مواضيع اليوم

آريون وساميون :ثنائية العناية الالهيه

يوسف المحسن

2009-09-25 22:10:42

0

 


يوسف محسن
 

ما تراها تكون اللغة المتداولة في حديقة الفردوس ؟ وكيف لنا ان نعرف ما اذا كان الله وادم وحواء قد تكلموا العبرية ام سواها من اللغات الاخرى ؟ بل اين تراه يكون موقع عدن ؟ اعلى ضفاف نهر الغانج ام بمحاذاة نهر الفرات شرقا ؟
هذه النقطة الجوهرية في عمل موريس أولندر murice.olender) ) حول لغات الفردوس وهي قصة الفيلولوجيا المقارنة في القرن التاسع عشر والتي لها صلة وثيقة بتاريخ الاديان والانثربولوجيا والوعي القومي واساطير التفوق وارتباطها بالاستيهامات التخيلية ونمو الهويات داخل المجال الاوربي ( الديني والسياسي ) والمناخ الفكري الذي تزامن مع الثورة الفرنسية ، فقد انطلقت المجتمعات الاوربية تبحث عن مقوماتها الوجودية الاولى ( اللغة ) مرتبطة هذه المسالة باللسان البدئي والاصل الفردوسي . حيث اخذت هذه القضية ابعاد وعوالم لا متناهية وصراعات داخل الاوساط الفكرية والنخب الدينية والسياسية والاكاديمية ، يعيد موريس أولندر قراءة السرديات الفلسفية والفكرية والثقافية والدينية لــــ ج . غ هردر g. herder لـــــ وارنست رينان E. Renan . ماكس موللر maxوآ . بيكتيه a. gictet و ر ف . غراوf. grau ليكشف التباسات المفارقات الاسطورية والخرافية داخل حقل ثقافات القرن التاسع عشر الاوربية سواء كانت الثقافات الاثنية والقومية وارتباطها بتداول الافكار والحضارات والصراعات الدينية والمنافسات السياسية مما ولد تركيبات متنافره من التصورات المتناقضة داخل الهويات الاوربية .
الكالفنية الكاثوليكية كانت تتبنى الفرضية الاوغسطينية القائلة ان لغة الاصول البشرية هي لغة التوارة ثم جاءت اكتشاف اللغة السنكريتية جعل من لغة الفيدا ركيزة لبعض العلماء المسكونين بالاصول الرومانسية المناهضة للاكليروس شان فولتير voltane التواق لتفتح المسيحية على سحر الهند بعد اجتياز اوربا مرحلة الثورات العنيفة وفلسفة الانوار والبعض عارض ذلك كــ ف . دو . سوسير saussune كاشفا اوهام العلماء الاوربيين في البحث عن العصر الذهبي في المنظومة الميثولوجية الهندية ويرى هيغل hegel ( 1770- 1831) ان القضية المطروحة هي حالة الانسان البدائية في الفردوس . فسرها علماء اللاهوت على طريقتهم ، اذ لم يستبعدوا ان يكون الله قد تكلم العبرية مع ادم اما الان فيجري صياغتها بما يتلاءم مع حاجات اخرى حول شعب اولي ورث اوربا علمه وفنة (الهنود وحكمتهم ) وان هذا الشعب السابق للجنس البشري يواصل حضوره من خلال صور الألهة التي يحفل بها العصر الخرافي القديم ادى هذا الوضع المعرفي الى ظهور جداول التميز والتصنيف بين الاعراق الآرية والاعراق السامية ، والنظر الى " الفيدا " بوصفها توارة الآريين في موازاة التوارة العبرية السامية ، هكذا ارتبط مفهوم القومية في المانيا بعاملي اللغة والعرق فيما اتخذ في فرنسا معنى التوافق على قاعدة مبادئ . الحرية ، الاخاء . المساواة ولا نجد اي اثر في الثقافة الفرنسية لنظرية تصنيف الشعوب او الاعراق وفقا لسجاياهم الفكرية او قدراتهم الجسدية ،حيث انتشرت في اوربا منذ عام 1870 وعلى ضوء هذه السرديات الفيلولوجية والانثربولوجية حركات سياسية تستمد شرعيتها من هذا الفصل وتتمحور هذه الحركات السياسية حول الدور الذي عهدته العناية الالهية لهذه الاجناس رغم ان هاتين اللفظتين ( أريون ، ساميون ) تفتقران الى الوضوح والتحديد .
ويحدد المفكر جورج قرم ان العرق والدين والفلسفة والثقافة ووضعية العلوم والتقنيات والانظمة السياسية شكلت معايير خالصة لتنظيم الرؤية الاوربية للقوميات في مجرى القرن التاسع عشر حيث ادت الى تكوين احكام مسبقة بصدد كل قومية ازاء الاخرى اولا وبصدد الرؤية الاوربية للعالم غير الاوربي . كانت هذه المرحلة تمثل مرحلة التساؤل والاستفهام والتقصي والتاكيد على مكانة اوربا في العالم والتاريخ حيث ان مرحلة كبار مفكري عصر النهضة والتنوير قد انقضت وتوارت رؤى مونتاني ومونتسكيو وميكافيلي لتخلي المكان لليقينيات الهيغلية الكبرى وبتطور العلوم والتقنيات والتي وضعها رينان وغويتيو لتشديد نظام هرمي للمجتمعات البشرية يعزز مكانة اوربا بالتفوق تحولت سجلات الفردوس من تأملات حول اصل اللغة ودراسات اثارية لا هوتية وسياسية الى منظومة فلسفية تعزز تفوق الامم الآرية على اعتبارها بكر الامم ومهد الحضارات متماهية مع نظرية العناية الالهية القابضة على ازمة التاريخ كما لم يفارقها الخضوع للمسلمات اللاهوتية.

التفوق الآري

استطاعت منظومة الفيلوجيا المقارنة في الرؤية الاوربية انشاء مجموعات رمزية لتاكيد الذات وارساء هوية قومية جماعية للمجتمعات الاوربية مضادة للاخر تقوم على احادية البعد القومي المتفوق على سائر القوميات حيث ان هذا التفوق وصل الى تخوم العنصرية كما يرز عند رينان Renan (1832-1892) الذي وصف الديانات التوحيدية الكبرى بانها الاكثر انسجاما مع الروح السامية وبان هذه الاعراق خارج الزمان والمكان وان ابتكارها للوحدانية وظهور مفهوم ( الاله الواحد ) لدى الساميين لم يكن نتيجة جهد انساني او تفكير ديني وانما نتيجة غريزة فطرية .
ويحدد رينان ان اللغات الهندو- أوربية خضعت للتحول المستمر بعكس اللغات السامية والتي لازمت حاله واحدة ولم تحقق خطوة واحدة على طريق التطور وذلك لاصابتها بالعجز التكويني فهي تشبه ذاكرة آلة متوحد لا صورة له وبالتالي تجمدت هذه اللغات في ديمومة مقفلة ما خولها الاحتفاظ بهويتها وهنا تظهر الشعوب الناطقة باللغات السامية شعوب مغلقة على التاريخ ملتصقة بذاتها مكرسة للجمود بحكم تصلب أرائها السياسية والفكرية ويرى رينان ان الركود السامي خاصية جوهرية من خصائص الاعجاز التوحيدي في حيث ان اللغات الآرية كانت دوما خاضعة لعوامل التاريخ وكانها ولدت لكي تنمو وتتكاثر ويصل رينان الى فرضيتين اساسيتين
الاولى بان الفكر السامي توحيدي في العمق والفرضية الثانية تكشف عن قوة الارتباط بين روح الجماعة العرقية والنظام اللغوي ومقولات الفكر وانظمة القوانين والتقاليد الدينية وطريقة الوجود وانظمة العماره والميثولوجيا والقانون والاخلاق والنظم السياسية والمنظومات الجمالية وبسبب عجز اللغات السامية ادى الى عجز في التجريد الذهني والتفكير الماورائي وعدم ادراك العالم بكل تعقداته وصياغة المفاهيم العقلانية والعمليات الفكرية وهيمنة الطابع الانفعالي في الحقل الشعري .
ويصل رينان في خلاصاته الفكرية ليحدد جغرافية الفردوس التاريخية بمنطقة كشمير في مملكة قديمة تعرف بــــ الاوديانا اي البستان متماها مع مثقفي عصره الذين كانوا يبحثون عن اصل الديانة المسيحية في اشعار الفيدا و في الديانة البراهمانية القديمة

الهوية اللاهوتية

تزامن صدور ( اصل الانواع ) كتاب تشارلز داروين العام 1859 مع مؤلف أدولف بيكيتيه pictot)) ( 1799- 1875 ) بعنوان الهندو – أوربيتين او الآريون الاوائل مستحضرا الدور الالهي الذي دعيت الشعوب الآرية الى ممارسته منذ ظهورها معتبرا ان الفضل في تحقيقها السيطرة على العالم يعود الى امتيازها العرقي – حيث ان هذا العرق مدعوا منذ البدء الى الغزو والسيطرة وقد تميز بالنمو المبكر على صعيد التفكير وقد اخذ بيكتيه
الى تأسيس علم الفيلولوجيا على وحدانية الآريين البدائية . فعمد الى تفحص المفردات الهندو- اوربية الدالة على الآلوهية مستعينا بمفتاح واحد هو ( الكائن الاعظم ) وعلى ضوء هذه المقدمات اعتبر بيكتيه الآريين شعوب مفكرة استطاعت ابتكار السياسة والعلوم والفنون ومبدأ الحرية الذي تفتقده الشعوب السامية .
في حين احدث ماكس موللر max-muller ( 1823- 1900 ) احد الناشطين في نشر الافكار الآرية ثورة حقيقة في طريقة دراسة التاريخ البدائي للعالم وذلك بفضل اكتشاف لغة الهند القديمة المعروفة بالسنكريتية من جهة واكتشاف القرابة الحميمة بينهما وبين مختلف آلسنة السلالات الرئيسة في اوربا من جهة ثانية تلك القرابة وطدتها عبقرية كل من شيلغل وهامبولد وبوب .
وقد انتقد ماكس النظرية الرينانية مستبعدا نظرية الوحي الاولى اذ وضع الله في أدم ( حدس الألوهية ) ولم يكن في ذاته توحيديا ولا تعدديا وان يكن فيما بعد قد احتمل الصفتين معا بحسب التعبيران المعتمدة للدلالة عليه في اللغات البشرية حيث جاز الافتراض بتفرع الالسنة منذ اللحظة التي اودع الله فيها الانسان الاول هذه الحدوس . ويصف موللر ان تاريخ الدين هو بمعنى ما تاريخ اللغة . اما اللاهوتي اللوثري رودولف فر يدريخ غراو ( 1835- 1893 ) فقد استطاع ان يعيد صياغة الفرضية الهندو – اوربية و تركيب المعادلة الآرية – السامية على مسرح التاريخ وتجاوز هذه الثنائيات عبر تقليح الثقافات الهندو – جرمانية بروح سامية ويرى ان مشعل التوحيد السامي يشكل الرابط الوحيد الممكن بين الله الكلي القدرة وشعبة المختار من المسيح ، لذا تبنى فكرة ( زواج الهي ) يضمن للجنس الآري الهندو – جرماني دورا مهما في التاريخ في حيث انطلق مشروع اينياس غولدزيهير gold ziher ( 1850- 1921 ) من نقطتين جوهريتين الاولى : نزع الصفة الارية عن الوظيفة الاسطورية لخاصة الشمول الانساني . والثانية تعميم المنهجيات التي اثبتت نجاحها في مجال الدراسات الآرية للعالم السامي ويرى غولدزيهر ان الديانات السامية انبثقت من التعددية الوثنية واخذت تتبلور تدريجيا بفعل العوامل التاريخية التي يعود امر الكشف عنها الى العلوم الدينية حيث كان يتعامل مع النصوص الدينية السامية بوصفها اساطير ممكن استيعابها ضمن المجموعات الناشئة للفيلولوجيا


 




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !