البورصة كلمة كبيرة تتداخل في عالم المال والسياسة على حد سواء ، وفي إمبراطوريات الإقتصاد والإسهم على أساس العرض والطلب ، ويتم هذا التعامل معها على أساس أنها قائمة بين بين طرفين وهما البائع والمشتري، وهذان الطرفان لا يعرفان بعضهما البعض ، وأيضا لا يمكنهما التعرف على بعضهما، ولكن قد يكون أحدهما محترفا وقد يكون غير محترف في هذا المجال أو هذا الكار في سوق السلعة والتجارة والمال ، والمحترف هو الشخص الذي يستطيع بدرجة كبيرة التمكن في أغلب الأحيان من معرفة الوقت المناسب سواء للشراء أو للبيع أو للخروج من السوق، وذلك لما يتمتع به من خبرة ومعرفة بأسس ومبادئ المتاجرة في البورصة.
لكن البورصة هنا تختلف كليا عما سبق ذكره . فالبورصة هنا هي بورصة المصالحة الوطنية في الأراضي المحتلة أو في دولة فلسطين التي عمرها أيام قليلة ،وهي بورصة مختلفة كليا عن البورصة المالية . مع أنها في أفضل حالتها وفقا لرغبات الشعب ،وإقبالة عليها وإرتفاع أسهمها نظرا للمناج والجو السائد والملائم لها هنا في فلسطين ، وبعد إنتصارين ولا أجمل رصعا تاج القضية بالنبل والأصالة .
فالأول في خاصرة الوطن غزة هاشم حين تغلبت غزة الثائرة والغاضبة بما تملك من إيمان وعقيدة وتحدي على دولة كانت تشكل رامبو هذا العالم . والثاني هو حين دخل الفلسطينيون الأمم المتحدة رافعين لواء التحدي واضعين إصبعهم في عين العالم العمياء . الغاضة للبصر عن قضيتهم منذ عشرات السنين ، وهي لافظة لكل أنفاس مطالب هذا الشعب المظلوم . لكن العالم حين إنعمى بصره عن الحق والحقيقة دكت أصابعه ، واعترف وخرج عن شور أمريكا وكندا والدول التي تملك المال والقوة . لتتساوى الكفة بين إنتصارين أحدهما في غزة بقيادة المقاومة والتي كانت في ، واجهتها حركة حماس التي تدير أحوال وشؤون القطاع .
والثاني في الضفة الغربية بقيادة منظمة التحرير التي وصلت الى إعتراف منتزع من قبل تمساح الأحتلال الغادر ، وحوت العالم الذي يتربص بضعف الدول الصغيرة التي تسكن هذا العالم الذي بقي يعيش على قاعدة القوي يأكل الضعيف الى أن رأى مشهد غزة ،وهي تخرج من وحي الضعف ،والدمار لتظهر بمظهر القوي الذي لا يلين ولا ينكسر . حينها تشتت نظر العالم ،وإنبهر لما راى ، ومن ثم سلم بواقع القوة ، وخر ساجدا على ركبتية وإعترف للحقوق الفلسطينية على حدود السابع من حزيران عام 67 بدولة مستقلة كاملة السيادة ، والقدس عاصمتها الأبدية .
وهذا لا يغني إلا الجائع عن جوعة إن لم تكن حيفا الاصل ، ويافا وتل الربيع في المعادلة ومن قبلها زهرة المدائن التي هي مطلب شرعي شاء من شاء ، وأبى من أبى وإن لم يتغير الزمن فهي المطلب الحقيقي ،والأصل ومحور الصراع الدائم .والمصالحة الفلسطينية اليوم التي هي ما كانت دائما عبارة عن ابتسامة ، وضحكة ،وصورة ومشهدا طيب المنظر والمحظر . ودائما ما كانت تفشل قبل أن تختفي البسمة من علا وجوه موقعيها .
لكن الحال اليوم إختلف بعدما بدت مؤشرات المصالحة ،والوحدة الوطنية تظهر للعيان ليس كصورة بقدر ما هي وحدة حقيقية متأصلة ،ومتجذرة لدى الأنسان الفلسطيني بكل أطيافة وإنتمائته السياسية . حين وصل الفلسطيني ،وبعد حرب غزة الى قناعة تامة وحقيقية مفادها أن الفتحاوي اخا للحمساوي وأن الجهادي أخا للجبهاوي الذي ولدته أمه ،وان الأوان أن نقول أن الرايات والشعارات ، والأبجديات إذا ما إختلفت فهذا لا يعني أن القلوب تختلف ،وان يدا واحدة تصفق وأن المواجهة لا بد وأن تكون موحدة وأن الكل إذا ما عمل بجهد ،ومثابرة جماعية في الحرب ،والسلم قد يخرج بنتيجة رابحة .
وأن هناك مشاهد كثيرة هي التي تقول لنا كمتابعين للمشهد عن قرب أن الفتحاوي لا يمكن له في أي وقت وزمان أن ينفي الحمساوي ،وأن الحمساوي من المستحيلات العشر أن ينفي الفتحاوي وأن الجبهاوي هو عنصر مقاوم معطاء لهذا الوطن وهذا حال الجهاد والجميع مكمل للأخر في مسيرة طويلة من النضال والثورة والمقاومة التي سترجع لنا الغد الجميل ، والماضي العريق .
وبالعودة الى التيجان المرصع بنوعا من الانتصار النفسي والمعنوي الغير كامل لأن القدس لم تعد ولا حيفا ولا حتى شبرا من خاصرة تراب أرض بيارات جدي ... كان لنا من أن نعيش لحظة فرح وسعادة وإن كانت مسروقة ومخطوفة من بين عتمة التاريخ وليالي الزمان الحالكة ،وإن ما سرقنا في هذا الوطن اللحظات السعيدة فلن يحاسبنا الله على تلك السرقة لأنها حق لنا . كشعب يعيش في روح العاصفة ،وفي تاريخ زيفة القوي العايب على الحقوق المشروعة للشعوب .
وهنا اليوم ،وهو يعود السيد خالد مشعل مع لفيف من قيادات حماس الى مهد الأنتصار غزة ،وقبلة بأيام قليلة تعود خاطفة الطائرات وأخت الماجدات المناضلة الرفيقة ليلى خالد والحديث الذي يدور عن عودة السيد فارق القدومي أبو اللطف الزعيم التاريخي في حركة فتح . يكون نصاب المحبة ،والألفة والمصالحة قد إكتمل تحت خيمة الوحدة ، والتعاضض وبعد زيارة الملك عبد الله الثاني لرام الله في زيارة ترفع من أسهم وعملاء المصالحة وما قابلة من تبادل التهاني بين حركتي فتح وحماس وما فعلته القوى والفصائل من تقريب لوجهات النظر ،وإستغلال حالة التعاطف والتاخي الجماهيري لإكتساب تلك اللحظة لصالح البورصة المرتفعة لأسهم المصالحة التي ستقهر المفاوضات وستصيب المحتل في مقتل بعدما وضع في زاوية لا يرغب أحد في أن يوضع فيها .
واليوم وحين يتناول الأعلام الأسرائيلي بين خبايا أخبارة أن دخول زعيم حركة حماس خالد مشعل الى قطاع غزة لهو عبارة عن صدمة ،وتحدي للأحتلال العاجز أمام قدرات المقاومة ،وحجارة السجيل التي ألقتها على رأسه بات يجعل الحديث عن إتفاق المصالحة ليس من قبيل الأوهام كما كان في السابق . بل هو حقيقة راسخة ،ونوايا صادقة لدى الطرفان وكل الفصائل الفلسطينية .وحين تحدث الأعلام ايضا على أن المنتصر الحقيقي هو خالد مشعل في المواجهة الاخيرة لما أبداه من حنكة سياسية في موضوع التهدئة ،ووقف إطلاق النار ،وتنوية الإعلام الإسرائيلي إلى أن إنتصار غزة هو بزيارة مشعل لأنها ،وبكل صراحة جاءت على عين الأحتلال وحياته الذي لم يحرك أي ساكن سوى تهديد قيادة الجهاد الأسلامي بالأغتيال حال دخولها غزة ، وهنا تبدو الفرصة لكي تكون المصالحة قاب قوسين أو أدنى حتى أنها باتت موجوده ،وبكل تاكيد على الأرض ،وبين الناس ،وهي متبلورة في دعوات الكثير للعودة الى البيت الفلسطيني، وأخرها دعوة حركة حماس لحركة فتح للمشاركة الرسمية في إحياء انطلاقتها .
ومن هنا لا بد أيضا أن نذكر أن إنطلاقة الفصائل الفلسطينية هي تصادف أغلبها في الشهر الأخير من العام لذلك كان لا بد من عمل إنطلاقة موحدة للمصالحة الفلسطينية في عرس فلسطيني يليق بمكانة هذا الوطن يجمل الداخل ،والخارج وغزة في إبتاسمة ،واحدة عرضها الوطن ،وأصلها المصالحة وفصلها الأخوة ،وبمثابة عيد ميلاد وطني للفصائل التي التي لا زالت تحرق في شموع سنين عمرها من أجل عدالة ،ورفعة قضيتنا العادلة ..
فلذلك لو أجمعت الفصائل اليسارية والأسلامية على عمل عرس الأنطلاقة للمصالحة الوطنية ،وللفصائل في يوم واحد تفرح فيه السماء وتسعد فيه أرواح الشهداء يوم تحتضن غزة رام الله وتعانق يافا الخليل وديرالبلح بيت لحم والناصرة بنابلس . نكون قد قمنا بدق مسمار أخر في نعش تلك الدولة المسخ ،ويقصر من عمرها ونبني دولتنا على عرش الأخوة والمصالحة ،والوحدة الوطنية في حضرة صاحبة الفضل الأول وهي المقاومة .
فعلينا أن نضع اليد باليد ،ونستغل الأسهم المرتفعة للمصالحة حتى نبني بورصة الدولة، والكيان والمقاومة والثورة حين يجتمع الأخوة تحت عرش واحد ومظلة واحدة كيف لا وهم الثوار والابطال الذين لا يبخلون على القضية بالنفس والعمر والمال حتى يعيدوا لها صحتها ،وعافيتها لتكون حاضرة بين الأمم .
وعلى الاخوة ككل ومن كافة الاطياف ان يدقوا ناقوس التفائل وأن يستغلوا تلك الأجواء الإيجابية ،والمناسبة ليشتروا السماحة والمصالحة وتيبعوا الحقد والأنقسام ،ويكونوا قد انتصروا على المحتل في غزة ،وعلى امريكا في بيتها " الامم المتحدة" ،وعلى الأنقسام في فلسطين وفي القدس والضفة والقطاع ،وهذه الفرصة وتلك النية الصادقة ترجموها على أرض الواقع لتصبح حقيقة مؤكدة بنظر الشعب ،والأعداء ولا تتخلفوا على إثنتين حب الوطن والقضية وعليكم ان تقاسموا حب الوطن فيما بينكم .
وأخر دعوانا أن الحمد لله وعاشت فلسطين حرة عربية
التعليقات (0)