مواضيع اليوم

آسية السخيري: الخروج من الوهم والدخول في التيه

عثمان الودنوني

2009-07-04 17:47:07

0

سأظل الساكنة في حضن اللغة البكر تهبني ما فاض فيها من ماء الأسماء السابحة في الدجى تنظر ولادتها الأولى1 هكذا تقحمنا آسية السخيري في عالمها الكتابي وتلخص سؤالها اللغوي والوجودي في ذات الوقت فهي تواصل قائلة: أنا التي اقتلعت من الضوء عنوة أو شهوة فقط كي تنغرس زهرة من ضحى الروح المثخنة في رحم العتمة وطين الرحيل إلى أقاصي الأغنية المحلقةôأنا التي أبحث عني حيث لا فرح ينهمرô لا أجدني هنا ولا أراني هناك ولا ألمح لي وجها يزهر خلف درب التبانة2
ها هي تجعل نفسها محور الرؤيا كأنما نيّتها أن تمدنا بالمفاتيح الضرورية لمعاشرة نصوصها الإبداعية التي سيتبين لاحقا أنها تهزأ بالتجنيس المفترض ولا تحفل بأي تصنيف أدبي يعتمد قوالب جاهزة أو أنساقا محددة مسبقا.
الداخل إلى عالم آسية السخيري الكتابي يجب أن يكون مسلحا بالقدر الكافي الذي يسمح له بتقبّل الكتابة في صورتها البكر، كتابة تختلف عن السائد في طرح أولوياتها اللغوية والبلاغية والرؤيوية، كتابة معتدّة بنفسها حتّى في أكثر السياقات غربة وحزنا وبؤسا، يجب أن يكون مسلحا بقدر كاف من الانفتاح واتساع الأفق ليكون قادرا على استيعاب توجهاتها والتفاعل معها فهي كتابة لا مرجعية لها إلا تداخل المسارات والتوحد بين الرؤيا والمعنى واللغة ولا تحتاج إلى خلفية إلا البدء من جديد والولادة المتكررة والانبعاث المتجدد.
نقرأ لآسية هذا المقطع الجملة ليكون استنادا أولا لهذا الطرح: ضحكتك نغمة ينفخها رجل الكهوف في ناي الأيام الطويلة الموزعة على الحلم وعلى أيائل الجدران المحفورة بتهويمة شهرزاد الأولى للطفل الذي سيكبر غدا لا تبغي أن تعرفه أغنية المهد الحزينة على عالم ينهش فيه الذئب فرح ليلى القاصدة غابة الحلم تجلب لأبيها الشيخ وللصغار من إخوتها حبات أفراح صغيييييرة لا تنخرها عثة المخابر المتفجرة ونشوة المؤامرة التي لا تنتصر لغير خراب الديار المزقزقة بين أرجائها ضحكاتنا البعيدة المكتومة3
ضمّت في جملة واحدة مجموعة من الشخصيات والأفكار والأشياء المستمدة من سجلات مختلفة في توجهاتها ومتباينة في انتمائها الزماني والثقافي وجعلت منها أيقونات: رجل الكهوف: الإنسان في بدائيته الأولى، تهويمة شهرزاد: إحالة على الصراع القائم داخل المجتمع الأبويّ بين الرجل من أجل متعته السادية والمرأة من اجل البقاء والحق في الوجود، ينهش الذئب فرح ليلى: المكر والخديعة مقابل التضحية والإيثار، عثة المخابر المتفجرة: تدخل الإنسان في المسار الطبيعي للحياة بإقحام التكنولوجيا السوداء، نشوة المؤامرة خراب الديار: الحروب والخبث السياسي
إنها إحالات على عوالم مختلفة خدمة للفكرة التي لا تحفل بالمعنى بقدر انشغالها الصارخ بالدفق الوجداني والتأثير الفعلي لشحنتها النفسية والرؤيوية هذه الأيقونات المستمدة من التراث البشري المشترك أخذت تتوالد عن بعضها البعض بطريقة إحالية حلمية حيث وقع توظيف اشتراكها في بعدها السلبي من اجل التعبير عن مظهر إيجابي في صورته المبدئية: الضحكة وهذا التوظيف المتناقض صبغها بتغريبة متفاقمة فهي في انتمائها الوظيفي إلى جملة نحوية واحدة قد اكتسبت شرعية توازي حقلها الدلالي مما يفتح سبل تأويلها والنظر في أبعادها الرؤيوية ويكاد يكون التوالد في الأفكار سمة تخصص جل نصوص الكاتبة فيبرز فعل التوالد المتعاقب للأفكار في المقطع التالي بوضوح أكبر:
في كل خطوة لنا مع الطريق سؤال ولنا مع الأسئلة عذابات لا ترأف ولنا مع الطريق حكايا ولنا في شعاب الحكايا البكر التي لا تقبل بأن تكرر نفسها دموع نسقي بها شجرة اللبلاب الحزينة وشجيرات الزعرور البري يفرح لإزهارها أطفال غجر جاؤوا من المدى القصي كي يهدوا للأرض شمسا من حلم وقمرا4.
هي لا تكتفي بأن تبني عالمها الخاص بما فيه من علاقات وتفاعلات بل هي تدفع بالقارئ إلى أن يبني هو نفسه علاقات جديدة بينه وبين ذلك العالم المبتكر وتنجح في ذلك باستخدام أساليب بلاغية تتدرج من الاستعارات العادية البسيطة إلى الاستطرادات المسهبة مع التركيز التركيبي على الصيغ الإضافية التي تجعل المتناقضات والمتفارقات تنصهر في تركيب واحد بحيث يكون تجاورها المتنافر ظاهريا مربكا لكن ذلك الإرباك نفسه هو الذي يفتح المجال للقارئ بأن يدخل في طقوس النص فيشرع في عملية انتقائية لمدلولات كل عنصر في التركيب الذي يواجهه يأخذ من حقله الدلالي ما يخدم الفكرة الأصلية وتهمل ما دون ذلك بل ويتحكم هو في مدى اتساع ذلك الحقل ومدى إمكانية دفع المعنى إلى الأبعد فيصبح القارئ بهذا التورط فاعلا في النصّ بقدر ما يفعل فيه النص ذاته يكتشف منه بقدر ما يكشف عن نفسه وعن علاقاته هو بالمكتوب.
هي لا تخاطب العقل ولا تتوجه إلى الوجدان بقدر تصويبها نحو النهايات العصبية لردود الأفعال التلقائية التي تثيرها تراكيب النص ومراوغاته اللغوية في تداخلها مع البنى الرؤيوية التي يزخر بها لتصل في النهاية إلى قلب قوانين اللغة واستغلالها لصالح النص بكتابة عفوية متجذرة في التمرد حتّى على سياقاتها نفسها تستمدّ ذلك من انفعالية الذات الكاتبة وفرط حساسيتها التي كان من السهل أن تسقط بها في المباشرة والتقريرية أو الرمزية السطحية لكنها اختارت القطب الآخر للكتابة فنسفت كل العوائق بين الرؤيا واللغة وأخضعت اللغة لمتطلبات النص في توهجاته.
هي ترخي العنان للكتابة كي تتجلى في صورتها البكر وتمارس تبعثرها المتعمد فيبرز اختلافها في تشكلها اللغوي والرؤيوي على حد سواء، ونحن إذ لا يمكن أن ننكر صفة الشعرية على هذه النصوص استنادا إلى معايير إبداعية تنطلق أساسا من مفعول القول الشعري للنص في نفس القارئ يبرز توجه سردي واضح في هذه الكتابة إذ تتراءى لنا إيحاءات سردية لشذرات من أحداث وشخصيات تنبثق من داخل النصوص لا يتجلّى تأثيرها الفعليّ إلا حين تضمحل مخلفة مذاقها الخاص كما لو أن الكتبة تتسلّى في سياق نصوصها بلعبة الخلق والهدم المستمرين فهي تبعث الحياة في شخوص وترصد لها أحداثا قد تمكنها أيضا من زمان أو مكان للوقوع والتفاعل ولكنها ما تفتأ تهملها وتسلمها للاضمحلال لا يبقى منها سوى ذلك الدفق الوجداني والتأثير النفسي الخفي والضمني لها، هذه كتابة متشظية لا تتبع نسقا محددا واضحا في تقدمها ولا تحلل الأفكار المبثوثة ولا تتوسع في ذلك ولا تقدم تنويعات عليها بقدر ما تعتمد على عفوية الكتابة والموقف غير عابئة بمقومات التصنيف الكلاسيكي أو التصنيفات التقليدية للنص في شبه انسياق غير واع وراء الخط الذي تفرضه الأفكار المتزاحمة وتحتمه علاقة الكاتبة بالكتابة وتعريفها الضمني لها فهي تسلك مسالك اللغة الوعرة وتتعمد الإبحار في اتجاه المجهول حيث لا نكاد نتكهن بالأفق الذي سيفضي إليه استمرار تقدمها على بساط لغوي سحري ينتقل بين العوالم والمناخات التي تصورها بقدر من العنف والمباغتة حتى كأننا نلهث وراءها لتستمر المفاجآت بانتقالات قياسية لها منطقها الخاص وتحديداتها الذاتية من غير مرجعية واضحة أو نسق محدّد.
آسية السخيري في معاشرتها للغة تغامر بها وتتجرأ عليها في رغبة ملحة في أن تدفعها إلى الأبعد لتصل إلى تخوم القول بدفعها إلى حدوده اللامتناهية في شبه استسلام لسطوة الفكرة مما يجعل النصوص في بعض منعطفاتها تتحول إلى استطرادات تكاد تخرج عن السيطرة في تسارع تدفقها وانبثاقها المتتابع بطريقة تخلو من كل ضبط وتتحلل من كل قيد غير الرغبة الوحشية في إبراز الفكرة والتحرر من ربقة الرقابة الذاتية أثناء ممارسة فعل الكتابة فهي تظهر في بعض المواضع في شكل استعراض أفقي للمثيرات الوجدانية والهذيانات اللاواعية المتراصة من غير رابط وفي شكل تهويمات حلمية تتجلى في تجسدات انفعالية ذات عوالم فنطاستيكية.
نصل هنا إلى حدود التساؤل عن مدى جدوى أو فاعلية هذه الاستطرادات التي تصل إلى المبالغة في الامتثال إلى إرهاصات الفكرة الأصلية المطروحة فتنساق وراء امتدادتها وتستسلم لغوايتها كما نطرح تساؤلا عن توفر القصدية المبدئية من وراء هذه الكتابة التلقائية المتدفقة.
فلنقرأ لها وهي تقول : فالموت ما ادخر قلبا شاسعا يهدي إلى النور إذا ما اضمحلت من الكون براكينه الساجرات تغرق في طميها قوافل الذين لم يدركوا سبيل الحرف الزلال واللون الذي لا يرتع في قوس قزح تسرقه ريشتك في غفلة عن الضوء المدخر بين أصابعه الممدودة شغفا لألف من الأطياف وأبعد عندما يكون ملك الغيم نائما على صهوة قطرة فرح تأتلق في عيني الطفل الشريد5.
تتواتر الأفكار متدفقة وتتصاعد الصور شعرية والبنى الفكرية المتزاحمة إلى درجة تجعل الفكرة الرئيسية تفلت منا فنتلهى عنها ويتشوش الاهتمام المفترض بها كل هذا يرجح التفكير في أن اللجوء إلى هذه الاستطرادات والامتدادات ما هو إلا تزويق لغوي يثقل النص أو استعراض للمهارات الكتابية كان من الممكن التحكم في جرعتها سعيا إلى التكثيف والاختزال وضمانا للوصول الواضح والسريع لتخوم الفكرة دون إثقالها بتبعات هذه الكوكبة من الإرهاصات والتداعيات.
لكن هذا الطرح ينهار حين نجد أن الكاتبة في نصوص أخرى تتعمّد تقشف الكلمات وتقتر بالأفكار لتختزلها في جمل متسارعة تنهيها قبل أن تكتمل الصورة وهنا مرة أخرى يجد القارئ نفسه متورطا في بناء المعاني ومقحما في عملية الكتابة نفسها يبحث عن الطمأنينة بين الكلمات فلا يجدها وهو يقرأ نصوصا في شكل ومضات قصيرة تحرض على الكشف أكثر مما تبوح وتتجلّى فيها مهارات الكاتبة اللغوية وتوظيفها في خدمة الفكرة وسنستعرض هنا بعض تلك المهارات معتمدين على جملة من النصوص القصيرة جدا للكاتبة.
توظيف الموروث الثقافي
براءة
لماذا يزعجكم غنائي
أنا لم أذبح صبيا ولم أغتل زيتونة تسبح لكل الجهات
أنا فقط أحب الله
التلاعب بالضمائر المتصلة
اشتهاء
أشتهي أن أراك تعدو بساقي في الريح
أنظر إلى نصفك الميت
ترى، منذ متى عهدتني كسيحة؟
التكثيف موظفا في جمل قصيرة
نشيج
الليل مبعثر في ملكوت الصمت
القبة السوداء تنشج
اللآلئ المسفوحة تتخبأ بين ضلوعي
تقطيع الجملة الواحدة
عناق
يحدث أحيانا
أن نعانق البروق
كيô.. نتبلل برمادنا
تغيير المواقع في الجملة
رؤيا
أغلق عيني
أجول في رحاب ظلماتي الشاسعة
في ركن قصي لا تلمسه يداي، أرى الله
ظلمات
جريت إلى أن انقطعت أنفاسي
عندما وصلت
رمت بي، في أعماقها، الليلة الدهماء6
لا يتوقف نزوع الكاتبة على ما بيّنّا من اختلاف في علاقتها بالكتابة ومن تمرد على التصنيفات الأدبية القائمة على ثنائية شعر/نثر بل كسرت تصنيفا آخر أشد إجحافا في حق الإنتاج الإبداعي الذي تنتجه المرأة أي ما اصطلح على تسميته كتابة أنثوية أو كتابة نسائية فعند الاطلاع على كتابات آسية السخيري يظهر بوضوح البعد الإنساني الشامل الذي تعمل عليه وقد تجاوزت الرومنسية الكلاسيكية التي كثيرا ما اتهمت المرأة الكاتبة بعدم القدرة على تجاوزها باعتبار الموقف الذي يتخذه الرجل الكاتب من المرأة عموما على أساس أنها أنثى أداة متعة ومحرك شهوة وما كان متداولا لزمن طويل بان المرأة إنما هي محور الفعل الإبداعي وملهمه ولا يمكن أن تكون صانعا له أو محددا لخصوصياته باعتبارها كائنا ناقصا غير قادر على استيعاب شمولية الكون ولا يمكن أن تنظر إليه إلا من خلال نفسها بنظرة ضيقة لا تتجاوز مشاغلها اليومية وهشاشتها النفسية. وزاد في توطيد هذا الاعتقاد ما تقدمه بعض الكاتبات بالكتابة بقلم ذكورية يرسخ هذه الأفكار ويدعمها لكن آسية السخيري فندت هذا التوجه ونسفت الحدود بين التصنيفات الأدبية القائمة على اعتبار جنس الكاتب (رجل /امرأة) وجعلت تكتب بطابع إنساني مطلق لا يميزها كأنثى بل كامرأة لها خصوصياتها النفسية والموقعية بين موجودات هذا الكون وخاصة في موقعها من الرجل فهي لا تتجاهل وجوده أو ضرورة وجوده كشريك دائم في هذا الكون، بل إنها تقبله كعنصر مساهم في هذا البناء وتحدد موقفها من الكون بناء على علاقتها به، هي تخاطبه وتجعل منه محور الرؤية التي تقدمها ولكنها تعامله معاملة الند للند وتصور علاقتها العشقية به على أنه المكمل المحتمل لطمأنينتها على الأرض دون اعتباره المخلص أو المنقذ بل المكمل لفراغ الروح ونجدها تخاطبه بكل عفوية المحبة وبنفس طقوسها الخاصة المغرقة في الحلمية :أحبكôأسافر في أقبية الحلم المزركش بدهشة البدء بحثا عن وجهك في كل الأمكنة.أقتنص الضوء المرتحل على أجنحة الرغبة الجامحة من مسام الريح المشرعة لي ألواحها السبعة أنهل من بياضها الفاجر أسراري المنثالة التي لا تذويôالحلم شكل فاسق من أشكال الانكسار وأنا رهينة حلم أبصر فيه عجزي لكنني رغم ذلك لا أهرب من هشاشة العالم إلى غير رحم الحلمôأتزحلق عالياôأحلق ôأحلق..أحلق نحو الهاوية ôلا أرتعب من خفتي الصاهلةôلا أرهب السقوط الوشيك إذ حين استقراري في قرار الجب ستحط هناك كي أنهمر فيكôسأموت فيك كي أحيا من جديد بكôسأدفن رأسي في حضنك...7
هي تغضب منه أيضا وغضبها جامح قاتل وحشي تقدمه بصورته البكر دون تصنع وتصوّر المرأة في موقع القوة رافضة أن تكون القطب الضعيف في العلاقة بين المرأة والرجل وبين المرأة ووجودها في هذا الكون نفسه فتقول :طبعا، لا شك أنني كنت موجودة وسط الحشد العميم أبحلق بعينين جاحظتين لكنني كنت فقط أتصنع الغباء وأنا أستمع إليك تتغنى بفتوحاتك الإلهية. لست تمثال شمع ولست رقما منطفئا من جملة أرقام متناثرة في أيام أي كان البليدة حتى وإن كانت أيام الله ذاته. إن كنت ترى نفسك الأكثر فهما للحياة فأنت واهم وإن كنت قد وجدت مبتغاك ولو لبضع ثوانٍ في تلك اللحظة القميئة العمياء التي وهبتها لك والتي تدعي أنك تعود منها مباشرة إلى موتك المتشفي فلتضع نصب عينيك منذ الحين أنني لم أبحث مرة واحدة عنها لأن تلك اللحظة البائسة لم تكن لتثير غير موتي الذي لا يغيب وقرفي الممتد بحجم الكون8
تظهر هنا عواطفها الجامحة مجردة من كل استطرادات مثقلة وإسهابات مشوشة كأنما قصدت التوجه للهدف بأقصر السبل فاكتفت بالكشف الصريح وبالاقتصار على جرعة مختزلة مما كان ملاحظا من ميلها إلى الاستطرادات والتنويعات وتلجأ إلى التشبيه البسيط مع المحافظة على درجة عالية من رقي اللغة وجودة الصور الشعرية فهي تساير نسق غضبها الجامح وتستعجل بث عواطفها لتبينها في صورة متسارعة متوجهة مباشرة إلى الرجل الشرقي تعري أمامه فداحة خطئه في نظرته إلى المرأة ومبرزة في نفس الوقت تمردها وتمكنها من الخروج من سيطرته والانعتاق من تسلطه وتعلن العصيان :أنت شرقي لذلك فإنك لن ترضى أبدا بفكرة أن أغير حبي كما تغير امرأة باذخة الثراء زوجي حذائها أو كما تغيرون أنتم بنات حواء البائسات من أجل أن تكتبوا قصيدةô ها أنا إذن أصفعك ببضاعتك المغشوشة رغم قرفي من مثل بؤسك الذي يرمي بي في أتون العدم.
لم أعد أمتك، لاô ولا حتى مجرد ذكرى. كم أنا فرحة بانعتاقي من وهم لم يكن لك أي دخل فيه لأنني بيدي هاتين أنا التي نحتته أيها الذي لا يتقن صنع شيء آخر غير كتابة أغان بنسغ دم مراوغ لامرأة ميتة.
رافقتك لعنة انتحاري على بوابة جنتك اليباب.9
يظهر هنا تطور نظرتها إلى نفسها وإلى المرأة والمرأة المبدعة بصفة أخص من جهة وإلى الكتابة من جهة أخرى فهي من ناحية تعتبر نفسها ـ والمرأة من ورائها- كائنا كامل الإنسانية مدركا للإشكاليات الوجودية وفاعلا فيها بما يعتمل في نفسه من تأثرات وتفاعلات تجاهه كما انها خلّصت علاقتها بالكتابة من اعتبار أنها وسيلة تفريغ لشحنات عاطفية وتشنجات نفسية ودعمت دور الكتابة في تحقيق التوازن النفسي والوجودي لها، باعتبارها ضرورة حياتية وطريقة تفاعل وتعامل مع كل الموجودات والمناخات الذاتية أو الكونية في نفس المبدع، سواء كان امرأة أو رجلا.
هذا التنوع في انساق الكتابة وهذا الاختلاف والتعدد في الطرق التي تتوسل بها الكاتبة الرؤى والمعاني باختلاف النصوص وتعدّدها من التكثيف المطلق إلى الاعتدال في نسق الكتابة إلى الإسهاب في التداعيات لا يمكن إلا أن يكون بابا من أبواب التجريب الذي تمارسه الكاتبة عن وعي وإدراك واضح لما يعتمل في ذاتها الكاتبة من تفاعلات تحاول أن تبلورها بالشكل المناسب وتمنحها الصورة التي ترضى لها، فهي بين الإسهاب المفرط والتقشف المتعمد وفي المساحة الموجودة بينهما وفي منحها طابع الشمولية والإنسانية لكتاباتها تحاول أن تنحت وجودها الكتابي وان تحقق تفردها الأسلوبي مسايرة درجة تعقيد الفكرة مانحة سلطة النص المطلقة إلى طغيانها والى اعتبارها أهم الأولويات في مشروعها الإبداعي الذي دعمته بعدة إصدارات تطرح هي في حد ذاتها إشكالا قد يسمح بتعديل بعض المواقف من هذه التجربة الناشئة، فقد أصدرت سنة 1997 مجموعة قصصية بعنوان مرافئ التيه وقصص أخرى نلاحظ هنا اعتماد صنف محدد للنصوص قصة ثم أصدرت سنة 2007 رواية عنوانها جناحها الريح وغيمة ماطرة نلاحظ أيضا اعتماد تصنيف محدد رواية وأصدرت خلال 2008 ترجمة لمجموعة شعرية بعنوان العرس السري لشاعر فرنسي معاصر. يمكن هنا طرح تساؤل حاد حول مدى استجابة هذه التصنيفات التي حددتها الكاتبة لانتاجاتها الورقية لطبيعة الكتابة التي تشتغل عليها (باستثناء المجموعة القصصية الصادرة منذ أكثر من 10 سنوات والتي جاءت بأسلوب تقليدي لا يفيدنا في هذا السياق ) مما يفضي إلى تساؤل حول مصدر هذه الطريقة في الكتابة خاصة أنها مسبوقة بمحاولات تقليدية فهل هو الوعي والإدراك التام لخصوصياتها الرؤيوية والقصدية المبيتة لما تحمله من إرباك وتجاوز أم هي كتابة حدسية فطرية لا تهتم بالتجريب كاختيار مضمر بل تطرح نفسها كما هي دون أغراض مبيّتة أم هو تفاعل وتأثر بالكتابات التي عاشرتها الكاتبة عن قرب عن طريق الترجمة من الفرنسية إلى العربية؟
تبقى هذه التساؤلات قائمة وملحّة من أجل اعتبارات نقديّة بحتة فهذه التجربة بما تحمل من اختلاف وتجاوز سواء كان ذلك اختيارا واعيا أو كان ترسبا عفويا أو ناتجا عن حساسية نفسية مرهفة فهو يمثل حسب تقديرنا مسارا جديرا بالاهتمام ومحاولة جادة لتقديم الإضافة، ما زالت تتشكل مع الوقت تجربة واعدة من المهم أن تخضع للنقد وللتحليل في محاولات أخرى لتقصي أبعادها المتعددة برؤى نقدية وفكرية مختلفة للوصول إلى مداها المفترض.
ملحوظة: جمعت هذه النصوص من مواقع متعددة على الانترنت نشرتها الكاتبة بين سنتي 2006و2008
فهرس الهوامش:
1ـ من نص:لا تأس ô سأقطف لك الليلة نجمة لا تأفل
2ـ نفس النص
3ـ نفس النص
4ـ نفس النص
5ـ نفس النص
6ـ نصوص قصيرة نشرت على موقع دروب الالكتروني
7ـ نص :أصطاد الضوء من ليلك البعيد والأماكن
8ـ لم يكن أبدا وهماô وحدي أنا الموت
9ـ نفس النص
تونس




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !