تغفو على ضفتي الشط المسمى باسمها والذي يقسمها الى صوبين ، الصوب الكبير والصوب الصغير.
مدينة ما تزال تحمل عبق التاريخ ، وتحمل ذكريات الزمن الجميل .. زمن انجب سياسيين وعلماء وادباء وفنانين تفخر بهم (الحلة) كما يفخر بهم العراق. بصوبها الكبير من جهة كربلاء والنجف والديوانية ، تقع معظم احياء الحلة وهي (الكراد والتعيس والجباويين والمهدية وجبران والطاق والجامعين) ، ومنطقة الجامعين هي اصل نشأة الحلة حيث نزل فيها الامير (صدقة بن فريد) وانشأ منها مدينة الحلة.
وفي صوب الحلة الصغير تقع فيه احياء (وردية داخل وخارج وكريطعة كلج) واراض زراعية واسعة وقرى ممتدة على الطريق الذي يصل الى ناحية المدحتية ، والذي يسمى حاليا (الشارع السياحي). اما الاسواق الرئيسة في مركز المدينة ، فقد تجمعت في الصوب الكبير ، قرب الجسر الضيق ، الذي لا يسع عرضه لأكثر من سيارة واحدة ، والذي يسمونه (الجسر العتيك). وابرز اسواقها (السوق الكبير) الذي يسمونه (سوك المسكف) او (سوك التجار) ، يجاوره سوق الخضروات الذي يسمونه (سوك المخضر) ، وسوق الدجاج ، من جهة اليمين ، فيما يجاوره سوق (الهرج) من جهة اليسار. ومن الاسواق القديمة والتراثية في الصوب الصغير (سوق العمار) الذي يرجع تاريخ تأسيسه الى نهاية القرن الثامن عشر عندما كان محط تجار الحبوب والتمور من القرى المحيطة بالسوق ومن ناحية النيل /20 كم شمال الحلة/ باتجاه الخانات والعلوات المنتشرة في السوق مثل علوة بيت جريدي وعلوة بيت العكام وبيت علوش وغيرها. يمتد (سوق العمار) بطول كيلومتر ابتداء من منطقة الكلج وانتهاء بمنطقة الخسروية ، وسبب تسمية السوق بـ (العمار) يعود الى ان معظم مورديه من الحبوب كانوا من عشيرة العمار الساكنة في ناحية النيل وفي منطقة الوردية. كما توجد في السوق واحدة من اقدم الحسينيات في الحلة وهي حسينية العريان والتي كانت تقام فيها ايضا مجالس العزاء. يقول الباحث التاريخي الدكتور ثامر الخفاجي " ان /سوق العمار/ كان مكانا يجمع تجار الحلة الكبار مثل عبد الرزاق جريدي وغيره كما كانت توجد به بعض المقاهي الخاصة براحة الاعراب القادمين من القرى المجاورة ويستثمرون وجودهم بالحلة لغرض بيع منتجاتهم من طيور وفواكه وخضار ". ويضيف " ان اهمية السوق تراجعت في بداية القرن العشرين عندما انشأ الانكليز مجسرات تربط الصوب الصغير بالصوب الكبير ، وبالتالي اصبح الانتقال الى اسواق الصوب الكبير الاكثر سكانا والاكبر اسواقا ، اسهل للتاجر فتراجعت اهمية السوق ، كما بدأت محال بيع الخضر والمحال الاخرى تحل مكان العلوات الخاصة بالتمور والحبوب ". ومن الخانات المشهورة في السوق والتي كان تروى عنها الحكايات ، خان كبير يسمى خان (ابن خنوس) ، يقوم بادارته المرحوم (حسن خنوس) ، وكان هذا الخان عبارة عن مكان لربط الحمير ، وقريبا منه مدرسة (الفسطاط الابتدائية) التي تقع داخل بستان وبدون سياج . وكان التلاميذ اذا (هربوا) من المدرسة تجدهم في خان (ابن خنوس) للعب مع الحمير ، حيث كانت القروية التي تأخذ منتوجها من (الصوب الصغير) الى (الدهديوه) او (سوق الدجاج) في الصوب الكبير عبر الجسر القديم الذي بناه الانكليز (والذي لا زال موجودا لحد الان) لبيعه ، تحتاج الى من يعيد الحمار و(السابل) الذي نقلت فيه المنتوج الى خان (ابن خنوس). وهذه القروية كانت تتحرر من مصاحبة الحمار في تجوالها في الاسواق للتبضع وشراء ما تحتاج من مواد ومستلزمات منزلية ، ثم تعود مشيا على الاقدام الى خان (ابن خنوس) لتأخذ حمارها بعد ان تدفع اجور الربط. ولهذا قام المرحوم (ابن خنوس) بتشغيل التلاميذ (المتسربين) من الدوام ، اثناء العطل بان يذهب احدهم مع القروية الى (الدهديوه) مشيا على الاقدام ، ثم يعود بالحمار راكبا عليه و(السابل) الفارغ امامه ، ليربطه في خان (ابن خنوس) مقابل خمسة فلوس يأخذها منها مع قليل من المنتوج يسمونه (شرهة). واستسهل التلاميذ (الخائبون) هذا العمل ، وجعلوه بداية حياتهم المهنية ، اذ اخذ المرحوم (ابن خنوس) يكلفهم حسب تسلسل حضورهم ، ليتسابقوا بالحضور والشاطر منهم مَن يذهب الى (الدهديوه) ويعود بسرعة ، ليذهب مرة اخرى واخرى ، تاركا الدراسة والمدرسة والمستقبل. وعندما يسأل اهالي التلاميذ عن اولادهم ، يكون الجواب (تلقاه بكلية ابن خنوس) ، اذ وكنتيجة لتوسع هذه المهنة في خان (ابن خنوس) اصبح يطلق عليها (كلية ابن خنوس). ويضرب المثل للخائبين في دراستهم ، والتهكم على مستواهم الدراسي والثقافي ، وتوفي (ابن خنوس) ، وازيل الخان بالتطور والعمران ، ومازال المثل قائما : خريج كلية (ابن خنوس). ويعاني /سوق العمار/ حاليا من مخاطر ازالته بسبب الحواجز التي وضعت بعد عام 2003 من قبل الحكومة المحلية تحسبا لاعمال العنف ولعدم قدرة السيارات على الوصول اليه. وقد تلاشى السوق واصبحت البنايات الجديدة تحل محل القديمة لتهدد معلما آخر من معالم الحلة القديمة وامام انظار وصمت وزارة الثقافة والحكومتين المحلية والمركزية.
التعليقات (0)