فتوي متعسفة
من الآفات التي اعترضتني في طريق الدعوة ، أناس عندهم رغبة مجنونة في الحكم بالتحريم على أي شئ! فلو استطاعوا تحريم الهواء لأصدروا بذلك الفتوى، و لو ماتوا مع الناس مختنقين!
و هم يتصورون الإسلام رسالة تسكن من العالم الرحب حارة ضيقة لها تقاليدها و لها مراسمها، فما يصلها بالعالم ممنوع مهما كانت طبيعته، و المهم بقاء الحارة منطوية على أصحابها و حسب..
و أصحاب هذا الفكر قد يصلحون بوابين على خرابة، أما أن يكونوا دعاة لدين عالمي، يفتح صدره للأعصار و الأمصار، و يتجاوب مع فطرة الله في الأنفس، و يتفاهم مع الرجال و النساء في الشرق و الغرب، فهذا مستحيل..
رأيت أحدهم ينظر إالى الشارع مكفهر الوجه، فقلت له مازحا: ما أغضبك؟
فقال: رؤس الرجال عارية و كذلك وجوه النساء و أيديهن، و الواجب تغطية هذا كله، قفاز في يد المرأة و نقاب على وجهها و قلنسوة أو عمامة على رأس الرجل و بذلك يصير المجتمع إسلاميا و استرسل يقول: إنه في الإحرام بالحج و العمرة لا غطاء على الرأس و لا نقاب على الوجه، و لا قفاز في اليد ، فإذا انتهت المناسك تغيرت الأوضاع..
و لم أرى أن أجادل هذا المسكين و حسبته يعبر عن فكر عامي يلتزمه بعض المتطرفين ، يحسبونه دينا و ما هو بدين، حتى قرأت لعالم كبير فتوى بأن ستر اليد داخل قفاز من تمام الحجاب! و بذلك زاد قيد آخر على حراك المرأة و على دائرة المباح الذي كفله الشارع لها..
و راجعت معلوماتي من كتاب الله و سنة رسوله فوجدت الكلام رأيا خاصا لصاحبه و لا يجوز أن يسمى دينا و لا شبه دين!!
إن رسولنا بعث بالحنيفية السمحة و قد أنذر بالويل من يأتون من عند أنفسهم بالمشكلات و المتاعب فقال : هلك المتنطعون..
و لو كلفنا النساء المسلمات بلبس القفازين لعجز أكثر من نصفهن عن ذلك و وجدن في لبسهما العنت..
و أصارح بأني كنت ألتمس العذر لبعض الغلاة، و أقول: مخلصون ينقصهم الفقه في دينهم، وعلَ إخلاصهم يغفر جهلهم بيد أني بدأت أشعر بالقلق من أن يكون وراءهم من يتعمد تعسير الإسلام لمآرب أجنبية!!
إن الإسلام يلقى محنا خطيرة في هذا العصر ، و قد استيقنا من أن أصابع غريبة تحيك له الدسائس، و تتعمد نشر فتاوي متعسفة للمتقعرين و المنحرفين، حتى تصرف أتباعه عنه و تصد الداخلين فيه و هنا الخطر!!
التعليقات (0)