ما بقي من فلسطين، هو في عهدة اسرائيل. الآخرون، كومبارس. التاريخ الفلسطيني ممنوع على من بقي من الفلسطينيين في «الأراضي»! استعمال مفردة «النكبة» ممنوع. لا نشيد غير نشيد «الهاتكفا»، قبل دخول التلامذة الفلسطينيين إلى صفوفهم. ممنوع على الفلسطيني في «إسرائيل»، أن يكون فلسطينياً.
«هنا، القضية الفلسطينية ماتت»... قليلا.
ما بقي من الضفة الغربية غائب عن فلسطين. هناك ضفة غربية حاف. خلافها مع غزة، الغائبة بدورها عن فلسطين، قرّبهما من حتفهما. فغزة في مقام الحصار الدائم، وسط تبلّد إنساني دولي، وتلصلص عربي لمعرفة مواقيت الدفن، كما الضفة في مقام الانتظار الدائم، لعمليات القضم القادمة بشهية صهيونية مستعادة، وسط التطريب لمشروع فلسطيني بديل، يقوم على تحسين أداء رجال الأمن وفق إرشادات/أوامر دايتون، وعلى تحسين الاقتصاد، وفق روشتة بنيامين نتنياهو، و... هلم جراً.
ما بقي من الضفة الغربية، فلسطينيا، مفاوضات ممنوعة، وحواجز مقيمة وجدار فاصل، يحظى فقط بيافطات رفض يرفعها «شذاذ» السياسة من أولاد فلسطين، و«شذاذ» السياسات الدولية، من الأجانب العروبيين والفلسطينيين، بالانتماء الإنساني.
ما بقي من القدس يعيش تحت منخفض الخنق. الناس يطردون من منازلهم، البيوت يتصيّدها المحاربون الجدد في وضح النهار العربي الشاسع، الصلاة في الأقصى، منحة من الإسرائيلي، تعطى بالتقسيط. التجوال ممنوع في غير الحارات المكتظة. النوم ممنوع... و«القدس عروس عروبة الزناة العرب».
ما بقي من فلسطين... مات كثيرا.
وصلت فلسطين إلى خاتمتها... إلا قليلا.
كل فلسطين، تقزّمت لتصبح في القاموس الدولي، مسألة عقارية، فيما اسرائيل تسمي أيهودا باراك «مقاول» الأراضي. فيما عوزي لانداو يعلن: «كل هذه الأرض لنا وليست لغيرنا». ووصل العرب، في ركامهم السياسي، إلى الموت... إلا قليلا. فهم الآن بصدد دخول مدار «الألزهايمر» الإرادي، لنسيان مرغوب، لكل ما يمت بصلة إلى خطة السلام العربية، التي دخلت في الكوما، قبيل دخول ارييل شارون في غيبوبته، كأنه مات من زمان... إلا قليلا.
ولم يعد أمام العرب سوى مناشدة الولايات المتحدة الأميركية، كي تضغط عليهم أكثر، ليسرعوا في تطبيع علاقاتهم، مع اسرائيل، كي تضغط على السلطة الفلسطينية التي باتت أقل من مقاول بلدي مضارب، للمقاول العبري الأصلي.
أما الشعوب العربية، فهي مفتونة بما يحصل في العراق، وترى فيه مأساة مسلّية. وهي مدهوشة لمداهمة الدم اليمني في صعدة والجنوب، الشاشات الرمضانية الملأى ببشائر الطعام، وأبواب الحارات المفرغة من ناسها. لم تعد الشعوب العربية، بقديم قياداتها وجديد زعاماتها، المذهبية والطائفية والعرقية، تعرف عن فلسطين، إلا إسراء ممتنعا، ومداحا غير مسموح، ويمكن التعويض عنه، بصلاة الغائب.
بعد تسعين عاما، من الرفض والنضال، خرجت فلسطين من عروبة الأنظمة، وعروبة الشعوب المغلوبة والمتغالبة، وعروبة الدين الممسك بالسلف والسيف، ليورثها للخلف الصالح. خرجت من اليسار الى اليمين، ومن الثورة إلى السلطة، ومن الأرض إلى طاولة التفاوض بصيغة الغياب. خرجت من... وليس مؤكدا أنها كانت هناك في الأصل، كقضية أم كمطية؟
«فلسطين ماتت إلا قليلا»، وهذا القليل، لا يزال مقيما على التخوم في لبنان وغزة والضفة. لا يزال مقيما ومكتوما، ولم يستسلم. وهو يصر على أن فلسطين تعود، عندما تستعاد كقضية، وتصير في سلّم الأولويات: أولا.
هي أولا، قبل الأنظمة، وقبل الزعماء، وقبل النفط، وقبل السفارات، وقبل الأديان والطوائف والمذاهب.
هي أولا، تصير، عندما تبقى المقاومة تتطلع إلى فلسطين، وتقول: كل هذه الأرض لنا وليست لغيرنا أبداً. وتفعل لاستعادتها الفعل الحسن.
الظروف غير مؤاتية؟
لم تكن الظروف مؤاتية من قبل، وقد تكون أصعب في ما بعد، غير أن الحروب، ليست تخاض بالمعارك فقط، بل بالإرادات. وإذا انكسرت الإرادات الأخيرة، تضيع فلسطين، ويرثها، عنف لا هوادة فيه...
لا حياة لأمة، تموت فيها فلسطين.
الموضوع منقول عن صحيفة السفير
التعليقات (0)