مواضيع اليوم

" بلطجــــــــة" مغربـــــــية

حنان بكير

2011-07-01 00:19:26

0

 

 

كذب واقع الحملة الهوجاء ، التي عرفتها شوارع المملكة طيلة الايام العشرة الماضية، خطابات السلطات، التي ما فتأت تدعي التزامها بالحياد،  بعد أن خرقت هذه الأخيرة، و من خلال مشاركتها الواضحة والفاضحة في التأثير على خيار المواطنين تجاه مشروع الوثيقة الدستورية المقترح، القوانين  التي لا   تمنح حق التعبئة، في هذا الصدد، سوى للأحزاب والنقابات.

فمالذي جعل  وزارة الداخلية تفقد أعصابها وتتحول إلى فاعل وداعم  وممول رسمي للحملة، أو بالأحرى الحفلة، في خرق سافر لمقتضيات القانون ، وهو الامر الذي يدفع دون أدنى شك الى الاعتقاد  بأن ورثة ادريس البصري، غير جاهزين  للاستغناء عن تركة ثقيلة  خلفها  معلمهم الراحل.

هل كان من  الضروري   أن تغادر  "البلطجة" بلاد مصر  وتدخل الى المغرب، لمواجهة  رياح الحراك الجماعي المنادي بالتغيير المشروع، بعد ان وجدت  الايادي المرحبة  في وزارة الداخلية المغربية  التي رأت فيها أسلوبا جديدا وفعالا    لتأديب معارضيها الجدد؟

لم تكف كل الاشارات السلبية  التي سبقت إعلان الحملة بدءا من اعتقال الصحفي رشيد نيني و التدخل الهمجي في حق نشطاء حركة 20 فبراير، فكان لابد من ان تتناسل سلسلة من الاشارات الاكثر سلبية  ساهم   مجملها  في تشويش  الصوت الرسمي، في الداخل، الذي تعهد باحترام حقوق الانسان، وتشويه الصورة التي أراد المغرب رسمها في الخارج، و الذي تسمح ديمقراطيته، عبر إعلامه الحر، بمتابعة ، مجرى موجة التحولات السياسية التي ألغت قاعدة الاستثناء المغربي إلى الابد.

إن اسلوب "البلطجة"، المستورد من قاموس اللغة الامنية المصرية زمان حسني مبارك، والذي  عرف اليوم طريقه الى  شوارع المغرب، لن يعيد أبدا الهدوء الى المملكة ولن  يكون البتة وسيلة مثلى لوقف امتداد الاحتجاجات واقناع المواطنين بالعودة الى منازلهم، بل على العكس تماما، إنما سيزيد من تأجيج الاوضاع ويصب المزيد من الزيت على نار الاحتقان في هذه المرحلة الدقيقة من تاريخ المغرب الحديث.

وبصرف النظر عن الموقف  من حركة 20 فبراير، التي تلح  على ضرورة تطبيق الملكية البرلمانية هنا والان، على عكس الكثير من حكماء هذا البلد، كالاستاذ محمد ظريف، الذي اعتبر، خلال مداخلة له في اليوم الدراسي الذي نظمته الجهة حول الاعلام الجهوي ورهانات التنمية، بمدينة اكادير، مشروع الدستور الجديد بكونه دستور المرحلة الانتقالية  نحو التحول الديمقراطي الفعلي ،  إلا انه، وبالرغم من ذلك، فمن غير المعقول أن يستسلم المرء لرغبة مقاومي التغيير في شرعنة "البلطجة" وتبنيها  كاسلوب جديد لاستئصال جدوة هذه الحركة الاحتجاجية من الحقل السياسي الراهن، لأننا  نعتقد جازمين أن تحرُكها، الذي كان وراءه الكثير من الحساسيات على اختلاف مشاربها، ساهم، وبقوة،  في تحريك  مياه السياسة الراكدة التي جرفت في طريقها مشروع حزب

 الاصالة والمعاصرة المخزني.

إن الهيستريا، التي اصابت الجسم الامني و حركت أذرع قمعه  بهدف الاعتداء الوحشي، الذي استهدف عن سابق اصرار وترصد، وجوها نسائية الى جانب العديد من النشطاء الاخرين، ليست في الحقيقة الا نتيجة غير طبيعية لسوء الفهم الكبير لخطاب الملك، فالعقل الامني لا يريد أن يستوعب أن محبة الشعب للملك ليست بالضرورة الانخراط في اغنية  "قولوا العام زين" المملة، بل يمكن التعبير

  عنها بلغة اخرى غير تلك التي الفوها في قنواتهم إعلامهم الرسمية.

لقد كان على السلطات أن تمنح فرصة تاريخية لقياس مدى  تفاعل المغاربة مع مشروع الدستور دون أن تلجا الى أساليب بائدة لإكراه المواطنين أو إغرائهم للمشاركة في حملتها التي كانت أبعد ما تكون الى الاساليب الديمقراطية، وعكست نية سيئة في تزوير النتائج حتى قبل إعلانها من خلال  التأثير السلبي على الرأي

 العام.

 كان من الممكن، كذلك،  أن تكون هذه الفرصة تاريخية بامتياز كي تنظف الداخلية أياديها المثقلة بدرن التزوير والتلفيق، لو أنها تركت المجال واسعا أمام المواطنين للاختيار بين قول نعم أو لا دون وجل ولا خجل، لا أن  تجعل من نفسها ملكا اكثر من الملك، فالملك هو من  اختار بنفسه صفة المواطنة ، دون

 اكراه، وعبر بحرية وشجاعة عن رأيه الذي يحترمه الشعب.

 الا انه، وللأسف،  فعكس ذلك هو ما حصل، فالداخلية   ارتأت أن تنهج  سلوك "البلطجة"  لتجدد،  في هذه المحطة التاريخية، وفاءها    لعادتها القديمة.

ولعل المثير للإشفاق و  للسخرية في آن  هو مشهد "ثوار الأمس" بسيدي افني، التي كانت سباقة بتشكيل حركة 25 أبريل في عام 2005 ، التي الغت كافة الانتماءات واذابتها في وعاء الوحدة والتضامن المشترك، وهم يطبلون ويزمرون في مقدمة المسيرات "الارتجاجية"، التي اشرفت على تنظيمها السلطات، رافعين

شعار "نعم للدستور" ومسخرين لذلك سيارات الخدمة التابعة للجماعة!

كم هو مؤسف بالفعل أن نرى  بعضا منهم وقد اعتمروا جُبة المخزن و ارتموا في حضن "حراك" مختلف بعد أن خضعوا لعمليات التحول إلى "جنس نضالي" جديد.

فهؤلاء "المتحولون" لم يجدوا أدنى حرج في السير في مقدمة مسيرات يعلم الجميع أن مقاديرها أُعدت بعناية في مطبخ السلطات قبل أن تنتهي إلى

موائد   الاحزاب السياسية التي لم يكن دورها في الحقيقة يتجاوز توزيع دعوات الحضور.                                            

ومن سخرية القدر كذلك ان الاحزاب السياسية، التي طالما نددت بما تسميه احيانا في بياناتها الشديدة اللهجة، بالحياد السلبي للإدارة، حين كانت تشعر بخطورة الفعل على حظوظها  بالفوز بمقاعد انتخابية، التزمت الصمت وكأنها مطمئنة للدور الايجابي والفعال  الذي  تلعبه السلطات في دفع الناس الى المشاركة في استفتاء الفاتح من يوليوز وهو الدور الذي استعصى  تحمله على قياداتها

 العاجزة.

من المنتظر، طبعا، أن تساهم  مثل هذه الممارسات، التي تخللت حملة الاستفتاء على الدستور، في التشكيك في مصداقية هذه الاحزاب، وتدفع، كنتيجة لذلك ،    جمهور المواطنين الى الاعتقاد بأن رفضها السابق  لتدخل

الادارة في التأثير على اللعبة لم يكن في الحقيقة  مؤسسا على مبدء راسخ بقدر ما

 كان  مرده  خشيتها  من عدم تحقيق  مكاسب سياسية منتظرة.

لقد كان مؤملا أن تفتح السلطات قنوات إعلامها لكافة الاصوات بما فيها تلك التي  لا يطربها  ايقاع الجوقة الرسمية، حتى يتبين المواطن حقيقة الامور ومسارها وحتى يتشكل لديه الاقتناع بحدوث تغيير، وإن على مستوى الحق في التعبير، من خلال الاستماع الى الرأي والرأي الاخر، فهذا هو الشكل الوحيد للحملة القادر

 على دفع المواطن الى المشاركة بوعي ناضج وقناعة راسخة.                                              

انه لمن المشين أن  يظل عقل الداخلية  يشتغل  بنفس العقلية القديمة  ويصر على افساد  الامل  في بناء مغرب ديمقراطي بعد أن هرم الجميع من اجل هذه اللحظة التاريخية!

فبصرف النظر عن حجمها في ميزان اللعبة السياسية، إلا أنه كان من  المفروض أن تُمكَن حركة 20 فبراير من إسماع صوتها الى المواطنين من خلال كل المنابر الاعلامية الرسمية حتى يتبين للجميع الخيار الذي وجب اتخاذه واي  الطرق التي يُفضل سلوكها.

فالحوار الجاد والمجرد من لغة الاستئصال والاقصاء هو السبيل الوحيد الى توحيد الرؤى حول مسار التحولات المفروض أن يقود الى إجماع حقيقي يفوت

الفرصة على ذوي المواهب في تغليط الرأي العام.

وحتى اذا سلمنا  بعجز وزارة الداخلية الطبيعي عن استيعاب مضامين الخطاب الملكي، لكونها لا تتقن الا لغة القمع، وببراءتها من المنسوب اليها من تهم "البلطجة" المكدسة، فكان الاجدر بها  أن تسهر على أمن  المتظاهرين  من ناشطي حركة 20 فيراير  ، التي  تعتبر  لا عبا اساسيا في الساحة السياسية بصرف النظر عن حجمها، إن لم يكن بمقدورها تأمين وصول ارائهم إلى اذان الجماهير.                              

كنت اعتقد ولاأزال أن التغيير الذي انطلق  منذ مدة على مسار   الاصلاحات  سيعرف حتما طريقه الى محطة الوصول، ما بعد محطة الاستفتاء، الا انني لا استطيع ان اضع كل البيض في سلة واحدة، كما  يحلو للانكليز القول، ولهذا فمقاطعتي ليست  استجابة لنداء حركة 20 فبراير وانما نتيجة  لممارسات لا تشجع على   المشاركة  في استفتاء لم تعرف   حملته  شروط الديمقراطية اللازمة، بل تحولت أحيانا الى بهرجة و في أحيان كثيرة الى "بلطجة" وبين هذين الاسلوبين الفاشلين نار احتجاج سلمي أحرقت  وعود الداخلية المعسولة وفضحت نواياها غير المعلنة.




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !