عقيدتي في الله
كل معتقد جاهلي أنما ينشأ في محيط الأسطورة – أي سبق الخيال على التفكير – كما إن التفكير في تضاعيفه لا يتعدى عن تأثير عدد من الثنائيات . ومهما حاول الصالحون المصلحون من دفع ذلك الوهم , فأن تفشي الخرافة ورواج الأسطورة الذي يتناسب ايجابيا مع تناقص التأثير العقلي عند تفسخ المجتمع أو وجود المطامع السياسية , يساند قوة الدفع على إعادة وإحياء روح الجاهلية بشكل هجين او بصورة مقنعة , والعكس صحيح .
وربما يطال هذا المعنى بعض المسلمين , إذ لو كان الرسول الأعظم ص لا يقرأ ولا يكتب , فأن الانجازات العظيمة التي وصلت إلينا , لا تتناسب مع رسالته الخاصة التي يبشر بها , وعليه فأنها بما تحمله من نقص – وحاشا لله – فهي تؤسس دينا عالميا بقدر رغبتها في إقامة عالم إنساني يؤمن بأخلاق عليا مقدسة .
ثم نبرر ما بأيدينا , بأنه من بعده استطاع رجال الإسلام ان يصلحوا كثيرا من ذلك الفراغ ( المفترض وجوده في أصل الرسالة ) بعدها نرمم الهوة معتمدين الى حد بعيد على سوء إدراك في استخدام الكلمات الذي يمهد للتأويل الباطني والتفسير الانتقائي , وأخيرا حشو المضمون بنتاج فلسفي أخر .
ولأجل ان نتجنب هذا المنعطف الذي يقود إلى التجديد المغاير , أرى أن نلتمس آثار النبي ص عند الأئمة ألاثني عشر , الذين حافظوا على روح الحديث الشريف , ولم يضطروا إلى صناعة مذهب خاص , بل هم رواة للنص والتفسير , ومما ورد عنهم نبحث عن تحديد المصطلحات في الفكر المحمدي , كي نتجنب الغموض والعمومية في العبارة . عندها لا نلتفت لمن يبني من الشبهات أبراجا تصيب القاريء البسيط بالغثيان النفسي أو الدوار الفكري .
والأفضل أن نجزأ المشكلة الفلسفية , لكل من دعامات العقيدة , لنكسبها الوضوح في الرؤية المنطقية مثلا حول مبدأ التوحيد , يكون سؤال وجواب كالأتي :
سؤال : هل الكون في حالة بناء ؟ ام انه يسير نحو الفناء ؟ بمعنى اخر هل الطبيعة تحكمها بالفعل قوانين ؟ ام انها تتخبط في العشوائية ونحن فقط نعتقد ان للأشياء نظاما لأننا نحب ان يكون الامر كذلك ؟
جواب : ان عدم تسليمنا بوجود نظام , سيجعل كل الانجازات العلمية باطلة , وكل جهد فكري كأنه عبث , فنحن عند ذاك لسنا سوى قرود مهذبة , والظلام الذي ينتظرنا سيدفع بنا نحو التشاؤم ثم الفناء المبكر .
سؤال : هل للعقل الإنساني وجود كوني مطلق ؟ ام ان عقولنا البشرية هي مجموعة ملكات نفسية او فعاليات عصبية لها القدرة على إيجاد الحلول ؟
جواب : قدرة الإدراك الفذة تختلف عن مصطلح العقل المطلق التي ترتبط بتصور ان الانسان هو هدف او مركز الكون . والواقع هو ان وعي الانسان محدود بحيث ان هناك حقائق ما لايمكن لعقل الانسان ان يدركها على الاقل لأنه محصور بوسائله وقدراته بالعالم المادي .
ولكن انا ملزم بما يقره عقلي , فما من سبيل اخر لكشف الوقائع , او الاقتراب من الحقيقة غيره . مثلا الانتقال التدريجي للفعل يعبر عنه بالسببية . عند ذلك يكون لكل سبب مسبب , ولكل فعل فاعل .
سؤال : ان قانون السببية وضع من خلال الملاحظة لبعض الظواهر ثم يعمم بالاستقراء . هل هناك احتمال وجود شذوذ عن القاعدة , ولو في ظاهرة او حدث يقع فوق العلوم ؟
جواب : التناسق الموجود في الكون يتضمن المنطق الرياضي , ومبدأ السببية اساس وضع النظريات , ولكن التسلسل السببي الى ما لانهاية يؤدي الى الدور المحال , لذلك نؤمن بوجود خالق للأشياء بما هي عليه من مبادئ وقوانين . ( والله يحكم لا معقب لحكمه .. الرعد 41 ) , ( ومن الناس من يجادل في الله بغير علم ولاهدى ولا كتاب منير .. الحج 8 ) .
سؤال : هل يمكن ان نفرض وجود أكثر من خالق ؟
جواب : ان وحدة النظام تدل على وحدة الارادة , ونحن دائما نميل الى التفسير الابسط للظاهرة , حيث التعقيد يتضمن فرضيات اكثر يعرضها لمزيد من النقد .
( ما اتخذ الله من ولد وما كان معه من اله اذا لذهب كل اله بما خلق ولعلا بعضهم على بعض .. المؤمنون 91 ) , ( الهه مع الله قل هاتوا برهانكم ان كنتم صادقين .. النمل 64 ) .
سؤال : لقد خلق الله الناس ليعبدوه او ليرحمهم , اي هناك سببية والشيء الوحيد الذي يمكن ملاحظته بشدة عن السببية هو التتابع الزمني للأحداث , فاذا كان الزمان هو تغير حال , فهل من معنى للأزلية ؟
جواب : الارادة غير السببية , وهي من صفات الحي العالم القادر , فلا يسأل عما يفعل , لا يقال له لماذا وكيف ومتى واين وغير ذلك , فهو من خلق تلك المبادئ فلا تجري عليه , لأنها لو كانت تجري عليه لكان مقلدا في عمله وليس بعالم مبدع , ولتغيرت ذاته واصابه العجز والنقصان وتعدد نوعه و ( لو كان فيها الهة الا الله لفسدتا فسبحان الله رب العرش عما يصفون . لا يسئل عما يفعل وهم يُسئلون . ام اتخذوا من دونه الهة قل هاتوا برهانكم .. الانبياء 22-24 ) .
سؤال : الخالق الذي اسمه الله له صفات تبدو مختلفه مثل الرحمة والانتقام , وهذا التفاوت في المعنى واضح , فما معنى وحدة الذات ؟
جواب : الخالق ليس له اسم ( قل ادعوا الله او ادعوا الرحمن اياً ما تدعون فله الاسماء الحسنى .. الاسراء 110) انه موجود فوق الطبيعة لا تحيط به العقول ولا تناله الاوهام , ولكن نستدل على وجوده بالاثر , وهذا العجز عن درك الادراك هو ادراك . وتلك الصفات او الاسماء يدل عليها العاقل ويجمعها رابط جدلي , والتعدد بالصفات لتقريب المعنى لعقل الانسان , وبمجموعها تشير الى المعنى الواحد .
سؤال : هل يمكن رؤية الله على كل حال , ولو في الدار الاخرة ؟
جواب : ( وهو الذي في السماء اله وفي الارض اله .. الزخرف 84 ) ان ما يقال عن الحياة الدنيا انها مخلوقة محدثة , كذلك يقال عن الدار الاخرة , وكما نعتقده في الارض كذلك هو في السماء ( فلا تضربوا لله الامثال ان الله يعلم وانتم لا تعلمون .. النحل 74 ) .
سؤال : اذا كان الخالق رحيما قادرا فلماذا خلق الشر ؟
الجواب : المسألة نسبية , فالخالق لائم بين المختلفات وباين بين المؤتلفات , وذلك التضاد او الثنائيات يتضمن ضرر الشر ومنفعة الخير من ناحية الى ناحية اخرى , فليس وجود الخير والشر ازلي ولا عام مطلق .
لا يمكن ان نتصور اله للنور والخير المطلق ثم يلزم ان نفرض اله للظلمة والشر المطلق . اذ ان النافع الذي خلق الخير والشر في الوجود هو الله ولا يجري عليه ما هو اجراه ولا يخضع لما هو ابداه ( الم تر ان الله خلق السماوات والارض بالحق .. ابراهيم 19 ) , ( ان تكفروا انتم ومن في الارض جميعا فان الله لغني حميد .. ابراهيم 8 ) , ( ذلكم الله ربكم لا اله الا هو خالق كل شيء .. الانعام 102 ) , ( فتعالى الله الملك الحق .. طه 114 ) .
التعليقات (0)