نحو معرفة أكثر بإمام زماننا..!
(2)
(وجود الإمام (ع) و امتداد عمره الشريف)
قال رسول الله (ص) (إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي لن يفترقا حتى يردا علي الحوض)
إن الهدف من هذه الموضوعات التي نطرحها هو تعميق معرفتنا بإمامنا وتعميق لصلتنا وارتباطنا به عجل الله فرجه الشريف وسهل مخرجه.. ويتمحور حديثنا هذه المرة حول وجود الإمام وطول عمره الشريف.. فنقول في البداية أن قضية المهدي كفكرة إنسانية موجودة لدى أغلب الشعوب على اختلاف إنتمائاتهم الفكرية والدينية والاجتماعية فالبعض يسميه المنقذ والبعض الآخر المخلص و الفادي.. وتتعد المسميات لكن مضمون الفكرة واحد وهو نصرة الحق والمظلومين وسقوط المستبدين والطواغيت.. وتحقق السلام والسعادة للشعوب وهذه الفكرة تنبثق من صميم فطرة الإنسان..وهي موجودة مثلاً لدى الهنود في الهندوسية والبوذيون والمغول والمجوس والكثير من الحكماء والفلاسفة أمثال أفلاطون والفارابي واينشتاين.. ولست هنا بصدد عرض أقوالهم ودراسة مضمونها ولكن نريد أن نقول بعمومية فكرة وجود منقذ ومصلح لهذا العالم ووجود يوم تتحقق فيه العدالة..! كذلك فإن هذه الفكرة ترتبط بالعقائد والديانات السماوية الثلاث (اليهودية والمسيحية والإسلامية) فالمسيحيون ينتظرون ظهور وعودة المسيح واليهود ينتظرون الإنسان المثالي من نسل داود (ع) الذي سيظهر نهاية التاريخ ويخلص الشعب من ويلاته.. والمسلمون ينتظرون المهدي من آل محمد (ص).. كما أن قضية المهدي الموعود المنتظر الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً في آخر الزمان والذي هو من ذرية رسول الله (ص).. هذه القضية من القضايا المجمع والمتفق عليها عند كل المسلمين بلا استثناء بل أن من ينكر المهدي الموعود فهو ينكر ضرورة من ضرورات الدين ليس عند الشيعة فقط وإنما حتى لدى بقية المذاهب الإسلامية..ووصل إنكاره عند البعض إلى حد الكفر..! ولكن الاختلاف بين المسلمين يكمن في شخص الإمام وولادته ووجوده..فهل الإمام المهدي (ع) موجود..؟! وكيف يعيش هذا العمر وهذه السنوات الطويلة..؟! وإذا كان موجود لماذا لا يظهر..؟! وغيرها من التساؤلات والإشكالات التي يثيرها البعض خلال الحديث عن الإمام المهدي (ع)..!
نبدأ بوجود الإمام عجل الله فرجه.. ففي مدرسة أهل البيت (ع) نؤمن جميعنا بوجود الإمام وأن الأرض لا تخلو من حجة وأن هذا الإمام المهدي المنتظر هو الإمام الثاني عشر من أئمة أهل البيت (ع) و قد ولد عام 255هـ في سامراء.. وفي مدرسة الصحابة أو خارج مدرسة أهل البيت (ع) يؤمنون بالمهدي وأنه من ذرية رسول الله (ص) وأسمه محمد وفي بعض الروايات اسم أبيه عبد الله وبعضهم يرى أنه من ذرية الحسين والبعض الآخر من ذرية الحسن (ع) فهو غير محدد تماماً عندهم كما أنهم لا يؤمنون بولادته ووجوده.. وإنما يرون أنه يولد في آخر الزمان..
وفي سبيل الوقوف على وجود الإمام وولادته نستدل أولاً من خلال بعض النصوص على أن الأرض لا تخلو من حجة وقد اخترنا لذلك ثلاثة نصوص يجمع كل المسلمون على صحتها..
يقول تعالى في سورة التوبة (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ ) فمن هم الصادقين الذين يأمرنا الله عز وجل بأن نكون معهم..؟! في مدرسة أهل البيت (ع) ورواياتهم.. الصادقين هم محمد وآل محمد.. وكذلك الرازي يقول في تفسير هذه الآية أنها تدل على أنه من كان جائز الخطأ وجب كونه مقتدياً بمن كان واجب العصمة وهم الذين حكم الله تعالى بكونهم صادقين.. وهذا الكلام يعني وجود إمام معصوم في كل زمان على الأمة أن تتبعه وتكون معه.. وإلا فكيف يأمرنا الله عز وجل أن نكون مع أشخاص غير موجودين..؟! فالآية الشريفة لم تقل كونوا من الصادقين وإنما أمرتنا أن نكون معهم..إذاً لابد من وجودهم ولا بد من عصمتهم أيضاً.. لأن الله عز وجل يأمرنا بإتباعهم..
الدليل الآخر قول النبي (ص) في حديث الثقلين (أني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وأهل بيتي و أنهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض) فهذا الحديث يقرن القرآن بالعترة بل ويقرن بقائهما وارتباطهما واجتماعهما معاً ومصداق كلام رسول لله (ص) أنه ما دام القرآن الكريم باق وموجود فإن الأئمة من أهل البيت (ع) موجودين كذلك ولو اعتبرنا أن لا إمام موجود في عصرنا هذا من أئمة أهل البيت (ع) أو أنه غير مولود فهذا يعني افتراق بين القرآن وأهل البيت (ع) وهذا يخالف صريح معنى حديث رسول الله (ص) بل وأكثر من ذلك هذا الحديث يحمل عصمة أئمة أهل البيت (ع) حيث أن القرآن معصوم ولا يأتيه الباطل وأن الله عز وجل قد تكفل بحفظه واقترانه بأهل البيت (ع) يعني كذلك عصمتهم..
كذلك في حديث رسول الله (ص) (من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية) وفي بعض الروايات (من مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية) وبعضها (من مات وليس عليه إمام مات ميتة جاهلية) وهنا تتعدد الصيغ ولكن المضمون يقودنا لنتيجة واحدة...وهي أنه لابد لكل زمان من وجود إمام مفترض الطاعة.. وحقيقة الأمر لا أدري خارج مدرسة أهل البيت لمن تكون هذه البيعة ومن يكون هذا الإمام..؟! هل هم الحكام أم رجال الدين..وهل هو شخص واحد محدد أم أشخاص متعددين.. وهل لكل دولة إمام أم هو إمام واحد لكل الأمة..؟! وفي القرآن الكريم يقول العلي الأعلى (يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ) إذاً لابد أن يكون هذا الإمام الذي أقتدي به معصوم يقودني إلى الجنة والطريق القويم لأن هناك أئمة ظلال يدعون إلى النار كما يصفهم القرآن الكريم (وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ )
من كل ذلك نخلص إلى أنه لكل زمان إمام موجود ومعصوم ولابد أن يكون في عنق كل شخص في كل زمان بيعة لإمام موجود.. ونحن نرى أن هذا الإمام هو الإمام الثاني عشر من أئمة أهل البيت (ع) محمد بن الحسن المهدي المنتظر عجل الله فرجه..
الآن يرد لدى البعض الإشكال التالي.. وهو بقاء الإمام طوال هذه المدة على قيد الحياة.. وكيف يعيش أكثر من ألف عام..؟! وهنا لن أتعرض لهذا الجانب من منظور علمي وإن كان البعض قد سلط الضوء عليه من ناحية علمية ودرس قدرة الخلايا التي هي أساس تركيب الجسم البشري وقابليتها للبقاء لآلاف السنين.. وغير ذلك..وإنما لن أتعرض له من هذا الجانب لأنه ببساطة هناك الكثير من القضايا التي أؤمن بها وقد عجز العلم الحديث عن تفسيرها تفسيراً كاملاً.. مثل انتقال عرش بلقيس في أقل من طرفة عين لمئات الكيلومترات...! ولكن لنأخذ هذا الجانب من منظور قرأني فالقرآن الكريم حينما يذكر لنا قصص الأنبياء السابقين يريد منا التمعن والتأمل فيها والوصل من خلالها للحقائق التي نبحث عنها فهذا نبي الله نوح (ع) يدعو قومه ألف سنة إلا خمسين عاماً وهذه فقط سنوات الدعوة إلى الله..وقد وردت صريحة في القرآن الكريم (فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا) وكذلك في قصة نبي الله يونس (ع) يقول العزيز الحكيم (فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنْ الْمُسَبِّحِينَ لَلَبِثَ فِي بَطْنه إِلَى يَوْم يُبْعَثُونَ) ما معنى للبث في بطنه إلى يوم يبعثون؟! يعني هناك قابلية لبقاء نبي الله يونس (ع) في بطن الحوت إلى أمد غير معلوم بالنسبة لنا .. ليس ألف ولا عشرة ألاف سنة وإنما أكثر من ذلك مما لا علم ولا إحاطة لنا به.. إذاً ما المشكلة في أن يبقى الإمام المهدي (ع) على قيد الحياة أكثر من ألف عام..؟! لذلك فكل من يؤمن بالقرآن الكريم وما جاء به لا يجد أي مشكلة في قبول فكرة بقاء الإمام المهدي (ع) ووجوده وامتداد عمره الشريف لأكثر من ألف عام.. نسأل الله بحق الإمام أن يعجل فرجه ويسهل مخرجه ويجعلنا مع أنصاره وشيعته..
حسينية أبي الفضل العباس (ع) - القطيف 2/1/1432هـ
التعليقات (0)