أن الأمر يكون اسهل وأهون على اهل الأسلام لو جائت التهمة والفرية من غير المسلم ، لكنها أمَرَّ وأعظم مصيبة عندما تأتي من المسلم نفسه ! .
رأينا في الجزء الأول لهذه المقالة أن النبي (ص) قد تعرض في حياته للكثير من ألوان الظلم والقهر والأضطهاد والأذى الجسدي والمعنوي من قومه بما لم يتعرض له نبي قبله من الأنبياء السابقين (ع) .
وكما أوذي النبي (ص) وأُسيءَ أليه في حياته الشريفة .. كذلك قد أوذي وأُسيءَ أليه أيَّما أذا وأسائه في مماته ، وتنتقل وتستمر هذه المأسات والمظلومية والأسائة والأذيّة للنبي (ص) من القوم والأصحاب في حياته الى المسلمين والأتباع حتى بعد مماته ..
من تكذيب وتزوير وتسويف وتحريف وتجيير روايات وأحاديث واقوال وأفعال وكلام وحركات وسكنات النبي (ص) ! الى الطعن والتنقيص والتشويه لقدر ومكانة وعصمة وجسد النبي (ص) ! ولم يتوقف تأريخ أدعياء الأسلام ورجاله والأتباع عن ملاحقة النبي (ص) والكف عن تشويه صورته المقدسة ويرعووا ويحترموا ويحفظوا تأريخ وسيرة وشخص وإرث النبي (ص) ! بل أستمروا وتمادوا بظلمه وأذيَّته ، ولم يخلص منهم ومن زورهم ولوثتهم وكذبهم حتى جسده الشريف وأتهموه بالتعفُّن والتحلل فكانوا مصداقاً لقوله تعالى ( وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا ) (1) ).
تناقل الأتباع في كتبهم أن النبي (ص) لمّا مات بقي جسده ثلاثة أيام ثم دُفِن بعد ان أنتفخت جثَّته وتعفنت وتحللت فكان لزاماً على القوم ان يدفنوها بعدما اصبحت بهذه الحال (2) .
يبدو أن هؤلاء الأتباع من دعاة المسلمين لم يفهموا او لايريدون ان يفهموا او يعوا ويدركوا انه من المُحال على المعصوم ان يمر جسده بمراحل التحلل التي يمر بها جسد الأنسان العادي عند موته حتى لو بقي الف عام بلا دفن ، فكيف بالنبي (ص) لو بقي جسده ثلاثة ايام دون ان يوارى الثرى كما يدعون ؟ ، رغم ان هذا الأدعاء باطل كما سنثبته خلال البحث إلا أننا سنبيّن قبله بعض الامثلة والنماذج لشخوص عاديين ذكروها هم بكتبهم لم تتعرض أجسادهم للتحلل والتلف رغم مرور سنين على دفنها ! .
الشهداء اجسادهم ومنزلتهم :
في كون الشهداء أحياء فهذا أمر مسلم به والآيات كثيرة وواضحة في ذلك فقد قال تعالى :(وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبيلِ اللّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاء وَلَكِن لاَّ تَشْعُرُونَ) (البقرة :154 . وقال تعالى (وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ * فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ * يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ ) (آل عمران : 169 - 171.
قد عقد القرطبي في "التذكرة في أحوال الموتى وأمور الآخرة" باباً ذكر فيه شيئا من ذلك في احوال الشهداء وبقاء اجسادهم كما هي بعد موتها ، وقال في مكان آخر : ( أن الأرض لا تاكل أجساد الشهداء ، والمؤذنين المحتسبين ، وقد شوهد هذا فيمن اطلع عليه من الشهداء ، فوجدوا كما دفنوا بعد آماد طويلة ، كما ذكر في السير وغيرها " . )(3) .
منها :
( عَنْ جَابِرٍ رضى الله عنه ، في قصة استشهاد والده في غزوة أحد ، قال ( فَأَصْبَحْنَا فَكَانَ أَوَّلَ قَتِيلٍ ، وَدُفِنَ مَعَهُ آخَرُ فِى قَبْرٍ ، ثُمَّ لَمْ تَطِبْ نَفْسِى أَنْ أَتْرُكَهُ مَعَ الآخَرِ ، فَاسْتَخْرَجْتُهُ بَعْدَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ ، فَإِذَا هُوَ كَيَوْمِ وَضَعْتُهُ هُنَيَّةً ، غَيْرَ أُذُنِهِ . )(4) وفي رواية ( فَمَا أَنْكَرْتُ مِنْهُ شَيْئًا إِلاَّ شُعَيْرَاتٍ كُنَّ فِى لِحْيَتِهِ مِمَّا يَلِى الأَرْضَ. )(5) .
( وعن ابن عيينة عن أبي الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله يقول :
لما أراد معاوية أن يجري الكظامة قال من كان له قتيل فليأت قتيله يعني قتلى أحد قال فأخرجهم (يعني معاوية) رطابا يتثنون قال: فأصابت المسحاة رجل رجل منهم فانفطرت دما فقال أبو سعيد لا ينكر بعد هذا منكر أبدا )(6) . ومن رواية أبي الزبير عن جابر من طريق آخر :
(قال أبو عمر : الذي أصابت المسحاة إصبعه هو حمزة - رضي الله عنه - رواه عبد الأعلى بن حماد قال : حدثنا عبد الجبار يعني ابن الورد قال : سمعت أبا الزبير يقول : سمعت جابر بن عبد الله يقول: رأيت الشهداء يخرجون على رقاب الرجال كأنهم رجال نُوَّم حتى إذا أصابت المسحاة قدم حمزة - رضي الله عنه - فانبثقت دماً)(*) . وكذلك قَدْ ذَكَرَ اِبْن إِسْحَاق الْقِصَّة فِي الْمَغَازِي فَقَالَ : (" حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ أَشْيَاخ مِنْ الْأَنْصَار قَالُوا : لَمَّا ضَرَبَ مُعَاوِيَة عَيْنه الَّتِي مَرَّتْ عَلَى قُبُور الشُّهَدَاء اِنْفَجَرَتْ الْعَيْن عَلَيْهِمْ فَجِئْنَا فَأَخْرَجْنَاهُمَا - يَعْنِي عَمْرًا وَعَبْد اللَّه - وَعَلَيْهِمَا بُرْدَتَانِ قَدْ غُطِّيَ بِهِمَا وُجُوههمَا وَعَلَى أَقْدَامهمْ شَيْء مِنْ نَبَات الْأَرْض ، فَأَخْرَجْنَاهُمَا يَتَثَنَّيَانِ تَثَنِّيًا كَأَنَّهُمَا دُفِنَا بِالْأَمْسِ " . وَلَهُ شَاهِد بِإِسْنَادٍ صَحِيح عِنْد اِبْن سَعْد مِنْ طَرِيق أَبِي الزُّبَيْر عَنْ جَابِر .)(7). فما بالك بالأنبياء والأئمة المعصومون (ص) الذين هم اعظم قدراً وأجلّ وأكرم وأكثر منزله عند الباري تعالى من باقي الناس وحتى من الشهداء أنفسهم . ويوجد غيرها الكثير من الروايات بهذا الخصوص التي تفيد بأن أجساد الأولياء والشهداء والصالحين محرمة على الأرض ، وقد أختصرنا منعاً للأطالة ومن شاء الأطلاع ومعرفة هذا الأمر أكثر فاليبحث وأنني متأكدة أنه سيرى العجب العجاب .
دفع هذه الفريّة :
ورد عن الرسول الكريم (ص) أنه قال : (صلو على فان صلاتكم تصلنى قيل يارسول الله كيف تصلك صلاتنا وقد ارمت قال صلو على فان صلاتكم تصلنى لان الله حرم على الارض اجساد الانبياء )(8) .
وكذلك ماورد عن امير المؤمنين علي بن ابي طالب (ع) ( أخبرنا أبو عبد الله محمد بن يعقوب ، يحيى بن محمد بن يحيى ، مسدد، عبد الواحد بن زياد، معمر، عن الزهري ، عن سعيد بن المسيب قال : غسلت رسول الله (ص) فذهبت أنظر ما يكون من الميت فلم أر شيئا ، وكان طيبا (ص) حيا وميتا )(9) .
أقول في هذه الرواية وغيرها من الروايات التي أوردناها في البحث قد تعمّدنا أيرادها من مصادرهم ( مصادر السنة ) .. وإلا فإنه يوجد غيرها العشرات من الروايات والأحاديث الصحيحة في مصادرنا ( كما سنورد بعضها ) ، ولكن حتى لايؤخذ علينا أو يُحتج علينا بهذا الأمر لاحقاً ..
تخريج هذا الحديث وصحته وتوثيقه من مصادر السنة :
قال الحاكم : هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ، ولم يخرجا منه غير اللحد .
تخريج الشيخ الالبانى للحديث بطرقه :
الراوي : علي بن أبي طالب - خلاصة الدرجة : إسناده صحيح - المحدث : الألباني - المصدر : أحكام الجنائز - الصفحة أو الرقم: 68 .
الراوي : علي بن أبي طالب - خلاصة الدرجة : إسناده صحيح - المحدث : ابن الملقن - المصدر : البدر المنير - الصفحة أو الرقم : 5/200 .
و رواه الامام النووى فى الخلاصة و صححه الإمام الألبانى2/935 .
ورواه ابن كثير فى أرشاد الفقيه و صححه الإمام الالبانى الصفحة أو الرقم 223/1 . وكذلك في صحيح ابن ماجة للألبانى 1198 .
علي (ع) يغسل النبي (ص) ويدفنه :
قال علي في نهج البلاغة من خطبة له (ع): و لقد علم المستحفظون من اصحاب محمد (صلى اللّه عليه وآله وسلم) إنِّي لم ارد على اللّه سبحانه ولا على رسوله ساعة قط، ولقد واسيته في المواطن التي تنكص فيها الابطال وتتأخر الاقدام نجدة أكرمني اللّه ولقد قبض رسول اللّه (صلى اللّه عليه وآله وسلم) وان رأسه لعلى صدري، وقد سالت نفسه في كفّي فأمررتها على وجهي ولقد وُلِّيت غسله والملائكة أعواني فضجت الدار والافنية ملأ يهبط وملأ يعرج وما فارقت سمعي هينمة (اي الكلام الخفي) منهم يصلّون عليه حتى واريناه في ضريحه فمن ذا احق به منّي حياً وميتاً . ) (10) .
عن سلمان (رضي اللّه عنه) انه قال : ( اتيت علياً (عليه السلام) وهو يغسل رسول اللّه (صلى اللّه عليه وآله وسلم) وقد كان أوصى ان لا يغسله غير عليٍّ (عليه السلام) وأخبر عنه انه لا يريد ان يقلب منه عضوا الا قلب له وقد قال امير المؤمنين (عليه السلام) لرسول اللّه (صلى اللّه عليه وآله وسلم): من يعينني على غسلك يا رسول اللّه قال جبرائيل فلما غسله وكفنه أدخلني وأدخل أبا ذر والمقداد وفاطمة وحسناً وحسيناً (عليهم السلام) فتقدم وصففنا خلفه وصلى عليه والمرأة في الحجرة لا تعلم، قد اخذ جبرائيل ببصرها، قال المفيد : فلما فرغ من غسله وتجهيزه تقدم فصلى عليه وحده لم يشركه معه احد في الصلاة عليه وكان المسلمون في المسجد يخوضون فيمن يؤمهم في الصلاة عليه واين يدفن فخرج اليهم امير المؤمنين (عليه السلام) وقال لهم : ان رسول اللّه (صلى اللّه عليه وآله وسلم) امامنا حياً وميتاً فيدخل عليه فوج بعد فوج منكم فيصلون عليه بغير امام وينصرفون، وان اللّه لم يقبض نبياً في مكان الا وقد ارتضاه لرمسه فيه وانّي لدافنه في حجرته التي قبض فيها فسلّم القوم لذلك ورضوا به . ) (11) .
عن أبي مريم الانصاري قال: (قلت لأبي جعفر (عليه السلام): كيف كانت الصلاة على النبي (صلى اللّه عليه وآله وسلم) قال: لما غسله امير المؤمنين (عليه السلام) وكفنه سجاه، ثم ادخل عليه عشرة فداروا حوله، ثم وقف امير المؤمنين (عليه السلام) في وسطهم فقال: ان اللّه وملائكته يصلون على النبي ، يا ايها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليماً، فيقول القوم كما يقول (عليه السلام) حتى صلى عليه أهل المدينة والعوالي ، وروى ابو جعفر (عليه السلام): انهم صلوا عليه يوم الاثنين وليلة الثلاثاء حتى الصباح ويوم الثلاثاء حتى صلى عليه الاقرباء والخواص ولم يحضر أهل السقيفة وكان عليّ (عليه السلام) انفذ اليهم بريدة وانما تمت بيعتهم بعد دفنه ( صلى الله عليه وآله وسلم) وروي عن القسم الصقيل أنه كتب إلى الناحية المقدسة جعلت فداك هل اغتسل امير المؤمنين حين غسل رسول اللّه (صلي اللّه عليه وآله وسلم) عند موته فاجابه : النبي (صلي اللّه عليه وآله): طاهر مطهر ولكن امير المؤمنين (عليه السلام) فعل وجرت به السند .)(*) .
( ولما صلى المسلمون عليه (صلى اللّه عليه وآله وسلم) انفذ العباس بن عبد المطلب برجل الى ابي عبيدة بن الجراح وكان يحفر لأهل مكة ويصرح وكان ذلك عادة اهل مكة وانفذ الى زيد به سهل وكان يحفر لأهل المدينة ويلحد فاستدعاهما وقال اللهم خر لنبيك فوجد ابو طلحة زيد بن سهل وقيل له: احفر لرسول اللّه فحضر له لحداً ودخل امير المؤمنين والعباس بن عبد المطلب والفضل بن العباس واسامة بن زيد ليتولوا دفن رسول اللّه (صلى اللّه عليه وآله وسلم) فنادت الانصار من وراء البيت يا علي انا نذكرك اللّه وحقنا اليوم من رسول اللّه (صلى اللّه عليه وآله وسلم) ان يذهب، ادخل منا رجلاً يكون لنا به حظ من مواراة رسول اللّه (صلى اللّه عليه وآله وسلم): فقال: ليدخل اوس بن خولي وكان بدرياً فاضلاً من بني عوف من الخزرج فلما دخل قال له علي (عليه السلام): انزل القبر فنزل ووضع امير المؤمنين رسول اللّه (صلى اللّه عليهما وآلهما) على يديه ودلاه في حفرته فلما حصل في الأرض قال له اخرج فخرج ونزل علي القبر فكشف عن وجه رسول اللّه (صلى اللّه عليه وآله وسلم) ووضع خده على الأرض موجهاً الى القبلة على يمينه ثم وضع عليه اللبن واهال عليه التراب (انتهى). وروي انه ربَّع قبره .) (*) .
(عن ابي عبد اللّه (عليه السلام) انه لما قبض رسول اللّه (صلى اللّه عليه وآله وسلم) هبط جبرائيل (عليه السلام) ومعه الملائكة والروح الذين كانوا يهبطون في ليلة القدر، قال: ففتح لأمير المؤمنين بصره فرآهم في منتهى السماوات الى الأرض يغسلون النبي (صلى اللّه عليه وآله وسلم) معه ويصلون معه عليه ويحفرون له واللّه ما حفر له غيرهم، حتى اذا وضع في قبره نزلوا مع من نزل فوضعوه، فتكلم وفتح لأمير المؤمنين (عليه السلام) سمعه، فسمعه (صلى اللّه عليه وآله وسلم) يوصيهم به، فبكى، وسمعهم يقولون: لا نألوه جهداً وإنما هو صاحبنا بعدك الا أنه ليس يعايننا ببصره بعد مرتنا هذه . )(12) .
( عن انس بن مالك قال: لما فرغنا من دفن رسول اللّه (صلى اللّه عليه وآله وسلم) اقبلت علي فاطمة فقالت: يا انس كيف طابت انفسكم ان تحثوا على وجه رسول اللّه (صلى اللّه عليه وآله وسلم) التراب، ثم بكت ونادت يا ابتاه اجاب رباً دعاه يا أبتاه، من ربه ما ادناه . )(13) .
كرامات النبي (ص) :
الغريب ان الأدعياء والأتباع من المسلمين يروون في كتبهم حوادث وقصص تحكي فضائل وكرامات يُقرون ويعترفون ويؤكدون عليها قد حصلت للنبي (ص) مع أعدائه وكارهيه وشاتميه في حياته ومماته .. منها :
( عن ابن عباس رضي الله عنه أن رجالاً من قريش اجتمعوا في الحجر، ثم تعاقدوا باللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى ونائلة وإساف أن لو قد رأوا محمدًا لقد قمنا إليه مقام رجل واحد فقتلناه قبل أن نفارقه، فأقبلت ابنته فاطمة تبكي حتى دخلت على النبي ، فقالت: هؤلاء الملأ من قومك لقد تعاهدوا لو قد رأوك قاموا إليك فقتلوك، فليس منهم رجل واحد إلا قد عرف نصيبه من دمك. فقال: "يا بنيةائتيني بوضوء"، فتوضأ، ثم دخل عليهم المسجد، فلما رأوه قالوا: هاهو ذا،وخفضوا أبصارهم ، وسقطت أذقانهم في صدورهم، فلم يرفعوا إليه بصرًا، ولم يقم منهم إليه رجل، فأقبل النبي حتى قام على رؤوسهم، وأخذ قبضة من التراب ثم قال: "شاهت الوجوه"، ثم حصبهم بها فما أصاب رجلاً منهم من ذلك الحصا حصاةٌ إلا قتل يوم بدر كافرًا . )(14) .
ومنها : ( روي أن غورث بن الحرث قال لأقتلن محمدًا، فقال له أصحابه، كيف تقتله؟ قال: أقول له أعطني سيفك، فإذا أعطانيه قتلته به، فأتاه فقال: يا محمد أعطني سيفك أشمّه، فأعطاه إياه فرعدت يده، فسقط السيف، فقال رسول الله : "حال الله بينك وبين ما تريد" )(*) .
ومنها :
( كان أبو لهب وابنه عتبة قد تجهزا إلى الشام، فقال ابنه عتبة: والله لأنطلقن إلى محمد ولأوذينّه في ربه سبحانه وتعالى، فانطلق حتى أتى النبي فقال: يامحمد (هو يكفر) بالذي دنى فتدلى، فكان قاب قوسين أو أدنى، فقال النبي : "اللهم سلط عليه كلبًا من كلابك"، ثم انصرف عنه، فرجع إلى أبيه فقال: يا بني ماقلت له؟ فذكر له ما قاله، فقال: فما قال لك؟ قال: قال: "اللهم سلط عليه كلبًا من كلابك". قال: يا بني، والله ما آمن عليك دعاءه! فساروا حتى نزلوا بالشراة وهي أرضٌ كثيرة الأسد، فقال: أبو لهب إنكم قد عرفتم كبر سني وحقي، وإن هذا الرجل قد دعا على ابني دعوة والله ما آمنها عليه، فاجمعوا متاعكم إلى هذه الصومعة وافرشوا لابني عليها ثم افرشوا حولها، ففعلنا، فجاء الأسد فشمَّ وجوهنا فلما لم يجد ما يريد تقبض فوثب وثبة، فإذا هو فوق المتاع فشمَّ وجهه ثم
هزمه هزمة ففسخ رأسه ! فقال أبو لهب: قد عرفت أنه لا يتفلت من دعوة محمد )(15) .
(1) الفرقان / 31 .
(2) المنتظم لابن الجوزى الجزء العاشر - ص43 . الطبقات الكبرى لابن سعد - حديث رقم: 2150 . أعلام النبلاء لالذهبي - ص1059 . البخاري / الجامع الصحيح : 4428 . ويوجد الكثير من هذه الموضوعات لكننا اكتفينا بهذه منعاً للأطالة .
(3) القرطبي في "المفهم شرح مسلم" (7/307 .(4) البخاري (1351) .
(5) أبي داود (3232) .(6) مصنف عبد الرزاق - (ج 3 / ص 547) . (*) نفس المصدر .(7) ابن حجر في فتح الباري ج 4 ص 421 .(8) أبو داود والنسائي وابن ماجه والبخاري ومسلم . (9) المستدرك على الصحيحين- كتاب الجنائز 1339 / 85 .(10) نهج البلاغة . (11) الانوار البهية في تواريخ الحجج الالهية . (*) نفس المصدر السابق / عن الكليني . (*) نفس المصدر / عن المفيد . (12) بصائر الدرجات . (13) ابن عبد ربه / العقد الفريد . (14) دلائل النبوة 1/65 . (*) نفس المصدر . (15) الدر المنثور 3/119 .
صفاء الهندي
التعليقات (0)