بلادي اليوم / زهراء البغدادي
تكمل الثورة الليبية غداً عامها الأول، ثورة السابع من فبراير إحدى الثورات العربية الدموية، استخدم فيها النظام كل الوسائل الممكنة والمتاحة له لقمع شعبه، وجر البلاد لحرب خاضها الناتو لاسقاط نظامه المتغطرس وظل يرفض كل الوساطات التي تقدمت بها البلدان، ظلت مخيلته المريضة توحي له بأنه الزعيم الأوحد الذي سينتصر في نهاية المطاف على "الجرذان والمهلوسين" فكانت تلك النهاية التي قضّت مضاجع الطغاة وحوّلت لياليهم الى كوابيس مفزعة ودقت ناقوس الخطر بزوال عروشهم عاجلا أم آجلا .. بلادي اليوم ارتأت بهذه المناسبة تسليط الضوء على بعض الجوانب والمحطات التي مرّت بها ثورة السابع عشر من فبراير حتى ساعات القبض على العقيد ومن ثم إطلاق رصاصة الرحمة عليه، لتنتهي حياة المفكر والزعيم والمنظّر والطاغية والدكتاتور.
تاريخ الحراك الشعبي في ليبيا
أبرز ثلاثة احتقانات وأحداث شعبية شهيرة شهدتها ليبيا في جماهيرية القذافي الزائلة هيَ مجزرة سجن أبو سليم عام 1996 ومجزرة مشجعي كرة القدم في العام نفسه وتظاهرات بنغازي عام 2006.
ففي عام 1996 قامت أجهزة الأمن الليبية بارتكاب إحدى أكبر المجازر في عهد القذافي بسجن أبو سليم، وهو سجن يُؤوي المُعتقلين السياسيين في المقام الأوَّل، ويُعد أكثر سجون ليبيا إحكاماً وتحصيناً، كما انه لا يَخضع لإدارة وزارة العدل الليبية كباقي سجون البلاد بل يُدار مُباشرة من طرف الأمن الداخلي. لكن في شهر حزيران عام 1996 تمرَّد عدد كبير من السجناء مُطالبين بأن يُحاكموا بشفافية بدلاً من اعتقالهم قسرياً وبأن يَحصلوا على ظروف معتقل أقل سوءاً، وتمكن المُتمردون من السَّيطرة على جزء من السجن وطرد الحرس منه، ونتيجة لهذا فقد أطلقت أجهزة الأمن الليبية حملة يوم 28 حزيران من ذلك العام لقمع التمرُّد، واقتحمته في ذلك اليوم ميليشيات القذافي معَ العديد من القادة الأمنيين البارزين مثل عبد الله السنوسي وموسى كوسا. وبعدَ بعض المُفاوضات بينهم وبين المُتمردين، بدأت عملية اقتحام المناطق التي يُسيطر عليها السجناء باستخدام الرشاشات والقنابل اليدوية، وبذلك بدأت المَجزرة، التي خلالها ألقي القبض على مئات المُتمردين وقاموا بتصفيتهم جماعياً، ويُقدر عدد ضحاياها بنحو 1170 قتيلاً.
وفي عام 1996 نفسه حدثت مجزرة أخرى أصغرَ حجماً في العاصمة طربلس أيضاً، إذ انتصرَ نادي الأهلي الطرابلسي على النادي الاتحادي في إحدى مباريات كرة القدم، فتحمَّسَ مشجعو الأهلي وأخذوا بالهتاف ضد النادي الاتحادي وتأييداً للأهلي، وقد كان وقتها الساعدي القذافي - ابن معمر القذافي - حاضراً في المباراة على المنصة الشرفية، فلم تَرق له هتافات الجمهور لأنه كان عضواً في النادي الاتحادي آنذاك، ولذلك أمرَ قوَّات الأمن بإطلاق النار على المُشجعين فوقعت المجزرة التي راحَ ضحيتها 20 مدنياً ممن كانوا يَهتفون للنادي الأهلي. وقد تسبَّبت هذه المجزرة بإغلاق نادي الأهلي وتجميد نشاط كرة القدم في جميع أنحاء ليبيا لمُدة ثلاث سنوات كاملة.
وفي بنغازي اندلعت أحداث عام 2006 بسبب أزمة الرسوم المسيئة للنبي محمد، التي خرج رداً عليها المئات في المدينة في يوم الجمعة 17 فبراير واتجهوا نحوَ القنصلية الإيطالية وحاولَ المُتظاهرون اقتحام القنصلية فاعترضتهم قوَّات الشرطة، ثمَّ صعدَ فتى إلى مبناها وانتزعَ العلم فأطلقت الشرطة عليه النار وبذلك بدأ الاشتباك بين المُتظاهرين الغاضبين ورجال الشرطة الذي تطوَّر إلى استخدام الرَّصاص الحي وانتهى بمقتل 11 متظاهراً وسُقوط ما لا يَقل عن 35 جريحاً. وبعدَ هذه المجزرة تطوَّرت الأحداث، فاندلعت الاحتجاجات مُجدداً يوم السبت وأحرق المُتظاهرون الغاضبون القنصلية الإيطالية بعدَ أن اتجهوا إليها مُجدداً، وخلال مدة 18 - 20 يوما توسعت دائرة مطالب المُحتجين، فأخذوا بالتوجه نحوَ رموز السلطة بليبيا نفسها، وأحرقوا أربعة مقارٍ للشرطة ومبنيي الضرائب والمباحث الجنائية فضلاً عن اقتحامهم لمديرية الأمن في بنغازي، وكانت حصيلة المباني الحُكومية التي أحرقوها في آخر الأمر نحو 30 مبنى. وفي سبيل احتواء هذه الاحتجاجات أعلنت السلطات الليبية الحداد على "شهداء" مجزرة 17 فبراير وأقالت وزير الأمن العام بالبلاد، كما اهتمَّت بنقل عددٍ من جرحى التُظاهرات للعلاج في الخارج. وبعدَ وُصول الاحتقان إلى هذا المستوى على مدى أربعة أيام من التوترات في مدينة بنغازي، انتهت الأحداث بفرض السلطات الليبية لحالة الطوارئ وإعلانها حظر التجوال في المدينة، معَ إرسال تعزيزات أمنية إليها من المناطق المُجاورة للحرص على عدم تكرار التظاهرات.
انطلاق ثورة 17 فبراير
إندلعت الثورة قبل اليوم المحدد 17 فبراير، إذ خرجت تظاهرة في مدينة بنغازي يوم 15 فبراير وأغلبية المتظاهرين كانوا من أهالي شهداء بو سليم الذين كانوا على موعد كل يوم سبت لوقفة إحتجاجية والمطالبة بمكان الجثث ومحاكمة المسؤول عن القضية. وبعدَ اعتقال الناشطين فتحي تربل وفرج الشراني، خرجَ الآلاف للتظاهر في مساء يوم الثلاثاء 15 فبراير أمام مديرية الأمن بمدينة بنغازي وسُرعان ما جاءَت مجموعة من البلطجية الذين كانوا يَهتفون تأييداً للعقيد معمر القذافي وهاجمت المُحتجين، فتطوَّرت التُظاهرة إلى اشتباك عنيف استَخدم المُتظاهرون خلاله الحجارة والزجاجات الحارقة لإبعاد المُهاجمين. وقد انتهت الوقفة الاحتجاجية عندما وصلت مجموعات من الشرطة النظامية واستخدمت الهراوات وخراطيم المياه لتفريق المُتظاهرين وكانت حصيلة الاشتباكات في آخر الأمر سقوط 38 جريحاً وبالتزامن معَ هذه التُظاهرة، خرجت في المقابل مسيرات مؤيدة للقذافي في مدن أخرى بأنحاء ليبيا منها بنغازي نفسها وسرت وسبها والعاصمة طرابلس وبعدَ انطلاق هذا الحراك الشعبي المفاجئ لم يَمض وقت طويل حتى أُعلنَ الإفراج عن فتحي تربل في وقت متأخر من مساء الثلاثاء، كما وعدت السلطات الليبية بالإفراج يومَ الأربعاء عن 110 سجناء آخرين من معتقلي سجن أبو سليم، كما انطلقت تظاهرات تطالب بإسقاط النظام في مدينة البيضاء يوم 16 فبراير وهي الأولى من نوعها في ليبيا وسقط بالمدينة نحو 3 قتلى وتعد من احدى شرارات ثورة 17 فبراير وأخيراً انطلقت الاحتجاجات في أنحاء ليبيا يومَ الخميس 17 فبراير تحتَ شعار "يوم الغضب الليبي"، و وصلت إلى ست مدن هيَ بنغازي والبيضاء وطبرق ودرنة وأجدابيا والكفرة والزنتان ومناطق مجاورة كيفرن وخلال برهة وصلَ الأمن لفض التُظاهرات، فتطوَّرت بسرعة إلى مواجهات عَنيفة بين الطرفين، وقامَ المُتظاهرون بإحراق العديد من المباني الحكومية في مدن مختلفة وفي النهاية تعرَّضت العديد من التُظاهرات لإطلاق النار والفض بالرَّصاص الحي، وتراوحت إحصاءات أعداد القتلى من 11 إلى 49 قتيلاً موزعين بين مدن بنغازي والبيضاء وأجدابيا ودرنة وذلك على الرغم من أن بعض رجاء الأمن قد انضموا إلى المُحتجين وامتنعوا عن إطلاق النار عليهم فيما كان ردُّ الفعل الحكومي الأول هوَ إقالة مسؤول أمنيٍّ في مدينة البيضاء, لكن من جهة أخرى فإن السلطات بدأت حملة اعتقالات في طرابلس ألقي القبض خلالها على 14 ناشطاً على الأقل، وربَّما كان ذلك تحسباً لاحتجاجات مُشابهة مثل ما حدث في مدن أخرى ارتفعَ عدد المدن المحتجة إلى 16 معَ قدوم يوم الجمعة 18 فبراير، إذ بلغت التُظاهرات مدن بنغازي والبيضاء وطبرق ودرنة وأجدابيا والمرج وطبرق والقبة وشحات وسبها والزنتان والزاوية ونالوت وجادو والرجبان ويفرن وطرابلس (في تاجوراء وسوق الجمعة وفشلوم) وقد كرَّرَ المُتظاهرون - خصوصاً في بنغازي - أعمال حرق المباني الحكومية كما في اليوم السابق، فيما وصلَ الأمر إلى حد شنق شرطيَّين في البيضاء وكما في اليوم السابق أيضاً استخدمَ الرَّصاص الحي ضد المحتجين، فسقطَ 24 قتيلاً موزعين على مدن بنغازي والبيضاء ودرنة. وبنهاية اليوم كانت التُظاهرات قد عمَّت مدينتي البيضاء والزنتان تماماً، وتمكن المُحتجون - بعدَ انضمام الأمن والشرطة إليهم - من طرد أنصار القذافي بالكامل تقريباً من كلتا المدينتين، وأصبحتا تحتَ سيطرة المُتظاهرين .
ولقراءة الموضوع كاملاً انقر على الرابط التالي :
http://www.beladitoday.com/index.php?aa=news&id22=2823
التعليقات (0)