اعتقد أن النقاش الذي دار حول موضوع " الخاشقجي " الذي طرحه الأخ أسيد الغنايمي على حائطه ليقوم بحذفه بعد أن "غص" بالتعليقات التي لم يأتي أغلبها كما كان يتوقع ، ليس إلا أنموذجا تحليليا يمكن أن يعكس المشهد الإستيعابي الذهني للواقع الفكري السعودي الذي يؤطر كل الجوانب الاجتماعية والثقافية ٠
لن آتكلم هنا عن أشخاص ، ولكني استطيع القول : أن الشخص الذي يميل لمعطيات ونتائج الإحصائيات العلمية أو مؤشراتها الأولية والتي يمكن من خلالها بناء رؤية تحليلية معينة أن يجد في بعض "أيقونات" تلك التعليقات ما يشير بقوة لطبيعة تأثير الأطراف المتضادة ، والتي كنا نعتقد أن أبرزها "السلفي" يطغى تنامي مؤيديه على أي طرف آخر ! إلا أن تلك المعطيات الأولية تقول بعكس ذلك ، ولو تتبعت بدقة تلك الإحصائية فستجد أن المفردات المتناثرة في ثنايا التعليقات والردود ذات الطابع "التصادمي" هي التي تتسم بقوة الجذب ، وسيظهر لك بالتالي ذلك المؤشر التصاعدي للإستيعاب العقلي الأكثر استقلالا ٠ ولن أسترسل في هذا الجانب فبالإمكان الرجوع له على هذا الرابط ٠
http://www.facebook.com/photo.php?v=262164597175694&ref=notif¬if_t=video_comment_tagged
وما أود قوله هو : أنه في مقابل هذا التصاعد لمؤشر ( الاستقلال الفكري ) فأن هناك تراجع ملموس لجاذبية "السلفية" وبخاصة الوجه المتشدد فيها ، ( ومع استبعاد فكرة وجود اجندة خاصة أو نسقية ) فأن من أهم الأسباب وراء هذا التغير - في تقديري - هو : ذلك الخطاب المنفعل والمتسم بالحماس غير المنضبط بضوابط العقلانية الواقعية ، والإندفاع المتسلح بأدوات " الدفاع والهجوم " المعلبة سلفاً والجاهزة للاستخدام بشكل متكرر مما أفقدها تأثيرها المفترض في الخصم المستهدف ! واعتماد المستخدم لهذه "الأدوات" على عقلية متقوقعة في عباءة "السلف" وإعادة إنتاج خطابه بذات اللغة والتفكير والتقليدية النمطية رغم انفصاله تماما عن عصرنا الحاضر بكل تكويناته الثقافية والفكرية والاجتماعية والسياسية ، وتدعيم هذا الانغلاق بوضع النصوص الدينية في غير موضعها من الاحكام والمقاصد وبشكل يجتزئ النص من سياقه العام ، ثم التركيز على اصطناع العدائية وتوجيهها لأهم قيم الفرد والمجتمع الدينية والأخلاقية ، ثم "ضخ" كل هذا التصور في عقل المتطلع لممارسة "التمشيخ" بجملة من النصوص المحفوظة "عن ظهر قلب" وكثير من العبارات المستهلكة لضرب الآخر المختلف في قيمه ونواياه ومقاصده ، وفي عقل المتلقي البسيط وغير المتحصن باستيعاب معطيات الواقع الحقيقية والمسلم تسليما بمضمون مقولة " الشيوخ أبخص " ! سيما وهو العقل الذي تم تشكيله وصياغته تربويا وتنشويا على ( أسكت !) ثم لا يجد أمامه لتفريغ شحناته المكبوتة إلا هذه الطروحات المتسيدة للمشهد الثقافي ٠
ومع التأكيد على أنه من غير المنطقي التوقف عند تطبيق هذا الوصف على الخطاب الديني السائد فأن من المهم إدراك أن لليبراليين ، على قلتهم ومحدودية تأثير خطابهم وحضورهم على "استحياء" لم يتجاوز لغة الصدام ورد الفعل وانعدام الرؤيا ، نصيب كبير من هذا التوصيف ٠
ولعل هذا الحراك : بميكانيزميته "الهرطقية" ، ووسائله الجديدة في "استعمار" العقل ، ووصايته على ("مستعمرته" العقلية) ، والمنفصل عن واقع وابجديات حياة المواطن ٠ لا يقل أهمية عن طبيعته المنفعلة في تبلور هذا الاتجاه المتسم بالاستقلالية والإنعتاق من ثقافة الإملاءات وافتراض التقبل المطلق ٠٠!!
تركي سليم الاكلبي.
التعليقات (0)