مواضيع اليوم

أقوال الكاتب والشاعر أنسي الحاج عن السيدة فيروز..

يوسف رشيد

2011-07-30 05:50:58

0

 

 أقوال الكاتب والشاعر أنسي الحاج عن السيدة فيروز .. 

 

منقووووووووووووووووووول



 بعض الأصوات سفينة وبعضها شاطىء وبعضها منارة , وصوت فيروز هو السفينة والشاطىء والمنارة , هو الشعر والموسيقا والصوت , والأكثر من الشعر والموسيقى والصوت , حتى الموسيقا تغار منه .




 عندما أكتب عن فيروز أشعر أنني محمول إلى قلوب الناس الكثيرين الذين أحلم, ككاتب, بالوصول إليهم . وعندما أكتب عن فيروز أرى الموضوع يكتبني عوض أن أكتبه, ويملأني إلى حد أضيع معه في خضم من المعاني والصور والأفكار, لا اعود أعرف كيف أبدأ ولا أعود أرغب أن أنتهي. وغالباً ما قيل عن كتاباتي عن فيروز أن فيها مبالغات, وأقسم بالله أن ما يراه البعض مبالغات ليست في الواقع, غير شحنات لفظية صادقة ولكنها شحنات لفظية لا غير لتغطية فشلي ككاتب في أن أعكس ما يحمله لي, كإنسان, وما يعنيه لي وما يفجره فيّ, صوت يلهم ويفجر ثلاثة أشياء يحتاج عالمنا إليها: الحنان والإيمان والحماسة. وكلما تقدم صوتها كلمة, مقطعا،ً نغما,ً إنفتح أمامنا أفق جديد... وكل غناء لها هو سيطرة على الزمن, وغلبة على الوحشية, وفعل حب.


3

وفي عصرنا المظلم يشق لنا صوتها ممر الضوء ويعيدنا أنقياء. يجعلنا نسترد النقاء لنكتشف, بقوة النقاء وحدها, كل ما يجمعنا بالينابيع الأصلية, كل ما يربطنا بالخير, كل ما يشدنا بعضاً إلى بعض... ولا يمكن تفسير صوتها لأنه حقيقي. حقيقي حتى الخيال. إننا نقول عنه: "غير معقول, فوق الوصف", لأنه حقيقي. أنه تارة يبدو وديعاً ناعماً كفراشة وطوراً آمراً كملكة وعميفاً كبرق, لأنه حقيقي. إنه آسر ومتجدد لأنه حقيقي. وهو حقيقي لأنه نعمة. وأي شيء حقيقي غير النعمة.

إن سعادتي هي أن لا أعرف غير أشخاص يحبون هذا الصوت كما أحبه, وأن يزداد عددهم كل يوم. فليس مجدي فقط أنني أعيش في عصر فيروز, بل المجد كله أنني من شعبها. لا وطن لي غير صوتها, لا أهل غير شعبها, ولا شمس غير قمر غنائها في قلبي.

4

أحبها بإرهاب - انسي الحاج يكتب عن فيروز

في حياتنا لا مكان لفيروز، كلّ المكان هو لفيروز وحدها، ليكن للعلماء علم بالصوت وللخبراء معرفة، و ليقولوا عن الجيِّد و العاطل، أنا أركع أمام صوتها كالجائع أمام اللقمة ، أحبه في جوعي حتى الشبع، و في شبعي أحبه حتى الجوع، أضم يديّ كالمصلّين وأناديكَ: إحفظْها! إحفظها! 

تغنّي لنا الأسرار التي جهلناها، و الأحلام التي نسيناها ، تغنّي و صوتها مكشوف كاليد المفتوحة، وتغنّي و صوتها محجّب كوجه خفضه العذاب و الخفر إلى رجاء الأرض، حتى لو لم يُكتب لها شعر جميل ، فإن صوتها كفيل أن يجعل أي كلام شعراً جميلاً ، حتى لو لم يكن اللحن رائعاً ، فإن صوتها كفيل أن يجعل أي لحن رائعاً , لأن صوتها هو الشعر، و الموسيقى ، و .. الصوت , لأن صوتها هو الأكثر من الشعر و الموسيقى و الصوت , صوتها و تمثيلها و حضورها , إن في وجودها إشعاعاً يبهر كالبرق ، و يستولي على الناظر إليها كما يستولي الكنز على المسافر , صوتها الذي أسمعه فكأنه هو الذي يسمعني ، بل كأنه أحسن من يصغي إليّ و أنا أصغي إليه , صوتها الساقط فينا كالشهيد ، المُخمِد حولنا العواصف ، المُلهب فينا غرائز البراءة و الوحشية , صوتها كمصابيح في المذبح ، و كزهرة جديدة حمراء في حديقة قديمة , لا صوتها في سمعنا فحسب ، بل إلى الأمام من حياتنا , صوتها المنوِّر , الذي تنويره كتنوير الصليب , لنتوقف و نقدّم لفيروز الشكر في جميع العالم ، لأن صوتها راعي الرعشة ، لأنه هو الرعشة ، وهو نار الحب الأخيرة الممشوقة كعروس فوق الماء.

أقول «صوت فيروز» وأقصد «فيروز» , تلك المرأة اللامحدودة العطايا ، التي ليس لجمالها نهاية , كلها بكاملها ، متحرّكة وجامدة , كلها ، بأصغر تفاصيلها , إني لا أعرف فناً غيرها , و أحبها بإرهاب ، أي بالشكل الحقيقي الوحيد للحب , إن صوتها هو عصرنا , ولصوتها سبعون نافذة مفتوحة على الصباح , للصرخة إذا خفضناها قليلاً قوّة أشدّ , هكذا صوتها عندما لا يتفجّر كله , وحين يتفجّر كله يصبح الكون بعده جميلاً كغصن شجرة حرقته صاعقة , وما زال أمام صوتها وأمام عبقريته جميع الفرص.

يُقال أحياناً : «فيروز !! نعرف ، نعرف» ... ماذا نعرف ؟ تقريباً لا شيء , لنسمع صوتها جيّداً ولننظر إليها بعيون نقيّة , عندئذٍ نعرف أنها في كل مرة تبدأ الآن , فهي في كل مرة نضرة كرنّة الثلج في الكأس , ومع هذا فما تخبئه هو أغنى مما أباحته , ليتني أستطيع أن ألمس صوتها , أن أحاصره و ألتقطه كعصفور ، كأيقونة , أن أكتنفه و أشربه و أكونه , أن أصير هو , أن لا يعود يحبس أنفاسي كلّما سمعته وكلّما تذكرته و كلّما نسيته , ليتني أستطيع أن أضمّه على صدري فيصبح لي و أرى أسراره ، و لا يعود ممكناً إنتزاعه مني و لا بالموت , أن ما يحدث لي تجاه صوتها ليس فعل السحر , أنه اجتياح , إنه فعل الإتحاد التام , عندما أسمعها أصبح إنساناً ناقصاً صوته , أصبح بصوتها , إنها الجمال الذي ضاع منذ الخليقة , وعندما تسكت فبوحشية يصير المسرح تحت سكوتها مقاطعة تتنفس الحنين إليها ، ثم تصرخ عطشى إلى كلام فيروز , كم سكوتها مؤلم !! إنه يأخذ الأسرار التي إن لم تقلها لنا تختنق , هل هي تفرح بعذابنا أمام سكوتها ؟ وها هي تقطع الصمت , ها هو وجودها يغضب كالضوء ، يموج كالبجع الأبيض ، يرقّ كنداء العينين , وتبكي و تضحك بلا بكاء و لا ضحك ، و تملأ الدنيا بقليل منها ، لأن القليل منها أكثر من السعادة.

هذه التي تشعل المسرح هي أيضاً تشعشع لنا الحياة , و المسرح ليس حيث المسرح فحسب ، المسرح هو أيضاً قلوبنا , بعلبك و الأرز و دمشق و بيت الدين و قصر البيكاديللي و كل مكان يأتي منه صوتها ، جعلتها فيروز أوطاناً لنا , إحفظها ! إحفظها ! فيها خطر يجذب كالبحر , ألا تعرف ما الذي يأخذك في صوتها ؟ هو الجبل الذي هو هاوية ، والنسيم الذي هو عاصفة , صوتها مثل مركب شراعي يمضي في وجه النوّ ، فيتوجّع ويتمزّق ، حتى يغلب بعناده جنون الطقس ، فتسجد فوضى الكون أمامه منهوكة كالرجل على صدر حبيبته , مرآة الشوق ، مرآة الحنان والحنين ، مرآة الحب ، مرآة الجرح و الصدق ، و أكبر مرآة للحزن والشهيّة , لو كان صوتها صليباً لحملته ، و لو كان بحراً لأشعلته , لكنه أعظم من ذلك , إنه الجمال , و أي هدف أعظم من الجمال يقدر الإنسان أن يعيش له ؟ لو قلت أن فيروز هي الوحيدة لما قلت شيئاً , لو قلت أنها كل شيء ، لما قلت شيئاً , و لو قلت أني مهما قلت سأبقى عاجزاً عن القول ، لما قلت شيئاً , في حياتنا لا مكان لفيروز , كلّ المكان هو لفيروز وحدها , في حياتي لا مكان لفيروز , إن فيروز حياتي.


كتب الشاعر «أنسى الحاج» هذا النص فى مناسبة تقديم فيروز مسرحيتها الغنائية «يعيش ! يعيش !» في اذار 1970 على مسرح قصر البيكاديللي .

رابط المقال : 

http://www.facebook.com/I.Am.Fairouzian

 

 

 

 

 




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !