مواضيع اليوم

،، الترسيـمُ بـ " شعريّة النثـر " ،،

عنود عبيد الروضان

2009-02-01 09:21:13

0

 

 

رؤية : عنود عبيد الروضان 

نُشرت في :

     الأثنين 2 / 2 / 2009 م    

 

- حول " أعادت ترسيم المعنى بخلخال " للشاعر العراقي / سَعْد اليَاسِري -

 

في مستهلِّ الرؤيةِ يحتلُّ – النصُّ – أو تحتلُّ – النصوصُ – مكانتها دونَ اختلافها على مسمى أدبي أو حداثي توثقهُ في هويتها كأنْ تكونَ قصيدةَ نثرٍ أو شعرٍ أو مقدمة لحالةٍ خرجت عن موسيقى لحظتها وعزفت الفكرةَ على سلمِ المطلقِ دونَ تحديدٍ .. لتختلقَ مدى معبأ بالبساطةِ بلا عناصرَ زائدةٍ تلاحقُ مخيلة أصحابها وتعمق ضجرهم من كل شيءٍ .. أو " شعرٍ " مجرد كأن تقولَ باختصارٍ :

 

أَيُّهَا الشِّعْرُ ؛

أَنْتَ وَهْمٌ خَالِصٌ ،
يُشْبِهُ الفَرَحَ  ..
يُشْبِهُ الخَوْفَ  ..
يُشْبِهُ طِفْلاً يَجُرُّ تَابُوتَهُ وَرَاءَهُ  .. !! (1)

 

إن التواصل مع شعريةِ الصورةِ متروكٌ لمن يجدُ في المعنى ملامحَ الشعرِ بلا تصديرٍ لغايةِ الكتابةِ و مسميات الشكلِ أو اللغة .. وهذا هو مبدأ الرسالةِ : أن ترفعَ الحلمَ الإنساني إلى مرتبة الإنسان الأعلى وتؤثرَ في وجدانهِ الكامل .. لتكونَ فناًّ يحترمُ ذائقةَ المتذوق .. ومكانةَ الأثرْ ؛ فبالنظرِ إلى أي إصدارٍ أدبي في وقتنا الحاضر يتوحد الموقف مع النظر إلى أية هويةٍ سياسيةٍ فاشلةٍ على حدود الأرض .. " ديوان – رواية – سيرة .. إلخ " ويكونُ حكمُ الكاتبِ مسبقاً بأن الحقيقةَ نهائية وأنهُ كتب ليقرأ ما كتبهُ قبل الآخرين " !

في كتاب " أعادت ترسيم المعنى بخلخال "  للشاعر العراقي سَعْد اليَاسِري .. – وفي لمحةٍ أولى لجوهر " التعريف " .. يكونُ الكتابُ نصوصاً – كما اختار لها كاتبها - لا تعتدُّ بشعاراتِ الطوائف الأدبية .. ولا تقفُ عندَ المسمياتِ أو تحتفي بهوى اللون الأدبي ؛ متجردةً من ميلِ الجمهرةِ .. معبرةً عن نفَسِها الخاص .. أي عن " هدفها الواضح " في بلوغ وعي المتلقي بأفكارها واللغة وهو ما عبرَ عنهُ بول موريل بأن : الآثار العظيمةَ هي التي تضيفُ جديداً إلى وضوحِ هذا الكون .. " .. فتكون أكثر فنيّةً بريشة كيانها حين تقول :

 

لاَ شَيْءَ ؛ أَثِيمٌ هُوَ الوَقْتُ ،
جِهَاتِي حِصَّةُ الرِّيحِ  ..
وَ كَيَانِي سُنْبُلَةْ  .. !! ( 2 )

 

النثر .. وروابط اللغة والآخر

 

اكتشافُ الإنسانِ لمخرجٍ نظيفٍ من بوابةِ هذا العالم المتورط بتناقضاته لا يعني – الهروب – ولا يعني تقصيرُ الذاتِ في حملِ قناعتها على محملِ المثاليةِ ؛ .. تلك المثالية التي تبدو قريبةً من الوعي والتواضع بأنَّ " أنا " الإنسان في طور معاناتها وهواجسها تستدعي الخطابَ – لأنها تشعرُ – كما يشعرُ المُخاطبُ بتجسد " أناهُ " في لغةٍ تمثلُ روابط محددة وخاصة بينها وبين هذا العالم إذ  تختصرُ " الأمَّ– والأبَ – والوطن – والشريكةَ – والحزنَ .. " في مكاشفةٍ نبيلةٍ .. لا تؤذي العالمَ حتى في استيائها لأن الخروجَ من خيمتهِ هو اتجاهٌ نحو عالمٍ آخر في سريرةِ الإنسان .. وهو ما تتخلق منهُ هيئة الخارج وقيمته .

 

حُلْمٌ طَوِيلٌ | مُمِلٌّ جَرْجَرَكَ نَحْوَ المَرَافِئِ  ؛
صَحَوْتَ - مَرْعُوبًا - ،
إِذْ لاَ نَشِيدْ  .. !!(3)

:

كُلُّ تَأْرِيخِ بَلْدَتِي لاَ يُسَاوِي حُزْنَ المُنْتَظِرِينَ ؛

فَالْمَوْهُومُونَ بِالاِنْتِمَاءِ لِلْوَطَنِ عَلَى حِسَابِ الإِنْسَانِ ..

هُمْ قَطْعًا يَحْمِلُونَ عَلَى أَكْتَافِهِمْ بَرَامِيلَ فَارِغَةً .. !!(4)

 

أيضاً ؛ لم تُعلَن براءة النزعة البشرية وإن – بدا الإنسانُ عارفاً بنفسهِ – فقد عرفَ الأشياءَ ومنهج الفعلِ كما عرفَ الآخر الذي يشاركهُ الوجودَ وقرأ من خلالهِ سيرتهُ الأولى وأدركَ حسيٍّا أن البقاء على قيدِ " التأمل " يتطلبُ ولادة العقل من جديدٍ في كل اقتناصٍ للكونِ بهيئتهِ غير المكتملة .. ؛ صورةٌ أخرى لكيانٍ واحدٍ وعى أن تعايشهُ معَ حزنهِ وخطاياه إنما هو سببٌ كافٍ للارتفاع بوجودٍ مزدحمٍ بغاياتهِ ؛ وهذا ما يحتاجُ إلى لغةٍ أقربُ إلى – الوحي الواقع – توازنُ بينَ رقةِ المعنى .. وقسوة المحاولة والاعتراف ؛ اللغةُ التي لم تتوقف لدى الياسري على تأثرٍ بنصٍّ " بودليري " مترجم أو لمحةٍ حداثيةٍ تتلونُ وفق حالة النص واسم الكاتب ؛ فاللغةُ رهنت العالمَ للتحليق .. والتسلل المباح إلى لوحاتٍ شتى في أي بقعةٍ من الأرض ؛ حيث أن الفلسفةَ تبدأ بتساؤلٍ .. ولا تُسلّمُ بإجابةٍ محددة ! .. و " كاف " التشبيهِ في هيكل النصوص لم تكن سوى الإرادة التي أزاحَت اختلافَ اللونِ .. أو زي الجسد .

 

هَذَا أَنَا ؛

غَرِيبٌ فِي غِيَابِكِ ..

كَجُنْدِيٍّ بِلاَ سَجَائِرَ ،

كَمَغُولِيٍّ بِلاَ حِصَانْ .. !!(5)

:

لَنْ تَتَّسِعَ الغَايَةُ لِعُبُورِنَا مُنْفَرِدَيْنِ ؛

سَنَلْتَحِمُ كَالْقَلَقِ وَ أُمِّي ،

وَ نَرْقُصُ مُذَيَّلَيْنِ بِالْنَشْوَةِ القُصْوَى .. !!(6)

:

لاَ تَكْتَرِثِي بِسِوَايَ ،

أَنَا البَذْرَةُ العَارِيَةُ كَصَنَوْبَرَةٍ ..

وَ أَنْتِ فَصْلٌ شَفِيفُ الثِّيَابِ .. (7 )

 

ترسيمُ المعنى والنص

 

إعادةُ الترسيمِ تبدأُ من حالةٍ عميقةٍ سقفها " العاطفة والاقتراب والغربة " ؛ حالةٌ يتمردُ فيها الخطابُ على خرافاتٍ تضجُّ بها الحياةُ .. حتى في بعض " نماذج الأخلاق أو المعتقدات " التي بقيت كقوالبَ تؤمنُ بها المجتمعاتُ أو العقول لمسايرة الحياة والقبول بوضعٍ قد يكونُ " هامشياًّ " فيها على أقل تقديرٍ بل إن فكرة " نيتشه " حول أصلها تحضرُ بقوةٍ للابتعاد إلى مفهوم الإنسان الأعلى أو السامي .. حين نبذ المنطق الرومانسي لعلاقاتٍ بشريةٍ أزليةٍ .. هذا المنطق الذي امتدَّ طويلاً لينال من شفقةِ الإنسانِ على نوعهِ بقسوةٍ مفرطةٍ تكادُ تسحقُ جماليات روحهِ وأصل طبيعته .

 

أَيُّهَا الصَّاخِبُ كَلِحْيَةِ المَوْجِ :

صَالِحْ أََلَمَ رُوحِكَ ،

اُعْبُرْ إِلَيْكَ بِلاَ جُسُورٍ ،

شُدَّ مِنْ أَزْرِ المَصِيبَةِ كَيْ تَخْجَلَ ،

قُلْ لِلْسَّاعِينَ فِي جُرْحِكَ قَوْلاً رَحِيمًا ،

وَ اِغْفِرْ .. لأَنَّهُم يَأْلَمُونَ . ( 8 )

 

لم يبتكر الياسري عقيدةً أخرى للنص كما يفهمها " النثريّون المتعصبون الجدد " .. – أولئك الذين تكهنوا بأنَّ موعدهم القصيدة ! – إذ أتاحَ لفنيّات الحلم أن تغرس جذورها على أرض الواقعِ من خلال انسجام اللغة أو الكلمة أو النص مع عواطفَ تتكرر على امتداد الزمن ولا تتقيدُ بلحظةٍ عابرةٍ أو محدودة .. بل تتداخلُ مع الطبيعة .. وتتخللُ الأحاسيس على اختلافها كأن تبتكرَ " شتيمة جديدة .. " يبدو قبولها مهذباً جداًّ قبالة الحقيقة الصارخة والموجعة ربما !!

 

أَصْدِقَائِي ؛

أَيُّهَا المُبْهِرُونَ كَشَتَائِمَ جَدِيدَةٍ ،

كُنْتُ أَعْرِفُ وَاحِدًا يَبْتَكِرُ شَتِيمَةً جَدِيدَةً كُلَّمَا خَسِرَ رِهَانَهُ فِي سِبَاقِ الخَيْلِ .

كَانَ يُثِيرُ اِهْتِمَامِيَ ... إِلخْ .

فَأَنَا تُبْهِرُنِي الشَّتِيمَةُ الجَدِيدَةُ ..

كَمَا أَنَّنِي أُفَاجَأُ بِأَصْدِقَائِيَ دَوْمًا ،

نَعَمْ .. أَصْدِقَائِي الكُسَالَى عَنِ الوِدِّ .. !!(9 )

:

وكلَّ قيدٍ مهما ضعفت أطرافهُ .. ينصتُ جيداً لما تعنيه الحرية في توقٍ شديدٍ لتنقية الإنسانِ من شوائبِ المسافة ؛ مسافةُ الرحلة التي يقطعها – مُجبراً أحياناً - وتقلبات فصول الوجود .. ؛ مسافة الآخر/ الذات الذي قرر بحدسهِ أنه مهددٌ بالحياةِ .. ومستعدٌّ لخوض الموتِ ذات حياة !

 

مُرَاقَبَةُ حِبَالَ المَشَانِقِ أَكْثَرُ رَأْفَةً مِنْ أَنْ نَكُونَ المَشْنُوقِينَ .. !!(10 )

..

أَيُّهَا اللَّدُودُ ؛
اِشْرَبْ قَهْوَتَكَ مَعِي ..
وَ اِسْتَبْدِلْ فِنْجَانَكَ المَسْمُومَ دُونَ عِلْمِي ،
أَيُّهَا القَدَرُ ؛ كُنْ حَاسِمًا .. لأَحْتَرِمَكَ  .. !! (11)

  

نضج النثر .. أم نضج القصيدة ؟!

 

إن التعامل مع أي منتجٍ أدبيٍّ – وبعد كثافة الجدل – حول الأنماط والأشكال الأدبية والذي لم يحقق الموضوعية في أغلب الجوانب التي تناولها إلا فيما ندر لابد وأن يكونَ محاكاة عقلية موزونة لا تقفُ سوى على مادة نادرة جداًّ حين غربلة الأفكار واللغة ؛ فالشعر ليس معنيّا بوقوف القصيدةِ على قدمٍ واحدةٍ .. أو اثنتين حين تدوينها ؛ .. وهل يرافقها إيقاعٌ أو نايٌ حزينٌ أو غصنٌ صامتٌ يريد أن يتخذَ لهُ لقطةً على جانبِ النهرِ كي يسدلَ ظلاًّ أخضرَ على خارطةِ الشعور .

عَلَى مَرْمَى الحُزْنِ ؛
كَرَغِيفٍ يَتِيمٍ  ،
تَدَوَّرَتْ خَيْبَتُكَ  ،
وَ شَمِتَ الحَطَبُ  .. !!(12)

ومع هذا التصور في حضرة النثر – وفي جانبٍ آخر – احتفظت قصيدةُ الياسري الموزونة كقصيدةٍ بمقوماتها وأيدت الشعرَ كما أيدهُ " النثر " الذي حرر نفسهُ من القشور .. وكان نصًّا مؤدياً لشعريتهِ وفق قناعةٍ موضوعيةٍ تجيدُ الترتيبَ بمهارةٍ ووضوحٍ .

إن تقاسمَ العمق الوجودي مع عناصر الصورة في النص إنما هو تفوقٌ آخر للقيمة حين التأمل .. ولا يسعُ القارئ إلا أن يتساءل أيضا وصولاً إلى عالمه الخاص / الآخر ؛ ذاك الوصول الذي يردد في سريرةِ الزمنِ :

 

مَنْ يَقُلْ : فِي الصَّمْتِ مَنْجَاةٌ بِلَيْلِ العَارِفِينَ .. يَشُقُّهُ حَدُّ الدُّعَاءِ ,
وَ مَنْ يُعَانِدِ نُسْغَ لَوْعَتِهِ .. سَيَنْجُو حِينَ يَجْلِدُهُ الوَمِيضْ .. !! (13 )

 

 

 ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

" أعادت ترسيم المعنى بخلخال " ديوان نثري صادر عن دار الخيال للطباعة والنشر والتوزيع – بيروت 2008 م .

(1 ) ، (2 ) ، (3 ) ، (10) ، ( 11 ) ، ( 12 ) غرانيـــق .

(4 ) أرصفةٌ للوطن الخراب .

(5) كمغوليٍّ بلا حصان .

(6) البــابُ .

(7) المجوسي يهيئ نارهُ .

(8) ، (9) أيها المبهرون كشتائم جديدة .

(13) من نص تفعيلي للشاعر بعنوان " مسدٌ نما فوق اللسانِ " منشور في جريدة القبس الكويتية / آذار – 2007 م .




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !