بسبب ارتباط ألإنسان الريفي في ألأرض والعمل على خدمتها من أجل ألاستفادة من خيراتها ، وحيث أن الزراعة في ريفنا الفلسطيني تعتمد أساسا على ماء المطر فهي في معظمها زراعة بعلية لذلك راح ألإنسان يراقب التقلبات الجوية والمناخية ويستفيد من هذه الظواهر في زراعة وجني المحصول المناسب في الوقت المناسب فالسنة الميلادية حسب التقويم الغربي والسنة الميلادية حسب النظام الشرقي والتي تبدأ عادة بعد أربعة عشر يوما من بداية السنة حسب النظام الغربي . ثم السنة حسب التاريخ الهجري ( السنة الهجرية ) وحيث أن التقويم الهجري مرتبط بالقمر ودورته فبدايتها غير ثابتة على يوم معين وتنقص بدايتها وتتغير مدة أحد عشر يوما عن بداية السنة القمرية التي قبلها لذلك تم ألاعتماد على التقويم الهجري في معرفة ألأعياد الدينية والأيام المرتبطة بمناسبات دينية مقدسة مثل يوم المولد النبوي والإسراء والمعراج وشهر الصوم ( رمضان ) وشهور وأيام الحج وغيرها .
والسنة الميلادية الغربية تبدأ في أول يوم من شهر كانون الثاني فيكون البرد القارص قد عم وينتظر أن ينزل الثلج في هذه الليلة ويستبشر المسيحيون إذا نزل الثلج في ليلة رأس السنة وفي هذا الشهر يندر أن تمارس أعمال الفلاحة بسبب برودة الجو ورطوبة ألأرض ولأن السنة الغربية تعتمد على دورة الشمس ففي هذا الشهر تكون الشمس قد ابتعدت جنوبا وقل وصول أشعتها إلى القسم الشمالي من الكرة ألأرضية فيشتد البرد ويبقى الناس داخل البيوت حول كوانين النار والتي تشعل النار فيها في الصباح الباكر في كانون كبير معمول من التراب او الحديد ويفضل التراب لأن جسم الكانون الخارجي لا يكون حارا جدا ولا يكوي ألأطفال إذا صدف ولامست أياديهم الكانون عن غير قصد ، ويمكن أن تأخذ الجمرات من الحطب الذي تم وضعة في أساس الطابون وحوله في المساء واحترقت في الليل وتحولت إلى جمر في الصباح ، وحتى أن السفر غير مستحب في هذا الشهر حيث يقول المثل ( بين كانونين لا اتسافر يا شقي ) ووصف المسافر بالشقي لأنه لا بد أن يشقى ويتعب خلال سفره بسبب البرد والمطر ووحل الطريق وربما الثلج . وتكون في هذا الشهر غرة أيام (المربعانية ) أو مربعانية الشتاء وهي أربعون يوما وتبدأ من دخول فصل الشتاء في الثالث والعشرين من شهر كانون ألأول وتستمر حتى بداية شهر شباط وهي أبرد أيام السنة وتهب على المنطقة رياح شديدة وباردة وكذلك ينزل المطر والثلج ويلزم الناس البيوت ويفضل في هذه المدة أكل ألأطعمة التي تحتوي على الشوربات وشرب الشاي واليانسون والقرفة وذلك لإتقاء نزلات البرد وتدفئة الجسم وزيادة النشاط وبعد انتهاء المربعانية يدخل شهر شباط حيث تبد ( الخمسينية ) فتزداد حرارة الجو وتمارس بعض أعمال الفلاحة كحراثة ألأراضي مثلا . وشهر شباط معروف عنه شدة ألأمطار فهو يشبط ويخبط فيقال شباط الخباط ، أي انه من شدة المطر تسمع صوت الرعد وترى البرق وكذلك صوت رياح الشتاء ولكن ينظر إلى ذلك من قبل الريفي بلا مبالاة فيقال ( شباط إن شَبّط وإن خَبّط ريحة الصيف فيه ) لأنه يكون قد بدأت خمسينية الشتاء وهي خمسون يوما تشمل شهر شباط جميعه وواحد وعشرون يوما من شهر آذار حيث يبدأ فصل الربيع وتقسم الخمسينية إلى أربعة أقسام وتسمى ( السعود ) أولها سعد الذابح والثاني سعد السعود ويليه سعد بلع ثم سعد الخبايا وكل سعد مدته اثنا عشر ونصف يوم ففي سعد الذابح يكون البرد شديدا ويصاب الناس بنزلات البرد والكحة والسعال حتى أنه يقال ( سعد الذابح ما خلّى كلب نابح ) أي أن الكلاب تحتمي ببيوت أصحابها ولا يسمع لها نباح ويقال أن سبب تسميته بهذا ألإسم أن احدهم سافر في مثل هذا الوقت على ناقته واشتد البرد فقيل اذا ذبح ناقته واحتمى بجوفها من البرد سينجو وبالفعل كان قد فعل ذلك فنجا . اما سعد السعود فيكون البرد قد خف كثيرا ودفئت الأرض والشجر ، فتتحرك العصارة في ألأشجار بعد برد الشتاء وتبدأ بعض ألأشجار بالتبرعم من اجل عمل ألوراق وألإزهار فيقال ( في سعد السعود بتدور الميِّ بالعود ) وحيث أن شهر شباط ثمانية وعشرون يوما تبدأ في نهايته وبداية سعد بلع ايام العجوز ( المستقرضات ) وهي اسبوع كامل اربعة أيام من شهر شباط وثلاثة أيام من شهر آذار ينزل فيها عادة المطر غزيرا فتتفجر الينابيع وتجري الوديان وتمتلئ أبار الجمع وتزيد كمية مخزون المياه في ألأرض ويستبشر المزارعون بمحصول وافر وجيد من كل أنواع المحاصيل الشتوية والزراعات الصيفية وفي هذا الوقت تبدأ الأغنام بالولادة وإدرار الحليب وتنزل الخضروات الشتوية مثل القرنبيط البلدي والذي يتميز بجودته وحلاوة طعمه وعادة يبقى أشتال القرنبيط البلدي في ألأرض عام كامل وكذلك السبانخ والفجل وتزداد حلاوة الحمضيات وتصبح ناضجة ولذيذة وتكون مرغوبة جدا في مثل هذا الوقت من السنة لأحتوائها على فيتامين ( C ) الذي يعطي الجسم مناعة لنزلات البرد . وأنما سميت هذه ألأيام السبعة ( بأيام العجوز ) لأنه يقال أن عجوزا في مجرى واد في مثل هذه ألأيام من السنة وصارت تسرح بغنمها ثم تعود إلى الخيمة وتبيت بغنمها فقيل لها أنه لا يجوز أن تبيت بغنمها في مجرى واد حيث لا يؤمن من السيل فقالت مستهزئة ( راح شباط وضربناه بالمخباط ، وأجا آذار وحضرنا له المقحار ) أي ان موسم السيول والمطر قد ذهب ولا يمكن أن ينزل مطر وتحدث سيول في شهر آذار ، فقال شهر شباط لشهر آذار ( آذار يا إبن عمي ، ثلاثةٍ مِنّك ، وأربعةٍ مني حتى نجرف العجوز وخيمتها ) ففي كل سنة ينزل المطر غزيرا في هذه ألأيام السبعة ، وبعدها تدفأ ألأرض والجو وتخضر ألأرض ويكون قد بدأ سعد ( بلع ) وهذا يعني أن جميع المطر الذي ينزل من السماء لا يترك أثرا على ألأرض لمدة طويلة وإنما معظمه يتبخر بفعل حرارة الجو مع العلم أنه من المعروف أن شهر آذار كثير المطر . ثم يليه سعد ( الخبايا ) فتخرج الحيوانات والطيور وتتزاوج وتبني الطيور ألأعشاش وتضع البيض لأن البرد يكون قد خف كثيرا والخبايا هي الزواحف بشكل عام والتي تبيت البيات الشتوي وفي نهاية سعد الخبايا وفي الواحد والعشرين من شهر آذار تنتهي خمسينية الشتاء وتبدأ ( خمسينية الصيف ) وسقوط الجمرات وهو فصل الربيع ويبدأ في الواحد والعشرين من آذار وينتهي في الثالث والعشرين من شهر حزيران وشهر آذار كانت تضرب بأمطاره ألأمثال لشدتها وتتابعها فيقال ( آذار أبو الزلازل وألأمطار ، فيه سبع ثلجات كبار ، فيه بنشف الراعي بلا نار ، فيهإبتسمع إمقاقاة الشنار ، اوبتبيض العنقه والمنقة واللي عيونها صغار ) وهي الحيات والزواحف والطيور ، ثم يبدأ شهر نيسان وفي هذا الشهر تقل ألأمطار ويكون المزارع قد حرث أرضه للمرة الثانية وينتظر المطر فتمطر مع إنتصاف الشهر مطرة قوية ويبرد الجو ويكون كأنه أيام الشتاء فيستبشر المزارع خيرا ويقال ( شتوة نيسان تسوى العدة والفدان ) ويقال أيضا ( شتوة نيسان إبتحيي ألإنسان ) وذلك لأن ألأرض تكون بحاجة إلى سقاية وفي هذا الشهر يكثر الندى في الليل وتكون رطوبة الجو مرتفعة ، وشهر نيسان شهر المواسم مثل ( خميس سلق البيض ) وهو خميس ( ألأموات ) ثم خميس ( الحلاوات ) ثم خميس ( البلاوات )حيث بيدأ المزارع العمل في حصاد المحاصيل ويطلق على شهر نيسان أيضا ( شهر الخميس ) . وفي نهايات آذار وأوائل نيسان يزهر الزيتون ويسمى زهر الزيتون ( البرز ) فيقال أبرز الزيتون ويتحول لون الشجرة إلى ألأصفر الفاتح وحسب كمية ألأزهار التي على ألأغصان ، وعادة ما يستحب أن يزهر الزيتون في نهايات شهر آذار وبداية نيسان وذلك بسبب برودة الطقس وظهور الندى في الليل وارتفاع الحرارة في النهار لأن هذا الطقس هو ألأنسب لعقد أزهار الزيتون ويقال ( يا ربي ندى وسموم ، يوم عقدك يا زيتون ) أي أن تكون ندى في الليل وحر شديد في النهار ، ويقال ( إذا أبرز الزيتون في آذار ، حضروا له الجرار ) لأن كمية الثمر على الشجر تكون أكثر تكون أكثر فهو يحتاج لأوعية كبيرة لحفظ زيته الكثير ، اما إذا أبرز الزيتون في شهر الخميس كناية عن نيسان فحضروا له المغاطيس إشارة إلى قلة عقد الثمر مما ينتج عنه موسما سيئا وكذلك فترة بقاء الثمر على الشجر لها تأثير في نسبة كمية الزيت في الثمر .
وفي شهر نيسان تعود الطيور المهاجرة من المناطق الدافئة في الجنوب وإفريقيا ، إلى أماكن تفقيسها في أوروبا وجنوب روسيا، حيث تشاهد أسراب مرتبة من طيور اللقلق تعد بألألاف وكذلك طيور ألإوز البري والبط البري والعقبان والطيور الكاسرة وجميعها لها قائد يطير في المقدمة وهي تتبعه وإذا تأخر جزء من السرب فإنها تأخذ بالطيران بشكل دائري ( تحوم ) في نفس مكانها حتى يلحق بها القسم المتأخر ومن ثم تنتظم على شكل قوس واسع أوخط مستقيم وتلحق قائدها باتجاه الشمال وعندما يرى ألأولاد الطيور وهي تحوم في حلقات مجتمعة وكأنها طبق ملون يقولون بصوت مرتفع ( يا طير اعمل لي طبق طبق ) وعندما تلحق بعضها وتطير بخط مستقيم يصيحون ( يا طير اعمل لي حبل حبل ) اما الطيور الكاسرة فتطير في مجموعات غير منتظمة يتبع كل طائر منها ألأخر وقريبا منه وهذه الهجرات تتكرر كل عام وفي نفس الوقت فتهاجر الطيور من الشمال في نهاية الشهر التاسع ثم تعود في شهر نيسان إلى الشمال وقلما أن تنزل الطيور المهاجرة في بلادنا إلا طيور اللقلق فإذا أمسى عليها الليل فإنها تنزل في منطقة جبلية وتنام ثم يتابع السرب طيرانه مع انتشار ضوء الصباح .
أما شهر أيار وهو الشهر الخامس من السنة الميلادية فالمطر غير مرغوب فيه لأن المزارع يكون قد قلع القطاني كالعدس والكرسنة وتكون غمورا إما في الحقل او على البيدر فتبتل وتتعفن مما يوجب تقليبها لتجف . وربما ينزل حب بَرَدٍ كبير مما يتسبب في إسقاط ثمار الدراق والمشمش والتفاح وفتقها فتتعفن وتسقط وكذلك يمكن أن يفتق قرون الفول مما يتسبب بعفنها وخراب المحصول حيث يكون الفول قد قارب الحصاد والمثل يقول ( في آذار تكون قرون الفول مثل مخالب الفار ) فكيف والوقت أواخر نيسان وبداية أيار .
التعليقات (0)