للسفر حكاية تُروى على مدّ السنين نكتسب منه ثروة الخبرات وقيمة التعارف على أصدقاء يمنحونا الأمان في بلاد الغُربة ,
سفر السياحة هو أمتع أنواع السفر نوعاً وثمراً حيث أن النفس ترنو إلى الارتياح وبسط الجناح في ظل التفسّح والتعرّف على أرضٍ جديدة وثقافة جديدة وحضارة أجدد , وسفر العمل الذي يُجبركَ على فهم صفة الآخرين وطريقة تعاملهم ومايروقهم لكي ينصّب الجهد في راحة تامّة , أمّا عن سفر العلاج أعاذنا الله وإيّاكم منه ولاأذاقنا إياه أبداً .
لي مع السفر قصةً مذُّ صغري , حيثُ جعلته الرفيق الذي أتخاصم معه أتداعب معه أتسلّى معه وأتشاجر معه وأكتب عنه ويكتبني في طيّ صفحات صوره ,
أمتع أنواع السفر كان مع عائلتي خارج البلاد حيث رفقة الأخوة وأمي الحبيبة تسمح لرفرفة القلب بين سحاب الحب والوئام وكسر الحواجز والالتئام في ذكرى أيّامٍ لاتُنسى أبداً ماحييت .
مارستُ أغلب هواياتي بالسفر من ركوب خيلٍ والتصوير الذي تلاحقني هواياته من أيام الطفولة وتصوير الفيديو أبقاها أثراً في النفس :)
أمّا أسفار العمل فهي على العكس تماماً تبعثُ في نفسي الضيق وعدم التركيز والتأفّف دوماً لبعد الأهل والصديق ..!
الكويت أعتبره موطني الثاني الذي أستقريّت بهِ أعواماً عدّة , حيثُ ظروف العمل التي قهرتني هناك وألتهمتني الغُربة إلتهاماً فظيعاً بالرغم من قرب الكويت لقلبي لكن في بُعد الأهل بشاعةً لاأُحسنُ وصفها ولارسم شكلها ..!
تعلّمت معنى الصبر والجُهد ل أرقى بدرجة الثقة في قلب أهلي وأجد عمق المكانة التي بحثتُ عنها ل أبحث عن موطن آخر يحتضنني بصدق بين أذرعه ,
لم يكن سفر العمل قريباً ل سفر السياحة أبداً رغم أن نقط التشابه ضئيلة جدّاً ..!
قرأت قصيدة ابن زُريق اليتيمة فَ تذكرتُ عمق جرح الغربة التي عاشها بعيداً عن زوجته
يتيمة الشاعر ابن زُريق البغدادي حينما حلّ الفقر ضيفاً عليه وشاءت الأقدار أن يُسافر إلى الأندلس وزوجته حبيبته غير راضية وكان يواسيها بهذه القصيدة ويُقال أنهم لم يلتقوا بعدها أبداً
قصيدة تفيض روعة ورهافة حس ومن القصائد التي أثرّت فيني
في مطلعها الذي يسطع رقّة وترجيّاً لزوجته بقوله (لاتعذليه إن العذل يولعه )
هذه القصيدة كاملة مع اختلاف الروايات عنها :
لا تعذليـه فـإن العـذل يولعـه .... قـد قلـتِ حقـاً ولكـن ليـس يسمعـه
جاوزت في لومه حداً أضـرَّ بـه .... مـن حيـث قـدَّرتِ أن اللـوم ينفعـه
فاستعلمي الرفق في تأنيبه بدلاً .... من عنفه، فهـو مَضنـى القلـب موجعـه
قد كان مُضطلعا بالخطـب يحملـه .... فضيقـت بخطـوب الدهـر أضلعـه
يكفيه من لوعة التشتيـت أن لـه .... مـن النـوى كـل يـوم مـا يروعـه
مـا آب مـن سفـر إلا وأزعجـه .... عـزم إلـى سفـر بالرغـم يزمعـه
يأبـى المطالـب إلا أن تكلفـه .... للـرزق سعيـاً ولكـن ليـس يجمـعـه
كأنمـا هـو فـي حــل ومرتـحـل .... مُـوكـلٌ بفـضـاء الله يـذرعـه
إن الزمان أراه في الرحيل غنى .... ولو إلى السنـد أضحـى وهـو يقطعـه
ومـا مجاهـدة الإنسـان توصلـه .... رزقـاً، ولادعـة الإنسـان تقطـعـه
قـد وزع الله بيـن النـاس رزقهـم .... لا يخلـق الله مـن خلـق يضيعـه
لكنهم كلفوا حرصاً، فلسـت تـرى .... مسترزقـاً وسـوى الغايـات يقنعـه
والحرص في الرزق، والأرزاق قد قسمت .... بغي، ألا إن بغي المرء يصرعه
والدهر يعطي الفتى من حيث يمنعه .... إرثـاً، ويمنعـه مـن حيـث يطمعـه
استودع الله في بغداد لي قمـراً .... «بالكـرخ» مـن فلـك الأزرار مطلعـه
ودعتـه وبـودي لـو يودعنـي .... صفـو الحـيـاة وأنــي لا أودعــه
وكـم تَشفَّـع بــي ألا أفـارقـه .... وللـضـرورات حــال لا تُشفـعِّـه
وكم تشبـث بـي يـوم الرحيـل ضُحـى .... وأدمعـي مستهـلاتٌ وأدمعـه
لا أكـذب الله، ثـوب الصبـر منخـرق .... منـي بفرقتـه، لكـن أرقـعـه
إنـي أوسِّـع عـذري فـي جنايتـه .... بالبيـن عنـه وجُرمـي لا يوسعـه
رزقت ملكاً فلم أحسـن سياستـه .... وكـل مـن لا يسـوس الملـك يخلعـه
ومـن غـدا لابسًـا ثـوب النعيـم بـلا .... شكـر عليـه فـإن الله ينزعـه
اعتضت من وجه خلي بعـد فرقتـه .... كأسـا أُجـرع منهـا مـا أجرعـه
كم قائل لي ذقت البيـن: قلـت لـه: .... الذنـب والله ذنبـي لسـت أدفعـه
هلا أقمت فكان الرشـد أجمعـه .... لـو أننـي حيـن بـان الرشـد أتبعـه
لو أنني لـم تقـع عينـي علـى بلـد .... فـي سفرتـي هـذه إلا وأقطعـه
إنـي لأقُطِّـع أيامـي وأنفدهُـا .... بحسـرة منـه، فـي قلـبـي تقطـعـه
لايطمئن بجنبـي مضجـع، وكـذا .... لا يطمئـن بـه مـذ بنـت مضجعـه
ما كنت أحسـب أن الدهـر يفجعنـي .... بـه، ولا أن بـي الأيـام تفجعـه
حتى جـرى البيـن فيمـا بيننـا بيـدٍ .... عسـراء تمنعنـي حظـي وتمنعـه
قد كنت من ريب دهري جازعاً فزعا .... فلم أوقَّ الـذي قـد كنـت أجزعـه
بالله يا منزل العيـش الـذي درسـت .... آثـاره وعفـت مـذ بنـت أربعـه
هـل الزمـان مُعيـد فيـك لذتنـا؟ .... أم الليالـي التـي أمضتـه ترجعـه؟
في ذمة الله من أصبحـت منزلـه .... وجـاد غيـثٌ علـى مغنـاك يمرعـه
من عنـده لـي عهـدٌ لا يضيعـه، .... كمـا لـه عهـد صـدق لا أضيعـه
ومن يصـدع قلبـي ذكـره وإذا .... جـرى علـى قلبـه ذكـرى يصدعـه
لأصبـرن لدهـر لا يمتعنـي ....بــه، ولا بــي فــي حــال يمتـعـه
علماً بأن اصطباري معقـب فرجـاً .... فأضيـق الأمـر إن فكـرت أوسعـه
علَّ الليالي التي أضنـت بفرقتنـا .... جسمـى، ستجمعنـي يومـاً وتجمعـه
وإن تغـل أحـداً منـا منيتـه .... لابـد فــي غــده الثـانـي سيتبـعـه
وإن يـدم أبـداً هـذا الفـراق لنا....فمـا الــذي بقـضـاء الله نصنـعـه؟
ويُقال بأنهم لم يلتقوا بعدها
قاتل الله السفر الذي يفرّق شمل الأحبّة !
من أروع القصائد وأرقّها وأجزلها وأحزنها
رحمة الله عليك ياابن زُريق .
التعليقات (0)