما! ولنا في الجواهري شاعر العرب الاكبر مثالا ساطعا كالشمس عندما يصف الفرق بين حكام الامس وما يتصفون به من فروسية ورجولة وحكام اليوم من همجية وتخلف الى ابعد الحدود،فقد كان يلقي القصيدة الهجائية في وجوه الحاكمين الذين يديرون وجوههم غاضبين عنه بينما نرى ذلك مستحيلا اليوم ولم يخطر اصلا ببالنا!...لقد كان الشاعر يمثل روح الامة ونبضها الحي وكانت كلماته كالسيف الصارم على رؤوس الحاكمين والعامة،وهذا يدل على قوة ادراك ووعي لهذا الفن الادبي الشائع لدى العرب والامم المجاورة، وهو دلالة على تحضر الفنون ورقيها واحترام القائمين بها،وكان التلذذ بالشعر ومعرفة اسراره لا يختص بفرد او بمجموعة بل هو شائع لدى الشعوب كما هو حال الانترنت وشبكاته الاجتماعية الان!...وبالرغم من قسوة الطغاة وهمجيتهم ووحشيتهم الا انهم يقفوا امام ابيات من قصيدة او يخضعوا لشاعر ولكلماته التي تدخل في عقولهم وقلوبهم لتقلب كياناتهم رأسا على عقب! وهذا الوضع لم يختلف منذ عهد الجاهلية الى العصور الاسلامية المختلفة والعصرين الاموي والعباسي بالذات بالرغم من شدة القمع والارهاب الا ان للشعر والشعراء مكانتهم وسطوتهم وكان الشعراء المعارضين في منافسة مع الشعراء الموالين ولو قتلت الدول او سجنت وعذبت كل شاعر او اديب كما يحدث الان في البحرين وبقية بلاد العرب الاخرى لما وصل الينا هذا التراث الادبي الضخم والمتنوع الحاوي لكنوز لا قدرة لانسان على تصفحه بدقة ولو افنى عمره لاجله!...
لقد كان الشاعر الكميت الاسدي مواليا لاهل البيت(ع) في العهد الاموي بينما كان جرير وغيره مواليا للامويين وتراث الطرفين محفوظ ومكتوب بالرغم من قدمه! وكان الشاعر دعبل الخزاعي ايضا معاديا للعباسيين ومواليا للعلويين ولم يقتلا الا بعد فترة طويلة من التمرد وليس من اول لحظة،وكان الكثيرين من شعراء البلاط يحملون معهم قناعاتهم المذهبية والفكرية التي تختلف احيانا مع الدولة، ولكننا في الوقت نفسه لم نرى شاعرا او اديبا جاهر بما جاهر به هؤلاء ولا حفظ تراثه بل ولم تحفظ حياته في الدول العربية المعاصرة ولا استثناء! وقد يكون الاستثناء الحكم بالسجن وتسليط الرعاع عليه ليقتلوا ابداعه بطرق اجتماعية مهذبة في مهده! وبذلك فقدنا في خلال العقود المنصرمة تراثا ضخما بل ومبدعين اما قتلوا او سجنوا او جرى اعدام ملكاتهم الابداعية المتميزة التي تحرص الامم المتحضرة على احتضانها لانها الثروة الباقية لها في مسيرتها الفانية التي تفنى موارد الامم ولا تفنى شخصياتها!...هل هذا انحدار في الطبع والسلوك والخلق والمستوى الثقافي...الخ من الاسباب المؤدية الى هذا السلوك المنحط في التعامل مع المبدعين بصورة عامة ومع الشعراء والادباء كما في حالة آيات بصورة خاصة؟!...
ليس مستغربا السلوك الهمجي المتخلف لامارة أل خليفة في البحرين مع الشاعرة آيات القرمزي،فحلفاءه وزملاء المهنة لا يختلفون عنه في شيء! والا لما لاحظنا ذلك الهروب الجماعي خارج الحدود لتلك الطاقات الابداعية المتميزة ولا لاحظنا التدمير الرهيب لمن بقي في الداخل يعاني تعسف وجهل النظام والمجتمع به!.
من يحاكم من؟!...زمرة ال خليفة الفاسدة المتخلفة تحاكم آيات الحرة ذلك الرمز الطاهر لاروع ثورة خليجية معاصرة!...هل الهمجية والطغيان تحاكم الحرية والانسانية والابداع؟!...انها مهزلة من مهازل امة الاعراب في هذا العصر عندما تخذل أبنائها في وقت توفرت كل وسائل التكنولوجيا المتاحة التي تفضح الممارسات وتنشرها للعلن من ايا كان وتتجاهل ذلك بوقاحة وغباء لا يعرف حدودها احد!..
لو كان لديهم حس ادبي لما اعتقلوها لاجل قصيدة!...ولو كان لديهم مدارك ثقافية لاحتضنوها بالرغم من معارضتها لهم!...ولو كانت لديهم ملكات الفروسية والتحضر لما تعرضوا لانثى صغيرة!...ولكن ما تقول في زمن اغبر يرفع من لا يستحق ويحط من يستحق!.
اذا لم تقم شعوب تلك الامة بواجبها الديني والاخلاقي والانساني تجاه آيات وغيرها من سجناء الرأي في تحريرهم من العصابات اللا انسانية فهي تستحق كل أذلال واستعباد وسوف تتوالى اللعنات من كل اتجاه فضلا عن وصمة العار التاريخية السوداء التي تلاحقها في المستقبل!.
اذا لم يكن هنالك لسان وقلم يتحركان لاجل العدالة وهما اقل ما يمكن تقديمه لكل الضحايا ومن يسير في طريقهم الشائك...فلا نستحق ان يدافع عنا لو كنا في مكانهم بل ونستحق خزيا مركبا لا يمكن مسحه في غفلة من الزمن!.
فيا احرار العالم...تحركوا في كل الوسائل المتاحة واتحدوا في اقل المسائل شأنا على الاقل! وهي العمل على اطلاق سراح كل السجناء والمعتقلين في كل مكان وزمان... ومنهم رمز الحرية الجديدة:آيات.
التعليقات (0)