ما إن يبدأ فراش المرض يسحبك من أحبابك , و تشعر بأن عدّاد عمرك بدأ
في التنازل , حينها تشعر كأنّك تعيش آخرة مبكّرة جداً , فكل النظرات من
حولك غريبة , و كل القيم أخذت في التغيير , السماء لم تعد كما كنت ترها
من قبل , فهي أضيق مما كنت تتخيل , و الأرض كأنّها التهمت كل شيء
جميل كنت تنظر إليه , أمّا الأصدقاء فكأنّ هذه الكلمة ترن في أذنيك لأوّل
مرّة ! لم يعد هناك أنفاس قريبة عدا تلك الممرضات اللاتي يطربون أناملم
بوخز الإبر ساعة ,
وبتبديل المغذّيات , و الإطمئنان على خط سير قلبك , إلى أين يتجه بك ,
أو بالأصح كم هي سرعته الآن ! و هل يستطيع مقاومة كل هذا الحمل
الثقيل الذي تركه الكون من حولك ؟!
الأمر بدأ أكثر صعوبة مما كان يرسم له خياله في الشباب ! هو الآن بحاجة
إلى ابتسامات كان يراها في صحّته , ابتسامة الممرضة الفلبينية لا تعدو
كونها واجب إن حدثت ! افتقد روائح البخور و العطور التي كانت تجوب
مجلسه من كل حدب و صوب ! حتى هاتفه النقّال اللعين أبى إلا أن يشارك
الجمع تجرّدهم من الحياة , فلا مكالمات و لا رسائل ! و لا إشعارات فيس
بوك أو تويتر ! كل شيء حوله أقرب للركون و السكون , و كأنّه دولة
انسحب جيشها من أرض المعركة ولم يبق إلا أن تستقبل علم خصمها
مرفوعاً على أسوارها !
تنهّد بصعوبة ثم تمتم بكلمات , قيل أنّها : (لم تعد الحياة حياة , كما أصبح
الموت غريبا بعض الشيء) ! اليوم هو غادر وغداً سـنستقبل عابراً تجرّد من
كل شيء كما تجرّد من حوله من " كل شيء " !
التعليقات (0)