مسودة أولى : غيبوبة الصحوة
مساء منهك الخطى ، (مساؤك) مطرّز بالصدق .
عندما يعلنون غيبوبتك ، ويولولون على فقدانك الوعي بأسبابه المبهمة ، تكون بأشد حالات الحضور ثباتاً. الألوان مشبعة بزهوها ، الهواء مغسول بالنقاء ، الأصوات تصل كأوضح ما تتمنى ، فتعرف تأويلاً واحداً لكل ما تسمع ، ولا تلامسك سوى الحقائق من كل زواياها . تصلح نخور الشك الـ أرهقتك عمرك كاملاً ، لا تعود تحس الألم ، يتبدل كل ما احتوى قاموسك المعرفي ، فتنقطع عن الحديث - لا إنسان يفهمك الآن / لا قوة تقدر على جذبك إلى غير الاتجاه الذي تحذو ، تحمل يقيناً مطلقاً يجعل وزنك أخف من الهواء .
عندما تتعفّر بأسلاك بث الحياة ، وتغمرك كهرباء النور من حولك ، البياض يستحيل رمادياً يطوّق الطريق الممتد في نظرك . بصرك يعود أزرقَ يمامياً يرى على بعد حياة .
وأنت تستجيب بحذر لكيميائياتهم ، تعرف أن القلوب تتقلّب على مرقد الهواجس ، فتسقط على طرف فمك ابتسامة : وحدك يدري أنها احتفاء بأطواق الندي من زهورهم المترامية حولك ، وحدك يدري تفسيراتهم الشاطحة في التفاؤل لتجاوب عضلاتك – الـ ما باتت عضلاتك الآن .. !
مساؤك مغمس بالهدوء ، مساؤهم معجون بالأمل .
الطين يفلت الضوء ، وعطر يغمر أنوفهم ، وملائكة الرحمة تُفرّق انشراحها لنتائج فحص اجتاح كل شبر من تكتلك الذي تنظره مسجّىً على البياض.
تُبقي على تهدّج أنفاسك ، تهديهم تفتح عينيك انطلاقة لعودة يومياتهم (الاعتيادية) ، تدعو حبهم لأن يتفرق عن طوقك لتحظى بليلة السلام التي تنشد . تعطي المعاطف البيضاء وهم نجاح يدفعهم لتحرير قيود رئتيك وأوردتك ، ليتسع مجال المحيط / الجدران / السقف ... والخلوة ! تجود عليهم بشبه وعي يستقر به حثيث جهودهم .
تنعم بصحبتك ، تقف إلى جانبك بانتظار ضيوف الليل ، يصافحك نور ، يعانق تحلّقك ، ويمسح بقاياك مودعاً .
تغيب حاضراً ، تنام واعياً ، تستفيق آخراً .
في صباحك المختلف ، يشعل خبر وفاتك دموع الآخرين .
من المجموعة القصصية "ذات سكرة"
التعليقات (0)