ليس جديدا، تقليد العرب لغيرهم من الأقوام، تقليدا يكاد يكون أعمى . لكن تقليد العرب لبعضهم، وتأثرهم ببعض . لدرجة إستنساخ تجارب سياسية (فاشلة) عن بعض، فذلك ما يدعوا حقا إلى الحيرة والإستغراب !..
فعلى مستوى الشعوب . كانت جميع شعوب المنطقة تحت رحمة الجلاّدين، صابرة على سياطهم وهي تمزّق جلودها، وتسلخ عنها آدميتها، وتغتصب إنسانيتها !.. لم يمتلك أحد الجرأة لينبس ببنت شفة، أو يعترض على الظلم بمجرّد الإيماء !.. وحين ثار شعب تونس، وحطّم جدار الصمت، ونفض عنه أغبرة الذل والإستكانة والهوان .. فقط حينها، تأكّدت باقي الشعوب، أن تلك الأصنام التي عكفت على عبادتها وسلمت لأمرها وقضائها عقودا، ليست بآلهة، بل بشرٌ يمكن الإطاحة بهم، ومطاردتهم خارج حدود ملكهم، أو حتى قتلهم لأنهم فعلا، ليسوا من الخالدين ؟!.. حينها فقط علت الأصوات، وتدافع الناس خارج بيوتهم إلى الساحات، وعلت أصواتهم بعد أن كانت خافتة، وتعالت بالصيحات والهتافات، وارتفعت موجة الإنتفاضات، وامتدت من المحيط إلى الخليج ؟!..
أما على مستوى الحكومات، فردّات الفعل العنيفة تجاه تلك المطالبات الشعبية بإصلاح الأوضاع السياسية والإقتصادية والإجتماعية المتردّية، دليل على عدم إحترام رغبة الشعوب وإرادتها . وأن الصواب هو ما تراه هي صوابا، والخطأ كل الخطأ في الخروج عن طوعها وأمرها !.. لذلك تتخذ من العنف سلوكا دفاعيا عن حكم أوطانٍ تعتبرها من الممتلكات، وعن بقاءٍ في سدة الحكم تعتبره من المسلمات !.. ولإنتشار الفكر الإستبدادي في أجهزة تلك الدول، فإن التخلص منه صعب حتى بعد الإطاحة بالطغاة . وهو ما نراه حاصلا في مصر بعد مبارك . وإلا كيف نفسر الحل التعسفي للبرلمان المصري قبل أيام، بدعوى وجود (شبهات دستورية) تحوم حول بعض النواب، فقدوا على إثرها مقاعدهم، ما يعني بالضرورة حلاًّ كليا للبرلمان، وإعادة الإنتخابات من جديد ؟!..
يعني بعد أكثر من شهر على إنعقاد أول جلسة، يتضح في النهاية أنه برلمان فاقد للشرعية ؟!.. وبموجب ماذا ؟!.. طبعا بموجب الدستور الذي ثار المصريون على مواده التي كانت كالعجين الأملس اللين في يد مبارك، يقلبه بين أصابعه بسهولة، ويُشكله أيضا حسب هواه بسهولة !.. فلماذا إذا يُرمى بمبارك في غياهب السجون، وإحدى تهمه الإستئثار بالحكم وبموارد مصر بتطويعه للدستور . فيما تبقى النصوص التي عبث بها مُقدّسة، لاتزال التشريعات والقوانين تُستنبط منها ؟!.. بل ولها من القوة ما يجعلها قادرة على حل برلمان الثورة الذي شهد العالم على نزاهة إنتخابه، وكيف أنه يعبّر بحق عن صوت الشعب المصري المتحرر من مبارك ؟!..
والشعب المصري ليس وحده مَن يعاني من أزمة (الشبهات الدستورية) التي تقف في وجه تحقيق إرادته . بل أيضا شعب الكويت فوجئ مؤخرا بحل برلمانه دون سابق إنذار !.. والسبب على حدّ قول المسؤولين، يعود أيضا لوجود شبهات دستورية، تجعله باطلا ؟!..
شبهات دستورية، ما كان أحدٌ يسمع بها قبل حل البرلمان المصري، لكنها أصبحت الآن موضة سياسية تتبعها بعض الحكومات العربية للتنصل من إلتزاماتها تجاه شعوبها، ولضرب إراداتها الحرة، واختياراتها لممثليها في مختلف الدوائر والهيئات الحكومية، بعرض الحائط !.
فويل لبعض العرب إذن، من الشبهات الدستورية التي أصبحوا يخشون على حقوقهم المشروعة أن تسلب منهم هكذا جذافا بإسمها، لأن حكوماتهم تقدم الدنيا على الآخرة، لذلك هي تقدم شبهة القانون الوضعي على شبهة التشريعات الإلهية . ما يعني بالضرورة أنها لاتخاف الله ـ على الإطلاق ـ في شعوبها .
22 . 06 . 2012
التعليقات (0)