تكمن أهمية وقيمة كثير من الأفلام السينمائية في السيناريو الرصين الذي يعتمد على عدة خطوط للحكاية تطول وتتقزم داخل النسيج الفيلمي إلى ان تترك الساحة لخط واحد يصبح قبل النهاية هو المحور الأساس، وهذا سياق درجت عليه السينما الأمريكية غالبا ولا شك ان مثل هذه الأفلام على الرغم من بعض النمطية والتكرار التي تعانيها إلا ان الكثير منها تميز بفعل العناصر المصاحبة للقصة وذلك يعتمد على مخرج العمل الذي يوظف تلك العناصر بطريقته لتكون النتائج في النهاية متميزة، ويعمد كتاب السيناريو الكبار والمتمرسين لهذا الأسلوب كونه مضمون النجاح وفيه الكثير من المردودات المادية، ويمكن تقسيم السيناريو وفقا لذلك إلى ثلاثة أجزاء حيث يتم في المقدمة تقديم الشخصيات الرئيسة وما تعانيه من محن وفيه تعرض المشكلة الأساس التي يريد الفيلم التطرق لها حيث ندخل شيئا فشيئا في الجزء الثاني الذي تتوضح فيه العلاقات وتتشابك الحبكات الثانوية وتثار التساؤلات وهنا فرصة ثمينة للشخصيات للإفصاح عن مكنوناتها وتأخذ الحبكات الثانوية بالتأزم تدريجيا إلى ان تضمحل وتتم الإجابة عن التساؤلات إلى ان يبقى خيط واحد رئيسي يصل بنا إلى النهاية. في هذا السياق يمكن اعتبار فيلم (سجناء(2013:Prisoners أحد الأمثلة النموذجية لذلك ،إذ ان الحبكة الرئيسة تكمن في اختفاء الطفلتين (أنا) و(جوي) بشكل غريب، بعد ان يعرفنا السيناريو بالعائلتين الجارتين وما يجمعهما من علاقة حميمة على الرغم من نقاط التشابه والاختلاف في ما بينهما، فعائلة (كيلر دوفر: هيو جاكمان) من البيض مكونة من الزوجة (غريس: ماريا بيللو) والابن المراهق (رالف) والطفلة (أنا)، بينما عائلة (فرانكلين بيرتش: تيرنس هوارد) من الزنوج ومكونة من الزوجة (نانسي: فيولا دافيس) والابنة المراهقة (إليزا) والطفلة (جوي) وبعدما تجتمع العائلتان في منزل فرانكلين وعلى غفلة من الجميع تختفي الطفلتان الصغيرتان وتحوم الشكوك حول شاحنة مركونة بالقرب من المنزل ويدخل المحقق (لوكي: جاك جيلينهال) إلى صلب الأحداث، وبعد الإمساك بالمشتبه به (الكس جونز: باول دانو) يتبين انه أشبه بالمعتوه يعيش في منزل زوجة عمه العجوز (هولي: ميليسا ليو) التي تخبرهم انه تعرض للاختطاف في صغره ما ولّد لديه صدمة نفسية اصبح على اثرها قليل النطق، ولعدم وجود أدلة كافية تخلي الشرطة سبيله، إلا ان (كيلر) يصر على انه من قام بذلك فيختطفه بمساعدة (فرانكلين) ،وبعد عدة عمليات تعذيب ينطق (الكس) ببعض الكلمات التي ترتبط مع ما يجري من سلسلة تحقيقات ومطاردات يقوم بها المحقق لوكي الذي يعثر على شخص آخر يتواجد بالقرب من منزل الضحيتين وعندما يتم القبض عليه يعثر (لوكي) في منزله على مجموعة من رسوم المتاهات والأفاعي المخبأة في صناديق محكمة وقطع من الملابس عليها دماء، إلا ان هذا الشخص يقدم على الانتحار أثناء التحقيق معه، كل ذلك يشكل مجموعة من الحبكات الثانوية التي تتصاعد مع مجريات الأحداث. في الجزء الأخير حيث النهاية تهرب الطفلة (جوي) وتصل إلى أبويها بينما يكتشف المحقق عند دخوله منزل العجوز (هولي) أنها من قام باحتجاز الطفلتين للانتقام من الله على حد قولها. هذا الفيلم الذي أخرجه الكندي (دينس فيللينيوف) مقدم سابقا (الكون: 96) و(أغسطس الثاني والثلاثون على الأرض: 98) و(الدوامة: 2000) و(تقنية متعددة: 2009) و(انسيندايز: 2010) و(عدو: 2013) يعد مثالا يحتذى به في المعالجة السينمائية فضلا عن إصراره على إدخال المُشاهد كعنصر فاعل في الحدث ما أعطى مزيدا من الإحساس بالمَشاهد، وكما أسلفت فان ذلك يرجع إلى السيناريو الذي كتبه (ارون غويزيكوسكي) مقدم سابقا (السلع المهربة: 2012) والمحبوك بشكل ممتاز، إلا انه يسجل عليه دخوله في الكثير من التفاصيل التي لا داعي لها التي أطالت زمن عرض الفيلم ونذكر منها مثلا العثور على الأب (دون) مخمورا وفي قبو منزله جثة متعفنة، كذلك إمعان المحقق لوكي بالبحث في قبو منزل (كيلر) ما أوقع الفيلم في أخطاء لا تغتفر فليس من المعقول ان يقوم محقق يقدمه الفيلم كمتميز في عمله بفتح مجموعة من الصناديق المقفلة بإحكام مملوءة بالأفاعي ويتركها تهرب دون ادنى ردة فعل ثم لا يتم التطرق إلى الموضوع لاحقا، ولو وقفنا على جزئيات الفيلم لعثرنا على الكثير من هذه الهفوات. وبشكل عام فإن هناك عناصر مهمة أنجحت الفيلم بالتعاضد مع السيناريو كالمونتاج والتصوير فضلا عن الأداء الجيد للممثل (هيو جاكمان) والممثلة (ماريا بيللو) إلا أني لم أجد (جاك جيلينهال) موفقا بدور المحقق لعدم قناعته أصلا بما يقدمه بل كان أداؤه مبالغا فيه وكأنه المحقق الأول من نوعه بينما ما تكشفه الأحداث انه محقق عادي له شكوكه التي ليست في محلها. في النهاية فإن (سجناء) فيلم مشوق فيه الكثير من اللمحات الإنسانية الجميلة التي دأبت السينما على توظيفها للقيام بوظيفتها في تنوير وتثقيف المجتمع.
التعليقات (0)