(((مرحلة قيادة السيد الشهيد الأول محمد باقر الصدر رحمه الله)))
أن المتتبع لواقع شيعة العراق يجد بوضوح تام وجلي غياب القائد لعقود كثيرة من الزمن ذلك القائد(((الفقيه أو المرجع))) الذي يأخذ بيد المجتمع لكافة المجالات (((الدينية ـ الأخلاقية ـ السياسية ـ الاجتماعية وغيرها)))بحيث يكون حافظا لمسيرة المجتمع الإسلامي نحو السير في خطى الرسول وأهل بيته الطاهرين من خلال تشخيص المشكلات الطارئة في المجتمع الإسلامي وإيجاد الحلول لها من خلال فهمه العميق لنصوص الكتاب والسنة النبوية ((( الصحيحة ))) وأقوال أهل بيت العصمة وتطبيقها على واقع المجتمع الذي يعيش فيه ويريد إيصاله إلى جادة الحق أو إلى الصراط المستقيم ؟ فهو إذن أي القائد الفقيه أو الفقيه القائد إنما يقوم بدور المصلح والمنقذ الآني على اعتبار أن العلماء ورثة الأنبياء كما في الحديث (((عن محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن محمد بن خالد عن أبي البختري ، عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) قال : إن العلماء ورثة الأنبياء ، وذاك أن الأنبياء لم يورثوا درهما ولا دينارا وإنما أورثوا أحاديث من أحاديثهم فمن أخذ بشئ منها فقد أخذ حظا وافرا ، فانظروا علمكم هذا عمن تأخذونه فان فينا أهل البيت في كل خلف عدولا ينفون عنه تحريف الغالين ، وانتحال المبطلين ، وتأويل الجاهلين))) (1).وان كانت الرواية هي في اختصاص أهل البيت عليهم السلام في معناها ومفادها الخاص . إلا أنها لاتبعد في شمولها بقية العلماء في النظر إلى المضمون العام للرواية ؟ وهذا ما اعتمده علمائنا في معنى الرواية؟ وفي حال كونها تشمل العلماء عموما فلابد لنا أذن أن نخلص إلى بعض النقاط التي تبين لنا دور العالم والمهام المناطة على عاتقه كما في متن ومضمون الرواية كي يصبح مصداقا لورثة الأنبياء ؟ وهي كالتالي؟
أولا...
((( ينفون عنه تحريف الغالين )))
ثانيا...
((( وانتحال المبطلين )))
ثالثا...
((( وتأويل الجاهلين )))
ومن خلال هذه النقاط يتبن لنا الدور المهم لهؤلاء الورثة بحسب القيام بواجباتهم المذكورة في النقاط الثلاثة أما في حال تجاهلها أو عدم العمل بها تنتفي عنهم صفة الوراثة وإذا قارنا دور الأنبياء وورثتهم لابد لنا أن نجد ملازمة بين عمل وواجبات الفريقين ((( الأنبياء وورثتهم)))فمن البديهي لدى أي إنسان. هو علمه بان الله حينما يبعث الرسل إنما يبعثهم مصلحين وهذه هي أهم صفات الأنبياء واهم واجباتهم إذن فمقصودنا من هذا المصطلح هو الإصلاح على الصعيد الاجتماعي، أو بعبارة أخرى (الإصلاح الاجتماعي) ومن مجموع التعبيرات القرآنية، نستنتج بأن: القرآن يعبر عن (الأنبياء)، بـ ( المصلحين)، كما نقرأ عن لسان شعيب النبي في القرآن. (2)(((قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَىَ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقًا حَسَنًا وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الإِصْلاَحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ ))) (3)ومن خلال ماجاء في الكتاب تبين أن دور الأنبياء وورثتهم إنما هو بأنهم مصلحين ...
أذن علينا أن نعرف معنى كلمة ((( الإصلاح أو المصلح )))
1 ـ (الإصلاح):
تعني التنظيم والترتيب وهي الكلمة المقابلة لـ (الإفساد) التي تعني اللا تنظيم واللا ترتيب وكلمتي الإصلاح والإفساد من الكلمات الزوجية المتضادة التي وردت تكراراً في القرآن.
2 ـ الدعوة الإصلاحية:
(الدعوة الإصلاحية) روحية إسلامية، وكل مسلم بما أنه مسلم هو داعية إصلاح أو على الأقل من أنصار الدعوة الإصلاحية. ذلك أن الدعوة الإصلاحية بالإضافة إلى أنها من الصفات النبوية والرسالية، هي مصداق (للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر). التي تعتبر من أركان التعاليم الاجتماعية للإسلام.
3 ـ ذلك لأن الإصلاح الاجتماعي يعني التغيير الاجتماعي نحو الهدف المطلوب، وأعمال هؤلاء ليست كذلك إذن لا يمكن لنا أن لا نقدر خدمات العاملين الكبار باسم أنهم لم يلعبوا دورا في التغيير الاجتماعي فعمل الشيخ مرتضى الأنصارى أحد الفقهاء الكبار أو صدر المتألهين أحد الفلاسفة الإسلاميين العظام. خدمة، وخدمة كبيرة جداً، في حين أنها ليست عملا إصلاحيا، ولا يمكن أن نسميهم بالمصلحين أو مثلاً تفسير مجمع البيان، الذي كتب قبل تسعة قرون والذي استفاد ويستفيد منه المئات والألوف من الناس، يعتبر خدمة ولكنه ليس إصلاحاً اجتماعيا بل عملاً قام به أحد العلماء في الانزواء الكامل.
وربما كان تقوى بعض الأشخاص أو أسوتهم الحسنة له تأثير كبير على الناس وأدى خدمة كبيرة للمجتمع، في حين أنهم كانوا بعيدين عن النشاط الاجتماعي. إذن (الصالحين) كـ (المصلحين) لهم قيمتهم مقابل خدماتهم ولكن لا يعتبرون من المصلحين .(4)
أذن لابد من وجود المصلح الاجتماعي وفق النظرية الإسلامية والذي يفترض أن يكون قائدا للجماهير أو المجتمع نحو الهدف المطلوب واعتقد أن وجود نظرية إصلاحية اجتماعية لدى هكذا قائد أو مصلح لابد أن تكون مصحوبة أو ضمنية لبرنامج عمل متكامل يشمل كل جوانب ومجالات الحياة وبما أن القضايا الاجتماعية هي إحدى مصاديق مفهوم الدين الإسلامي الحنيف الشامل لكل مجالات وقضايا الإنسان ومتطلباته أصبح من الضرورة وجود هذه الحركات المكمل بعضها بعضا وأما في حال عدم وجودها ومعالجتها فسيكون الضياع لا محالة أذن وجود المصلح أو المصلحين إنما هو من الأمور البديهية بل من السنن الإلهية وضرورة بعث الرسل مع ملازمة الأوصياء والنقباء والحوارييون ؟ وبما إننا نتكلم عن واقع العراق وهو مانريد من خلال هذا الموضوع أن نصل إلى حالة
التخبط الحاصل في المجتمع اثر هذا الغياب((( غياب القائد ))) وهذا الفقد ؟؟؟ إذن العراق بحاجة إلى مصلح وقائد ؟؟؟ فلو دققنا أكثر وحاولنا أن نستقري أو نستنطق الواقع التاريخي القريب جدا.مثلا ظهور السيد الشهيد الأول كقائد للمجتمع وملاحظة التطورات التي حصلت أثناء نهضته ومبادرته في تثقيف وتوعية المجتمع العراقي فقد كان العراق قبل ظهور السيد الشهيد الأول.مثقلا بالجهل وغياب الوعي والابتعاد عن الثقافة الإسلامية بسبب غياب المصلح ولم تكن قبل ظهور السيد الشهيد الصدر أي حركة إصلاحية ؟؟؟ ولهذا كان مرتعا للشيوعية والانحراف الذي غزى الساحة العراقية حتى أصبح الشعب في حالة تغير مفاجئ من الإيمان بالدين الإسلامي إلى الإلحاد والى الفساد الاجتماعي والأخلاقي مما جعله أرضا خصبة لتبني ثقافة طارئة في المجتمع العراقي وذلك بسبب الفراغ الفكري والمعرفي وعدم تطبيع المجتمع بتذكيره دائما بقيمه ومبادئه الأصيلة فكانت النتيجة هي الانزلاق في مهاوي وسبل الشيطان وجنوده ؟؟؟ ولكن بحمد الله وفضله حاول الشهيد الأول...أن يحمل على عاتقه هذا العبء وان يتصدى للانحراف وبالفعل تم القضاء على ظاهرة تفشي الشيوعية واسترجاع الإسلام كدين للمجتمع بعد أن فقده المجتمع وكذلك كان دور السيد الشهيد محمد باقر الصدر. التصدي لحكومة البعث المجرم المقبور وكانت رؤيته صادقة وقد عبئ الحوزة وجماهيرها ضد هذا النظام ولكن حالت دون إكمال مشروعه الاعتقالات الأربعة المتكررة؟؟؟ وخصوصا الاعتقال الأخير الذي أودى بفقده رحمه الله وهنا أصبحت فاجعة المجتمع العراقي بعد فقد القائد الذي لاتأخذه في الله لومة لائم ؟؟؟ فكان حريا على الحوزة أن تنجب خلفا له أو يتوجب عليها كجهة تشريعية أن توضع حلول لمشاكل مجتمعها وخصوصا فقدان القائد؟؟؟ فهل عجزت الحوزة العلمية أن تنجب قائدا يكمل مسيرة الشهيد الأول؟ وهل العلماء عاجزين أن يكونوا مثل الشهيد الأول ... فلماذا التباعد بين الحوزة وبين جماهيرها إلا في مسائل معينة تخدم الحوزة فقط بل المرجع فقط؟ وعلى كل حال أصبح شيعة العراق في كابوس البعث الذي يحيط بهم من كل جانب ففي كل يوم يعدم مئات من الشباب المؤمن على أيدي جلاوزة النظام حتى أصبح المجتمع إلى حالة التردي والانحراف الفكري والأخلاقي والاجتماعي؟؟؟ فأصبح المجتمع في جانب والحوزة في جانب آخر بل أصبحت حالة تنافر بينهما لما جسده الواقع؟
على كل حال ؟دام الحال ولازال؟ موضوعنا في هذا المقال ؟ فقدان القائد وضياع العيال؟
( 1 ) وسائل الشيعة (آل البيت ) - الحر العاملي ج 27 ص 78
(2) الحركات الإسلامية في القرن الرابع عشر الهجري دراسة وتحليل الأستاذ الشهيد المطهري
(3 ) (88) سورة هود...
(4 ) الحركات الإسلامية في القرن الرابع عشر الهجري دراسة وتحليل الأستاذ الشهيد المطهري
التعليقات (0)