مواضيع اليوم

،، بيجاما الطفولةِ .. ومحرقةُ الرشد ! ،،

عنود عبيد الروضان

2009-02-27 18:54:25

0

 

 
The Boy in The STRIPED PAJAMAS - 
 
تقديم :
هذه الرؤية بعيدة تماماً عن الآثار التي خلّفتها الأديان في تكوين وذاكرة الشعوب ؛ مجردة من مشاعر التاريخ البشري – المُدانة - بكافة أطيافه وانتماءاته ؛ رؤيةٌ نظرت بتجرد للإنسانية العليا – التي لن تستمر كذلك – دون خسائر على ناحيتين :
& ) أن يفقد الإنسانُ جزءً من إنسانيتهِ تبعاً لأثر السنوات والآخرين – وسقف عظمته هنا أن يستعيدَ ما فقدهُ في لحظةِ تجلٍّ وحبٍّ كامل  - .
& )  أو أن يحتفظ بإنسانيته كاملةً ويحمل عناء قذارة العالم ووحشيته وحيداً .. أو مع رفيقٍ يقاسمه التعبْ !
 
قلما تراودني فكرة الكتابة حول فيلمٍ سينمائيٍ ما .. ربما لحداثة عهدي بمتابعة  فن السينما باهتمامٍ وتركيز شديدين كما يجدر بأي تلميذةٍ في هذه الحياة أن تفعل ؛ لكن الأثر الذي يتركهُ العمل الجيد يلخصُ تفاصيلَ كثيرة نادرا ما تجتمعُ في عملٍ واحدٍ متكامل حتى في أنواع الفنون الإنسانية الأخرى .. ومن السمو أن يصبحَ لغةً نخاطب بها العقل والوجدان الصافيين .
فيلم " The Boy in The STRIPED PAJAMAS " : هو عملٌ فنيٌّ مأخوذ عن رواية الروائي الأيرلندي ( John Boyne ) ؛ شخصية الفيلم  الرئيسية هي طفل في الثامنة من عمره يدعى " برونو " ؛ ابنٌ لجندي في الجيش النازي أُجبِرَ بسبب ترقية والده على الانتقال من ( برلين ) حيث عالمه المثالي ومكانه المليء بالحيوية والمدرسة والأصدقاء إلى الريف للاستقرار في بيتٍ منعزلٍ تقريباً خالٍ من أيّ أثرٍ لحياته السابقة ولا يدخله سوى عائلته ( والداه وأخته ) وبعض الجند والمسؤولين .
يحاول برونو استكشاف هذه الحياة الجديدة ابتداءً من داخل المنزل حيث يخدم عائلتَه رجلٌ يرتدي بيجامة مخططة ويتعرض للتنكيل والقسوة أمام ناظريه .. كما أنهُ يشهد لحظاتٍ مخيفةً من واقعِ هذا العالم يحاول فيها إدراكَ ما استعصى على براءةِ روحه الصغيرة حتى في تتبعهِ للرائحة الفاسدة التي تملأ أجواء المكان الجديد " تلك المنبعثة من حرق أجساد اليهود " ؛ وانتهاءً ببحثه الحثيث عن صحبةٍ وأصدقاء في الخارج الذي لاحظ من خلال نافذة غرفتهِ أنهُ يضمُّ مكاناً مأهولاً قد يحقق لهُ فرصة إيجاد ضالته . يتساءل برونو عن أولئك الأشخاص الذين يرتدون " ملابس النوم / بيجاماتٍ مخططة " في ذلك المكان حتى يعرف أن المكان ما هو إلا مخيم لليهود .
يعاني برونو أيضا من تلقين معلمه أو " مَدْرَسَتِه القادمة " إلى البيت كما أسماها وهذه نقطة مهمة جدا برأيي في سير القصة .. ينجح في فترةٍ لاحقة في الوصول إلى المكان المجاور عبر الغابة ويرتبط بعلاقة صداقة ربما تخََوَّفَ منها في البداية - لما يحملهُ من خلفيةٍ سيئة عن اليهود- مع طفلٍ في الثامنة من عمره أيضا لا تفصلهُ عنه سوى الأسلاك الشائكة تلك التي لم تمنعهما من التعبير عن مشاعر الطفولة المتبادلة واللعب وتقاسم الأشياء . تستمر علاقة برونو بـ ( شموئيل ) ويستمر تسلله من منزل العائلة والاستكشاف بعيدا عن أنظار والدته حتى تراوده فكرة الدخول إلى المخيم بعد قرار والده برحيله وأمه وأخته إلى مكانٍ آخر .
قبل موعد الرحيل بساعات يدخل برونو إلى المعتقل ببيجامة مخططة يحضرها شموئيل عبر حفرةٍ استوعبت جسده الصغير .. للبحث عن والد صديقه اليهودي المفقود .. وينتهي الأمرُ بأن يكون برونو ضحية عارية في محرقة اليهود التي يشرف عليها والده الوفي للنازيّة .. يداً بيد مع اليهودي الذي كان مقررا مصيرهُ كغيرهِ من أبناء جلدتهِ في المكان !
هذا الفيلم الرائع  أهمل مناقشة من هو المذنب منذ البداية عبر قراءة تاريخ ألمانيا أو حتى اليهود وربما لو تناولَ تاريخ أي طرفين آخرين لقدّم ذات الرسالة وقيمتها فلم يكن الهدف هو كسب التعاطف المجرد مع المساقين إلى المحرقة بسبب أنهم " Jewish  / يهود " فقط ! ؛ لكنهُ ركّزَ برأيي على نقطتين محوريتين مثاليتين هما : الطفولة وأثر البيئة عليها ، وبشاعة الولاء للأمة والانتقام لها حين يكونُ الولاء في جانبٍ منه محرقةً بشرية لفئةٍ ما تدعى " العدو / The Enemy  " .
إن هذا الفيلم يجبر أي مشاهدٍ واعٍ على أن يعترفَ بأنَّ مآسي هذا العالم هي من صنيعة خطايا " الراشدينَ " .. وأنَّهم ليسوا سوى أطفالَ كانوا يمدّون يداً للبهجةِ والنقاء في أي نفسِ إنسانية قبل أن تُغرس فيهم نزعة البشرية الجائعة والمتعطشة للخطيئة والنيلِ من الآخر المختلف لأنهُ " العدو " ؛ العدو الذي  يريد سلبهم حقهم في الحياةِ كما يعتقد هو بأنهم سيسلبونهُ ذات الحق ؛ والحقيقةُ هي أن الحياةَ من حق الإنسانِ ما لم يكن مؤذياً لإنسانيتهِ في حالاتٍ مرضيّةٍ نادرة !
في الفيلم تجلّت تساؤلاتٌ عميقة قد تكونُ محرجةً لمن لا يملكُ إجابة صادقة ؛ ووفِّقَت فكرتهُ كثيراً في أن توصلَ قدرة هذا العالم الصغير " الطفولة " على الإحساس بجماليّة الوجود بينما أحيانا أو غالباً يعجزُ عالم " الراشدينَ " الذين لقّنوا في مراحل حياتهم الأولى أيضاً عن درء القبحِ عن أخلاقياتهم وأفعالهم بحق الإنسان !
إن النتيجةَ في النهاية هي الموت .. والموتُ هو أقدرُ الحالاتِ على صقلِ الألم ليكونَ الإنسانُ  أقلَّ رغبةً في رد الدينِ بالألم أو أهدائهِ إلى الآخر دونَ رحمة ؛ لكن ما يحدث منذ الأزل عبر تاريخ الشعوب وصراعاتها وما تؤسسهُ في تكوين أبنائها من مشاعر سلبيةٍ أشد وطأةً وأكبرُ حجماً من مشاعر الحبِّ والأخلاقيات الإنسانية .. وهذا ما لن يخفف من قسوة الحقيقة الفادحة ؛ كما أنهُ قد يقودُ بعيدا عن المثاليّة الرومانسيّة إلى أنَّ نواميس الوجود تقتضي التعايش مع وجهين متعاكسينِ تماماً عبرت عنهما جملةٌ لفريدريك نيتشة حين قال " هذا الشرير هو بالضبط .. طيّب الأخلاق الأخرى " ! .
الفيلم رسالةٌ رائعةٌ .. قدمت ما يجب إدراكه عن الحياة بلا زوائد ؛ المشاهد أقرب إلى اللوحات التشكيلية.. والموسيقى التصويرية جاءت متواكبة معها .. بارتفاع .
:
بقي أن أقول : أنني بكيتُ كطفلةٍ في الثامنة من عمري حينَ كان لبرونو أن يذكّرني ببراءةِ " الرشدْ " .
 
" موقع الفيلم والرواية "
:
" الإعلان الترويجي للفيلم "



التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !