مواضيع اليوم

" عصير طبقات "

متوكل ابو اسامة

2010-01-17 05:56:27

0

 


لا أعرف لم يُلحّ عليّ الإحساس دائماً بأن أشبّه " الكأس" أو " المُدام " بعصير الطبقات ‍‍‍‍!
ربما لأن مافي العصير من طبقات تشبه كثيراً ما يدور بين مجموعة رفقاء جمعهم " الكأس" .
تبدو الطاولة مستديرة ، وأحياناً مستطيلة كإستطالة دهشاتنا ، يجلس المدعوون وهم مهندمون ، متحفزون لمعاقرة الأحلام ، ينبري أحدهم ليحاول أن يفتح موضوعاً يتناسب مع ما يحمله أو قد يدعيه من وعي وثقافة وموقف إنساني ، يلتفت إليه البقية حاملين عروش الإنصات على أكف ذهبية ومزركشة .


الطبقة الأولى " عادةً " :-

تدور الكؤوس على الطاولة كما تتسلل الثمالة كحلم وردي في ليلة هادئة ، يتحدث أحدهم عن أولئك البشر من الطبقات التي تعيش في الأوحال ويسكنها التعب ، وعن حقهم في أن يُلتفت إليهم من قبل الحكومة وفئات المجتمع الأكثر هماً بمحيطها ، وتُرفع يد وتُخفض أخرى ، ويتصبب المكان عرقاً تفاعلاً مع الكلمات التي أيقظت صمته ، لكن في الكأس الأخيرة يلعن الصداع الذي ساقته له تلك الكؤوس ، وفي اليوم التالي ينتظر نهاية أسبوع جديد كي يمارس حنيناً للإنسان .

المفكّر والفيلسوف الفرنسي سارتر تكلم عن ثلاث فئات من الناس إزاء موقفها من الإنسان :-
- إنسان إختار القيد طائعاً : وهذا النموذج إما أن يكون نموذجاً نفيعاً ، أي تنازله عن حريته كان بمقابل نفعي ، أو أن يكون قسرياً إذ لم يستطع أن يتمثل عن إرادة قوية بقول الشاعر أبي القاسم الشابي :

إذا الشعب يوماً أراد الحياة فلا بد أن يستجيب القدر
وهنا مفرزة المقاوم .

- أو إنسان يرى نفسه حراً لكن إزاء حرية فارغة : وهذا النموذج أقرب آن يكون أخر من يتحدث عن الإيثار وعن هموم الأخرين من فئات المجتمع الأقرب إلى الطحن .
- أو إنسان حر تجاه وضع محدد يرتبط به : وهذا النموذج هو الأقرب لكل مؤدلج أياً كانت نوع أيديولوجيته .

الطبقة الثانية " عادةً " : -

أخر مؤمن إيماناً لا يمكن منازعته عليه حول وطنيته ، وأن الوطن فوق الجميع ، لا غالب ولا مغلوب فيه إلا بما تقتضيه شريعة عادلة ، وقانون لا يمكن أن يمايز بين فرد وأخر مهما تباينت الأعراق أو الأنساب أو المستويات الإجتماعية ، وكلما رشف من مُدامه كلّما زاد إيمانه ، وكأن " الكأس" هي بندقية تشي جيفارا ، أو صرخة أبي ذر الغفاري ، أو نداء بلال بن رباح للأذان ، وحاله كحال من يسكنه الصداع الذي تسببت الكأس الأخيره له به ، وكأسك يا وطن ، هكذا هي صورة المقاوم الوطني ( كأس كبندقية جيفارا أو كصرخة أبي ذر الغفاري أو كنداء بلال بن رباح للأذان ) .


الطبقة الثالثة " عادةً " : -

أخر أتى محملاً بهموم المرأة وحقها في المشاركة والبناء ، أتى محملاً بأرتال من قيود قرر كسرها بمجرد أن تمرق أمامه بعد رشفة أتيه بندقية جيفارا ، أحياناً يصله الإعياء لعدم مرورها عليه ، فيجهد في رشف الكؤوس ، وحينما تأتيه وأحياناً لا تأتيه فيؤجلها إلى " ويكند " قادم ، حينما تأتيه يتفقد البندقية جيداً وحالما يشعر بجاهزيتها يبدأ بإطلاق الرصاص ، ولكنه يصحو في الغد ليجد رأسه قد مزقته تلك الرصاصات .

 

 

 

الطبقة الرابعة " عادةً" : -

أخرون في مكان أخر ليس لهم طموحات للثقافة ، للوعي ، لتقدم الأحلام ، جلّ همهم أن يكونوا كما هذا : -

" نحن قوم إذا دارت الزجاجة دوراً حسب العاشقون أناّ سكرنا ، ما سكرنا ، ولكن خمر شفتينا أسكرتنا فسكرنا "

لكن هل يبدون تافهين رغم ندرة أحلامهم تجاه الإنسان ؟
يخيّل إليّ أنهم رغم ذلك فهم أكثر صدقاً ونقاءً من سابقيهم … ربما … فالحياة " ربما" .

 

 


الطبقة الخامسة " غالباً " : -

هذه الطبقة لم تستوعب عصير الطبقات المملوء ، ولم يستوعبها هو أيضاً ، فوجدت نفسها خارجه .
أراهن كثيراً على معدنها الطيّب ، رغم تمايز أحلامها ، ورغم إنشغالها بقوتها وقوت من تعول ، إنها الطبقة الأكثر وضوحاً ، وربما الأكثر وجعاً ، لكنها الطبقة التي لا تبحث عن بندقية تشي جيفارا بعد الكأس الثانية أو الثالثة ، ولا عن صرخة أبي ذر الغفاري بعد الكأس الرابعة ، ولا عن صوت بلال وهو يؤذن بعد الكأس الخامسة ، إنها الطبقة التي أثرت ألا تسبب طيشان لعصير الطبقات ، لكن يبقى سؤال أخير : هل هي بمعزل تام عنه ؟




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !