آخر التحركات نحو إشعال الملف السوري
أنهت أمس اللجنة المُخوّلة بتقصّي الحقائق في الأحداث التي جرت في البحرين شهريّ فبراير ومارس مطلع هذا العام.. مهنية اللجنة وحياديتها كانت بدرجة لا تُمكّن أحد من إتهامها بأي تقصير أو محاباة ناهيك عن تمييز، وقد كان إلقاء رئيس اللجنة السيد شريف بسيوني للتقرير بحضور حمد بن عيسى آل خليفة ملك البحرين سابقة في الوطن العربي، لا بسبب حضور الملك ولا بسبب فضح اللجنة للتجاوزات والأطراف المسئولة عنها، إنما السابقة في مواجهة الحاكم العربي بما جرى ويجري في مملكته، والخوض في نقائص واعوجاج "مُلكه المفدى" بكل صراحة وشفافية وعلى الملأ.
يبقى هذا الخبر إلى الآن مبهجاً، وحدثاً يفتح آفاق للتفاؤل فيما يخُص الداخل البحريني، والأيام القادمة وحدها كفيلة بإثبات مدى إيجابية تعاطي الحكومة البحرينية مع التقرير، كما سيظهر إن كان نفي هذا التقرير وجود أدلة تورّط إيران في أحداث البحرين أقرب للحقيقة أم إصرار الملك على تأكيد هذا التدخل والتحذير منه، لكن القراءة الصحيحة لهذا الحدث وخباياه يستلزم منا فتح زاوية الرؤية إلى أقصى حد ممكن مع إبقاء إحدى الأعين دائمة التركيز على عقارب الزمن، فالتوقيت يلعب في أحداث المنطقة دوراً مهماً وبارزاً.
هذا التوقيت ألهَم ملك البحرين الإعلان عن إنشاء محكمة عربية لحقوق الإنسان تستمد مشروعيتها من أوبرا لجنة التحقيق في البحرين، وقرار الملك قبول نتائج اللجنة وإصدار أوامره الصارمة بمتابعة العمل نحو التغيير والإصلاح جعل جلالة الملك وكأنه يعزف على إحدى نغمات الثوار في ساحات الربيع العربي.
كمايسترو للتنمية المستدامة في المنطقة، توزّع قطر الأدوار على الدول المنخرطة في إستراتيجيتها الموضوعة، دون إشكالية وجوب رد الفضل لها أو ظهورها في مقدمة كل حركة تتم في خدمة مشروعها للمنطقة، فالحديث هنا بلغة التنمية المستدامة حيث التحرك الإيجابي لإحدى حلقات سلسلة التنمية هو إنجاز للسلسلة بكاملها، وبما أن البحرين قد أنجزت أهم الخطوات في آلية التنمية المستدامة بقراءتها الموضوعية لواقعها الداخلي وقبولها ما أفرزته لجنة التحقيقات، فقد صار لزاماً على المملكة البحرينية المحافظة على المكتسبات بالمنطق المستدام للتنمية الذي يستوجب المبادرة والشروع في خطوة أوسع وأهم، وهو الدور البحريني الذي سنرى أثره فعّالاً في الملف السوري بعنوان حقوق الإنسان وحماية المدنيين.
إن انفجار الملف السوري قد صار قاب قوسين أو أدنى، وتحرك القوى الفاعلة في هذا الملف واضح لمن يربط الأحداث المتشابكة ويعاين توقيتها، فالدور اللافت لمبعوث الأمم المتحدة تحريكاً للمبادرة الخليجية في اليمن وتوقيعها المفاجئ بالأمس أيضاً يأتي في سياق قضية عالقة يجب التحرر منها لأهمية التركيز فيما هو قادم في سوريا، طلب الجار الهاشمي الأسد بالتنحي كنوع من النصح الأخوي والإشارة لما يُحضّر، فليست الأردن من بإمكانه الإقدام على طلب كهذا إن لم يكن مطلعاً على أجندة محددة، وتأكد ذلك بإعلان غول رئيس تركيا مطالباً الأسد بالتنحي كإشارة لبداية عهد جديد في التعامل مع الملف السوري، وكلمةُ سرّ أطلقها رئيس الدولة التي ستقود التصدي العالمي لنظام الأسد وبعثه.
يكشف مقتدى الصدر بدوره التحركات التي تجري الآن في المنطقة مصرحاً بأن الجامعة العربية "راعية للظلم"، وهو إعلان ضمني بأنه سيكون إلى جانب نظام الأسد ضد هذا الراعي الظالم في حركاته القادمة وإن تلعثم نافياً هذا التصريح، أما مقابل دعوة بريطانيا العالم للتعامل مع المعارضة كممثل للشعب السوري واقتراح فرنسا فتح ممرات إنسانية آمنة لمساعدة المدنيين، أقول مقابل هذا التحرك الأوروبي نحو الثوار في سوريا جاء التهديد الروسي بنصب صواريخ إسكندر لتدمير الدرع الصاروخي في أوروبا تحت ذريعة إختلافات مع النيتو، وهو إصطفاف واضح وخطير لروسيا مقابل التحركات المرتقبة ضد سوريا.
المشهد المصري حاضر بدوره اليوم في التوقيت السوري، فالثورة الثانية لميدان التحرير دعمٌ لا يمكن تثمينه لثوار الشام ومن يساندهم، كما أن بؤرة التوتر التي اُنشات بالقرب من وزارة الداخلية في شارع محمد محمود ككابح للجام الثورة الجديدة من ناحية وكثورة مضادة في وجه مكتسبات 25 فبراير من الناحية الأخرى، لكنها بمجملها دعم للنظام السوري بصرف الأنظار عنه لبعض الوقت، ومؤازرة متبادلة ضد هبّة الشعوب العربية صوب حريتها.
كلما سخنت الأحداث وتوالت وكثرت اتجهُ بمنظاري لمراقبة قضية المنطقة المحورية والأساسية فلسطين، وكعادة المنطقة، قلّ أن لا تجد فلسطين حاضرة وسط هرج الأحداث ومرجها، فاليوم لقاء في القاهرة بين عباس ومشعل لإتمام مصالحة إعتبرها أوباما وقبله نتنياهو خطراً في وجه السلام الذي يطمح له العالم، أما غداً وما أدراك ما غداً، فمسيرة إلى القدس لنصرة الأقصى.
إذا كان دبوس القنبلة السورية قد نزع ولم يبقى سوى إنتظار الإنفجارات، فإن تطورات الأحداث في المنطقة تسير متناغمة زماناً ومكاناً، وعند دويّ أول هذه الإنفجارات قد يقرّ الجميع بأن مرحلة الزلزال العظيم قد بدأت.
إن شاء الله خير
سمير بن سالم
الجزائر 2011.11.24
التعليقات (0)