في زحمة ما يجري على الأرض من محاولات حثيثة لامتلاك إجابات كافية عن أسئلة مقلقة في الحقل العلمي والمعرفي...على إيقاع الخطوات المتسارعة للسبق التكنولوجي الذي يفضح قزميتنا إزاء قامات الغرب الغاصة في يم الزهو الحضاري، ووهننا الدماغي المغرق في السطحية المعتقة...في ظل الانطباع الحاصل لدى الآخر عنا وعن كل مكونات هويتنا الكاريكاتورية...في عز سيادة صورة نمطية توحي بانعدام فرص الإقلاع الحضاري و العلمي و المعرفي للإنسان العربي...في أوج كل هذا النكوص والتراجع للسهم العربي داخل بورصة التحضر و العلم و المعرفة...يطلع علينا "الدكتور" عزت عطية، أستاذ الحديث بكلية أصول الدين- جامعة الأزهر، بفتوى لحل مشكلة الخُلوة الشرعية في مكان العمل بين الرجل والمرأة...فكانت فتوى إرضاع الكبير هي الحل...معتمدا على ما عمدت إليه السيدة عائشة المحرم نكاحها شرعا و الممنوع دخول الأجنبي عليها، حين كانت تأمر بنات أخيها و بنات إخوتها بإرضاع من تحوج الظروف إلى دخوله عليها ليكون محلا لها من جهة الرضاعة، مستثمرة بذلك رخصة الرسول (ص) في دخول سالم مولى أبي حذيفة بعد رضاعه وهو كبير من زوجة أبي حذيفة...((أرضعيه تحرمي عليه ويذهب الذي في نفس أبي حذيفة))... هذه القضية أثارت حالة من اللغط الشديد في الشارع المصري خصوصا في أماكن العمل التي تضم موظفين وموظفات...خلف الله، عضو مجلس الشعب المصري عن كتلة الإخوان المسلمين، حز في نفسه أن الموضوع أثير إعلاميا بطريقة ساخرة و كأن هناك من يحبون أن تشيع الفاحشة...أما الشيخ السيد عسكر الوكيل الأسبق لمجمع البحوث الإسلامية، وهي أعلى هيئة فقهية بالأزهر والنائب عن جماعة الإخوان المسلمين بالبرلمان، فرفض هذا الرأي معتبراً أنه خروج على إجماع علماء الأمة، ولا يجوز القياس على حالة خاصة، ومطالباً بالتصدي لذلك لأنه يسهم في نشر الرذيلة بين المسلمين...لكن دكتورنا المفتي قال...((إن بعض الناس قد نظر إلى رضاع الكبير نظرة جنسية بحتة وتساءلوا: كيف يجوز لشاب أولرجل أن يرضع من امرأة غريبة عنه؟ وفاتهم أن الرسول صلى الله عليه وسلم هو الذي رخص في ذلك. وأن من ينفذ أمراً شرعياً أو رخصة شرعية يقوم بعمل ديني في إتباع الشرع، وفي الأعمال الدينية يستشعر المؤمن عبوديته وخشوعه لله فتنمحي النواحي الشيطانية، وحينما يقوم الكبير بذلك للحصول على رخصة شرعية فإنه يتنزل منزلة الصغير في حالة الرضاعة، وإلا كان متلاعباً بالدين يستغله لأغراض خسيسة ويجرم في حقه((...طيب يا دكتورنا، يا مفتي...ألا يثير رضاع الكبير الشهوات؟ ألا يعتبر كشف المرأة ثديها لغير زوجها كشفا لعورة؟ أليس كشف الشعر لزميل أقل ضررا من كشف الثدي؟...ثم إن من الفقهاء الجهابذة من رأى أن المصة و المصتان من الرضاع لا تحرم...ومنهم من اختلفوا حول عددها...طرف يقول عشر رضعات و آخر يقول خمسة...ما حد الرضعة؟...جمهور من العلماء رأى أن رضاعة الكبير تحتم التقام الثدي وملامسة الفم والشفتان له، وجمهور آخر رأى أن صفة رضاع الكبير أن يحلب له اللبن ويسقاه...نورنا يا فقيهنا و يا دكتورنا...خلصنا - رجاء - من فرط هذا التشرذم و الخلاف والسجال...قد صرنا طائفتين من الرجال والنساء...طائفة استهوتها فكرتك فكتبت على لافتة بالبند العريض "ينصر دينك يا شيخ عزت عطية"، و كتبت على أخرى "التقام الثدي ومصه ضرورة شرعية و فرصة لا تعوض"، و كتبت على ثالثة "مص الثدي مدخل شرعي للخلوة"...بينما راحت الطائفة المعادية في مسيرة حاشدة، رافعة شعار "المص يحله النص و يبطله الخص"، و على لافتة تصدرت موكب المسيرة كتب "أثداء زوجاتكم وبناتكم وخالاتكم وعماتكم في خطر"، وعلى أخرى كتبوا "الله لا ينصر دينك يا عزت يا عطية"...عمت الفوضى أرجاء الشوارع...وتفرق الناس شعوبا و قبائل فتناحروا...نعم للمص...لا للمص...نعم للمص...لا للمص... نعم للمص...لا للمص...نعم للمص...لا للمص...استهوتني هاتين الجملتين...فكرت في كتابة كلمات أغنية شعبية لشعبولا...تناولت قلمي و خططت أول الحروف...المصـ...المصـ...المصـ...تذكرت المصير...المصير؟؟؟...لا، لم أقصد فيلم مبدعنا يوسف شاهين...إنما قصدت مصير شريطنا الطويل...إلى أين؟؟؟...هل بمثل هذه الفتاوي نحسن من صورة الإسلام في عيون الآخر؟؟؟...هل بهذا السلوك العقيم ندفع عنه الصورة النمطية التي تمكنت من فكر و عقل الآخر؟؟؟...نحتاج إلى خلوة مع بنات أفكارنا لكن من دون رضاع كبير كي لا تحرم مضاجعتها فيضيع أمل ولادة و تناسل أفكار جديدة...
الدكتور عزت عطية أستاذ الحديث بكلية أصول الدين- جامعة الأزهر عمل وكيلا لكية أصول الدين، ورئيسا لقسم الحديث بها أصدر عددا من الأبحاث والكتب منها: • "البدع.. تحديد موقف الإسلام منها"• "الإسلام والعولمة" • "الإسلام والعولمة" • "الوحي إلى رسول الله"
مواضيع اليوم
التعليقات (0)