بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صلِّ على محمد وآل محمد..
نحو معرفة أكثر بإمام زماننا...!
(5)
دور الإمام وفائدة وجوده وهو غائب..
سأل جابر بن عبد الله الأنصاري النبي (ص): هل ينتفع الشيعة بالقائم في غيبته؟ فقال (ص): أي والذي بعثني بالنبوة أنهم لينتفعون به ويستضيئون بنور ولايته في غيبته كانتفاع الناس بالشمس وإن جللها السحاب..
أشرنا فيما سبق لغيبة الإمام عجل الله فرجه الشريف ولجزء من علل الغيبة كما أشار لها أهل البيت (ع) في أحاديثهم وذكرنا أيضاً أن العلة التامة والتفصيلية لغيبة الإمام (ع) غير منكشفة لنا وإنما تنكشف بظهوره..
الآن يورد البعض التساؤلات التالية.. ما الذي يفعله الإمام في غيبته؟ وما هو دوره..؟! وكيف نستفيد من الإمام (ع) وهو غائب..؟! وغيرها من هذا القبيل.. والتي سنحاول الوقوف عليها.. فنقول أولاً إن غيبة الإمام لا تشكل حاجزاً ومانعاً دون القيام بدور الإمامة وما يحيط بهذا المنصب من دور رسالي معين فمثلاً غيبة نبي الله يوسف (ع) ونبي الله موسى (ع) والتي أشرنا لها سابقاً لا تعني إطلاقاً أن دورهم لمنصب النبوة توقف في حال غيابهم إطلاقاً.. بل أنهم يقومون بالعديد من المهام ويعدون العدة ويهيئون الأرضية لإطلاق دعواتهم الرسالية المباركة حتى وإن لم يكن يشعر المجتمع بهذا الدور الذي كانوا يقومون به.. كذلك الإمام الحجة عجل الله فرجه الشريف يؤدي العديد من المهام والأدوار في غيبته حتى وإن لم نكن نشعر بذلك.. ونحاول الوقوف على جزء من فائدة الإمام (ع) ودوره وبركاته في غيبته مما أمكن لإدراكنا المحدود أن يحيط به ونوجزه في نقاط..
أولاً.. إن وجود الإمام والحجة الإلهية على هذه الأرض سبب لدفع العذاب عن الأمة وهنا نقصد العذاب الشامل كالطوفان مثلاً والذي حدث للأمم السابقة.. ولا نقصد العذاب التأديبي الذي قد ينزله الله على بعض الأقوام.. فبركات الإمام (ع) ووجوده في المجتمع هو امتداد لبركات الرسول الأعظم (ص) والذي يقول فيه القرآن الكريم (وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ) فالله عز وجل يرفع العذاب عن الأمة ببركات وجود رسول الله (ص) واليوم يُرفع العذاب عن الأرض ببركات وجود الإمام صاحب العصر والزمان عجل الله فرجه الشريف وتعددت روايات أهل البيت (ع) في هذا المعنى إذ لو أن الإمام رُفع من الأرض ساعة لساخت و لماجت بأهلها كما يموج البحر بأهله..
الدور الثاني للإمام (ع) ننتقل إليه من سورة القدر المباركة يقول عز وجل (تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ) وتنزل في الآية المباركة فعل مضارع يفيد الاستمرار.. و (كل أمر) تفيد التعميم.. ففي كل عام تنزل الملائكة وروح القدس في ليلة القدر بالأمور والتقادير الإلهية.. ولنا أن نتساءل الآن.. على من تنزل الملائكة وروح القدس في زماننا هذا في ليلة القدر..؟! ليس هناك أحد تتحقق الغاية من نزول الملائكة عليه ويتحقق معنى الآية المباركة إلا الإمام صاحب العصر والزمان عجل الله فرجه فهو بأبي وأمي مركز الأمور الكونية والفيوضات الإلهية تنزل عليه الملائكة فتبلغه وتخبره بكل الأمور والمقادير وليس ما يتعقل بالبشر فقط.. ونلمس هذا المعنى العظيم في كلمات الزيارة حينما نقول (وبكم يمحو ما يشاء وبكم يثبت .. وبكم تنبت الأرض أشجارها وبكم تخرج الأشجار أثمارها وبكم تنزل السماءقطرها ورزقها..) فأهل البيت (ع) هم محل الإرادات والتقادير الإلهية..
ثالثاً.. الشهادة.. فالإمام (ع) يشهد على الخلق في يوم القيامة.. يقول عز وجل (وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا عَلَيْهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ) إذاً الإمام (ع) شاهداً على أعمالنا وأعمال هذه الأمة فهي تُعرض عليه لأنه (ع) أهل الشهادة يقول عز وجل (وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ) فأعمالنا محط مراقبة وشهادة الإمام (ع) وحتماً يسره خيرها ويحزنه شرها.. فلنحرص على جعل أعمالنا محط سرور الإمام (ع) لا سبباً لحزنه وانكسار قلبه..
الدور الرابع.. تسديد العمل الاجتهادي وتصويب حركة الشيعة.. كما حدث مع الشيخ المفيد في الفتوى.. وكذلك الشيخ الصدوق وتأليفه لكتاب الغيبة.. فالإمام (ع) كما نُقل يحول دون إجماعهم على باطل وبالتالي حفظ كيان الإسلام الصحيح القائم على مذهب ومدرسة أهل البيت (ع)
خامساً.. إدارة الحكومة الخفية الظلية الممتدة والمترامية الأطراف.. فالحكومة في القرآن الكريم ظهرت في صورتين إحداهما حكومة علنية كحومة ذي القرنين والأخرى حكومة خفية كحكومة الخضر (ع) و اليوم نستطيع القول أن الإمام يدير الحكومة الظلية ضمن منظومة بشرية كالأوتاد والأبدال ومعهم الخضر (ع) الذي هو أحد وزراء الإمام كما في بعض الأخبار.. وهذه الدولة هي التي تمهد لقيام دولة الإمام العلنية وهناك إشارات لهذه الحكومة.. كما في قول الرسول (ص): (لا يزال في أمتي ثلاثون بهم تقوم الأرض وبهم تمطرون وبهم تنظرون) وكذلك نقرأ في دعاء أم داوود (اللهم صلِّ على الأبدال والأوتاد والسياح والعباد والمخلصين والزهاد.. ) وفي دعاء رجب ( وصلِّ على عبادك المنتجبين وبشرك المحتجبين..) فالأبدال والأوتاد و العباد المحتجبين هم رجال الغيب وهم الموظفون في دولة الإمام العالمية والمكلفون من قبله بقضاء حوائج الناس والمنفذين لأوامره في العالم.. وفي الأخبار أن عدد الأوتاد لا يقل عن أربعة والأبدال أربعون والنجباء سبعون والصالحون ثلاث مائة وستون وكلهم يعملون مع الإمام في غيبته..
ولو وقفنا عند قول الرسول الكريم (ص) وتشبيه الانتفاع بالإمام في غيبته كالانتفاع بالشمس إذا جللها السحاب هذا التشبيه الذي تكرر في روايات أهل البيت (ع) أكثر من مره.. يحمل رؤية عميقة جداً نحاول أن نستشف جزء منها.. فالشمس في منظومتنا الشمسية تأخذ الدور والمركز القيادي وكذلك الإمام دوره قيادي في هذا العالم.. الشمس لا يمكن لأحد أن يجزم بمعرفته لكل منافعها فما بين حين وآخر تُنشر أبحاث لمنافع جديدة للشمس والإمام كذلك لا نحيط بمنافعه وإنما بجزء منها فقط وفق ما ندركه.. الشمس تدخل البيوت بقدر ما فيها من نوافذ ونور الإمام (ع) يدخل القلوب بقدر ما فيها من استعداد لهذا النور..
وختاماً فإن الإمام (ع) يرعى شيعته ويدعو لهم, يقضي حوائجهم, يشافي مرضاهم..فكم سمعنا عن أشخاصٍ تشرفوا بلطفه وعنايته.. فمما ورد من رسائله روحي فداه ( إنا نحيط علماً بأنبائكم ولا يعزب عنا شيء من أخباركم إنا غير مهملين لمراعاتكم ولا ناسين لذكركم..) كلمات تُدمع العيون.. الإمام لا ينسانا فمن أدعيته المأثورة.. (الهي بحقّ من ناجاك اِلـهي بِحَقِّ مَنْ ناجاكَ وَبِحَقِّ مَنْ دَعاكَ فِــي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ صَلِّ عَلى مُحَمَّد وَآلِهِ وتٌفَضَّلْ عَلى فُقَراءِ الْمُؤْمِنينَ وَالْمُؤْمِناتِ باِلْغَناءِ وَالثَّرْوَةِ، وَعَلى مَرْضَى الْمُؤْمِنينَ والْمُؤْمِناتِ بِالشِّفاءِ وَالصِّحَةِ، وَعَلى اَحْياءِ الْمُؤْمِنينَ وَالْمُؤْمِناتِ بِاللُّطْفِ وَالْكَرَمِ وَعَلى اَمْواتِ الْمُؤْمِنينَ وَالْمُؤْمِناتِ بِالْمَغْفِرَةِ وَالرَّحْمَةِ، وَعَلى غُرَباءِ الْمُؤْمِنينَ وَالْمُؤْمِناتِ بِالرَّدِّ اِلى اَوْطانِهِمْ سالِمينَ غانِمينَ بِمُحَمَّد وَآلِهِ اَجْمَعينَ).. ما أشد تقصيرنا تجاهك سيدي ومولاي.. أنت لم تنسى الفقراء ولا المرضى ولا الأحياء ولا الأموات ولا الغرباء..ونحن الغافلون عنك.. نظرة من لطفك أشملنا بها ياسيدي وحق جدك الإمام الحسين (ع)..
حسينية أبي الفضل العباس (ع) 1432هـ
التعليقات (0)