مواضيع اليوم

«الطريق إلى الأمام»: أيام المعوقين القليلة في مجتمع متنوع

عمادالدين رائف

2009-08-19 11:32:02

0

فوق تلة مشرفة على مدينة جزين التي تحتفل بمهرجانها الصيفي، وفي مدرسة «ماريا عزيز الفنية»، يجتمع عشرات الأشخاص المعوقين من متطوعي اتحاد المقعدين اللبنانيين والجمعيات الحقوقية الصديقة ليكوّنوا مجتمعهم المتنوع لمدة عشرة أيام في طبيعة جنوبية جبلية ساحرة، في مخيم أطلقوا عليه اسم «الطريق إلى الأمام». مجتمع تسهل فيه حركة الكراسي المدولبة، تختفي فيه النظرة الموروثة تجاه طاقات وقدرات الشخص المعوق، يتعاون الجميع فيه لإنجاح كافة النشاطات وورش العمل التدريبية والمشاغل الفنية والتقنية. يتدربون، يناقشون، يلعبون، ويسهرون ويغنون بلا عوائق، وحين تختفي العوائق تختفي معها الإعاقة.
يغادر الشباب القاعة الكبيرة بعد غداء تختلف وجهات نظرهم حول نوعيات الطعام المقدم فيه، يغادرون مفسحين المجال أمام لجنة المطبخ كي تعيد القاعة كما كانت عليه قبل الغداء تحضيراً لورشة عمل. يقطعون الممر الطويل للمدرسة الرسمية إلى باحتها الخارجية، في الخارج حيث تمتد مساحة ترابية كافية انتصبت خيام عسكرية كثيرة، وفي الباحة كذلك. يتجمع الشباب في فيء شجرة كبيرة على كراسيهم المتحركة، أو قرب عكاكيزهم على أسرة عسكرية، لحظات وتظهر أراكيل بعضهم.. يقطع الأحاديث ميكرفون محمد بيرم، أحد منسقي المخيم: «يللي بدو ينزل ع المهرجان بجزين يحضر حاله». يقول بيرم: «سبق الافتتاح تحضير وتشبيك مع المجلس البلدي وعدد من الجمعيات المحلية، وقد لقي الاتحاد تجاوباً وترحيباً من البلدية وأهل المدينة، وكان اختيار المكان مناسباً لطبيعة النشاطات وطبيعة المخيمين من معوقين وغير معوقين كذلك، أما الخيم والفرش فقد تكفل بها الجيش اللبناني كعادته في مواكبة نشاطات كهذه».

بعد طول انتظار

يطل المنسق العام للمخيم، رئيس اتحاد المقعدين، حسن مروّه ليشرف على سير العمل. يجتمع إلى فريقه في مكتب الإدارة الصغير المزود بمنحدر خشبي. يقول: «انه المخيم السابع عشر للإتحاد، وقد اتى بعد طول انتظار. بدأت رحلة التخييم السنوي المركزي منذ العام 1989 مع مخيم جون، لكننا توقفنا قسرياً في السابق مع كل عدوان إسرائيلي كما في الاعوام 1993، 1996، و2006، حيث تحول عمل الاتحاد كله إلى برامج الطوارئ ومشاريع الإغاثة، أما الانقطاع لمدة خمسة أعوام منذ مخيم صغبين 2004 حتى اليوم، فللأسف، يعود لما مرت به البلاد من تأزمات سياسية وأمنية داخلية حالت دون إقامة هذا اللقاء السنوي الأساسي في حياة الناشطين والمتطوعين في الاتحاد». للمخيم أهمية بالغة لدى أعضاء الاتحاد، فمن مخيمات كهذا تم إعداد الكوادر، تم التدريب على العمل النقابي المطلبي الحقوقي، تمت صياغة المسوّدات الأولى لتشريع يحفظ حقوق الأشخاص المعوقين في لبنان، أما بعد صدور القانون 220/2000 الخاص بحقوقهم، يضيف مروّه: «تركز العمل في المخيمات على الإعداد لتطبيق بنود القانون، والضغط الشعبي المطلبي، ما أنتج الاعتصام الكبير أمام مجلس النواب عام 2004». إذاً، لماذا «إلى الأمام»؟ يركز مروّة على أهمية اسم المخيم، فـ «نحن اليوم كمنظمة مطلبية حقوقية نسعى إلى المضي قدماً في تطبيق القانون، وفي الضغط على المجلس النيابي للمصادقة على الاتفاقية الدولية الخاصة بالإعاقة، والحكومة المنتظرة لتضمن بيانها الوزاري هذه الحقوق».

تدريب وترفيه

تطغى الفئة الشبابية على المشاركين في المخيم، وهو وإن كان عدد المخيمين فيه لا يتعدى 120 شخصا، إلا أن عشرات من الاتحاديين وأصدقائهم يتقاطرون إليه نهاراً ليشاركوا في نشاطاته فينخرطوا في المجموعات الكبيرة الأربع، أو ليستعيدوا ذكريات، ويروا أصدقاء ويتعرفوا باتحاديين جدد.
أما في مدينة جزين التي يشارك الاتحاد في مهرجاناتها من خلال منصتين توعويتين في السوق الرئيسية، فقد تحولت هذا العام إلى مدينة مرحبة بالأشخاص المعوقين، فاحتلت لافتة استضافتها للمخيم حيزاً من مدخلها الرئيسي، وعلى منصة الاتحاد يوزع المتطوعون موادهم ونشراتهم على المارة من زوار المدينة، ويتحدثون إليهم عن قضايا الإعاقة. في المدرسة، في القاعة الكبيرة وخارجها تنقسم المجموعات للمرة الأخيرة أمس الأحد، كي تشارك في آخر وجبة تدريب. «إلى الأمام»، «الأمل»، «المحبة والسلام»، و«شيل يا فيل»، أسماء اختارها لكل مجموعة المشاركون فيها. وقد تدربت كلها وفق برنامج صباحي على مواضيع المواطنة وتعزيز السلم الأهلي، الموازنة العامة وعمل المجتمع المدني عليها، الحقوق المدنية والسياسية، حقوق الأشخاص المعوقين الاجتماعية والاقتصادية، وغيرها. أما المشاغل التي تحتل مساحة قبيل العشاء، فقد توزعت على مشغل للمسرح، نشرة المخيم، التجهيز الهندسي، وحل النزاعات. وتعمل هذه المجموعات المتفاوتة العدد كل وفق رغبته في الانضمام إلى المشغل الذي يريد، حتى انتهاء المخيم حيث عرضت كل منها ما انتجته في السهرة الختامية الكبيرة. بعد العشاء يتحضر الجميع للسهرة التي تتضمن مفاجآت نشرة أخبار المخيم التي يعمل عليها بلال حامد ووسيم الحشيمي، وتظهر فيها تقارير وتحقيقات مصورة ممنتجة، يكون الشابان قد أمضيا وقتاً طويلاً في إعدادها. ثم يتحول ليل المخيم إلى سهرة فنية غنائية طويلة، أما سهرة الليلة الأخيرة والوداع فلها طعم آخر، ولكل من المشاركين شجونه وما يبثه للآخر.
هي أيام قليلة تجمعهم حيث يشكلون أكثرية، ويكون المجتمع كما يريدون مجتمعاً متنوعاً يحترم جميع أبنائه، اليوم يفكك عناصر الجيش اللبناني الخيام التي أعاروها للاتحاد، يجمعون الأسرة العسكرية والفرش، يخلو المخيم إلا من الفريق المنظم وبعض المتطوعين ليسهروا سهرة العمل الأخيرة.. يعود المخيمون إلى مجتمعهم الكبير ليخوضوا جولات نضال أخرى حالمين بيوم تتحقق فيه المطالب، ويطبق قانونهم المرمي في الأدراج منذ عشر سنوات.

 صحيفة السفير، عماد الدين رائف، 17 آب / أغسطس 2009




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !