آمين يارب
أنخرط الأمام فى المسجد داعياَ مبتهلا ، وصل إلية تعميم من وزارة الأوقاف والشئون الأسلامية مناصرة لأخواننا فى غزة رجاء الدعاء والقنوط فى صلاتى المغرب والعشاء كل يوم لحين أشعار آخر ويبدأ الدعاء بأخذ اليهود وحلفاءهم أخذ العزيز المنتصر ، ومن تواطأ معهم وخذل أهلنا ، وأذل أخواننا وينتهى بما يفتح الله عليه من الأذكار والأدعية كل يوم وليلة.
كل يوم يعلو صوت الأمام اللهم دمر اليهود ومن والهم ، ومن تواطأ معهم وخذل أهلنا ، اللهم حرر بيت المقدس من دنس اليهود ، ورد إلينا المسجد الأقصى المبارك وأكرامنا بالصلاة فيه... ومن خلفه يصدح صوت جموع المصلين فى خشوع ممزوج بالغضب والحسرة ومشاعره كثيره ... " آآآآآآآآآآآآآآآآمين" !!!
خرجت من الصلاة بعدها متأملاَ ومتساءلاَ ... لماذا يحرر الله بيت المقدس ؟؟؟ ولماذا يطهر المسجد الأقصى؟؟؟ ... ولماذا لم يحرر المسلمون الأوائل أرضهم ، أو يفتحوا العالم بفضل الدعاء والقنوط موكلين ذلك لله سبحانة وتعالى ؟؟؟!!!
أنه العجز ...
ذلك الذى يلجأ البعض إلى المخدرات ، والكثير إلى الأعتصام بقدرة الله من غير عمل أو الأعتماد على معجزة بدعوى التوكل!!!
نعم...
مرة أخرى تعالوا نقرأ التاريخ ونمر على عصور المحن ، ونستشرف منها خطى تقودنا نحو النور وتوضح لنا كيف يكون السبيل...
سوف نتجاوز عصور الفتح الأولى ، لأنها من كثرة ما ترددت كقصص ومسلسلات وأحاديث وخطب فوق المنابر أضحت معلومة ... لكن لنتحدث فى عصور ظلامية ، عصور الفرقة والجهل ، الصراع والتناحر ، وكيف فى وسط كل هذا قيد الله لهذه الأمة رجال صنعوا المجد وأعادوا للدولة عزها ...
البداية تكون فى الوحدة ...
كما أن النهاية تكون فى الفرقة والأختلاف ،
يقدم لنا التاريخ صور من المحن ، فى أعتقادى أن أهمها ثلاث صور ، يمكن أن تقدم لنا نموذج لمواجهة المحن والعمل الإيجابى ، بالوحدة ، وصورة توضح مآل ومنتهى الفرقة والأختلاف ،
أما الصور الثلاث فهى الحملات الصليبية على المشرق والحملة المغولية على الدولة الأسلامية التى أنتهت بسقوط بغداد والشام ، وأنتهاء الدولة العباسية (غزو التتار) ، وقيام وأنتهاء الدولة العثمانية.
وأما الفرقة والأختلاف فليس أدل عليها من سقوط الأندلس ، وما صاحبة من مآسى ومذابح ، اسدلت الستار عن عصر للنهضة الأسلامية الحقيقيه فى أوربا بشكل مأسوى.
(1) الحملات الصليبية
يظن كثيرين أن العرب المسلمين هم من سمي الحملات الأوربية على المشرق العربى والأسلامى فى مطلع القرن العاشر والحادى عشر بأسم " الحملات الصليبية" أنتهاجاَ لمنهج دينى يقوم على تصنيفها ضمن الحروب الدينية ، بينما الواقع أن العرب والمسلمين أسموا تلك الحملات الغازية منذ بدايتها بأسم "حروب الفرنجه" بينما أطلق الغرب على تلك الحملات مسميات متعدده أنتسبت كلها إلى الدين المسيحى مثل حملة جنود المسيح (milites Christ)، أو حملة الطريق إلى الارض المقدسة (iter in terram sanctam) وظهر مصطلح "الحملة الصليبية" على يد المؤرخ الفرنسى لويس ممبور فى كتاب له نشره فى العام 1675.
ومنذ أستقرار الدولة الأسلامية الأولى ـ وقيام الدولة الأموية ، ثم بعد قيام الدولة العباسية وتوسعها ، أصبحت الأماكن المقدسة المسيحية تحت ولاية وأدارة تلك الدولة ، من دون مشكلات تذكر على مستوى الظاهره التاريخية ، نعم كانت هناك حوادث عنف طائفى فى بعض الأحيان لكنها كانت حوادث أقليمية لم تتخذ شكل الحرب الأهلية أو المحدوده القائمة على أساسى دينى ، ولعبت بعض الحوادث العابره لاحقاَ دورها فى تعضيد التوجه الدينى ووضع أساس أعلامى بمنطق هذه الأيام له مثل ما حدث عام 1009 ، عندما أمر الخليفه الفاطمي الحاكم بأمر الله بحرق كنيسية القيامة . وبعدها سمح نجله العزيز بالله بأعادة بناء هذه الكنسية كما سمح بالحج للاراضي المقدسة بعد اعادة بناء هذه الكنيسه.
وفي اواخر القرن التاسع ، وبعد سلسلة من الحروب الأهلية والغزوات ـ أستقرت الأوضاع فى أوربا بعد سنوات من القتال والكر والفر ، والغزو ، والتدمير المتبادل ، بين شعوب الراين وجحافل غزاة الشمال سيما بعد دخول الفايكنكز ، و السلاف ، و المجر، إلى المسيحية ،
وقد انتجت هذه الحقبة من القتال والحرب ، فصائل مسلحة كثيرة لجئت لاحقا لمحاربة بعضها بعضا ، كما أحترفت السطو المسلح والهجمات على البلدان والقرى ، و حظيت هذه الفصائل بأهتمام جانب من النبلاء ومكنت كثيرين منهم من توسعة رقعة الأقطاعية أو السيطرة على الفلاحين فيها ،
وبدأ تدخل الكنسية أبتغاء إيجاد حالة من التهدئة ، ووقف العنف ، وجرائم السطو المسلح ، وأيجاد نوع من السلام ، ووجدت الكنيسة الرسولية بالفاتيكان فرصه فى الأفادة من طبقة المحاربين هذه لمحاربة المارقين والمخالفين للبابا فى روما ،
وعندما تعالت فى القرن الحادى عشر حركة المقاومة ضد الكنيسة البابوية في روما و سيطرتها على شئون الحياة الأوربية ، ذاعت أرآء القس يواقيم الفلورى Jouchim Flora الذى واصل تبنى أفكاراَ للقس سان برنار ونتج عن أفكاره هذه أن ظهرت فرقة جديدة نمى عدد تابعيها في جنوب فرنسا بشكل متصاعد وسريع وهى " جماعة الكارتاريون Czthari أى الأطهار " وأطلق عليها لاحقاَ الألبيجنسيون نسبة إلى بلدة Albi في تولوز، وقد تعاظمت هذه الفئه عددا إلى الحد الذى أقلق البابا فى روما ودفعه لأصدار قرار بحرمان ريموند السادس أمير تولوز ، لوقوفه مع الهراطقة الألبيجنسيين و إباحة أراضيه و أملاك الألبيجنسيين ، فتحمس لذلك أمراء شمال فرنسا و اندفعوا في حملة صليبية رفعت الصلييب شعاراَ لها سنة 1209 وقضت على الأمراء الأقطاعيين في جنوب فرنسا ، و إقتسموا إقطاعاتهم..
هكذا أذن جاءت بداية الحروب الصليبية في فترة خلفت الصراعات الأقليمية ودخول الفايكنكز ، و السلاف ، و المجر، إلى المسيحية ونشأة طبقة المحاربين الأوروبيين والتى أضحت بلا عمل، حرباَ مسيحية مسيحية أتخذت من الصليب شعاراَ لها.
وبدأ البعض فى روما وفرنسا والأندلس بالأهتمام بموضوع الارض المقدسة التي خضعت لولاية المسلمين منذ عهد عمر بن الخطاب رضى الله عنه ، وساعد على تنامى هذا الأهتمام تحول الحرب فى الأندلس (أسبانيا والبرتغال) إلى حرب دينية حيث قام البابا المعروف بأسم ألكسندر الثانى عام 1063 بمباركة المحاربين فيها مطالبهم بأسترداد الأوطان !!!
ونشأت شعارات وفكرة الحرب المقدسة فى أحضان أوربا المضطربه فى هذه الفتره بالصراعات الداخلية آنذاك سيما من جانب النبلاء والفقراء ـ النبلاء ممن أفقدهم قانون تقسيم الثروه أموالهم حيث كان القانون المطبق يقصر وراثة الأبن الأكبر لثروة أبيه ، ووجد كثير من النبلاء فى ظله أنفسهم بلا ثروة أما الفقراء فقد دفعت بها سوء أحوال المعيشه إلى اللجوء للخلاص ولو بالأنخراط فى جيش الرب الذى سوف يجعل منهم بعد فترة أغنياء .
سقوط القدس
وتحمس البابا «أورمان الثاني» لتنظيم حملة كبيره تستهدف الزحف شرقاَ، وقام بالدعوة لعقد مجمع ديني عقد في مدينة كليرمونت الفرنسية التى وقف فيها خطيباَ فى حشد من العامة والنبلاء وحث الحضورعلى شن حرب مقدسة لتطهير قبر أبن الرب من دنس المسلمين ، ووقف أضطهاد المسيحيين فى فلسطين ، وكان خطابة مؤثراَ وبلغياَ استهدف دغدغة المشاعر المتأججه أصلا من الجو الروحى الذى جرت فيه التعبئة لهذا الحشد ، وأمتزج فيها الحماس بالغضب سيما وأنه وعد المشاركين بالمغفره والرحمة ورعاية أسرهم ، صاحب ذلك بالطبع استجابة رسمية من ملوك وأمراء فرنسا وإيطاليا بشكل لم يكن بخلد "أورمان" نفسه، وتسابق النبلاء والمحاربين لنيل شرف ، وكان منهم ريمون الرابع أمير تولوز، المسمى «أدفوكاتو» أي المحامي عن بيت المقدس، وأخوه بولدوين البولوني دوق اللورين السفلي وكذا إستيفان هنري كونت بلوا ومعه أيضًا هيوكونت فيرمندو والأسقف أدهماردي مونتيل أسقف ليبويه و دوبرت الثاني دوق نورماندي ومعه ومن بوهيموند بن دوبرت جيسكارد دوق أبوليا من أيطاليا.
ودفع أورمان الثانى بالقس بطرس الناسك لكي يقوم بالدعوة إلى الحملة الصليبية، فطاف مختلف أقاليم فرنسا بهيئته البسيطه حيث كان حافى القدمين يرتدى ثيابا رثة ، وأضحى يخطب فى كل مكان يصل إليه حتى تجمع حوله الآف من الفلاحين البسطاء وصغار النبلاء، وبعض المجرمين وقطاع الطرق، وتشكلت منهم حملة من الغوغاء والحثالة والمجرمين من دون قيادة حيث تدافعت هذه الجموع نحو الشرق تحمل المؤن فوق عربات بدائية مما يستعملها الفلاحون وتجرها الثيران، و صحبوا الزوجات والأطفال،
وفي الوقت الذي كان فيه بطرس الناسك ماضيا في دعوته في الغرب الأوروبي ظهر زعيم آخر من زعماء العامة هو "والتر المفلس"، والذى التف حوله المزارعين والعامة بالأسواق وفى كل محفل كان يخطب به حيث تكون منهم حشد يقدره بعض المؤرخين بأكثر من خمسة وعشرون الف ، وسار بهم عبر وسط أوربا والمجر حتى وصل إلى مشارف القسطنطينية وسمح لهم الإمبراطور البيزنطي ألكسويس كوفين بالانتظار خارج أسوار العاصمة حتى وصول "بطرس الناسك" الذى كان قد غادر بطرس الناسك "كولونيا" متجها إلى المجر، على رأس الالآف من الغوغاء والدهماء، وأثناء عبورهم المجر عند بلدة "سملين"، وقع خلاف بين المجر وجنود الحملة بسبب الحصول على المؤن، وتطور الخلاف إلى مذبحة ارتكبها الصليبيون أسفرت عن مقتل أربعة آلاف من أهل المجر الأبرياء، وتحولت "سملين" إلى خرائب تتصاعد منها دخان الحرائق التي أشعلها جنود الرب، ضد إخوانهم المسيحيين الذين زعم الصليبيون أنهم جاءوا لنجدتهم.
وعندما وصل "بطرس الناسك" الذي كان يمتطي حماره في مقدمة جيشه إلى مدينة "نيش" التي تقع على الحدود البيزنطية خاف قائد الحامية البيزنطية على مدينته من التصرفات الحمقاء لهذه الجموع، فاتخذ تدابير لمواجهتهم عند الضرورة بأخذ بعض الرهائن منهم، لكنهم عاودوا أعمال السلب والنهب وتخريب القرى والمدن، ولم يجد البيزنطيون بُدًّا من مهاجمة بطرس الناسك، وقتل كثير من رجاله، وأسر عدد آخر، والاستيلاء على الأموال والتبرعات التي كان الراهب قد جمعها فى رحلتة المقدسة ، لكن ذلك لم يؤثر في مسيرة الجيش الصليبي، وسار صوب مدينة "صوفيا"، فى بلغاريا ، وبعدها وقف عند أسوار القسطنطينية حيث أرسل الإمبراطور البيزنطي في طلب لقاء القس بطرس الناسك، وطلب منه البقاء مع من معه خارج المدينة حتى تأتي الجيوش الصليبية التى تضم النبلاء والأمراء في الموعد الذي حدده أورمان من قبل لتجمع القوات لكنة رفض عرض الإمبراطور ونصائحه التي أسداها إليه، وأغرته كثرة أتباعه وأنصاره وواصل الصليبيون أعمالهم الهمجية في القسطنطينية، وارتكبوا كثيرًا من المخازي، ومارسوا السلب والنهب، واضطر الإمبراطور البيزنطي أو أن يتخلص من هذا الشر المستطير بنقلهم بسرعة عبر المضايق إلى آسيا الصغرى، وفي الوقت نفسه كرر نصائحه للصليبيين بالتروي والانتظار عند أحد المراكز الحصينة بالقرب من "البسفور"، حتى تأتيهم الإمدادات والجيوش النظامية المدربة من الغرب، لكنهم لم ينصتوا إلى نصائحه، ولم يستطيعوا ضبط أنفسهم، والكف عن السلب والنهب، والاعتداء على المزارع والضياع والقرى والكنائس القريبة.
أخذ الصليبيون يوسعون دائرة أعمالهم الهمجية، وواصلوا زحفهم إلى "نيقية" قاعدة السلطان السلجوقي "قلج بن أرسلان"، الذى لم يجد أى صعوبه فى الإجهاز ليهم وسحقهم ونجح في الإيقاع بهذا الجيش الهمجي والإجهاز عليه تمامًا، وهرب من تبقى منهم على قيد الحياه وهم أقل من ثلاثة الآف إلى القسطنطينية ثانية.
وقبل أن تنقضى ثلاث سنوات على هذه الهزيمه أكملت حملة "اورمان الثانى" استعدادتها ووصلت إلى القسطنطينية حيث ضمنت مليون مقاتل ، ثم توجهت الحملة إلى منطقة الأناضول واصطدمت مع سلاجقة الروم وهزمتهم عند «نيقة»، ثم توجهت بعد ذلك إلى الشام وكانت أنطاكية هي أولى المدن التي حاصرها الصليبيون، ولكن قبل الوصول إليها انفصل عن كتلة الحملة الصليبية الدق بولدوين واتجه شرقًا ناحية الجزيرة الفراتية، حيث استولى على الرُها وأسس فيها أول إمارة صليبية في بلاد المسلمين، وكانت غالبية سكان الرُها من الأرمن النصارى وقد ساعدوه على احتلال الرُها. استولت باقي الحملة على أنطاكية بسبب خيانة بعض حراس الأبواب، على الرغم من المقاومة الباسلة التي استمرت تسعة شهور، ثم حاول أمير الموصل (كربوقا) بالتعاون مع باقي أمراء الجزيرة الفراتية إغاثة أنطاكية ولكن لسوء إدارة المعركة واستبداد «كربوقا» بالرأي انهزم المسلمون، ثم توجه الصليبيون بعد ذلك إلى «معرة النعمان» فاحتلوها وذبحوا أهلها بسبب مقاومتهم للصليبيين.
وكانت القدس تحت سيطرة الدولة الفاطمية، وقام على أمرها الأمير أفتخار الدولة حيث لم يجد ما يواجه به حصار جيشو الصليبين ألا بتسميم الآبار وقطع موارد المياه، وطرد من المسيحيين من سكانها، وحاصرت الجيوش الصليبية المدينة خمسة ايام ووصل الوزير الفاطمي الأفضل الجمالي من مصر على رأس جيش ضخم لأعانة الحامية الفاطمية بالقدس بينما شدد الصليبيون حصارهم وبدوا هجومهم بأبراج خشبية مكسوة بالجلد والدروع من الجانب الشرقى لكن مقاومة الحامية تصدت لهذا الهجوم ، وبعد حصار دام اربعين يوماَ ومهاجمة بالأبراج شبة يومية ، ونجح عدد من الصليبين فى اقتحام السور الشمالى للمدينة والاندفاع إلى داخلها، وأعتصم من تبقى من الحامية الفاطمية بالمسجد الأقصى
جرائم ومذابح
وعمد الجنود الصليبيون إلى ذبح كل من فى المدينة من الرجال والنساء والأطفال، واستمر ذلك طيلة اليوم الذي دخلوا فيه المدينة. وفي صباح اليوم التالي، استكمل الصليبيون مذابحهم، فقتلوا المسلمين الذين احتموا بحرم المسجد الأقصى، وكان أحد قادة الحملة قد أمَّنهم على حياتهم، فلم يراعوا عهده معهم، فذبحوهم وكانوا سبعين ألفًا، منهم جماعة كبيرة من أئمة المسلمين وعلمائهم وعبَّادهم وزهّادهم ممن فارقوا أوطانهم وأقاموا في هذا الموضع الشريف.
ويروى المؤرخ "ريموند أوف أجيل"، أنه عندما توجه لزيارة ساحة المعبد غداة تلك المذبحة، لم يستطع أن يشق طريقه وسط أشلاء القتلى إلا بصعوبة بالغة، وأن دماء القتلى بلغت ركبتيه،
وفي شتاء 1100 م عمد "بلدوين الأول " على رأس مملكة الصليب في القدس حيث ظلت هذه المملكة 87 سنة، ولم يسمح للمسلمين بالإقامة داخل المدينة، وبدأوا العمل من أجل التخلص من الثقافة العربية في المنطقة وجعلها لاتينية، وساد نظام الإقطاع في الإدارة الذي كان سائداً في أوروبا، فكانت الأرض كلها ملكاً للفرسان.
واقع العالم العربى والأسلامى فى هذه الفترة:
كان العالم الإسلامي وقت وقوع هذه الفجيعة يعيش حالة من الفوضى الشاملة خاصة في منطقة الشام، فقد أنقسمت الدوله العباسية إلى دويلات فى المشرق والمغرب ، وكانت كل أمارة صغيره تعد نفسها دوله ، وأنشغل أمراء هذه الدويلات فى حرب بعضهم بعضاَ ، وبث الفرقة والشقاق ، وركز بعضهم فى حياكة المؤامرات ، والقتل والأغتيال ، وأضحت خريطة كل دويله تتغير ليس بالأعوام وأنما بالأيام ،
وعند بداية الحملات الصليبيه ، كانت دولة السلاجقة الملاصقه لأوربا هى أقوى هذه الدويلات ، لكنها كانت تشهد صراعًا مريرًا على كرسي السلطان بين أبناء ملكشاه: محمد وبركياروق، وقد شغلهم القتال الداخلي عن نجدة المسلمين،
بينما الخلافة العباسية فى حاضرتها بغداد رمزاَ ليس ألا ، خلافة واهية لا تملك من الأمر شيئًا، وترقبت الدولة الفاطمية فى مصر والشرق الأمر وكأن ما يعنيها منه وقوف الصليبيين حائلاً بينهم وبين السلاجقة الذين مدوا نفوذهم إلى الشام والحجاز وهددوا كيان الفاطميين بقوة.
وبينما أستقرت الأوضاع بعد احتلال المناطق الساحيلة بالشام وفلسطين والقدس الشريف وقام الغزاة من النبلاء والفرسان بتنصيب أنفسهم كأمراء وملوك على تلك المناطق، استمر الصراع بين الدويلات الأسلامية التى كانت تحت حكم الخلافه العباسية ، وكان الصراع على اشده بين الفاطميين فى مصر وبعض مناطق الشام وبين السلاجقة ، إلى أن جاءت تولية القائد عماد الدين زنكي وهو من قادة السلاجقة ، على الموصل ثم حلب ، حيث ولاه الخليفة المسترشد العباسى و اسس دويلة ضمت أمارتى الموصل وحلب ، ولما مات مقتولا بخيمتة أقتسم ملكه أبناه سيف الدين غازي ونور الدين محمود دولته، وتولى سيف الدين أمارة الموصل بينما تولى نور الدين أمارة حلب ، واستهل نور الدين حكمه في حلب بتوطيد حكمة وأقامة العدل حيث ألغى الضرائب ، وشيد قصر للعدل كان يباشره كل يوم ، وأهتم بأعداد الجند والعسكر أهتماماَ شديداَ ، وقام ببعض الهجمات على إمارة " أنطاكية" الصليبية، واستولى على عدة قلاع في شمال سوريا ، ثم قضى على محاولة "جوسلين الثاني" لاستعادة أمارة " الرهة" التي فتحها عماد الدين زنكي من قبل وكانت هزيمة الصليبيين في الرها أشد من هزيمتهم الأولى، وعاقب نور الدين من خان المسلمين من أرمن الرها، وخاف بقية أهل البلد من المسيحيين على أنفسهم فغادروها.
وكان نور الدين دائم السعي إلى استمالة القوى الإسلامية المتعددة في الشام وشمال العراق وكسب ودها وصداقتها؛ لتستطيع مواجهة العدو الصليبي، فعقد معاهدة مع معين الدين حاكم دمشق سنة 1147م وتزوج ابنته، وبعدها تولى أمر دمشق واصبحت دولتة تضم معظم أراضى الشام وشمال فلسطين .
وفي سنة 1147م وصلت الحملة الصليبية الثانية على الشام بزعامة الملك لويس السابع والملك كونراد الثالث لكنها فشلت في تحقيق أهدافها ، وعجزت عن احتلال دمشق ، ويرجع الفضل في ذلك لصبر المجاهدين واجتماع كلمة جيش المسلمين ووحدة صفهم، وكان للقوات التي جاءت مع سيف الدين غازي وأخيه نور الدين أكبر الأثر في فشل تلك الحملة، واستغل نور الدين هذه النكبة التي حلّت بالصليبيين وضياع هيبتهم للهجوم على أنطاكية بعد أن ازداد نفوذه في الشام، فهاجم في 1149م الإقليم وحاصر قلعة إنب، فنهض "ريموند دي بواتيه" صاحب أنطاكية لنجدتها، والتقى الفريقان في 1149م ونجح المسلمون في تحقيق النصر وكان من جملة القتلى صاحب إنطاكية وغيره من قادة الحمله.
بعد نجاح نور الدين في تحقيق المرحلة الأولى من توحيد الجبهة الإسلامية لم يعد أمام الصليبيين للغزو والتوسع سوى طريق الجنوب بعد أن أحكم نور الدين وأخية السيطره على شمال العراق والشام ولذا تطلع الصليبيون إلى مصر باعتبارها الميدان الجديد لتوسعهم، وشجعهم على ذلك أن الدولة الفاطمية في مصر تعاني الضعف والتأمر فاستولوا على عسقلان، وكان ذلك إيذانا بمحاولتهم غزو مصر، مستغلين الفوضى في البلاد، وتحولت نياتهم إلى عزم حيث قام "بلدوين الثالث" ملك بيت المقدس بغزو مصر سنة 1163محتجا بعدم التزام الفاطميين بدفع الجزية له، غير أن حملته فشلت وأجبر على الانسحاب.
وأثارت هذه الخطوة الجريئة مخاوف نور الدين، فأسرع بشن حملات على الصليبيين في الشام حتى يشغلهم عن الاستعداد لغزو مصر، ودخل في سباق مع ن الزمن للفوز بمصر، فأرسل عدة حملات إليها تحت قيادة قائد جيوشية أسد الدي بن شاذى بن مروان بن يعقوب الدونيى، المعروف بأسم أسد الدين شيركوه وبصحبته ابن أخيه يوسف بن أيوب بن شاذي بن مروان المعروف بصلاح الدين الأيوبي، ابتدأت من سنة 1164م واستمرت نحو خمس سنوات حتى ظفر بمصر سنة 1169م وتولى شيركوه الوزارة للخليفة "العاضد" آخر الخلفاء الفاطميين، على أنه لم يلبث أن توفي بعد شهرين فخلفه في الوزارة صلاح الدين الأيوبي.
نجح صلاح الدين الأيوبي في إقامة الأمن واستتباب الأمور وتثبيت أقدامه في البلاد، وجاءت الفرصة المناسبة لإسقاط دولة الفاطميين فقطع الدعاء للخليفة الفاطمي ودعا للخليفة العباسي في أول جمعة من سنة 1171م.
وكان لدخول مصر تحت حكم دولة نور الدين محمود دوي هائل، لا في مملكة بيت المقدس وحدها بل في الغرب الأوروبي كله، وارتفعت الأصوات لبعث حملة جديدة تعيد للصليبيين في الشام هيبتهم وسلطانهم، وتوجه لمصر ضربات قوية، غير أن حملتهم على مصر لم تحقق أهدافها ليقظة صلاح الدين في مصر.
وبعد وفاة نور الدين زنكى تولى صلاح الدين أمارة مصر والشام مؤسساَ الدولة الأيوبية والتى بدأ بها توحيد مصر والشام لمواجهة الخطر الصليبى ، ومستذكراَ وصية نور الدين بن زنكى بوضع المنبر الخشبى الذى أحتفظ به عشرين سنة فى موضوعه بالمسجد الأقصى قبل أن تحرقة الإيدى الغاشمة فى اغسطس 1969.
وعمد صلاح الدين إلى إعداد خطط حربيه وتجهيز المعدات والفرسان ودراسة قوات الأمارات الصليبية المختلفه ، وبدأ فى تنفيذ الغارات المحدوده لأرهاق قواد تلك الأمارات بين الشمال والجنوب فى الوقت الذى تعهد القلاع والحصون بمصر بالرعاية وأعد صلاح الدين جيشه لتحرير الأمارات المحتله بدءَ من عسقلان ويافا وعكا حتى بيت المقدس ، وبدأت مناوشات بين الطرفين وبنى صلاح الدين أسطولا من 30 بارجة لمهاجمة بيروت 1182، و عندها هدد أرناطُ بمهاجمة الحرمين مكة والمدينة فحاصر صلاح الدين حصن الكرك معقل أرناط مرتين في عامي 1183 و 1184، و رد أرناط بمهاجمة قوافل حجاج مسلمين سنة 1185 وبعد أن استعصى الحصن المنيع على صلاح الدين وقع معاهدة للهدنة فى في 1186 ،
وفى مطلع العام 1187 م، شن رينالد دوشاتيون المغامر غارة على قافلة متجهة من مصر إلى الشام ونهب بضائعها ، وأسر أفرادها وزجهم في حصن الكرك ، وطلب صلاح الدين من ملك القدس جي دي لوزينيان التعويض عن الضرر والإفراج عن الأسرى ومعاقبة رينالد دوشاتيون ، ولكن الملك خشى بطش رينالد دوشاتيون ، و قرر صلاح الدين إعلان الحرب على مملكة القدس، إلا إن مرضه أخر بدء القتال في تلك السنة وأنشغل بعدها فى أعداد وتجهيز القوات وتزويدهم بالمهارات ،
وبدأ جيش صلاح الدين الزحف منطلقاَ من دمشق بأتجاه بحيرة طبريا وهو يضم خيرة الفرسان والجند من دمشق وحلب والموصل، فى الوقت الذى وصل جيش مصر بقيادة الملك العادل فضمّه إلى جيش الشام، وسار بهما إلى منطقة تل عشترة وتحرشت هذه القوات عند مدينة الناصرة بالفرسان الصليبيين، المعروفة بالأوسبيتاليين ـ وأبيدت هذه الجماعه بالكامل بما فيهم قائدهم روجيه دي مولان مصرعه وواصلت قوات صلاح الدين زحفها وهى تضم 12 ألف فارس، و13 ألفا من المشاة بينما حشد الصليبيون لمواجهتها 22 ألفا فارس وما يربو على 60 ألف من المتطوعين القادمين من أوروبا ـ وعبر صلاح الدين نهر الأردن جنوبي طبريا، ووصل إلى (كفر سبيت) في الجانب الجنوبي الغربي من طبريا، حيث استولى جيش صلاح الدين على طبرية قاطعا على عدوه طريقه إلى الماء وأخذ المسلمون تنفيذاَ لخطة وضعها فى حرق الأعشاب والشجيرات، وعززوا الأستحكامات حول منابع المياه بالمنطقه ،
واستغل صلاح الدين أرتفاع حرارة الطقس جراء الصيف وتأثير الحرائق التى اشعلها جنوده بالشجر والأعشاب ، وفي صبيحة 4 يوليو 1187 وفي قيظ شديد ونقص في مياه الشرب ، بدأ القتال وسط سحب الدخان المتصاعد الذى حاصر الفرسان الصليبيون وأطلق جنود صلاح الدين الالاف من السهام نحو الصليبين، وبدأت بعدها هجماتهم بالسيوف والرماح فقتل وجرح وأسر الكثير، واستسلم الألوف منهم، وحاصر جيش صلاح الدين جزء من الجيش الصليبي فشطره إلى شطرين. ودامت المعركة نحو 7 ساعات على التوالي. سقط فيها الآلاف بين جرحى وقتلى، ووقع الملك غي دى لوزينيان ملك القدس آنذاك في أسر صلاح الدين، بالإضافة إلى العديد من القادة والبارونات، ولم ينج إلا بضع مئات فروا إلى صور واحتموا وراء أسوارها.
وبعد المعركة، أنطلقت قوات صلاح الدين وأخوه الملك العادل لتحرر كل المدن الساحلية على الشريط الساحلى الممتد من جنوبي طرابلس (فى لبنان حالياَ) إلى عكا، مروراَ ببيروت، صيدا، يافا، قيسارية، عسقلان.
تحرير القدس:
حاصرت قوات صلاح الدين القدس فى منتصف سبتمبر 1187 حصاراَ من كل الجهات ، حيث أستسلمت الحامية الصليبية الموجود هبها بعد ستة ايام ، وفي 2 أكتوبر 1187 م فتحت ابواب المدينة للسلطان الناصر/ صلاح الدين الأيوبى ، ورفرف علمة الأصفر الذى يتوسطه النسر فوق أسوار القدس. و في نوفمبر 1188 م استسلمت حامية الكرك ، وفي أبريل مايو 1189 أستسلمت حامية كراك دي مونريال ، وكان حصن بلفور آخر حصن يسقط ، ولم يبق للصليبيين سوى مدينتي صور وطرابلس، وبضعة استحكامات (قلعة الحصن) في شرق طرطوس. أدى سقوط مملكة القدس إلى دعوة روما إلى بدء التجهيز لحملة صليبية ثالثة والتي بدأت عام 1189 م التى بدأ تمويلها في إنجلترا و أجزاء من فرنسا بضريبة خاصة عرفت بضريبة صلاح الدين (Tax Saladin tithe) ، قاد الحملة ثلاثة من أكبر ملوك أوروبا في ذلك الوقت هم رِيتشَارد (قلب الأسد) ملك إنجلترا، و فيليب أغسطس ملك فرنسا ، و ملك ألمانيا فريدريك بربروسا الإمبراطور الروماني المقدس، و فشلت كل محاولاتهم لغزو القدس فوقّع رِيتشَارد في 1192 معاهدة الرملة مع صلاح الدين.
أشارات مهمة من الحدث:
إلى كل المناضلين على طريقة حماس وتوابعها فى لبنان وإيران والأخوان المسلمون والمناضلين على طريقة بالحذاء بالحذاء نقهر الأعداء ، الوحدة أولاَ وأتحاد الأمة ، والتحضير الجاد غير المصحوب بالحنجرة وفقط ، ولا بعبارة رفض كل شىء من أجل أى شىء ، ولا الكلام من سوريا والفعل أوهام أضافة إلى نقاء النفوس وصفاء النوايا ، وكثير من الخبره والفهم والقراءة والمشوره ، والمعاهدة مع الأعداء ليست أنهزامية ولا تفريط ، لكنها السياسة والدهاء وحماية الأبرياء ...
وأخيراَ ـ أعزائى معلومة مهمة جداَ ـ لكل القادة والحكام ، والسلاطين فى آخر الزمان ذوى الأحذية الفاخره والسيارات الفخمه ، والشقق والحسابات فى سويسرا وكل مكان ، فإن السلطان / الناصر لدين الله ابو المظفر يوسف بن أيوب بن شاذى بن مروان المقلب بالملك الناصر صلاح الدين الأيوبى توفى بالحمى فى دمشق فى مارس 1193 ووجد فى خزينتة سبعه وأربعين درهما ناصرياَ وجرام واحد من الذهب ولم يكن يملك داراَ ولا مالا حيث أنفق كل ماله فى الصدقات وتجهيز الجند وأعالة الفقراء سراَ ، وبالتأكيد لم يكن لدية حسابات رقمية فى سويسرا أو فى جزر العذراء البريطانية ولا فى جزر الباهامس أو غيرها من البقاع الدافئة ، وهذا جزء مهم جداَ فى الموضوع حيث لم يشارك فى رخصة للتليفون المحمول ، ولم يضبط يوماَ عند المعابر وبحوزتة خمسة ملايين دولار.
مصادر للدراسة:
كل الشكر والتقدير للباحث / أحمد تمام على دراستة تاريخ الحروب الصليبية ، ولمزيد من المراجعه باللغة العربية كتاب ستفن رنسيمان تاريخ الحروب الصليبيه ترجمة السيد العرينى ـ منشورات دار الثقافه ـ بيروت ، سعيد عبد الفتاح عاشور ـ الحركة الصليبيه ـ مكتبة الانجلو المصرية 1982 الحروب الصليبيه كما رآها العرب للأستاذ/ أمين معلوف وكتاب الحروب الصليبيه للمؤلف وليم الصورى ترجمة حسن حبشى
التعليقات (0)