مواضيع اليوم

(من إعادة الهيكلة إلى إعادة الخلخلة : نهاية الطبقة الفقيرة في الاردن)

sulaiman wwww

2012-05-27 10:30:51

0

أحد المشاهد المألوفة لدى من قادته الصدفة أو حاجة ما إلى المرور في شارع شفيق إرشيدات في اربد (المعروف باسم شارع الجامعة ) ليلا خلال الأيام والأسابيع الماضية،مشهد ذلك العجوز المشرد ذو اللحية الكثة والذي يفترش الرصيف المحاذي لمدخل النفق المقابل للبوابة الغربية (بوابة الإقتصاد ) لجامعة اليرموك. ومن اللافت لانتباه من يمر قريبا من ذلك العجوز الرائحة الكريهة القوية التي تنبعث من جسده وملابسه ويمكن التعرف عليها من مسافة عدة أمتار ، مما يظهر حقيقة أن ذلك الرجل لم يستحم أو يبدل ملابسه منذ فترة طويلة قد تصل إلى أسابيع بل وحتى شهور.

للدقة في وصف المشهد ، نشير إلى جلده المتقرح مما قد يشير إلى إصابة ممكنة ، قد تجعلها ظروفه وطريقة عيشه  مرجحة ، بمرض الجرب.

ذلك العجوز ليس الحالة الوحيدة التي ينطبق عليها الوصف المأساوي السابق ، فهناك حالات مماثلة لمشردين يفترشون الأرصفة المحاذية لجدران مسجد إربد الكبير ، وسط البلد ،ومناطق أخرى في إربد ومحافظات المملكة الأخرى. ويتمنى بعض هؤلاء لو تقوم وزارة الأوقاف بتعديل سياستها القائمة على إغلاق أبواب المساجد عقب إنتهاء الصلوات حتى يجدوا سقفا يؤويهم أثناء نومهم.

طبعا تلك النماذج المأساوية ليست نتيجة تبني فلسفة وأسلوب حياة الهيبيز hippies الذي تم ابتكاره في الغرب في النصف الثاني من القرن الماضي ، بل هو أسلوب حياة إجباري ناجم عن ظروف مأساوية ومستوى معيشة قريب من مستوى معيشة الدواب البرية كقطط الشوارع (مع الاعتذار عن التشبيه السابق والذي لا نقصد به الاهانة بل تقديم وصف دقيق للواقع المأساوي الذي يثير الصدمة بشكل أكبر من أي كلمات ونأمل مواجهة حقيقته ومعالجتها دون ٍاستخدام كلمات "تجميلية")   .

مشهد آخر غدا مألوفا لدى سكان المدن الأردنية يتمثل بما يمكن أن نطلق عليه وصف  (نابشي أكياس النفايات) وهي مهنة جديدة تم استحداثها خلال العقد الماضي والذي شهد أكبر عملية انجراف للطبقة الوسطى وبروز درجات جديدة متطرفة من الفقر ، وتجاوز فيها الأردنيون ثقافة العيب المزعومة عبر ممارستها ليلا عندما تنخفض الحركة في الشوارع ، وتقوم تلك المهنة على نبش أكياس النفايات بحثا عن أشياء يمكن بيعها أو استخدامها من مواد قابلة لإعادة التدوير أو ملابس قديمة يمكن ارتدائها أو أطعمة لم تصل إلى درجة كبيرة من التلف بحيث يمكن استخدامها لإسكات الجوع لدى من لا يستطيع الحصول على البديل  .

نشير إلى نلك المشاهد في سياق الوجبة الجديدة من رفع الأسعار والتي بدأ الأردنيون تجرع مرارتها ، ولن نحاول الآن التنبؤ بالظواهر الجديدة التي قد تضيفها إلى المجتمع الأردني ، ولكن قد يكون من المرجح أن تعزز الظواهر المشار إليها في الفقرات السابقة  وتضيف إليها ظواهر مأساوية أخرى أكثر تطرفا في بؤسها.

بالطبع ، أحزاب وقوى المعارضة لن تتردد في تفسير الظواهر السابقة عبر الإشارة إلى الفساد وضعف أداء النظام السياسي وثمار ذلك المتمثلة بخصخصة ثروات الوطن وتضخم المديونية وارتفاع معدلات الفقر والبطالة وقد تكون على حق في ذلك ، ولكن نسأل هنا : لماذا لا تتبنى تلك الأحزاب قضايا  تلك الفئات من أبناء المجتمع و الحالات المماثلة لها : الإجابة للأسف قد تكون أن تلك الفئات غير منظمة ومجتمعة ضمن  نقابات أو كتل منظمة يمكن استغلالها كأداة ضغط سياسي للوصول إلى مآرب وغايات سياسية .

التفسير السابق قد ينطبق على تجاهل القوى الحزبية (تحديدا) لثبات دخل طبقات المجتمع الدنيا ومنها الأسر التي تحصل على مساعدات من صندوق المعونة الوطنية أو صندوق الزكاة ، وهي الفئة التي لم تحصل على زيادة في قيمة المعونات التي تقدم إليها منذ فترة طويلة ولم تشملها "إعادة هيكلة" (لا نقصد طبعا أن موظفي القطاع العام بعيدين عن آثار تراجع مستوى المعيشة ) بل يمكن القول بأن الأوضاع المعيشية لتلك الفئات ودخلها قد خضعت ومع كل موجة من عمليات إزالة الدعم ورفع الأسعار لعملية "إعادة خلخلة " أو "إعادة هلهلة " لأوضاعها المختلة والمهلهلة أصلا . فطبقا لقاموس  الحكومات الأردنية ، فتلك الفئات تحصل على دخل "تكميلي"  رغم معرفة تلك الحكومات بأنه لا يوجد لدى المواطنين من تلك الفئة دخل "أساسي" يبرر وصف تلك المعونات بالدخل التكميلي ، إذ أن وجود دخل من أي نوع يشكل سببا لحرمانهم من تلك المعونات.

في بداية العام الماضي أثرنا (في مقال بعنوان "البوعزيزي في اربد")  قضية الرسوم المرتفعة (تصل إلى مئات الدنانير وهو مبلغ كبير بالنظر إلى طبيعة المهنة الخاضعة لتلك الرسوم والدخل المتحقق منها) والتي فرضتها حكومة الرفاعي عبر قانون على الباعة المتجولين بالعربات المدفوعة باليد ومن يستخدمون تلك العربات في مهنة التحميل (العتالة) حين قامت مجموعة من المتضررين من ذلك القانون بالاعتصام في سوق الخضار المركزي في اربد للمطالبة بسحب القانون ، دون أن يتمكنوا من تحقيق مطلبهم لعدم تبني قضيتهم من قبل وسائل الإعلام أو القوى السياسية ، وبما يعزى إلى الأسباب التي قدمناها سابقا .

يمكن الإشارة إلى العديد من الفئات المجتمعية الأخرى المنسية والتي تخضع لعملية إعادة خلخلة مستمرة ، بحيث يبدو أنه بعد اختفاء الطبقة الوسطى ، فإن الطبقة الفقيرة بدأت تختفي أيضا وتنتقل نحو ما يمكن أن نطلق عليه وصف الطبقة المعدمة التي بدأت توجد ظواهر جديدة مثيرة للصدمة لتطرفها في بؤسها ، وتتمثل مأساتها الكبرى في أنها غير صالحة لتحقيق مصالح سياسية لدى فئات القوى السياسية الانتهازية من الأحزاب والقوى التي تتصدر الحراك السياسي بحيث تغري تلك القوى بتبني مطالبها التي قد لا تتجاوز حلم البقاء ضمن الطبقة الفقيرة وعدم الانتقال إلى الطبقة المعدمة.

 

 

     

 

 

    

 

 

     

 

 

    




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !