ماهر حسين .
في صحيح البخاري وبحديث عن عائشة بنت أبي بكر أم المؤمنين ، زوج الرسول صلى الله عليه وسلم يقول ( أن مجموعه من اليهود أتوا النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا (الســـام عليك) فرد النبي صلى الله عليه وسلم (وعليكم ) فقالت عائشة عندما سمعتهم (السام عليكم ولعنكم الله وغضب عليكم ) فرد عليها الرسول صلى الله عليه وسلم قائلا" (مهلا" يا عائشة عليك بالرفق وإياك والعنف والفحش )فقالت (أو لم تسمع ما قالوا ؟) فقال صلى الله عليه وسلم (أو لم تسمعي ما قلت رددت عليهم فيستجاب لي فيهم ولا يستجاب لهم فيً) .
والفحش هنـــا هو العدوان بالجواب .
مهلا" يا عائشة ...كلمات قالها سيد الخلق صلى الله عليه وسلم محاولا" بها ضبط ردة الفعل ... رد فعل عائشة ...ومن هي عائشة ...أنها أحب زوجاته إليه وابنة أحب أصحابه إليه وهي من اختار سيد الخلق لان يتوفاه الله عز وجل وهو على حجرها ...أما بالطرف الأخر للقصة والرواية والحديث فهم اليهود ..هنا مجموعة من اليهود اعتدوا بالسلام وهم من بادروا بالخطأ ...
إن هذا الحديث الشريف وجملة (مهلا" يا عائشة) هي كلمات تستحق منا أن ننظر إليها وان نتًطلع إلى المعنى الحقيقي للحديث وباعتبار أنني لست أمتلك المقدرة الفقهية والعلمية الدينية وبالتالي لا املك حق التفسير فأنني اعبر عن قراءه وفهم يخصني و أرجو أن يكون هذا الحديث الشريف مثال لنا حول التعامل مع الأمور التي نواجهها ... وهنا دعوتي ورسالتي لنا بأن نحاول أن نتعامل بمنطق (مهلا" يا عائشة ) فلماذا نتسرع بردود الأفعال؟ ولماذا نتسرع بالحكم على الأمور ؟ولماذا لا تكون ردة فعلنا مناسبة للفعل ؟ولماذا لا ندرس مواقفنا ونتخلى عن منطق التعميم ؟ علينا أن نحاول أن نتعامل مع المواقف بتمهل ورفق بعيدا" عن ردود الفعل المبالغ بها ...إننا الآن أحوج ما نكون للتمهل والرفق ...لنتمهل بحكمنا وبتعاملنا مع الأمور ولنتمهل بموقفنا ولندرسه ولنحاول أن نفهم أبعاده ولنرًفق بأنفسنا وبمن معنا وبمخالفينا وبغض النظر عن خلفية المعارضة والخلاف والموقف .
(مهلا" يا عائشة ) (عليك بالرفق ) (إياك العنف والفحش ) والفحش هنا هو فحش الكلام ...كلمات خالدة وموقف يجب أن نتعلم منه الصياغة الحقيقية لأصول رد الفعل والتعامل مع الآخرين ...حتى لو كانوا مخالفين لنا أو معارضين لنـــا وهنا بالحديث اليهود معتدين ولكن مع ذلك (مهلا" يا عائشة ) و(ألم تسمعي ما قلت ) .
كم نحتاج بأيامنا هذه إلى استلهام الماضي والتعلم من التاريخ وكم نحتاج لنتعلم من سيد الخلق محمد صلى الله عليه وسلم ... الآن كل منا يتحدث عن الديمقراطية والثورة والمعارضة وبالمقابل يتحدث البعض عن المؤامرة والعصابات والسلفيين بمحاولات لتفسير تحركات الشعب المطالب بالحرية إلا أن الملاحظ بأننا نقسو على نفسنا ونقسو على معارضينا وإلا ما هو تفسير العنف الطائفي الديني الذي حصل بمصر الثورة !!!! بمصر الثورة يحتاج الشعب كله إلى (مهلا" يا عائشة ) وهنا لست أفترض بالمقارنة بأن هناك عدوان من الإخوة الأقباط فانا مؤمن بأن الدولة المدنية لا تفرق بين أي مواطن بناء" على دينه وبل تمنح الجميع الحقوق والواجبات بناء" على المواطنة وليس بعيدا" جدا" عن مصر...في الشام ... لماذا هذه القسوة بسوريا وما هذا العنف وما هذا الأسلوب الغير مسبوق بالتعامل مع الإنسان وهل يرضى أي إنسان بما نشاهده على شاشات التلفزيون ...ما شاهدته من قمع واعتداء على المعتقلين وسحق بالدبابة وتعامل غير مسبوق مع أطفال بحاجه منا إلى أن نتوقف أمام هذا الإنسان العربي من المحيط إلى الخليج ...إننا نمتلك مخزونا" من الكراهية يجب معالجته ومعرفة أسبابه ودوافعه !!!! ويجب التعامل معه بجدية فنحن نتعامل مع الآخرين بطريقة غير مبرره لا إنسانيا" ولا دينيا" ولا وطنيا" ...ما هذا ؟؟!!وكيف نقبل أن تنحط قيمنـــا إلى هذا المستوى الغير مسبوق لنكون في قاع سحيق من الانحطاط ونحن بحاجه إلى التفكير خلف أسباب هذا الانحطاط الإنساني والعنف والفحش والإجرام ....ليست قيًمنا أو ديننا الدافع لنا لهذه التجاوزات فدين الإسلام وقيم العروبة لا يوجد بها هذا الانحطاط ولا يمكن أن ترتبط وطنيتنا بهذه الأفعال !!!!
في ليبيا تتحدث التقارير عن اغتصاب ولكنها تتحدث كذلك عن تجاوزات بحقوق الإنسان لدى الطرفين !!!!! هل يعقل هذا؟!! إذا كان هناك تجاوز بحقوق الإنسان من قبل المعارضة فلماذا الثورة على قذافي ؟؟!!! ألسنا نتحدث عن كرامة الإنسان وحريته وإنسانيته !!!!
عنف وطائفية وقبليه وجلد للأخر وللذات بنفس الوقت...هذا هو حالنا ...فلماذا وصلنا إلى هذا الحال...هذا ليس من ديننا وليس من أخلاقنا ولا قيمنا ....وإذا كان هناك من يقول لنا (مهلا" )...فلماذا لا نتمهل ؟؟؟!!!
فلسطينيا" وداخليا" ....شاهدنا الفحش وشاهدنا العنف والقتل خلال انقسامنا البائس والملعون وستبقى هناك مشاهد لا يمكن للذاكرة بان تتجاوزها وتنســـاها وحفاظا" منا على أجواء المصالحة فأنني لن أذكرها حتى لا أّذكر بهـــا ...ومع كل ذلك وكل ما حدث نقول بان علينا أن نتعلم من الدرس وان نعلم بأنه لا بديل لوحدتنا وألان يشعر كل من سفك الدم قاتلا" بأنه أضاع نفسه وبلا مقابل فهو ضحية للوحدة مطاردا" بالدماء التي سفكها في أحلامه وحسابه ..فمن سفك الدم الفلسطيني وبغض النظر عن السبب الكامن خلف سفك الدم هو الآن أمام سؤال كبير يتعلق بأفعاله وفائدتها !!!وكلنا أمل بان يكون هذا درس للجميع ونتمنى أن تنتصر وحدتنا على كل المعوقات الذي يضعها المستفيدين من الانقسام وكارهي المصالحة .
فلسطينيا" وداخليا" ...وصلنا بخطابنا إلى التكفير والتكفير لا عودة به للخلف فلا يعقل أن يكون الشخص كافرا" بفعل انتماءه ومن ثم يصبح أخا" وحليفا" وصديقا" وهذا هو المأزق الذي وقع به الآن أصحاب خطاب التكفير ونشير إلى أن خطابنا جميعا" تعامل مع التخوين والتعميم باعتباره عمل أساس للتعامل مع المرحلة السابقة وما تركه الانقسام من أثار وها نحن الآن جميعا" نتجاوز عمالتنا(اتهاماتنا لبعض بالعمالة ) لنقول نعم للوحدة فهل يتفق العملاء ..أم أن الأحرار هم من يتفقوا على الوحدة والعملاء هم من يخلقوا الفتنه ؟؟؟؟
من هنا سبق ووقفت بشدة إلى جانب خطاب خالد مشعل بالمصالحة وقلت بأن هذا الخطاب له ما يليه من مواقف ستكون فلسطينيه خالصة وللأسف موقف الدكتور الزهـــار أساء إلى خطاب مشعل وأساء إلى حمــاس نفسها والتغيرات في موقفها والتي تقتضي شجاعة وصدق مع الجمهور ..وكنا وما زلنا نرجو أن تكون المصالحة وتجاوز الانقسام واقع نعيشه .
لم يفكر الفلسطيني بمنطق (مهلا" )... (مهلا" يا عائشة ) (عليك بالرفق ) (إياك العنف والفحش )...فوصلنا إلى أقصى درجات التطرف بخطابنا الداخلي مع بعضنا ..فقام البعض بالتكفير وللأسف هم الآن بحيرة من أمرهم فلقد قام الجميع بتوجيه التهم للجميع وان كنت أرى بكل صدق بان الخطاب الديني وصل إلى أقصى شكل من أشكال التطرف الداخلي بسماعي شخصيا" فتاوى تتحدث عن القتل وكما أننا شاهدنا صلاة الشكر لله عز وجل على قتل الأخر والأخر هنا فلسطيني وللأسف وهذا يجعل من صعوبات قبول المصالحة لدى الإخوة بحماس اكبر منها من فتح وعلينا أن نعي هذا ونفهمه .
الآن سأقوم بالحديث عن التعامل مع الأخر ...والأخر هنا ليس المعارض لي وليس الذي يختلف معي ..فأنا هنا سأنطلق من أسلوب تعامل قائدنا ومعلمنا محمد صلى الله عليه وسلم من عدوان بعض من اليهود عليه وهو عدوان كلامي باللفظ ...لم يقم الرسول صلى الله عليه وسلم بأمر الصحابة الكرام بأن يقتلوهم ولم يأمر باعتقالهم فورا" وكما انه لم يقم بالدعاء عليهم عامة ...بقمة الأخلاق وهو الذي يمثل لنا جميعا" قدوة الأخلاق ..رد على من اعتدوا عليه لفظا" بلفظ ولم يقم بالتعميم فقام بالدعاء ضد كل اليهود كما يحلو للبعض الآن وهنا علينا أن نؤكد بأن القران الكريم يحتوي بآياته على آيات متعددة تتحدث عن أسلوب التعامل وهو ما يجعل الحديث ليس استثناء وليس غريبا" عن الإسلام ويستحضرنا هنا {وَلاَ تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلاَ السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيم}[فُصِّلَت:34] هذا هو منطق الإسلام حيث للحسنة وللتعامل الحسن مكانا" هاما" قد ينجح بتحويل العدو لصديق وكما أن حديث (مهلا" يا عائشة ) علمنا بأنه لا تعميم ولا فحش ولا عنف وإنما رد فعل يوازي الفعل ها هو القران يأتي لنا بأصول التعامل الحسن ...
ما سبق يؤكد بان علينا أن نعرف كيف نتعامل مع من يعتدي علينا وان نفكر ونتمهل بفعلنا وان ندرس موقفنا وان نعلم بان للحسنى وللتمهل وللرفق مكانه بأي موقف مسئول و من واجبات كل قيادة حريصة بأن تتمهل في تعاملها مع قضايا داخليا" وخارجيا" وكلنا ثقة بأننا سنمر من المرحلة السياسية الصعبة والمعقدة التي نمر بها وستنتصر وحدتنا وستنتصر سياستنا الحكيمة التي تمثلها قيادتنا واضعين ثقتنا بقيادة واعية لما يحدث حولها ..فلا تعجل ولا ردود أفعال وإنما تمهل وحنكة ورد فعل يوازي الفعل ...كلنا ثقة بأن الوحدة يجب أن تنتصر والدولة يجب أن تقوم بسلام وإرادة يدعمها المجتمع الدولي ...
التعليقات (0)