مقدمـــــة
الثقافة والحضارة صنوان لا يفترقان، وهما المكونان للشخصية القومية للأمة. ومن خلالهما تحقق الأمم التواصل الحي، وتقيم علاقات إيجابية فاعلة، تعود بالخير والنماء للبشرية كلها.
أما الإرهاب والحرب فهو الوسيلة التي تقطع الصلة بين الأمم ويحل الجفاء والحقد، محل التواصل والاتفاق، وينعدم الأمن الذي هو إحدى غايات الإنسان والدول والشعوب. وإذا اعتقد البعض أن القوة العسكرية المسلحة قادرة أن تفرض الأمن، فإن هذا الأمن يظل مؤقتاً ساكناً وسلبياً، وقد تنفجر الألغام فيه في أية لحظة. في حين يقوم الأمن من خلال علاقات إيجابية بين الدول، أو بين الأمم، ومن خلال اعتراف كل طرف بالآخر. وقد أشرت الذاكرة التاريخية أن الحروب هي التي دمرت الحضارات الإنسانية، كما أشرت التلاحم والتلازم بين التطور الحضاري ـ المادي، وبين الحرب. فالتطور الصناعي والتقني الخاوي من القيم والمثل ومن الروح، يقود إلى الغزو والعدوان، لينال من الأخر حضارياً وبشرياً.(1)
إن اعتقاد البعض بإمكان تحقيق الأمن بالقوة هو في حقيقته جوهر فكرة (صراع الحضارات) التي طرحها (صموئيل هنتنغتون) ، وتعني في حقيقتها إخضاع أبناء حضارة ما لسيطرة أبناء حضارة أكثر قوة ، وأوسع إمكانيات مادية. والإخضاع يعني النيل من إرادة أبناء الأمة الضعيفة، ومسح شخصيتها الثقافية، وإيقاف نهوضها الحضاري.
من هذه المقدمة ستكون معالجتنا لموضوع (البعد الثقافي والحضاري للإرهاب). ويثير هذا الموضوع أسئلة عديدة ، تشكل الإجابة عليها ، محاور البحث.
هل صحيح بأن الحضارات تخوض صراعاً مع بعضها البعض..؟ وهل صحيح أن الثقافات تحترب..؟ من يصارع من.. العرب يصارعون الغرب.. أم أن الغرب يصارع العرب..؟ وهذه الأسئلة تستلزم الوقوف لوضع مفاهيم لمصطلحات الثقافة والحضارة والإرهاب. وأخيراً هل يتحقق الأمن والسلام العالمي من خلال الصراع أم من خلال الحوار..؟
إن الهدف من هذا البحث هو الإجابة على السؤال الأخير.. وإثبات حقيقة أقرتها الأعراف السياسية، والتجارب التاريخية، وهي أن الحوار مع الآخر، والاعتراف به، هو السبيل نحو إقامة علاقات متوازنة بين الدول والأمم، وضمان الأمن والسلام.
ويعتمد البحث المنهج التاريخي والمقارن بين الحقب التاريخية التي تؤشر علاقة العرب بالغرب ،وكذلك تحليل الأقوال والمدارس الفكرية لدى المفكرين الغربيين للتوصل إلى حقيقة مرادها هل يتوخونا الحوار آم الصرع؟
المبحث الأول: تحديد مفاهيم المصطلحات
1. الثقافــــة:
مصطلح ثقافة في اللغة يعني " الإنماء" أو "التهذيب" أو "الصقل" وهو مأخوذ من لفظ culture بالإنكليزية و cultrate بالفرنسية و culture بالإيطالية و kultur بالألمانية، وهذه الألفاظ لها صلة بالزراعة، وتفيد "الإنماء"(2). وقد نمت الثقافة في مجتمع المدن قبل الدولة، وقد أنتج تفاعل الثقافات حضارة إنسانية لأمة ما، كما تطور مفهوم الثقافة وصار يعني الفكر والقيم وما يبدعه العقل من نتاج أدبي وفني وعلمي.
تعددت تعريفات الثقافة، بتعدد المعنيين بها، وتعدد انتماءاتهم وعقائدهم. فقد عرفها الدكتور عبد الله عبد الدائم بأنها "النتاج الأدبي والفكري والفني. وتعبر عن أنماط السلوك المادية والمعنوية في المجتمع، وتطور مفهومها حتى صار يشمل النشاطات والمشروعات المشتركة التي تكون أساس الرغبة في الحياة المشتركة لدى الأمم، وينبثق منها تراث مشترك من الصلات الروحية يسمى (الذاكرة الفردية) و (الذاكرة الجمعية)".(3)
ويعرفها الدكتور محمد عابد الجابري بأنها "ذلك المركب المتجانس من الذكريات والتصورات والقيم والرموز والتعبيرات والإبداعات، التي تحتفظ لجماعة بشرية، تشكل أمة، أو في ما معناها، بهويتها الحضارية في إطار ما تعرفه من تطورات بفعل دينامكيتها الداخلية وقابليتها للتواصل والأخذ والعطاء.(4)
ويحدد الدكتور عبد الإله بلقزيز موقع الثقافة في أنها "صارت تمثل الجبهة الأمامية للصراعات، بعد أن كانت في خلفية المشهد، أمام أرجحية لا غبار عليها للسياسة والاقتصاد والقوة العسكرية"(5). ويحدد الدكتور حسن حنفي أن الثقافة مسؤولة عن الجزء الأكبر من محتوى الشخصية، فالثقافة للأمة كالشخصية للفرد، وأن للأمة شخصيتها الثقافية ـ كما يرى الدكتور علي الوردي ـ كما للفرد شخصيته التي يتميز بها(6).
ويعرفها (كلود فاير يزنو) بأنها المنظم لسلوك الانسان وتعبر عن القيم والعادات التي حصل عليها الإنسان"(8). وعرفها (لسلي وايت) بأنها التنظيم لأنماط السلوك والأفكار والمشاعر التي تعتمد على استخدام الرموز(9)، عرفها (ريتشارد ماكيون) بأنها أنماط ناشئة عن تطور تاريخي، أو مجموعة من العـادات، يعترف بكونها مقبولة في جماعة معينة، ويمكن متابعة أثارها في دوائر النشاط الإنساني كالسياسة والحقوق والفن والدين والمعرفة العقلية بمختلف صورها.(10)
مما تقدم يمكن تلخيص مضمون التعريفات، بأن الثقافة تحتوي على معرفة وذكريات وقيم ومعتقدات وتصورات (فن، أدب، أخلاق، قانون، عرف، عادات) حصل عليها الإنسان، من التطور التاريخي للمجتمعات، وصارت تشكل سمة مميزة له ولشخصيته التي تميزه عن الأخر. وكما هي ثقافة الفرد، فإن ثقافة المجتمع أو ثقافة الأمة تحدد ملامح شخصيتها، وتميزها عن الأمم الأخرى.
2. الحضــارة:
يلتقي مفهوم الحضارة (civilization) مع مفهوم الثقافة (culture)، فهي ليست ظاهرة من ظواهر تطور العالم فحسب، بل هي تجربة لإرادة الحياة لدى البشر، أي لتوفير الحيــــــاة، والوصول إلى الكمال في جو روحي.(11) ويحدد (إشفيتسر) مضمون الحضارة بثلاثة أنواع من التقدم هي:
أ ـ التقدم في المعرفة والسيطـــــرة
ب ـ التقدم في التنظيم الاجتماعي للإنسانية
جـ ـ التقدم في الروحيــــــــــة
ويضيف أن الحضارة تتألف من مثل عليا هي:(12)
أ ـ المثل العليـــا للفــرد
ب ـ المثل العليا للتنظيم السياسي والاجتماعــــي
ج ـ المثل العليا للتنظيم الاجتماعي والروحي والديني
د ـ المثل العليا للإنسانية بوصفها كلاً متكامـــلاً
وينتقل (إشتفيتسر) من مضمون الحضارة إلى وضع مفهوم لدوافعها: فهي "بذل المجهود، من أجل تكميل النوع الإنساني، وتحقيق التقدم في أحوال الإنسانية وأحوال العالم الواقعي"(13)
فالحضارة التامة هي عبارة عن تحقيق كل تقدم ممكن في الكشف والاختراع وفي تنظيمات المجتمع الإنساني.. وتعمل كلها من أجل التكميل الروحي للأفراد "وهذا هو الهدف النهائي والحقيقي للحضارة(14). وكل تقدم مادي يتحقق عن طريق الإنسان لا يقترن بالنماء الروحي والأخلاقي للأفراد، يُعد مقدمة لخواء الحضارة وتجمدها وبالتالي ذبولها وزوالها. فالحضارة تتفتح وتزدهر كلما كانت مستجيبة للتحديات التي تواجه الإنسان، وتخبو وتزول كلما أهملت حاجات الإنسان الروحية، والفعل البشري الذي يؤدي إلى خير الجماعة البشرية ويمنحها الحياة، هو المضمون الحقيقي للحضارة، أما الفعل الذي من شأنه أن يجلب الشر، فإنه يعني خواء الحضارة وسوقها نحو الزوال.ويورد (إشفيتسر) قولاً للكاتب (هارولد هوفدنغ) من كتابه " الأخلاق " "بأن الفعل يكون خيراً إذا صان جماع الحياة، وأعطى امتلاءً وحياةً لمضمونها، ويكون شراً إذا كان من شأنه أن يُضيق من جماع الحياة ومضمونها"(15)
ويخلص (إشفيتسر) إلى نتيجة "بأننا نكون متحضرين إذا كنا إنسانيين. وإن الاهتمام بكل ما ينتسب إلى الطبيعة الإنسانية الحقيقية هو الذي يمكنه أن ينقذها ويحفظنا من الذهاب بعيداً عن طريق الحضارة."(16)
ويتمثل دستور الحضارة ـ كما يراه (شبنغلر) في العقيدة وقوة النفس، وفي الوجدان المتمثل في الشعور. ويرى أن الحضارة تولد ككائن حي له طفولة وشباب ونضج وشيخوخة، وبعد أن تستنزف الحضارة إمكانيات روحها، تتخشب وتتحول إلى مدنية وأخيراً تتجاوز المدنية إلى الانحلال والفناء.(17).
المدنيّة في رأي (شبنغلر) تعني الصيرورة، أي أن يُمسي التاريخ طبيعة، ويغدو الزمان مكاناً، والاتجاه امتداداً، والعلوم الروحية علوماً طبيعية، ويتخشب الوجود كله، تجف العصارة الحياتية من ساقه وتاجه وأغصانه، وتصبح الفخامة المادية، والوفرة العددية صاحبتي الحول والطول، وتنحل الضمائر، وتصبح العظمة تقاس بالباع والذراع، وتقدر بالقنطار والدينار(18)
والمدنية في رأي أبن خلدون، هي نهاية العمران، وخروج إلى الفساد، ونهاية الشر والبعد عن الخير.
إن التعريفات ـ الآنف ذكرها ـ تفيد أن الحضارة، تكمن في تكامل المادي والروحي، وعندما يخبو الروح، تجف الحضارة وتسير نحو الفناء والزوال. وهذا ما تؤكده نظرة المسلمين للحضارة، لأنه نظام شامل للحياة، يجمع كل المقومات المادية والمعنوية، وإحاطة التقدم المادي بالأخلاق والتقوى، وحماية المجتمعات من الفساد والانحراف، فحضارة الإسلام هي جماع الروح والمادة، والعقل والقلب والدنيا والآخرة.(19)
ويمكن تلخيص الرؤيا الجماعية للحضارة، بأنها جماع بين العوامل المادية والمعنوية، وأي اختلال بينهما لصالح العوامل المادية، سيعجل في فنائها.
3 ـ الإرهـــاب.
تعود كلمة الإرهاب إلى الأصل الإنكليزي.Terror ، وتعني الترويع أو الرعب أو الهول. وقد أدت التطورات التاريخية إلى بروز الصيغة المستخدمة حديثاً في الأدب السياسي وهي: Terrorism.
ورغم وضوح هذا المعنى، إلا أن مفهوم الإرهاب، ما زال مثار جدل، ومحط اختلاف بين العديد من القوى السياسية، أو الدول. وقد تداخل مفهوم الإرهاب مع مفهوم العنف، لأن الإرهاب يستخدم العنف بشكل قسري وغير مشروع لخلق حالة من الخوف والرعب، بقصد تحقيق تأثير على فرد أو السيطرة عليه، أو على مجموعة أفراد، أو على المجتمع كله، وصولاً إلى هدف معين.
إن الإرهاب يشكل خطراً على الإنسان وعلى حضارته وثقافته وتطلعاته نحو التقدم والنهضة، أما الكفاح المسلح والعنف الثوري من أجل التحرر ومن أجل تحقيق الاستقلال الوطني، فهو جهاد وليس إرهاباً، وهو يستخدم وسيلة عنفية لتحقيق هدف مشروع أقره ميثاق الأمم المتحدة.وهذا المفهوم يرفضه الغرب الذي أقر ميثاق الأمم المتحدة 1945، ويرفضه الكيان الصهيوني الذي مارس الإرهاب طيلة نصف قرن ونيف ضد الشعب الفلسطيني.
يبرز خطر الإرهاب عندما يتجاوز في هدفه كل ما يصيب الأفراد والمجتمع بالشر والأذى، وأخطر أنواع الإرهاب، هو إرهاب الدولة، التي تتمتع بممكنات مادية كبيرة، والذي تمارسه ضد دولة أصغر منها، وأقل في ممكناتها المادية، بهدف كسر إرادتها، والوقوف بوجه شعبها، حتى لا ينهض ويتقدم.
المبحث الثاني: علاقة العرب بالغرب (صراع أم حوار)
إن تعبير الغرب عائم.. فالغرب الرسمي يعني الدول والأجهزة والسوق الاقتصادي الحر، ونظام إعلامي نشط، وقوة عسكرية. أما الغرب الحضاري فيعني العلوم والفنون والتقاليد وأنماط العيش.كما أن الغرب لا يشكل كتلة جغرافية ، ولا كتلة قومية متجانسة ، ولا تاريخ مشترك ولا دين واحد. ما يجمعه هو النظام الليبرالي الرأسمالي ونزوعه الاستعماري للسيطرة على ثروات الآخرين.
والنقاط الآتية تبين العلاقة بين الدولة العربية الإسلامية وبين دول الغرب:
-علاقات صراعية:-
1. بينت أحداث التاريخ أن العرب وصلوا بلاد الغرب مرة واحدة، ووصلوا إلى (تولوز) في فرنسا، وأقاموا في الأندلس عدة قرون، ولم يكونوا محتلين أو مستعمرين، بل حملوا رسالة إنسانية، رسالة الإسلام إلى شعوب تلك البلاد، وأقاموا حضارة ما زالت معالمها موجودة حتى اليوم، ونشروا العلم والأدب والفقه. وبنوا المساجد والقصور والمكتبات العامة، وظهر علماء أجلاء في شتى الاختصاصات، ورسخوا في أبحاثهم المنهج العقلي، في وقت كان الأوربيون يعيشون في ظلام وجهل، ويخضعون للأساطير والسحر، بتأثير رجال الدين في الكنيسة الكاثوليكية، الذين حاربوا العقل، والعلماء المتميزين أمثال (أبن رشد) وإحراق كتبه من المكتبات.
وعندما ضعفت الدولة العربية في الأندلس، وأفل نجمها (1492)، استخدم الغربيون الأوربيون أقسى وأشد أنواع العنف ضد المسلمين في الأندلس، وأجبروهم على ترك دينهم والعودة إلى النصرانية.
أما المحطة الثانية التي حسبت على العرب فهي دخول العثمانيين (الأتراك) إلى وسط أوربا ومحاصرة (فينـا)، فهي أيضاً نشرت الإسلام في ربوع البلاد التي وصلتها جيوش الدولة العثمانية.
2. وبينت أحداث التاريخ أيضاً أن الغرب جاء إلى بلاد العرب قبل الإسلام وبعده، غازين محاربين. وقد سيطروا على البلاد والعباد وصادروا الحريات وامتهنوا حقوق الإنسان. وقد تمكن المسلمون في معركة اليرموك من إنهاء الوجود الأوربي (البيزنطي) في بلاد العرب.
وعندما ضعفت الدولة العربية العباسية، وتنازعتها الخلافات الداخلية، وتدخلات القوى الخارجية، اندفع الغرب باتجاه الشرق عبر البحر في حملات متلاحقة، عُرفت بحروب الفرنجة، التي أسماها الغرب بـ(الحروب الصليبية) 1099 ـ 1291، بدعوى تخليص المقدسات المسيحية من أيدي العرب المسلمين، الذين حرروها في زمن الخليفة عمر بن الخطاب من السيطرة الرومانية آنذاك. ودلت الوقائع التاريخية، على أن حملات الأوربيين كانت بدوافع سياسية واقتصادية ودينية.
ورغم ضعف العرب آنذاك، إلا أن حضارتهم العريقة شعـت نوراً وهدى، وقد استغل المستشرقون الأوربيون تلك الأوضاع لينقلوا أرقى المخطوطات ونفائس الكتب العربية، وبخاصة في ميداني الطب والفلسفة. وقد أحصيت التراجم من العربية إلى اللاتينية بحوالي (300) مخطوطة في شتى العلوم، كما ترجموا القرآن الكريم إلى اللاتينية.
ومع ذلك فإن الغرب بسطوا سيطرتهم على البلدان العربية، وخاصة المقدسات في فلسطين، إلى أن تمكن القائد العربي صلاح الدين الأيوبي من هزيمة جيوش الفرنجة بزعامة ريتشارد قلب الأسد، في معركة حطين( 1187). وفي تلك الحقبة التاريخية كانت الديار العربية مفتوحة أمام الغزاة من الشرق ومن الغرب.من الشرق جاء الأتراك باسم الإسلام ليخضعوا البلاد العربية لحكمهم (الإمبراطورية العثمانية) طيلة أربعة قرون ونيف. وتتوقف الأمة العربية عن أداء دورها الحضاري ، وتعود القهقرى ، ويتفشى الجهل والفقر والمرض. إلى أن ضعفت الدولة العثمانية وصارت توصف " بالرجل المريض "، وانتهى حكمها مع قيام الحرب العالمية الأولى، وقيام الثورة العربية الكبرى (1916).
3 ـ عندما بدأت أوربا (1497)، عصرها الأول باختراع البوصلة والبارود، وامتلكت بعض مقومات القوة، استعادت ذاكرتها التاريخية بما فيها من عقد الماضي إزاء العرب، سواء في معركة اليرموك أو حطين، ووقوف العرب على أطلال تولوز في فرنسا، وفتحهم الأندلس في أسبانيا، سخر الغربيون اختراعاتهم ضد العرب، فمخرت سفنهم عباب المحيطات حول رأس الرجاء الصالح، جنوب القارة الأفريقية، قاصدة بحر العرب، لتدخل معركة غير متكافئة مع الأسطول العربي، الذي كان صلة الوصل بين الشرق والغرب، ينقل توابل الهند وحرير الصين إلى بلاد أوربا.وقد أفل نجم الأسطول العربي (1497)، وتسيد الأسطول البرتغالي البحار، وسيطر على التجارة بين الشرق والغرب.
4 ـ بعد الثورة الصناعية في أوربا، وانتهاء هيمنة الكنيسة، وبروز ماسميّ بعصر "التنوير" نمت الرأسمالية الأوربية، وأخذت تفتش عن أسواق لتصريف منتجاتها، والبحث عن مواد أولية لإدامة صناعاتها. وقد وجد الأوربيون ضالتهم في عالم الجنوب، ومنه الوطن العربي، وحصل التسابق بين فرنسا وبريطانيا للاستحواذ على المواقع الاستراتيجية في الوطن العربـــي، والسيطرة على المواد الأولية فيه. فكانت غزوة نابليون على مصر والمشرق العربي (1798 ـ 1801)، وغزوة بريطانيا على مصر (1840) و (1882). وعملت فرنسا وبريطانيا معاً قبيل الحرب العالمية الأولى للسيطرة على المشرق العربي، بخداع قادة الثورة العربية الكبرى (1916) ثم نقض الوعود التي قطعوها لشريف حسين، بإبرام اتفاقية " سايكس ـ بيكو " (1916) ومنح بريطانيا اليهود " وعد بلفور " (1917) ومساعدتهم في إقامة كيان استيطاني لهم في فلسطين. لقد أشرت هذه المحطات التاريخية أن الغرب الأوربي حارب نهضة العرب ووحدتهم، حتى لا يضطلع العرب بدورهم الحضاري الإنساني.
5 ـ عندما نجح العرب في تحقيق الاستقلال الوطني في معظم الأقطار، وبالذات في مصر، وقام فيها حكم وطني يسعى إلى النهضة والتقدم، ويدعو إلى الوحدة العربية، وإقامة تكتل للدول النامية، عُرف فيما بعد بحركة عدم الانحياز، تحالفت بريطانيا وفرنسا والكيان الصهيوني، وشنوا العدوان الثلاثي على مصر. وبرز الدور الاستعماري الغربي في الجزائر وأقطار المغرب العربي وكذلك فعلت الولايات المتحدة، حليفة الكيان الصهيوني، وراعيته في شتى المجالات، بشن العدوان الثلاثيني على العراق، لأنه تخطى حدود الدول النامية، وأمسك بناصية العلم، وسخر التقنية لخدمة الاستقلال الوطني والأمن القومي، ودعا إلى تضامن عربي فاعل يؤدي إلى عمل وحدوي في المستقبل. فالعدوان على العراق هو لوقف مشروعه القومي النهضوي الحضاري.وشمل العدوان الأمريكي أقطاراً عربية (ليبيا ، السودان ، الصومال) لمجرد الاشتباه بأن لها صلة بما يسمى الإرهاب.
-غزو ثقافي غربي:-
6 ـ رافق المحطات التاريخية ـ آنفة الذكر ـ غزو ثقافي غربي متعدد الألوان والأشكال لتحقيق أغراض استعمارية اقتصادية وسياسية، وفرض ثقافة غربية على شعوب المنطقة. وعلى العرب بخاصة، وقد إستغلت الدول الغربية ضعف الدولة العثمانية، التي كانت تئن تحت وطأة الديون، فتسابقت في إرسال البعثات والإرساليات التبشيرية والعلمية والآثارية إلى البلاد العربية، تبشر بالدين المسيحي وبالثقافة الغربية، وفي الوقت نفسه تنقل منجزات الحضارة العربية إلى أوربا ـ كما أسلفنا ـ فنقلت الدول الأوربية آثار حضارة وادي الرافدين، وحضارة الفراعنة في مصر وكدستها في متاحف باريس ولندن وبون ، كما زينت شوارع مدنها بالمسلات والأعمدة.
أما الولايات المتحدة التي خرجت من عزلتها بعد الحرب العالمية الأولى، أدركت أهمية الوطن العربي، فدرس علماؤها اللغة العربية، لأنها مفتاح اللغات السامية الأخرى، وترجموا نفائس الكتب العربية.كما عمدت إلى فتح جامعات في بعض العواصم العربية (القاهرة وبيروت) تدرس باللغة الإنكليزية.وجاء هذا الاهتمام لتحقيق أغراض سياسية إستراتيجية واقتصادية وهدف ثقافي، يرمي إلى نشر الثقافة الأمريكية، لاعتقاد الأمريكان بأن الله أختارهم لكي يعملوا على تحضير العالم، وهذا الاعتقاد يتصل بالفكر الصهيوني، وبالخلفية التوارتية بأن اليهود هم " شعب الله المختار ".
7 ـ إن المحطات ـ الآنف ذكرها ـ تؤشر أن علاقة الغرب بالعرب، سادها العدوان والغطرسة والتعالي. وهذه العلاقة وضعت الأمة العربية في مواجهة دفاعية ضد مخطط غربي يستهدف وجودها ونهضتها ووحدتها، كما أنها مواجهة ذات طابع فكري ونفسي وروحي يستلهم روح رسالة الأمة، وعليه فالنضال المتجه نحو المستقبل مطالب أن يكون على مستوى التحدي.(22)
ليس مغالاة في القول أن الأمة العربية، بتكوينها وتاريخها وتراثها، قامت في مفهومها القومي الإنساني، على أساس من الروابط الروحية والإيمانية والأخلاقية، ولذلك كانت مؤهلة لحمل رسالة السماء، ونشرها بين الأمم بالحوار والإقناع والمنطق وعدم الإكراه "لا إكراه في الدين"(23).وقامت التجربة العربية الإسلامية، وبالأخص في صدر الرسالة الإسلامية، على تقوى الله ومخافته، واحترام الآخر، وعدم إيقاع الضرر به، حتى في أوقات الحروب. وكانت نصائح الخلفاء وإرشاداتهم لجندهم وقادتهم الذين كلفوا بمهمة نشر الرسالة الإسلامية، الإلتزام بالتقوى مع من يتوجهون إليهم بالدعوة. ومن هذه النصائح مخاطبة الخليفة عمر بن الخطاب لقائده سعد بن أبي وقاص بقوله: ((أما بعد فإني آمرك ومن معك من الأجناد، بتقوى الله، فإن تقوى الله أفضل العدة على العدو، وأقوى مكيدة في الحرب، وآمركم أن تكونوا أشد احتراسا من المعاصي منكم من عدوكم، فإن ذنوب الجيش أخوف عليهم من عدوهم.. واسألوا الله العون على أنفسكم، كما تسألونه على عدوكم))(24)، وبفضل الإيمان والتقوى، وإجادة فن الحوار، والقدرة على الإقناع، تمكنت الأمة العربية من أن تحتضن تحت خيمة الدولة العربية الإسلامية، شعوباً وأقواماً وأدياناً عدة، وأثرت فيهم في مجالات العلم والفكر، فأنتجت من خلال تلك اللحمة حضارة عريقة " حفظت ما وصل إليها من حضارات العالم القديم، وأضافت إليه ما أسفرت عنه جهود أبنائها، ثم قدمته إلى العالم، والحضارة الحديثة ".(25)
تميزت الحضارة العربية بعطائها الفكري والروحي والإنساني، فشهد لها المنصفون والمفكرون الذين التزموا الموضوعية في إصدار الأحكام. فهي حضارة إنسانية اعترفت بالحضارات الأخرى واحترمتها، وتبادلت معها المعارف، وتفاعلت مع نتاجاتها بالنقل والترجمة والحفظ، ورفضت التعصب والغلو والغرور. وآمنت أن العلم والإيمان هما قوام الحضارة الإنسانية،فالعلم بكل فروعه يقدم للإنسان مقومات الحياة الحرة الكريمة. عندما يكون صاحب العلم مؤمناً بالله وبالقيم الروحية والمثل العليا، وإذا فقد الإنسان الروح، سخر العلم للشر وإيذاء البشرية.
لقد ميزت الحضارة العربية في تعاملها مع الحضارات الأخرى بين حقيقتين: الأولى: أن العلوم ذات الموضوعات التي لا تتغير بتغير المعتقدات والحضارات مثل علوم (المادة والتجربة)، هي قطاع إنساني عام. والثانية: فلسفة العلم والعلوم الإنسانية التي تخص النفس الإنسانية، فهذه تخص كل حضارة.وضمن هذا المنظور تعامل العرب مع الحضارات العالمية، فأخذوا الحساب والفلك من الحضارة الهندية، ولم يأخذوا فلسفتها، وأخذوا بعض التنظيمات والتراتيب الإدارية من الحضارة الفارسية، ولم يأخذوا عقائدها ومذاهبها. وانفتحوا على الحضارة اليونانية فأخذوا العلوم الطبيعية ولكنهم لم يأخذوا الإلهيات والأساطير منها.وأخذوا التدوين والدواوين من الرومان ولكنهم لم يأخذوا القانون الروماني.(26)
فالشعور القومي والاعتزاز بالتراث الحضاري، وهاجس العمل والاعتماد على الذات، واحترام الأخر كانت كلها من مقومات نجاح التجربة العربية الإسلامية في بناء حضارة إنسانية، أمدت البشرية بكل عطاءات الخير والسعادة.
وعندما تتخلى أمة من الأمم عن ثوابتها الأخلاقية والروحية، فإن العلم والتقنية يُسخر للشر، أو الرضوخ لتيارات أخرى، كما هو حال التجربة اليابانية التي دخلت في المدار الأمريكي، وقبلت من الغرب الكثير (نظامه الاقتصادي بخاصة)، ولكنها أبقت على نظام قيمها وتراثها، فالأزمة التي تواجه اليابانيين تتمثل في الانفصال بين روح الماضي ومعاناة الحاضر، أي بين الغزو الذي يدعي أن غايته الحداثة وغلبته المعاصرة، وبين أصالة التراث.
وعلى هذا الأساس فإن التطور العلمي والتقني، الذي يتخلى عن الروح، ولا يكون جزءاً من بنيان متكامل (علمي واقتصادي وثقافي وروحي) يبقى مهدداً بالاغتراب عن روح الأمة.(27)
8 ـ لقد شكل التلازم بين العلم والحضارة أحد سمات الأمة العربية في تاريخها العريق، وقد بدأ الفكر العربي بمحاولات جادة مسؤولة لفهم واستيعاب قصة العقل والقلب الإنسانيين منذ أن بدأ العرب يتعرفون على المدارس الفكرية الأخرى في الشرق والغرب.ولذلك اتسمت النهضة العربية بالتطلع الدائم نحو وحدة ألاصلة والمعاصرة، التراث والحداثة.فالعلم يحدد دوره في التطور الإنسانـي، وفي الطابع التقدمي الصاعد للمسيرة الحضارية للإنسانية، وإذا تصدعت هذه العلاقة بينهما تحدث الأزمة.وعلى هذا الأساس فالعلم له دور إنساني ثوري رسالي، عندما يخدم البشرية ويقدم لها الخير والنماء والتجدد، ولكن العلم عندما يتخلى عن هذا الدور الإنساني، فإنه يصبح عائقاً أمام تقدم الحضارة، وعائقاً أمام تعاون الأمم والشعوب باتجاه بناء مستقبل أكثر إنسانية(28).وبهذا المقياس، يقاس عمق الحضارات وارتفاعها، فالحضارة الأمريكية الحديثة الراهنة، لايمكن أن تعتبر من الحضارات الكبرى، لأنها تفتقر إلى تلك القيم والمفاهيم(29). بل تزايد في المجتمع الأمريكي أنماط سلوكية هادمة للمجتمع مثل: الجريمة والمخدرات والعنف، وأفول دور الأسرة، وما رافقه من تزايد في معدلات الطلاق وفي الولادات غير الشرعية، وتردي القيم الأخلاقية، بسبب غياب المثل العليا، وبالتالي انحدار رأس المال الاجتماعي وضعف القانون الأخلاقي، ومنح الأولوية للمتعة والسعادة الفردية والكسب الفردي.. وهذه الأنماط السلوكية مؤشر على الانحدار الأخلاقي والانتماء الثقافي، والتدهور الحضاري.(30)
وبالمقابل فإن الأمم الأوربية التي عانت من اضطهاد الكنيسة ورجال الإقطاع والملوك، تصرفت بردة فعل سلبية، عندما امتلكت ناصية العلم، فصوبت نتاج إختراعات العلم إلى صدور العرب، كما صوبوا سهام العلم والثقافة نحو العقل العربي مستهدفين معتقدات العرب وثقافتهم وهويتهم، وصولاً إلى إلغاء دورهم الحضاري. والتقليل من أهمية الأمة العربية في التاريخ الإنساني، والدس على التاريخ العربي. ولم تسلم اللغة العربية من محاولات التشويه، إذ شجع الغرب استعمال اللهجات العامية بدل اللغة العربية، واستخدام الحرف اللاتيني في الكتابة.
واتسم موقف الغربيين إزاء شعوب وأمم الجنوب بالتعالي، والادعاء بوحدانية الحضارة الغربية وإنكار ما قدمته الحضارات الأخرى، ولاسيما حضارات الشرق (حضارة وادي الرافدين، ووادي النيل، وحضارات الهند والصين واليابان)، كما عدّ الغربيون ثقافات الشرق عدوة لهم، ولابد من محاربته (الشرق) واحتلال أراضيه وتجزئة بلدانه، ووصفوا العرب بأقذع الأوصاف وسفهوا دورهم الحضاري في حين أن الأمة العربية في خواصها كأمة وفي عطائها الحضــاري، كانت موجودة قبل الإسلام، إلا أنها لم تتوحد بدولة واحدة قبل الإسلام مثلما حصل في ظل الإسلام.. ثم إن الإسلام أعطى للأمة مهمات روحية ودوراً إنسانياً خاصاً تجاوز حدود الأمة.. إرتقت بها إلى مستوى حضاري جديد أرقى درجة ومستوى وعمقاً إنسانياً".
وتجاوزت الأمة العربية بقوميتها المؤمنة، وبمفهومها الإنساني، المفهوم الغربي للقومية، (مفهوم التعصب العنصري والتوسع العدواني).وجاء المفهوم الإنساني نتيجة استلهام فكرها القومي للتراث وفهمه فهماً حياً تقدمياً، وهذه القوة الروحية ذات النزوع الحضاري هي التي أهلت الفكر القومي لأن يتصدى للعقائد العالمية التي لا تلائم أمتنا العربية.
وقد فسر الفيسلوف الفرنسي (روجيه غارودي) سلوك الغربيين المتعالي ، بأنه سلوك عدواني يرمي إلى فرض حضارة أوربا على شعوب الحضارات القديمة وإقناعهم بأن حضاراتهم قد إنتهت ،وأن علم هذه الحضارات قد " بلى ومات ولا رجعة لها "(31). كما عمل الغربيون على تشويه صورة العرب أمام الشعوب الأخرى ، والحط من حضارتهم.(32)
استخدم الغربيون وسائل متعددة لتحقيق الاختراق الفكري لدى العرب، وتشويه الهوية القومية لأبناء الأمة العربية، مثل: افتتاح مدارس تبشيرية، والغاء التعليم الوطني باللغة العربية، وحصر التعليم بأبناء الطبقات الموسرة أو المحسوبة على الغرب فكرياً أو سياسياً.
9 ـ غالت الحضارة الغربية في التركيز على العوامل المادية، ولا سيما بعد حركة الإصلاح الديني التي قادها (مارتن لوثـر) في ألمانيا و (كالفـن) في فرنسـا، أو ما عرف بعصر التنوير، وأهملت الدين، بل رفضت أن يكون أحد مقوماتها، فأعلت الجانب المادي وحده، اعتبرته الأساس الوحيد في بناء الفكر والمجتمع، وإنتقصت من كل ما يتصل بالروح والقيم، وصار هدفها إسعاد فئة على حساب المجموع.
لقد زاد التطور العلمي والتقني والصناعي بوجه خاص، غرور الأوربيين، وصاروا يعتقدون أن حضارتهم المادية هي الحضارة الوحيدة التي تسعد الإنسان، وما عداها لا يستحق الذكر.ولكن بعض العلماء الأوربيين أمثال (أرنولد توينبي وروجيه غارودي) أدركوا أن الحضارة الغربية المادية دخلت في أزمة ، ويصعب إنقاذها إلا بالعودة إلى الروح والقيم ، لأنها مصابة بالخواء الروحي الذي يحول الإنسان إلى قزم مشوه يفتقد عناصر وجوده الإنساني.(33)
إن أزمة الحضارة الغربية تكمن في أنها فقدت التوازن بين العوامل المادية والروحية، وفقدت التوازن بين العقل والروح. في حين أن جوهر الحضارة هو في تكامل المادي مع الروحي، أي ترافق التطور المادي (العلمي ـ التقني ـ الصناعي) مع القيم الروحية والحس الوطني والإنساني. وقد دلت تجارب التاريخ، أن الحضارات شاخت وانتهت عندما فقدت هذا التوازن، وغلّبت الجانب المادي على الجانب الروحي. وقد شكلت هذه المفارقة تناقضاً بين مفهوم الغرب للحضارة، ومفهوم العرب لها، فالغرب الذي ركز همه وجهده على الجوانب المادية، والاقتصادية منها بوجه خاص، صار يركض وراء تثمير رأس المال، وتنمية التجارة الخارجية خارج حدوده الجغرافية. ولذلك عمد الغربيون إلى منطق القوة مع الشعوب الأخرى، ومنها العرب، ودلت أحداث التاريخ، أن حضارة الغرب المادية، قامت على القتل والإرهاب، "وهو مفهوم روماني قام على نظرية السادة والعبيد، وعلى إعلاء الطابع المادي في الحياة، وإعلاء جنس على آخر، وصارت الحضارة الغربية تحلق بجناح واحد، هو الجناح المادي والخاوي من الروح".(34)
أما الحضارة العربية الإسلامية فقد اتسمت بالسماحة والإنسانية وحماية حرية الأقوام الأخرى وأديانهم وشعائرهم وطقوسهم وثقافتهم، وربطت العلم بالدين والسياسة بالرسالة. ولكن الحضارة العربية توقفت عن العطاء والخلق منذ سقوط بغداد(1258)، مرت بأقسى مرحلة تاريخيــــة، وتمكنت التحديات الخارجية والداخلية أن تبعد الأمة العربية عن حقيقتها، وتركتها ممزقة متخلفة وتابعة " تتحكم فيها قوانين الانحطاط وعوامل الضياع".(35)
وفي هذه المرحلة القاسية إستخدم الغرب الثقافة سلاحاً لغزو الشخصية العربية، وشكلت الظاهرة الاستعمارية الغربية تحدياً للشخصية العربية القومية، للنيل منها والحط من شأنها وقيمها. ورغم شراسة الحملة الثقافية الغربية، إلا أنها لم تنل من الثقافة العربية، لأن الإنسان العربي ظل يستنفر طاقاته من أجل البقاء والعطاء.
10 ـ ونظراً لخطورة التحدي الثقافي الخارجي، كان على الأمة العربية أن تنهض من سباتها، وأن تنضج وعياً ناهضاً وتوقظ وجداناً غافياً. وكان أمام الفكر القومي أن يطرح ما هو جديد لكي يتجاوز التحديات الخارجية. ولذلك برز الفكر القومي الثوري، بأبعاد تاريخية وتراثية، وأبعاد نضالية مصيرية، فكانت الفكرة القومية الجديدة ذات أبعاد حضارية شمولية، تمس جوهر الإنسان والبنيان الاجتماعي والروح القومية والإيمان الروحي، والتكوين العلمي لعقل الإنسان العربي والمجتمع العربي.(36)
لقد حقق الفكر القومي التحرري المؤمن إنجازات مهمة، أبرزها التلاحم بين الوعي القومي التحرري وبين الثقافة العربية والشخصية العربية. وأحكمت الثقافة العربية الموازنة بين الأصالة (التراث) وبين المعاصرة (الحداثة)، وما بين المادة والروح، وهذا هو قوام الحضارة الإنسانية العربية. فالثقافة العربية القومية ترفض الانزواء في زوايا التراث، كما أنها تغوص في أعماق التراث لكي تستنبط روحه الوضاءة وتتفاعل مع معطيات العصر، لتنير درب المستقبل أمام الأجيال المقبلة. كما تميزت الثقافة العربية بأنها أستوعبت حضارات الأمم من قبلها الشرقية (الصينية والهندية والفارسية) والغربية (اليونانية) وشكل هذا الاستيعاب أساساً لتكوين ثقافة عربية ترفعت عن العنصرية ورفض الآخر، فصارت ثقافة كل الناس الذين يعيشون في ظل الدولة العربية الإسلامية. ويفيد القول الآتي للعالم العربي الكندي مقدار سماحة مثقفي العرب إزاء ثقافات الآخرين: " ينبغي لنا ألا نستحي من إستحسان الحق وإقتناء الحق من أين أتى، وإن أتى من الأجناس القاصية عنا، والأمم المباينة لنا، فإنه لا شيء أولى بطالب الحق من الحق "(37)
فالحضارة العربية تتكامل فيها وحدة الأمة من خلال مرجعيتها القيمية التي تمثلها من القرآن الكريم والسنة النبوية ، وحرية الأمة بمستوياتها السياسية والثقافية والاقتصادية ، وتحقيق العدالة الاجتماعية، والإنجاز المعرفي والعلمي والذي تمثل في الكم الهائل من المؤلفات العلمية والمعرفية التي زودت البشرية بعطاء ثر ومتميز.(38)
ووصف المفكر القومي ساطع الحصري الثقافة العربية بأنها ثقافة منفتحة ولم تكن من الثقافات الضعيفة المنطوية على نفسها ، بل إنها من الثقافات الواسعة من الوجهتين المادية والمعنوية ،ولعبت دوراً هاماً في تاريخ الحضارة العالمية ، واللغة العربية كانت في حقبة من الزمن لغة العالم في كل أنحاء العالم المتمدن ، وهي لا تزال لغة الدين في عالم فسيح واسع الأرجاء ، والتاريخ العربي يمثل عهداً من أهم العهود في التاريخ العام"(39)
ورغم هذا فإن الثقافة العربية القومية ، والشخصية العربية ، تعرضت للغزو الفكري من قبل الغرب الذي استخدم أرقى ما أنتجه العقل العلمي والتقني في حقلي الاتصالات والمعلومات ، لكي ينال من الشخصية العربية ، ويفرض الغرب ثقافته المادية على الإنسان العربي ، وقطع صلته بتراثه وتاريخـه ، وجعله يغرق في طقوس وشكليات ، تحت مسميات المعاصرة والحداثة، رغم أن الحداثة ليست مادية كلها ، بل تنطوي على جوانب إنسانية ، وتعني في النهاية قدرتنا على التجدد والخلق والإبداع المعنوي والمادي معاً.
11 ـ لقد تمكنت القوة العسكرية من إخضاع الشعوب بعض الوقت ، ولكنها لم تستطع تبديل الهويات الثقافية لهذه الشعوب ، أو جعلهم يسلمون بأولوية الثقافة الغازية. ومع ذلك فإن الغرب في مدة ما بعد الحرب الباردة ، وسقوط نظام القطبية الثنائية ، وبروز آليات العولمة ومضامينها بشكل قوي ومؤثر من خلال الآليات الاقتصادية (الشركات المتعدية الجنسية ، والبنك الدولي ، وصندوق النقد الدولي ومنظمة التجارة الحرة) والآليات السياسية (الأمم المتحدة والمنظمات الدولية) والآليات الإعلامية والثقافية (الإذاعات والمحطات الفضائية والكومبيوتر والانترنيت) ، تمكن أن " يؤمن للسانه مساحة واسعة من الانتشار في التخاطب والتداول الجماعي لدى كثير من مجتمعات وشعوب العالم.لكنه توقف عند حدود هويتها ، فلم يستطع أن يجري جراحة ناجحة في ذاكرتها الحضارية ،بما يدفعها إلى ممارسة نسيان جماعي لمنظومتها الحضارية المرجعية على نحو ما فعله في بقاع غيرها.(40)
استغل الغرب تقدمه التقني في مجال الاتصالات، لنشر ثقافته بين شعوب العالم، وأتاح هذا التقدم التقني فرصة كبيرة أمامه لأن يخوض صراعه مع الآخر دون أن يتعرض للأذى أو الخطر، كما تمكن من خلال هذه التقنية أن يروج لنظامه القيمي ومشروعه الحضاري المادي، دون أن يحشد جيوشه أو يرسل بعثاته التبشيرية إلى الشعوب في بلدانها. وقد أهلته التقنية الكبيرة أن يعتمد أسلوب اختراق العقول والتأثير فيها، لنشر ثقافته على حساب ثقافات الشعوب المستهدفة.
لقد أعتمد الغرب على نظام إعلالغربي،ر في الأدوات والأساليب لينفذ إلى أعماق ألذات البشرية، ويخاطب بقدرة فائقة عواطف المشاهدين ويثير غرائزهم ويجذبهم من خلال الإثارة الجنسية وغرائز الشر والعدوان من خلال أفلام الرعب والجريمة والإرهاب.ونظراً لقوة النظام الإعلامي الغربي، وقدرته في التأثير فقد تمكن من جلب اهتمام أبناء الشعوب الأخرى، وجعلهم يميلون نحو الخدر والكسل، وعدم العناية بالمشكلات المحلية الملحة، وفقدان حاسة النقد، بل جعلهم هذا النظام يستقبلون الخطاب الثقافي والإعلامي الغربي، بدون نقد، ويفقدهم القدرة على مجابهة المخاطر الجديدة التي تتهدد شخصيتهم.
وعليه فإن الثقافة الاتصالية الحديثة، حققت ما عجزت عنه الجيوش في السابق، وما عجزت عنه الإرساليات والعلماء والمبشرون، وصار بإمكان إمبراطوريات الأعلام أن تخترق الدول وتصل إلى معظم الشرائالمضادة،عية فيها، دون أية مجابهة تذكر.إن طموح الولايات المتحدة التي تمثـــل الهيمنة الثقافية مـن خلال وسائل الأعلام فقد أثار هذا الوضع الكثير من التساؤلات حول إمكانية مجابهة النظام الإعلامي والثقافي الغربي بواسطة التقنية المضادة، مثل التصنت أو التشويش الالكتروني. ولكن واقع الدول في عالم الجنوب بخاصة، غير مؤهل تقنياً أن يحول دون وصول البث الغربي، الغرب الرأسمالي، أن تسود ثقافتها العالم، وتتكلم المليارات لغتها الإنكليزية، ولكن الإحصاءات تشير إلى أن قلة من سكان العالم هم الذين يتكلمون الإنكليزية بشكل رسمي، ولا يتحدث بها سوى 478 مليون شخص، بينما يتحدث 392 مليون اللغة الأسبانية، و 284 مليون الروسية، و 225 مليون العربية و 160 مليون الفرنسية و 120 مليون اليابانية..الخ(41)، وإن حاول بعضها إتباع هذا الأسلوب، فإنه لن يقود إلى نتائج إيجابية، نظراً للفارق الكبير في الامكانات التقنية بين دول الغرب وباقي الدول في العالم.
إن العولمة الثقافية لم يقتصر أثرها على الشخصية القومية للشعوب وعلى ثقافتها القومية، بل إمتد تأثيرها إلى الممارسات الدينية (المسيحية والإسلامية) وتحولت المناسبات الدينية إلى مناسبات استهلاكية اقتصادية أكثر منها مناسبات دينية. إذ أخذت الشركات التجارية تعرض أرقى ابتكاراتها في هذه المناسبات لحرف البشر عن المقاصد الروحية للمناسبات الدينية، وتحويلها إلى طقوس شكلية قوامها العنصر المادي الاستهلاكي. وهذا العمل المقصود يهدف إلى إفراغ أجساد البشر من روحها، وجعلها دمى تتحرك وفق إرادة الشركات التجارية العملاقة، ووسائل الأعلام المسخرة لخدمتها وترويج منتجاتها.
لقد روجت وسائل الإعلام العالمية إلى أنماط اقتصادية وسلوكية في الأكل والملبس(وجبات ماكدونالد وملابس الجينز وموسيقى الروك)، ونشرها عبر الفضائيات، ليصبح السلوك الاستهلاكي الغربي شائعاً في العالم وبالذات بين أوساط الشباب، إضافة إلى تثبيت بعض القيم التي تبدو في ظاهرها إنسانية مثل العناية بمهرجانات للقطط والكلاب والرفق بالحيوان، وفي باطنها تشويه لمعاني حقوق الإنسان.
لقد ترابطت مضامين العولمة الاقتصادية مع الثقافة ، إذ تحمل العولمة الاقتصادية في طياتها منهج تنميط السلوك الإنساني ، وصياغة ثقافة عالمية منمذجة ، لها قيمها ومعاييرها ، لضبط سلوك الأفراد والشعوب ، وبالتالي صياغة قيم وعادات جديدة في مجتمعات العالم والجنوب بخاصة.(42)
ومن أجل إحكام السيطرة الثقافية الغربية على العالم، فقد توصل مؤتمر السياسات الثقافية من أجل التنمية الذي عقد في استوكهولم عام 1998 برئاسة الأمين العام السابق للأمم المتحدة خافير ديكويلار ، إلى نتيجة مفادها: أن من البديهي أن يتكامل البناء الثقافي للإنسانية مع البناء الاقتصـادي والمعلوماتي(43). وهذا إقرار بتكامل مضامين العولمة ، وسعيها إلى طغيان ثقافة واحدة هي الثقافة الغربية الرأسمالية ، بكل قيمها المادية والسلوكية المنحرفة ، على الثقافات القومية والمحلية في باقي دول العالم.
إزاء هذا الوضع غير المتوازن في الامكانات.. هل تُسلّم الشعوب النامية بما تريده العولمة الثقافية..؟ وهل تقبل هذه الشعوب حضارة الغرب المادية..؟ أم تخوض صراعاً مع الغرب ؟وبالتالي تستجيب لدعوة (صموئيل هنتنغون) إلى " صدام الحضارات " أم تطرح الحوار الحضاري..؟
المبحث الثالث: فرص الحوار بعد أحداث 11 أيلول 2001
جاءت أحداث (11 أيلول 2001) في نيويورك وواشنطـن لتصب الزيت فوق النار ،وتوتر العلاقات بين الغرب (الولايات المتحدة) وبين المسلمين والعرب ، وتتهمهم بالإرهاب ،تحت شعار (من لم يكن معنا فهو ضدنا) ، أي من لم يقف إلى صف الولايات المتحدة ، فهو مع الإرهاب. وقد عادت النعرة العنصرية الاستعلائية العدائية ضد الإسلام في الخطاب الغربي ،وهو الخطاب الذي ساد في أوربا منذ عصر التنوير وقام على أساسه مشروع الحداثة الغربية ،الذي ينطوي على التفرقة بين " البربرية والمدنية " ، والمدنية هي التي تميز الغرب الذي خرج من غياهب العصور الوسطى إلى عصر الثورة الصناعية ، مزوداً بالعلم والآلة الحربية ، التي سمحت له بالقيام بعمليات إستعمارية واسعة في بلدان الجنوب ـ كما أسلفنا ـ.
وفي حينه ابتكر الغرب خطاباً عاطفياً بعنوان: " عبُ الرجل الابيض " ، الذي وقعت على عاتقه الأخذ بيد " البرابرة المتخلفين " ، ونقلهم إلى حالة أكثر تقدماً ، وهذا الخطاب كان الغطاء الذي تستر به الغرب للقيام بعملياته الاستعمارية ، ونهب خيرات الأمم الأخرى.
بعد أحداث 11 أيلول ، عادت النعرة العنصرية في عدد من بلدان أوربا وفي الولايات المتحدة ضد الإسلام والمسلمين ، من خلال بعض الأحزاب أو الجماعات الفاشية التي تحتقر العنصر غير الغربي ، وتدعو إلى طردهم من البلاد. ولم يقتصر الأمر على بعض الأحزاب والجماعات العنصرية ، بل وصل الأمر إلى بعض زعماء الغرب ، فقد استخدم الرئيس الأمريكي (بوش) تعبير " الحرب الصليبية " ضد " الإرهاب الإسلامي " ، ثم عاد وأعتذر وقال إنها " زلة لسان".كما كان خطاب رئيس وزراء إيطاليا (بيرلسكوني) ممزوجاً بالقوة والتعالي والغطرسة ، وأدعى أن حضارة الغرب متميزة ، وما أفرزته من مخرجات تخدم الإنسان ، لم تتوفر في البلدان الإسلامية. كما أدلت (مارجريت تاتشر) بدلوها أيضاً ، وحرّضت الغربيين من مخاطر " الإرهاب الإسلامي ". وشارك القساوسة البروتستانت في الحملة ضد الإسلام (القس فرانكلين جراهام) فقال:" نحن لسنا من هاجم الإسلام ، بل الإسلام هو الذي هاجمنا. إله الإسلام ليس إلهنا. إنه إله مختلف ، وأنا أعتقد أنه دين شرير وقبيح".(44)
ورغم محاولة زعماء الغرب تهدئة الخطاب السياسي ضد الإسلام ، إلا أن الإجراءات الرسمية التي اتخذتها بعض الحكومات الغربية ، (الولايات المتحدة ، بريطانيا ، ألمانيا ، فرنسا) ، أكدت ترجمة الخطاب العنصري ضد المسلمين العرب ، وضد المسلمين بعامة ، مثل عمليات الاحتجاز الكيفي ، والسجن بلا محاكمة وبدون توجيه تهم محددة ، والمساس بحقوق الإنسان العربي والمسلم وغيرها من الإجراءات. وترافقت الحملة الإعلامية على الإسلام كدين وعقيدة ، وتشويه الصورة الجلية للإسلام ، مع حملة ابتزاز للدول العربية ، بدعوى أنها ضالعة في الإرهاب ، أو أنها داعمة له ، أو أن بعض الإرهابيين هم من تبعيتها. وقد نالت الإجراءات العنصرية الاستفزازية رعايا بعض الدول العربية الصديقة للولايات المتحدة مثل السعودية ودول الخليج العربي. ونالت الحملات العنصرية الحركات الوطنية التي تناضل من أجل التحرر ، وفق شرعة الأمم المتحدة ، واتهامها بالإرهاب. وهذا الحكم الانفعالي ينال كل الثوار والمناضلين في العالم ، لأنهم مارسوا أعمال عنف من أجل تحقيق هدف أسمى لصالح شعوبهم.
لقد جسدت الإدارات الغربية ووسائل الدعاية في الغرب ، مقولات (هنتنغتون) المبشرة "بصدام الحضارات" ، (وفوكوياما) المبشر بنهاية التاريخ ، والوقوف عند حدود المنهج الليبرالي الغربي. وأستمر الكاتبان المشهوران في منهجهما التحريضي ضد الإسلام بعد أحداث 11 أيلول ،إذ نشرت لهما صحيفة (نيوزويك) الأمريكية(45) ، في عددها الصادر في 25 أيلول 2001 مقالين ، حيث حمل مقال (هنتنغتون) عنوان: " زمن حروب المسلمين " وحمل مقال (فوكوياما) عنوان: "هدفهم العالم المعاصر". وقد وجد (هنتنغتون) في أحداث 11 أيلول تجسيداً حياً لمقولته في "صدام الحضارات" ، ويتهم (إبن لادن) بالحادث ويرى أنه يسعى لحشد المسلمين لإعلان الحرب على الغرب. ويؤكد بأن " بذور صدام عام بين الحضارات باتت منثورة ". ويرجع أسباب أحداث 11 أيلول إلى ما أسماه ، بروز وعي إسلامي في صفوف المسلمين ، مضاد للحداثة والعولمة ،إضافة إلى شعور المسلمين بالظلم والامتعاض والحسد والعدائية تجاه الغرب وغناه وقوته وثقافته. ويرى أن هذا الشعور مخزون في ذاكرة المسلمين من أيام الاستعمار الغربي لبلادهم. ويضيف سبباً آخر هو: أن الانقسامات القبلية والدينية والعرقية والسياسية في البلاد الإسلامية ، ولدت حقداً على الغرب. أما (فوكوياما) فيفسر الأزمة التي يمر بها الغرب ، ليس إلا " حركة ارتجاعية عنيفة يائسة ـ من قبل المسلمين ـ ضد العالم الحديث ".أي أن المجتمعات الإسلامية ترفض الحداثـة.وترى في المجتمعات الغربية الفساد والانحلال بسبب تمسكها بالمنهج العلماني.إن مقالات (هنتنغتون) و (فوكوياما) مليئة بالتحريض ضد الإسلام وضد المسلمين ، وبالتالي فإنها تُسهم مع ما تبثه وسائل الأعلام الغربية ، في تقليل فرص الحوار ، أي حوار الحضارات ،وحوار الأديان ، الذي خطى خطوات جيدة في بداية عام 2001م.
أثارت أحداث (11 أيلـول) تبايناً في الآراء حول جدوى الدعوة للحوار ، فالبعض رأى أنها قضت على أي أمل في الحوار ، وأن القطيعة هي أحدى مخرجات هذه الأحداث. وزاد من هذا الرأي موقف الولايات المتحدة المنحاز للكيان الصهيوني ، في حملته الإرهابية ضد الشعب الفلسطيني ،وضد انتفاضته الباسلة. في حين وجد أنصار " التسوية " فرصة في أحداث أيلول لمواصلة الحوار، رغم أنهم يفتقدون شروط الحوار المتكافئ. فالأحداث أخرجت المخزون العدائي في العقل الأمريكي ـ نيابة عن الغرب الاستعماري ـ ضد العرب وضد المسلمين بعامة. وصار الحوار مسألة مؤجلة ، إن لم نقل مستحيلة ، ما دام الوضع الدولي على حالة ، أي ما دامت الإدارة الأمريكيـة ،تتسيد زعامة العالم.
الإدارة الأمريكية ترفض الحوار مع أي طرف تعتقد أنه يخالف سياستها ، أو يُناهض وجودها الاستعماري ، أو يقاوم حلفائها في المنطقة (الكيان الصهيوني) ، فقد رفضت اللقاء مع مسؤولي السلطة الفلسطينية ، وشنت حملة إعلامية ضد ياسر عرفات ، وطالبت علناً بإقصائه من السلطة ، والمجيء بقيادة جديدة ، تكون قادرة على ضبط الأمن لصالح الكيان الصهيوني ، أي قادرة على كبح جماح المنظمات الفدائية التي تُنفذ عمليات جهادية ضد القوات الصهيونية المحتلة لفلسطين.كما رفضت الحوار مع القيادة العراقية ، حتى أنها عطلت إرادة الكونغرس ، ونابت عنه في رفـض تلبية دعوة المجلس الوطني العراقي لوفد من الكونغرس لزيارة العراق ، والتأكد من ادعاءات الإدارة الأمريكية بوجود أسلحة دمار شامل في العراق. ورغم وضوح الموقف الرسمي الرافض للحوار مع العرب المناهض لسياسة الإدارة الأمريكية (العراق ، فلسطين) ، فإن عدداً من المثقفين الأمريكان بادروا بتوجيه رسالة حوارية مع المثقفين في العالم. وقعها (60) عالماً ومثقفاً أمريكياً ،نشروها في الصحف الأمريكية يوم 12 شباط 2002 ، وأعيد نشرها في صحيفة (اللوموند) الفرنسية بعد يومين ، وقد ركز كاتبو الرسالة على " قيم أمريكية " يفتخرون بها ، ويعتقدون أنها سمة مميزة للمجتمع الأمريكي ، في حين أنها قيم إنسانية عالمية معروفة من أصحاب الديانات السماوية ، ومعروفة من الأمم والشعوب في العالم.
لقد ختم كاتبو الرسالة خطابهم بعبارة ظاهرها المحبة والنية الصادقة في احترام الآخر تقول: ((نحن نتمنى أن نصل إلى إخواننا وأخواتنا في المجتمعات الإسلامية ، كي نقول ، إننا لسنا أعداء ، بل أصدقاء.. نأمل أن نشترك معكم ومع جميع الشرفاء لبناء سلام دائم وعادل)).
لقد تضمنت الرسالة عدة مبادئ وقيم هي:
1. إن جميع الكائنات البشرية تولد حرة متساوية في الحقوق وفي الكرامة والاعتبـــــار.
2. العامل الأساسي لأي مجتمع هو الإنسان ، والدور الشرعي للحكومة هو في توفير الحماية والمساعدة لتعزيز ظروف ازدهار الفرد.
3. الكائنات البشرية تبحث بشكل طبيعي ، عن معنى للحياة وأهدافها.
4. حرية الرأي والعبادة حقوق غير قابلة للاستـــــــــلاب.
5. القتل باسم الله يتناقض مع حقيقة الله.
واضح أن النقاط الخمس ـ أنفة الذكر ـ تتضمن قيماً إنسانية جاءت بها الرسالات السماوية منذ زمن بعيد ، والرسالة الإسلامية بخاصة.فهي ليست حكراً على المجتمع الأمريكي ، ولا سيما حقوق الإنسان. إذ أن الولايات المتحدة ، خرقت حقوق الإنسان الأمريكي الأصلي (الهنود الحمر) وحقوق الأمريكيين الملونين (السود). وما ذكر هذه القيم إلا للوصول إلى غاية يقصدها كاتبو الرسالة ، وهي الدفاع عن سياسة الإدارة الأمريكية في شنها الحرب ضد المسلمين والعرب ، بدعوى محاربة الإرهاب. وحول النقطة الخامسة الأخيرة في نقاط الرسالة ، فإن الموقف العربي القومي المؤمن يتجلى في النقاط الآتية:
1. رفض العنف المفضي إلى الإرهاب وإدانته.
2. رفض الإرهاب الذي يزهق الأرواح لتحقيق أغراض ومصالح مادية آنية ، أو تحقيق هدف سياسي مرحلي ، يمكن تحقيقه بوسائل سلمية ديمقراطية.
3. ضرورة التميز بين العنف المفضي إلى الإرهاب ، وبين العنف الجهادي دفاعاً عن النفس والأرض والحق. فالأول مدان ، والثاني مشروع دينياً ودولياً.
4. ضرورة التميز بين الدين والتدين ، وبين الحركات السياسية ـ الدينية. فحرية التدين متاحة لجميع الأديان والمذاهب والطوائف. أما الحركات السياسية ـ الدينية فليست واحدة،أو ضمن مقياس واحد ، فبعضها يأخذ بالمنهج الكفاحي الجهادي دفاعاً عن الحق والأرض ضد مغتصب عنصري ، وبعضها يأخذ بمنهج العنف المفضي للإرهاب.فالأولى: عملها مشروع ، والثانية: عملها مدان.
إن هذه الحقائق قد لا يفهما كاتبو الرسالة ، أو إنهم يتغاضون عن فهمها ، وينساقون وراء الدعاية الإعلامية الصهيونية ، التي تصف العرب والمسلمين بالعنف والإرهاب ، لأنهم يدافعون عن حقوقهم بوجه قوى طاغية تحاربهم في عقر دارهم. وقراءة التاريخ تُفيد أن العرب والمسلمين بعامة لم يتوجهوا بطائراتهم أو صواريخهم نحو المدن الأمريكية ، ولم تمخر سفنهم المحيطات لترسو في الشواطئ الأمريكية ، ولكنهم ذهبوا إلى أمريكا للعمل والعيش ، وتقديم أقصى طاقاتهم من أجل نهضة أمريكا وتقدمها.
التصور المسبق لحال العرب ، ينطلق من ثقافة غربية ، تُعبر عن شخصية الإنسان الأبيض المتعالي على الآخر ،الذي أخضع الشعوب بالقوة. هذا التصور هو الذي جعل الإنسان الغربي "مكروها". ولكن كاتبي الرسالة وغيرهم ، إما أنهم لم يقرأوا التاريخ قراءة موضوعية ، أو أنهم يتعامون عن ذكر الحقائق. فالعرب والمسلمون لا يكرهون الأمريكيين ولكنهم يكرهون تصرفات الإدارات الأمريكية الشريرة. ومع ذلك فإنهم يدعون للحوار معها. والأمر المثير للجدل ، أن المثقفين الأمريكيين لم يدركوا مخاطر الحروب وآلامها ، إلا بعد أحداث 11 أيلول. وكأن دماء ألوف البشر في أمريكا اللاتينية وأسيا وأوربا الذين قضوا بنيران القوات الأمريكية لم تثر مشاعرهم الإنسانية من قبل. ومع ذلك نعتبر أن إدراك الأمر متأخراً أحسن من عدم إدراكه بالكامل. وإذا كان الـ 60 مثقفاً أمريكيا قد روجوا في رسالتهم (لعدالة) الحرب الأمريكية ضد أفغانستان والعراق فيما بعد بدعوى محاربة الإرهاب ،فإن 120 مثقفاً آخرين كتبوا رسالة ثانية يوم 8 نيسان 2002 ، أي بعد أقل من شهرين على الرسالة الأولى ، وجوهها إلى زملائهم في أوربا ومن خلالهم إلى مثقفي العالم.
لقد تميزت الرسالة الثانية بأنها نقدت الحرب التي شنتها الإدارة الأمريكية ضد أفغانستان ،لأنها ألحقت الدمار والخراب بهذا البلد ، وعمقت الكراهية بين شعوب العالم والولايات المتحدة.وطالبوا زملائهم الأوربيين أن يتحملوا مسؤوليتهم في التصدي لهذا الهوس الحربي والعمل على وقفة وكشف الأضاليل التي تروجها وسائل الأعلام الأمريكية ، التي تمجد ألذات ، وتعيد إلى الأذهان مقولات خرافية أسطورية.
وأجاب كاتبو الرسالة الثانية على سؤال كاتبي الرسالة الأولى: " لماذا يكرهوننا " بسبب السياسات العدائية التي تتبعها الإدارات الأمريكية ضد الشعوب. ويتضح أن كاتبي الرسالة الثانية أميل إلى رفض الحرب والعدوان ، وأميل إلى سياسة العزلة التي سادت الولايات المتحدة قبل الحرب العالمية الثانية. ويعتقدون أن الولايات المتحدة يمكن أن تحقق مصالحها بالحوار مع الآخر والتعاون معه، وبدون حروب ، وبدون هيمنة عسكرية واقتصادية وسياسية.
إن السجل التاريخي للولايات المتحدة يُفيد أن الزعامات السياسية ، الذين امتلكوا ممكنات القوة المادية (الاقتصادية والعسكرية والعلمية) ، أخذوا بمنهج القوة للسيطرة على العالم. وقد وجدوا من يروج لهذه السياسة من المثقفين الأمريكيين أمثال (فوكوياما وهنتنغتون) وفق منهجية علمية ،عُرفت بسياسة القوة التي وضع أسسها (مورجنثاو) من قبل. وبالمقابل ظهرت قلة من المفكرين يرفضون سياسة القوة ، ويميلون إلى الحوار مع الآخر وفهمه واحترام ثقافته. ولكن هذه القلة ما زالت غير مؤثرة لإجبار الإدارات السياسية قبول الحوار مع الآخر ، بمنطق الحوار المعروف. وعلى سبيل المثال فقد علق الأستاذ الايرلندي (فريد هاليداي) إستاذ العلاقات الدولية في كلية لندن للاقتصاد والعلوم السياسية ، في مقابلة أجرتها معه صحيفة (ليبراسيون) الفرنسية يوم 5 أيلول 2001، على أحداث 11 أيلول بأنها حدث غير متوقع ، وتميز بأنه حدث عالمي (عولمي أو معولم). أي أن تأثيراته تتجاوز الأطراف المباشرة. ويرى أن الأزمة التي أحدثتها الأحداث في واشنطن ونيويورك قد قرّبت بين الولايات المتحدة وروسيا ، تحت شعار مكافحة الإرهاب ،ومعالجة التناقضات بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوربي. ورفض (هاليداي) مقولة (هنتنغتون) ويرى أن صدام الحضارات خرافة ، ويرى أن أكبر الصدامات وقعت داخل كل حضارة معينة ، وبالذات في أوربا.
ورفض الأستاذ الفرنسي (برتران بـادي) أستاذ العلوم السياسية بمعهد باريس للعلوم السياسية ، أن يكون الإسلام سبباً فيما حدث في الولايات المتحدة ، وأن ما حدث ليس عملاً دينياً يستهدف الغرب أو المسيحية ، وإنما عمل ضد إستراتيجية بعينها ، وضد القوة العظمى.(46)
وإذا كانت أحداث 11 أيلول قد أبعدت الإدارة الأمريكية عن منطق الحوار ، ولكنها فتحت نافذة للحوار مع المثقفين في الغرب ، رغم ان معتقداتهم ما زالت تميل نحو " الإملاء " وليس الحوار الجاد.
المبحث الرابع: صراع حضاري أم حوار حضاري..؟
1 ـ يُعد الصراع بين الدول من الظواهر المعقدة ، بسبب تعدد أنواعه ، وتداخل أسبابه وأنواعه ، وتشابك تفاعلاته وتأثيراته وتنوع أدواته. ويُعرف الصراع بأنه التعبير بسلوك محدد عن حالة التعارض الحاد والصريح والمباشر ، بين القيم والمبادئ والمعتقدات الدينية والفكرية ، وتعارض المصالح القومية بين طرفي الصراع ، ويؤدي الصراع في النهاية إلى اتخاذ قرارات أو انتهاج سياسات خارجية تثير الاختلاف أكثر مما تدعو إلى الاتفاق.(47)
والصراع في النهاية موقف ينطوي على قدر كبير من التعارض بين طرفين أو أكثر ،تعارض في الارادات وفي العقائد وفي القيم والمثل وفي الثقافة ، ويأخذ الصراع في هذه المجالات ، شكل الإرهاب وهذا الصراع (اللاحضاري) ، ويبرز عندما تختل الموازنة بين طرفيه ، فيتسلط الطرف القوي على الضعيف ، ويفرض إرادته عليه. وكلما كانت إرادة الطرف الأضعف واهنة ، كلما كانت مهمة الطرف القوي أسهل وأيسر ، ويكون بمقدوره فرض إرادته عليه في شتى المجالات والميادين ، ويكون تأثيره على أبناء الشعب الأضعف كبيراً ، وقد يتمكن ـ لفترة زمنية ـ من اختراق فكرهم وشخصيتهم القومية ، وإشاعة قيم جديدة تتناقض مع القيم المحلية أو القومية لهذه الشعـــــوب.
ويمثل الصراع أو الصدام بين أصحاب الحضارات التهديد الأساسي للأمن والسلام في العالم. والدعوة للصدام لا تصدر إلا عن أصحاب حضارة مادية ، تخلت عن قيم الروح والمثل العليا ،وهذا مؤشر نحو الأفول والاضمحلال ، ولكن هذا الأفول لن يكون سريعاً ودراماتيكياً مثلما حصل في التجربة الشيوعية ،بل سيكون بزمن لا يقل عن زمن النهوض والصعود.
وأميل إلى رأي د. غسان سلامةـ بأن الحضارات والثقافات لا تتصارع ، كما أن الحضارات لا تتحاور في أوضاع العالم الراهنة ، لأنها ليست موجودة أو ليست فاعلة في الساحة الدولية ، والموجود هو الارادات السياسية التي تعتمد القوة العسكرية والاقتصادية والعلمية(48).ولو وجدت الحضارات بكل مضامينها المادية والروحية لتقدمت نحو الحوار مع بعضها ، لأن كل حضارة بحاجة للاقتراب من الحضارة الأخرى ، والتفاعل معها ، والأخذ منها ما يعزز ثقافتها ويفيدها في معارفها الأدبية والفنية والعلمية.
2 ـ أما الحوار فهو تعبير عن رفض الغطرسة والتعالي ، واعتراف بالآخر وبحقه في التعبير عن هويته. كما أنه يستند إلى معايير بعيدة عن منطق القوة والتسلط. بل يستند إلى معايير تستوعب المعنى الإنساني لتطور المجتمعات ، والإحساس بمسؤولية عالية في تأمين العدل والسلام والأمن في العالم. ويرتكز الحوار على إرادة التعايش والاعتراف المتبادل وفكرة التكامل الحضاري والقاعدة الإنسانية المشتركة لرفض التمركز والتعصب ، واستخدام القوة المادية والمعنوية في علاقات الأمم ببعضها. والحوار يكون مع الذات ومع العالم إي مع جوهر الحضارة الإنسانية. ينقطع الحوار عندما يسود الاضطراب والفوضى ، وتمتلئ النفوس بالشر والحقد وعندها تصبح دعوات الحوار مثل (حوار الطرشان) ، أو لإهداف معروفة تمليها ظروف كل طرف متحاور.
إن الحوار الحضاري بين أصحاب حضارتين في منطقة ما ، أو في العالم ، تستدعيه المسؤولية الأخلاقية والقيم الروحية التي تملأ أجواء الحضارتين ، فهو حوار مسؤول وليس حواراً بين مترفين، حوار من أجل التفاهم والسلام ، حوار " بناة " وليس حوار "هدامين " للحياة. وعندما يكون الحوار بين " بنائين " مسؤولين أمام التاريخ ، فهو حوار إيجابي يُعيد الثقة بالإنسان ، ومثل هذا الحوار الإيجابي ينطلق من أرض الواقع ، نحو الأمل المنشود في المستقبل ، حوار يُسهم في حل المشكلات الكبيرة التي تعترض مسيرة الشعوب في العالم.(49)
الحوار الحضاري يستدعي من المتحاورين إنفتاحاً على التطور الثقافي في العالم ، والتفاعل معه ، دون خضوع ، أو تبعية له. ولكن المشكلة التي تواجه الشعوب في عالم الجنوب ، ومنها الأمة العربية ، هي التفاوت الكبير في الامكانات المادية الخاصة بالاتصال بينها وبين دول الغرب. فالحوار يستلزم قدراً من التقدم العلمي والتقني للشعب الذي ينشد الحوار أو الانفتاح على ثقافات الشعوب المتقدمة علمياً وتقنياً ، حتى يتمكن من مسايرة التطور التقني الكبير جداً في حقلي الاتصالات والمعلومات. ولابد من الانتباه أن التوجه نحو التطور والتحديث في شتى المجالات العلمية والتقنية ، لا يعني " التغريب " ، أي التبعية للغرب ، وبالتالي " تغريب " المجتمعات غير الغربية.فالتقدم والنهضة لدى أمة من الأمم التي تحتفظ بقيمها وروحها القومية ، هو تقدم يدخل في صميم الحضارة الإنسانية ، وحضارات الشرق بعامة ، والحضارة العربية بخاصة مهيأة لأخذ دورها في إرساء أسس السلام في العالم. وعندما لا تكون الأمة مهيأة لمثل هذا الانفتاح ، وإحداث التفاعل الايجابي مع الآخر ، فإنها (الأمة) ستكون منساقة وراء التيارات الفكرية والسياسية والاجتماعية للدول الغربية ،لأ ن صياغة الأفكار وأنماطها لدى الغرب ، صار فوق طاقة الدول النامية في عالم الجنوب.
3 ـ في ضوء ما تقدم فإن اشتراطات الحوار الحضاري ما زالت غير متوفرة ، أو مختلة في أقل تقدير. فالغرب الذي يملك كل ممكنات القوة المادية (العسكرية والاقتصادية والإعلامية والعلمية ـ التقنية) يشعر أنه المؤهل لأن يتسود العالم في كل المضامين التي طرحتها العولمة ، وأنه الطرف الذي يُملي إرادته على الآخر. وبحكم تركيبته التاريخيةوالنفسية ، فإن الغرب مزروع بحب السيطرة وعدم الاعتراف بالآخر ، إن لم نقل إحتقار الآخر والحط من شأنه. ويصف الكاتب الفرنسي(بيير بيارنيه) العقلية الامريكية الإرهابية "بأن عقول الامريكيين تعشعش فيها أفكار بالية ،تذهب إلى أن الله أعطاهم الثروة ، وساعدهم في الانتصار على جميع الأعداء ، لانهم يستحقون ذلك. وما عداهم ليسوا إلا برابرة". ويستشهد الكاتب بمقولة لـ (جنجريتش) رئيس الاغلبية الجمهورية في الكونغرس الامريكي عام 1995 حول " سمو ورقي " العنصر الأمريكي. "بأن الحضارة الأمريكية حققت هيمنتها بلا ضغوط.. وبدون الحضارة الأمريكية ، سيعيش العالم في بربرية وعنف وديكتاتورية"(50)
لكل ذلك يعتقد الغرب أنه غير ملزم بإجراء حوار مع طرف متخلف ، لم يرقى إلى مستوى السلم الحضاري المادي.كما أنه ينسب إلى شعوب الجنوب سمة التخلف ، بسبب إيمانهم ومعتقداتهم الروحية.وهكذا وصف الغربيون الإسلام والمسلمين بالتخلف ، والانزواء في زوايا الماضي ،وأنهم (المسلمون) غير مؤهلين للتطور والتفاعل مع العصر وآلياته. وهذا الحكم مسكون في الثقافة الغربية التي تعتبر الإسلام عدواً تقليداً. كما استغلوا سلوك بعض الحركات السياسية ـ الدينية لتصوير الإسلام بالإرهاب ، في حين أن الإمبريالية التي تُعد " ظاهرة ثقافية استعمارية " ضد الشعوب ، هي السبب في سلوك بعض الحركات. وقد درست لجنة خاصة في الكونغـــرس الأمريكي قضية " الأصولية الإسلامية " في عام 1985 ، وقدمت توصيات إلى الإدارة الأمريكية في حينه ركزت في جانب منها على ضرورة إعادة تقييم الاتجاهات السياسية التي تخص مسألة الصراع العربي ـ الصهيوني ، وإعادة النظر في اعتبار كل الإسلاميين إرهابيين ،والتوصية بتخفيف الظهور الأمريكي الرسمي والعسكري في البلاد العربية ، وشجب أعمال"إسرائيل"(51). ولكن هذا التقرير ـ كما ظهر لاحقاً ـ لم يرق للصهاينة المتنفذين في الإدارة الأمريكية ، ولذلك جاءت الدعوة إلى صدام الحضارات ، لتبدأ بالصدام مع الإسلام.
هذا الواقع المتناقض بين الغرب والعرب والمسلمين بعامة ، حال دون حوار بناء إيجابي بين الطرفيـن ، بل إن الغرب ، وأقصد الولايات المتحدة الأمريكية الغرب حصراً ، لم يقتنع بأهمية الحوار الحضاري ، رغم ظهور دعوات " لحوار الإديان " بين فترة وأخرى. بل اعتمد الغرب مشروعاً ثقافياً بأدوات تقنية ، يهدف إلى تدمير الخصائص القومية للعرب. وأخطر ما في المشروع، هو ترويج ما يسمى " ثقافة السلام " بين أبناء الأمة العربية ، والضغط على الحكومات العربية للتقدم خطوات سياسية واقتصادية وثقافية باتجاه " الشرق أوسطية " وقبول العولمة بكل مضامينها ، والمصالحة مع الكيان الصهيوني ، رغم أنه لم يُسهم خطوة واحدة ، من أجل تحقيق الأمن في المنطقة. فوجود هذا الكيان العنصري الغريب في قلب الوطن العربي ، ظل مصدر القلق والفوضى فيها ، وحال دون تقدم العرب ، وجعلهم مستنفرين دائماً يُغلّبون جانباً على حساب جوانب أخرى في التقدم والنهضة.
إن إخضاع الثقافة لمنطق التطبيع صار أحد أبرز أركان المشروع الصهيوني الاستيطاني ،ويدرك الصهاينة أن العمق الثقافي والحضاري للأمة العربية ، هو العنصر الأقوى في المقاومة الذاتيـة ، وفي تجذير ثقافة الجهاد.(52)
إن ثقافة السلام شعار جميل ، لا يرفضه شعب من الشعوب ، ولا سيما السلام في الإطار الداخلي الوطني ، ولكن ثقافة السلام ، تتحول إلى ثقافة استسلام عندما يقبل طرف عربي الواقع ألاحتلالي العدواني للكيان الصهيوني. ولما كان هذا الكيان يعبئ قواه المعنوية والدينية ضد العرب ،ويرتكب أفظع الجرائم ضدهم ، فإن الثقافة المطلوبة هي " ثقافة الجهاد ". فثقافة الجهاد هي نقيض ثقافة السلام التي يروج لها الغرب ، بهدف قبول العرب اتفاقيات التسوية مع العدو الصهيوني.
إن ثقافة الجهاد لا ترفض السلام القائم على العدل والإنصاف ، لأن السلام حلم البشرية ، ومحور الديانات السماوية والعقائد الدنيوية ـ بإستثناء التراث اليهودي ـ. والإسلام يدعو إلى السلام ، وسميت الأمة العربية الإسلامية بـ (دار السلام). فالأمة العربية مع السلام وثقافة السلام في إطار المجتمع الواحد ، وتتبنى ثقافة السلام لرفض الفوضى والعنف لإسباب دينية أو عرقية أو مصالح أنانية ، ولكن عندما يواجه العرب تحدياً صارخاً من الإمبريالية والصهيونية ، يستهدف وجود الأمة ووحدتها ، ويريد إقتلاع الأمة من جذورها الحضارية ، فإن ثقافة الجهاد تصير لغة العصر ،إلى أن يعترف الآخر بحق الأمة في الوجود ، ويعترف بدورها الحضاري الإنساني ، ويقبل الحوار معها وفق الشروط التاريخية المسؤولة لضمان الأمن والسلام.
الدعوة لثقافة الجهاد ، تأتي في ظروف فرض فيها الغرب ثقافته الخاصة ، من خلال إمتلاكه التقنية المتفوقة في مجال الاتصالات. وصار الغرب يعتقد أنه المالك الوحيد للتقنية والمعرفة ، وأنه الأقدر على إشباع حاجات الإنسان ورغباته الشخصية ، والأقدر على تقديم حلول لمشكلاته من خلال الديمقراطية الليبرالية. وبالتالي على الدول والشعوب أن تفتح أبوابها أمام المنتج الثقافي الغربي ،إلى جانب المنتج الصناعي ، كونها حاجات أساسية تلبي رغبات الإنسان العصري.وبهذا الصدد يقول (روبرت بلم): " أنه التزام منا ، أن نفعل ما في وسعنا لنمارس نفوذنا الثقافي بطريقة تساعد الآخرين ، وبحيث لا يكون حجم المساعدة يسمح للمبادئ الغربية بأن لا تمد الآخرين بشيء سوى التطلع إلى تغير غير مسيطر عليه ، وهذه مهمة ثقافية أساسية ، تستلزم تصوراً واضحاً لقيمنا ، وللطريقة التي بها نرغب من الآخرين أن يشاركونا بهذه القيم".(53)
4 ـ لم يكتف الغرب بهذا ، بل دفعته غرائزه الشريرة ، وعقده التاريخية ، إلى طرح أفكار عدوانية، تزيد من الفوضى والاضطراب في العالم. فبعد زوال العدو الاستراتيجي للغرب والولايات المتحدة بخاصة (الاتحاد السوفيتي السابق) طرح الغرب من خلال (صموئيل هنتنغتون) دعوته المثيرة "صدام الحضارات". والمقصود بها حتمية الصدام بين الغرب المسيحي وبين المسلمين ،ومن ثم أصحاب الديانة الكونفوشية. فالعدو للولايات المتحدة بعد الشيوعية هو الإســــــلام ،
والخوف يكمن في صعود الإسلاميين إلى سدة الحكم في أي بلد عربي يطبق الديمقراطية ،كما حصل في الجزائر في بداية عقد التسعينات من القرن الماضي ، بدعوى أنهم يشكلون تهديداً جديداً للغرب. ولذلك فإن هنتنغتون يدعو إلى تضامن " البلدان الشقيقة المنتمية إلى الحضارة الغربيـة ، ويقصد بلدان أوربا كلها (الغربية والشرقية) ، وأن تتضامن مع روسيا واليابان لمواجهة النمو في قوة المسلمين ، متناسياً الفروق الثقافية بين شعوب الغرب أيضاً ، فكل شعب له ثقافته ولغته وعاداته وقيمه وشخصيته القومية. وقد برزت التناقضات بنسب متفاوتة في أوربا ، كرد فعل علـى مضامين العولمة الثقافية الأمريكية. وعلى سبيل المثال كان رد الفعل شديداً في فرنسا ، ضد الافلام الأمريكية واللغة الانكليزية.
ومع ذلك فإن (هنتنغتون) يفترض اللقاء بين دول وشعوب الغرب متجاوزاً هذه التناقضات الثقافية ، لمجرد مواجهة خطر مزعوم هو الإسلام.ويتناسى (هنتنغتون) تجربة الغرب الأوربي مع الإسلام ومع العرب المسلمين حصراً.
إن إفتراض هنتنغتون تصادم الحضارات في المستقبل إفتراض موجود في العقل الغربي ، الذي يبحث عن سبل لإحكام سيطرته على العالم ، منطلقاً من عقدة التفوق التي تعود في جذورها إلى العقيدة اليهودية في التوراة ((شعب الله المختار)). ويدعي أن الفروق بين الحضارات فروق أساسية وتتمايز من حيث التاريخ واللغة والثقافة والتقاليد ، والأهم في رأي هنتنغتون الدين. وإذا كان الاعتقاد بأن الدين مدعاة للعنف والخلاف والصراع بالنهاية ، فإنه اعتقاد خاطئ ، ناتج عن تجربة تاريخية بين المسيحيين في الغرب والمسلمين في الشرق ، أثناء حملات الفرنجة المسماة بالحروب الصليبية.كما أن المسيحيين البروتستانت ، قد تأثروا بما ورد في التوراة (العهد القديم) واعتبروه أساساً في عقيدتهم. إذ أن التوراة تدعو إلى العنف ضد الآخر في الأديان والأقوام الأخرى ،وضرورة إخضاعهم تنفيذاً لوعد الرب (يهوه). وهي ادعاءات نقضتها الوقائع التاريخية والمكتشفات الاثارية ، التي أكدت بطلان انتساب اليهود وحدهم إلى سيدنا إبراهيم (عليه السلام) ، وأنه لا صحة لما ورد في التوراة على لسان الرب مخاطباً إبراهيم " لك ولنسلك أعطي هذه الأرض "(54)
إن الالتزام بالدين الإسلامي لا يعني التعصب ضد الديانات الأخرى ، بل يعزز التعاليم الخاصة باحترام الأديان الأخرى ، وعدم إكراه معتنقيها على دخول الإسلام ، خلاف ما فعله مسيحيو أوربا عندما تمكنوا من إسقاط الدولة الإسلامية في الأندلس ، وإجبار المسلمين على ترك دينهم وتنصيرهم. ولكن عندما يتمسك المسلمون بمبادئ أساسية في دينهم ، منها الدفاع عن ارضهم وحقهم ضد اطماع الطامعين ، فإن هذا لا يُعد إرهاباً وخطراً على الحضارة الغربية.
وإذا كان الغرب يعتقد أن نضال المسلمين ضد أطماع الغربيين ، إرهاباً ، فإن الغربيين لا ينظرون إلى افعالهم الإرهابية ضد العرب والمسلمين بعامة ، ولم يراجعوا مواقفهم ، أو يمارسوا نقداً إيجابياً لسلوكهم إزاء العرب والمسلمين.
5 ـ إن الدعوة لصدام الحضارات إبتداء بالإسلام والكونفوشية يعني معاداة أكثر من ملياري إنسان ، كما أن الغرب (الأمريكي) سيكون مسؤولاً أمام التاريخ عن الاضطراب الذي وقع و سيقع في بلاد هاتين الديانتين ، دون وعي بالنتائج التي يمكن أن يفرزها من الفوضى والاضطراب في بقاع واسعة مــن العالم. وإذا سلمنا بأن الغرب كله سوف يشترك في الصدام مع الحضارتين الإسلامية والكونفوشية ،فهذا يعني أن حوالي (800) مليون هم عدد الغربيين ، سوف يعلنون الحرب على باقي الأمم والشعوب ، أي قلة لا تتجاوز 15 ـ 20% تحارب وتستعدي 80% من سكان العالم. وتفرض القلة نموذجها الحضاري على الكثرة ، ومثل هذا التصور يقود إلى الهلاك والفناء.
ولنا أن نتساءل.. لماذا جاءت الدعوة إلى صدام الحضارات في هذه الحقبة التاريخية ،أي بعد انتهاء الحرب الباردة؟ ولماذا الدعوة إلى التصادم مع حضارات موجودة منذ ألوف السنيين..؟ وهل شكلت هذه الحضارات تحدياً مباشراً للغرب..؟.
بعد سقوط الاتحاد السوفيتي سادت حالة من الضياع والذهول في العالم ، ولشدة ومفاجأة التحول الدراماتيكي الذي حصل. وبهذا السقوط إنتهت أسطورة " العدو الاكبر " أو "الشيطان الاكبر".ولفرط المفاجأة إعتقد الامريكان أن الفرصة مواتية للعودة إلى ممارسة كل الأساليب عنفاً وضراوة لتحقيق المصالح الاقتصادية والثقافية ، حتى لو كانت مخالفة للقيم الإنسانية التي دافعوا عنها من قبل ، وصارت رصيدهم في منهجهم الليبرالي.
وبدلاً من سيادة الأمن والنظام والسلام في العالم ، بعد انتهاء الحرب الباردة ، عمت الصراعات الأثنية والعرقية والدينية في دول أوربا وفي بلدان الجنوب أيضاً. وخاصة في العراق والسودان والصومال، ولذلك أجتهد الفكر الغربي الأمريكي بإخراج مقولات عدة منها زوال القومية ومعاداتها. في حين تشكل القومية في عالم الجنـوب ، والقومية العربية دعوة إنسانية ، لأنها قومية مؤمنة بالقيم والمثل العليا ، وتؤمن بالحوار مع الآخر بهدف بناء عالم إنساني متآزر. وقد أكدت الاحداث اللاحقة عدم صحة زوال القوميات ، أو محو الشخصية القومية ، بدليل ما حصل في الاتحاد السوفيتي السابق ويوغسلافيا السابقة.
والاجتهاد الفكري الاشد خطورة هو "صدام الحضارات" والعداء للإسلام ، أي إختراع عدو جديد بدل العدو القديم (الشيوعية والاشتراكية). والأمر الخطير هو أن الصراع وقع وسوف يقع ،ما دام العالم تتحكم فيه قوة طاغية شريرة ، ولم تستطع قوة دولية أن تحقق التوازن معها حتى الآن. إن توقيت الدعوة جاء لإعتقادات موجودة في العقل الامريكي ، مفادها أن التاريخ قد توقف(نهاية التاريخ لفوكوياما) وأن العقائد قد انتهت ، وأن القوميات قد إضمحلت. وأن المنهج الليبرالي المتمثل في الرأسمالية الراقية (سوبر رأسمالية) والديمقراطية ، هو المنهج الاصلح لكل البشرية. وهذا الاعتقاد ينم عن قصور في فهم حركة المجتمعات وتطورها ، وقصور عن فهم تطور التاريخ. إذ أن المنهج الذي يلائم الافراد والشعوب والأمم ، هو الذي يحافظ على شخصيتها القومية ،وعلى ثقافتها وتقاليدها وتراثها ، وهو منهج يقوم على العدل والمساواة وإحترام الإنسان ومعتقداته الدينية ، منهج يوازن بين المادة والروح ولا يغلب أحدهما على الآخر.
كما إن الحضارات التي يفترض الغرب الصدام معها ، موجودة منذ ألوف السنين ، وقدمت إنجازات ثقافية وعلمية متميزة ، رفدت بها الإنسانية. ولم تغزو ديار الغرب ، ولم تدمر مدنه وحضارته ،ولكن الغرب ـ كما دلت الاحداث التاريخية ـ هو الذي غزا الشرق وأحدث دماراً في بلدانه ،ونهب خيراته ، ووقف ضد مشروعه الحضاري ، وبالذات ضد مشروع الأمة العربية الحضــاري.
التمايز بين الحضارات لا يدعو إلى القلق ، كما أن التنوع الثقافي فيه إثراء للفكر الإنساني وعدم مطاوعة ثقافة أمة لثقافة أمة أخرى ، لا يفترض الصدام والحرب ، بل الحوار والتفاعل والتثاقف. ولكن عندما تركز أمة ما على عوامل مادية في بناء حضارتها ، فإنها تأخذ بمنطق القوة وحده ،وتغالي في إستخدام القوة لإخضاع الآخر ، والقوة المادية قد تخضع الاجساد ، ولكنها لا تخضع الروح والقيم والمثل العليا ، فهذه العوامل هي الكفيلة بمواجهة القوة المادية ، والصمود بوجهها.كما إن إعتماد القوة المادية في الحضارة الغربية ، هو بداية ذبولها وانحدارها من فوق القمة نحو السفوح. وهناك تشابه بين الحضارة الغربية المادية ، والحضارة الرومانية القديمة ،ولابد أن يستحضر مفكرو الغرب العبرة من تاريخ الإمبراطوريات التي سادت ثم شاخت وبادت.
المبحث الخامس: الحوار بـــدل الصراع
1 ـ إشتراطات الحوار.
أ ـ لابد من الاعتراف بوجود ثقافات محلية لا تخلو من التنوع ، والتنوع مصدر الغنى والخصب ، والاعتراف بوجود ثقافة للأمة ، تضم أنماط السلوك المادي والمعنوي تميزها عن غيرها، إضافة إلى ثقافة عالمية تتفاعل مع الثقافة القومية للأمة.(55)
إن هذا الاعتراف هو مفتاح الحوار بين الثقافات المحلية والقومية والعالمية ، وأن محاولة أي طرف إستلاب ثقافة الآخر ، أو رفضها بدعوى أنها متخلفة ولا تملك إمكانات مادية ، هو إضرار بالحضارة الإنسانية كلها ، ودفع الشعوب والأمم نحو الصراع.
ب ـ توفر النزاهة الفكرية والثقافية لدى المفكرين والسياسيين التي تقبل الحوار ، بعيداً عن الأفكار المسبقة ، وعقد الماضي ، أو النوايا السيئة. كما يشترط الحوار المتكافئ إعترافاً متبادلاً بين طرفي الحوار. ولنا في الحوار السياسي الذي جرى في جنيف بين العراق والولايات المتحدة قبل بدء العدوان الثلاثيني بأيام ، خير دليل على عدم توفر النزاهة لدى المفاوض الأمريكي ، بل وجود الافكار العدوانية المسبقة والنوايا الشريرة إزاء الطرف الآخر (العراق).
جـ ـ إذا لم يقدم الطرف الغربي الذي قاد مخططات الغزو والعدوان العسكرية والثقافية والاقتصادية ضد العرب ، على نقد أنفسهم ، فإن إزالة ترسبات الماضي الثقافية من الأذهان لا يمكن أن تتحقق ،إذا لم يقدموا على خطوة إيجابية تفصح عن وجود نية حسنة لدى المحاور الغربي.وهذا الاشتراط لا يعني أن العرب يخوضون صراعاً ضد حضارة الغرب بل ضد ظاهرة إستعمارية قادها الغربيون.
د ـ لا بد أن يعيد الغرب النظر في مواقفه من موضوع الصراع العربي ـ الصهيوني ،ويعترف بأن الأمة العربية قدمت للبشرية ، في كل مراحل نهوضها ، كل ما يخدم الإنسانية ويعزز نهوضها الحضاري. فهي أول من أخترع الحرف ، ووضعت القوانين ، وابدعت في الفكر والفن والعلوم.والأمة لا تريد شيئاً غير مألوف ، ما تريده هو أن تعيش بأمان فوق أرضها ، وتقيم علاقات سليمة ومتكافئة مع شعوب العالم. والرد على الإرهاب الثقافي والاعلامي لا يتحقق إلا بإستراتيجية عربية وإسلامية مناهضة للاختراق وفرض التبعية ، والاستفادة من محدثات العصر التقنية وتوفر عمق سياسي وجماهيري للشعوب المقهورة.
وعندما تخوض الأمة العربية نضالاً ضد الاحتلال الصهيوني ، " فهو نضال إنساني عالمي ،وليس نضالاً وطنياً وقومياً فحسب". لأن هذا الكيان صنيعة غربية واداة للإمبريالية ، تمنع وحدة الأمة وتحول دون تقدمها. إن الاعتقاد السائد الآن ، أن أي حوار مع الغرب قبل حل مشكلة فلسطين وما وقع على الفلسطينيين من ظلم ، لن يقود إلى نتيجة إيجابية ، لأن أصحاب الحضارة الغربية هم الذين تسببوا بمشكلة فلسطين وأوقعوا الظلم على الشعب الفلسطيني. كما أن الحوار يتعثر في ظل إنعدام الاستقرار الدولي.
2 ـ في مواجهة الصراع الثقافي والحضاري.
الإرهاب المادي (العنيف) يهدف إلى كسر إرادة الطرف المستهدف بالعمل الإرهابي ،أو فرض إرادة الطرف القوي على الطرف الأضعف. والإرهاب الثقافي يهدف إلى مسخ الشخصية القومية ، والحط من شأن القيم والمثل والعادات التي ترسم شخصية أمة من الأمم.وعليه فإن الإرهاب الثقافي الذي يتسلل عبر وسائل الاتصال الحديثة ، صار أشد تأثيراً من الإرهاب العنيف أو الإرهاب المسلح ، لأن الإرهاب المسلح يصيب الاجسام والأنفس ، أما الإرهاب الثقافي فيصيب الفكر والعقل ، وهما قوام الحضارة والإنجازات الحضارية للبشرية وخدمتها وتوفير الأمان لها.
كيف تواجه الأمة العربية والأمم الأخرى ، هذا الإرهاب..؟ هل تتصدى له بالانزواء والعزلة..؟ أم بوسائل تقنية فنية تمنع وصول ثقافة الغرب إلى أبناء الأمة..؟
أ ـ إن أصحاب الحضارات الحية يؤمنون بمبدأ الحوار والمثاقفة بين الأمم وثقافاتها. ولذلك فإن مواجهة الإرهاب الثقافي لا يكون بالانغلاق والانكفاء على الذات ، لأن هذا العمل يقود إلى التآكل وإذكاء الصراعات الداخلية ، (الدينية والطائفية والعرقية) ، وهذا الفعل يفرح أصحاب الإرهاب الثقافي ، ويوفر لهم البيئة الصالحة للنفاذ والتأثير في ابناء المجتمع المنغلق.
إذن: المواجهة هي في الحوار والانفتاح.. ولكن هل نعني بالانفتاح فتح الأبواب على مصارعها ، لدخول الثقافات الغازية بحرية ، أم المقصود بالانفتاح هو تبني ثقافة الانطلاق ، ثقافة الجهاد التي تشمل كل مناحي الحياة نحو النهضة والتقدم. فالجهاد لا نعني به حمل السلاح دفاعاً عن الوطن والسيادة حسب ، بل هو الانطلاقة المؤمنة نحو العلم والخلق والابداع في شتى ميادين الحياة ،ليكون المجتمع مؤهلاً للحوار مع الأقوياء ، ويحقق التوازن في مقومات الحضارة ، مادياً وروحياً. والجهاد هو ضد الفقر والتخلف والجهل ، والانتصار على كل ما يدفع نحو الوراء ،الانتصار على كل ما يعوق العقل عن التفكير والابداع والخلق ، أي برفض العادات والتقاليد البالية ، التي تستند إلى الشعوذة والسحر والخرافة والضلالة.
ب ـ ومن مؤهلات الحوار المتكافئ ـ إن لم نقل الندية ـ ، الاقدام على خطوات جريئة نحو محو الأمية في الوطن العربي ، وفرض إلزامية التعليم لمرحلة متوسطة في التعليم ، وبناء الجامعات والمعاهد بكل التخصصات العلمية والتقنية ، والعناية بمراكز البحوث ووضع الموازنات المالية الكافية لها. والعمل على إحياء التراث العلمي الحضاري للعرب ، بإعادة نشر أمهات الكتب والمخطوطات ، واستثمار وسائل الاتصال الحديثة (كومبيوتر وإنترنت وغيرها) ، واستخلاص القيم والمثل العليا من تراث الأمة العريق.
جـ ـ إن مواجهة الغزو الثقافي الغربي يبدأ من الأسرة فالمدرسة ووسائل الأعلام ، أي في تربية النشئ الجديد تربية وطنية وقومية مؤمنة غير متعصبة ، تربية تقوم على أساس علمي رصين لشحن الكفاءات وتنمية الذوق. والإيمان بأهمية الاستقلال والحفاظ على سيادة الدولة الوطنية ، والدفاع عن رموز الأمة واستيعاب تراثها ودراسة تاريخها واستنباط الدروس منه. كما يستلزم أن تحترم الحكومات العربية حقوق الإنسان ، وتنهض بالإنسان علمياً وتقنياً واجتماعيا وثقافياً ،وترفع من مستواه المعاشي ، وتهتم بوسائل الاتصال لتأمين الحوار مع الآخر.
ونظراً لوجود طوفان إعلامي غربي يزحف نحو البلاد العربية ويقتحم الأبواب ، ويسعى إلى غزو العقول ، فإن الواجب يقضي أن تُبادر الدول العربية والإسلامية إلى إنشاء قنوات فضائية ناطقة بلغات عالمية تدافع عن الإسلام وعن التراث العربي الإسلامي ، وتدعو للحوار مع المثقفين الغربيين المتنورين ، الرافضين للعنصرية. وكذلك التنسيق بين الفضائيات العربية الموجودة ، لتبادل البرامج الموجهة والقيام بحملات إعلامية وثقافية موحدة في العالم. وكذلك التنسيق بين دور النشر العربية ، لإعادة نشر التراث العربي ، وإحياء مشروع الموسوعة العربية من جديد ، وترجمة التراث العربي إلى بعض اللغات العالمية.
د ـ الثقافة العربية المعاصرة ليست صورة للواقع العربي فحسب ، بل هي رسم لمستقبل الأمة ، وتحفيز الأجيال على تعبيد الطريق الطويلة نحو المستقبل. ونمو الثقافة لا يكون إلا في أجواء الحرية وإحترام حق الإنسان في الانتماء والتعبير ، فالحرية واجبة في أوضاع الوطن العربي الذي يضم قوميات وأدياناً وطوائف. فالتعدد لا يعني التجزئة أو التفتيت ، ولكن التعدد تحت خيمة الوحدة هو إغناء للوحدة القومية ، وتنمية لثقافة الوحدة وثقافة الجهاد.
إن أوضاعنا العربية السياسية غير مستقرة ، تتصف بالانقسام والتبعية للغرب ، وهذا يؤثر على الثقافة العربية ، وبالذات الثقافة الرسمية التي تعبر بلسان السلطة. ولكن الثقافة الاصيلة التي يُنتجها مثقفون أصلاء ، هي التي ترتبط بجماهير الأمة إرتباطاً حياً ، وتعبر عن آمالها وطموحاتها في الحرية والاستقلال والحياة الكريمة ، هذه الثقافة هي المؤهلة للصمود بوجه الإرهاب الثقافي الغربي ، والقادرة على حماية الشخصية القومية الإنسانية ، وعلى الحوار مع الآخر والتفاعل معه.فالضعف هو الذي يُشجع الغزاة للاستمرار في إرهابهم وتنفيذ مخططاتهم ، والقوة تخلق التوازن وتخدم الحضارة الإنساني
الهوامش
(1) أودت الحروب بخسائر بشرية ومادية كبيرة جداً وأوقفت تقدم ونهضة الأمم والشعوب ، فعلى سبيل المثال كانت خسائر الشعوب في الحربين العالمتين الأولى والثانية: 42 مليون و 420 ألف شخص ، كانت حصة الاتحاد السوفيتي (السابق) وحده 21 مليون و 70 ألف شخص ، وألمانيا: سبعة ملايين و 950 ألف ، ثم بولونيا: 6 ملايين. وخسائر أخرى في فرنسا وهنغاريا وبريطانيا وإيطاليا واليونان ، لمزيد من التفصيلات أنظر: المقدم بسام العسلي ، الحروب الحضارية ، بيروت: المؤسسة العربية للدراسات والنشر ، 1979 ، ص97 وما بعدها.
(2) د. محمد عبد السلام كفافي ، الحضارة العربية ومقوماتها العامة ، بيروت: دار النهضة العربيــة ، د.ت ، ص8.
(3) د. عبد الله عبد الدائم ، "مستقبل الثقافة العربية" ، مجلة المستقبل العربي ، العدد 260 ، تشرين الأول 2000 ، ص34.
(4) د. محمد عابد الجابري ، وحدة الثقافة العربية وصمودها في وجه التحديات ، بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية ، 1994 ، ص22
(5) د. عبد الاله بلقزيز ، "النظام الإعلامي السمعي والبصري الغربي والاختراق الثقافي ، في ، إشكالية العلاقة الثقافية مع الغرب" ،بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية ـ المجمع العلمي العراقي ، 1997 ، ص225.
(6) نقلاً عن د. الياس فرح ، في الثقافة والحضارة ، بغداد: دار الرشيد للنشر ، 1979 ، ص70 ـ 72.
(7) نقلاً عن: اليونسكو ، التنمية الثقافية.. تجارب إقليمية ، ترجمة: سليم مكسور ، بيروت: د.ن ، 1983 ، ص358.
(8) نقلاً عن: د. الياس فرح ، مصدر سبق ذكره ، ص57.
(9) المصدر نفسه ، ص57.
(10) المصدر نفسه ، ص58.
(11) ألبرت إشفيتسر ، فلسفة الحضارة ، ترجمة: د. عبد الرحمن بدوي ، مراجعة: د. زكي نجيب محمود ، القاهرة: المؤسسة المصرية العامة للتأليف والترجمة والطباعة والنشر ، 1963 ، ص405 .
(12) المصدر نفسه ، ص406.
(13) المصدر نفسه ، ص5.
(14) المصدر نفسه ، ص404.
(15) المصدر نفسه ، ص309.
(16) المصدر نفسه ، ص408.
(17) أسوالد إشبنغلر ، تدهور الحضارة الغربية ، ترجمة: أحمد الشيباني ، بيروت: دار مكتبة الحياة ، د.ت ، ص14.
(18) المصدر نفسه ، ص15 ، نقلاً عن (إشبنغلر ، المصدر نفسه ، ص22.
(19) أنور الجندي ، الحضارة في مفهوم الإسلام ، القاهرة: دار الأنصار ، 1979 ، ص6.
(20) لمزيد من التفصيلات حول العنف والإرهاب أنظر: حسن محمد طوالبة ، العنف والإرهاب في منظورالإسلام السياسي ، ط1،دار عالم الكتب الحديث،اربد،2005.
(21 ) نقلاً عن: سالم لبيض ، " من الاستشراق إلى نهاية التاريخ " ، المستقبل العربي ، العدد 211، أيلول 1996 ، ص 19.
(22) د. الياس فرح ، أفاق الصراع الحضاري. الصهيونية رؤية مستقبلية ، مجلة أم المعارك ، بغداد: عدد (21) نيسان/أبريل ، 2000 ، ص27.
(23) سورة البقرة: 240
(24) نقلاً عن شبنغلر ، مصدر سبق ذكره ، ص22 .
(25) د. محمد عبد السلام كفافي ، مصدر سبق ذكره ، ص13.
(26) د. محمد عماره ، مداخلة في فروع مركز دراسات الوحدة العربية ، في ، الحوار القومي ، بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية ،1989 ، ص182 ـ 183.
(27) د. الياس فرح ، في الثقافة والحضارة ، مصدر سبق ذكره ، ص48 ـ 50.
(28) المصدر نفسه ، ص 54 ـ 55.
(29) محي الدين إسماعيل ، " في البقاء الحضاري " ، في ، تحدي البقاء الحضاري للأمة العربية ، بغداد: مكتب الثقافة والأعلام ،1994 ، ص58.
(30) د. عبد الله عبد الدائم (( مستقبل الثقافة العربية )) ، مصدر سبق ذكره ، ص39.
(31) روجيه غارودي ، حوار الحضارات ، ترجمة: د. عادل العوا ، بيروت: دار عويدات ، د.ت ، ص51.
(32) لمزيد من التفصيلات حول هذا التشويه أنظر: د. محمود عبد الرحمن الشيخ " الاستعمار الأوربي والشعوبية في أفريقيا " ،في ، وقائع الندوة القومية لمواجهة الدس الشعوبي ، ج3 ، بغداد: هيئة كتابة التاريخ ، 1989 ، ص111 ـ 117.
(33) لمزيد من التفصيلات حول أزمة الحضارة الغربية أنظر: غارودي ، أزمة الحضارة ، مصدر سبق ذكره ، وكذلك توينبي ،قصة الحضارة.
(34) أنور الجندي ، الحضارة في مفهوم الإسلام ، مصدر سبق ذكره ، ص10.
(35) د. الياس فرح ، في الثقافة والحضارة ، مصدر سبق ذكره ، ص56 ـ 57.
(36) المصدر نفسه ، ص57.
(37) نقلاُ عن الكفافي ، مصدر سبق ذكره ، ص82 ، عن رسائل الكندي.
(38) د. مؤيد عزيز .. الأبعاد الحضارية في فكر أحمد ميشيل عفلق " الندوة الفكرية لمكتب الثقافة والأعلام في الذكرى الثالثة عشرة لرحيل القائد المؤسس24/حزيران 2002.
(39) من مقدمة " حولية الثقافة العربية ، التي أصدرها ساطع الحصري عن الإدارة الثقافية لجامعة الدول العربية ، نقلاً عن: محمود أمين العالم ، في عرضه كتاب: محمد عابد الجابري ، المشروع النهضوي العربي ، في ، مجلة المستقبل العربي ، العدد 221 ، ص122.
(40) د. عبد الاله بلقزيز " النظام الاعلامي السمعي ـ البصري الغربي والاختراق الثقافي " (ندوة) ، مصدر سبق ذكره ، ص226.
(41) نقلاً عن عرض كتاب بيير بيارنيه ، القرن الحادي والعشرين لن يكون قرناً أمريكاً ، مجلة أم المعارك ، العدد (19 ـ 20) ،تشرين الثاني 1999 ، ص148.
(42) د. رسلان خضور ، د. سمير إبراهيم حسن ، مستقبل العولمة ـ قضايا راهنة ، دمشق: المركز العربي للدراسات الاستراتيجية ،العدد 7 ، تموز 1998 ، ص16.
(43) أحمد مصطفى عمر " إعلام العولمة وتأثيره في الستهلك " المستقبل العربي ، العدد 256 ، حزيران 2000 ، ص74.
(44) نقلاً عن: التقرير الاستراتيجي العربي ـ 2001 ، القاهرة: مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية في الاهرام ، 2002 ، ص130.
(45) نقلاً عن المصدر نفسه ، ص137 وما بعدها.
(46) نقلاً عن: المصدر نفسه ، ص141 ـ 143.
(47) د. إسماعيل صبري مقلد ، الاستراتيجية والسياسة الدولية ـ المفاهيم والحقائق الاساسية ، بيروت: مؤسسة الابحاث العربية ، 1985 ،ص117 ، 118.
(48) د. غسان سلامة ، " الثقافة العربية ومرآة الغرب ـ الاشكاليات ومعابر التغيير " المستقبل العربي ، العدد 279 ، 5 آيار 2000 ،ص23.
(49) د. الياس فرح ، في الثقافة والحضارات ، مصدر سبق ذكره ، ص7 وما بعدها.
(50) بيير بيارنيه (عرض كتاب) ، مجلة أم المعارك ، العدد 28 ، كانون الأول 2001 ، ص129 ـ 138.
(51) الإسلام والكونغرس (محاضر جلسات لجنة الكونغرس لدراسة ظاهرة (الأصولية الإسلامية) ، عرض مجلة أم المعارك المصدر نفسه،ص129ـ138
(52) لمزيد من التفصيلات حول مخاطر التطبيع الثقافي أنظر: معن يشور ، السلام والتطبيع الثقافي ، المستقبل العربي ، العدد 209 ،ص4 ـ12.
(53) نقلاً عن: شوقي أبو شعيرة ، إنتحار الحضارة(56) لمزيد من التفصيلات أنظر: التوراة ، سفر التكوين ، الاصحاح 14 ـ30. "فوضى للقرن العشرين ، دمشق: الأهالي للنشر ، 1994 ، ص185.
(54) لمزيد من التفصيلات : انظر التوراة ، سفر التكوين ، الاصحاح 14 -30 .
(55) لمزيد من التفصيلات أنظر: د. عبد الله عبد الدائم ، " العرب والعالم بين صدام الثقافات وحوار الثقافات " المستقبل العربي ،العدد 203 ، كانون الثاني 1996 ، ص26.
المصـــادر
القرآن الكريـم
التــــوراة
1. ألبرت إشفيتسر ، فلسفة الحضارة ، ترجمة: د. عبد الرحمن بدوي ، مراجعة: د. زكي نجيب محمود ، القاهرة: المؤسسة المصرية العامة للتأليف والترجمة والطباعة والنشر ، 1963.
2. أحمد مصطفى عمر " إعلام العولمة وتأثيره في المستهلك " المستقبل العربي ، العدد 256، حزيران 2000.
3. أسوالد إشبنغلر ، تدهور الحضارة الغربية ، ترجمة: أحمد الشيباني ، بيروت: دار مكتبة الحيــاة ، د.ت.
4. إسماعيل صبري مقلد ، الإستراتيجية والسياسة الدولية ـ المفاهيم والحقائق الأساسية ، بيروت: مؤسسة الأبحاث العربية ، 1985.
5. الإسلام والكونغرس ، (عرض) مجلة أم المعارك ، العدد 28 ، كانون أول 2001.
6. أنور الجندي ، الحضارة في مفهوم الإسلام ، القاهرة: دار الأنصـــار ، 1979.
7. د. الياس فرح " آفاق الصراع الحضاري. الصهيونية: رؤية مستقبلية " مجلة أم المعارك، بغداد ،العدد 21 ، نيسان 2000.
8. د. الياس فرح ، في الثقافة والحضارة ، بغداد: دار الرشيد للنشر ، 1979.
9. بسام العسلي ، الحرب الحضارية ، بيروت: المؤسسة العربية للدراسات والنشر ، 1979.
10. بيير بيارنيه ، القرن الحادي والعشرين لن يكون قرناً أمريكياً ، مجلة أم المعارك (عرض) العدد (19 ـ 20) ، تشرين الثاني 1999.
11. حسن طوالبه ، العنف والإرهاب من منظور الإسلام السياسي ، ط1،دار عالم الكتب الحديث،اربد،2005.
12. روجيه غارودي ، حوار الحضارات ، ترجمة: د. عادل العوا ، بيروت: دار عويـدات د. ت .
13. د. رسلان خضور ، د. سمير إبراهيم حسن ، مستقبل العولمة ـ قضايا راهنة ، دمشق: المركز العربي للدراسات الاستراتيجية ، العدد 7.
14. شوقي أبو شعيرة، انتحار الحضارة، فوضى القرن العشرين، دمشق: الأهالي للنشر، 1994.
15. د. عبد الله عبد الدائم " مستقبل الثقافة العربية "، المستقبل العربي، العدد 260، تشرين الأول 2000.
16. د. عبد الله الدائم " العرب والعالم بين صدام الثقافات وحوار الثقافات " المستقبل العربي، العدد 203، كانون الثاني 1996.
17. د. عبد الآله بلقزيز " النظام الإعلامي السمعي ـ البصري الغربي والاختراق الثقافي" في، إشكالية العلاقة الثقافية مع الغرب، بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية والمجتمع العلمي العراقي، 1997.
18. د. محمد عابد الجابري، وحدة الثقافة العربية وصمودها في وجه التحديات، بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، 1994.
19. د. محمد عبد السلام كفافي، الحضارة العربية ومقوماتها العامة، بيروت: دار النهضة العربية، د.ت.
20. معن بشور " السلام والتطبيع الثقافي "، المستقبل العربي، العدد 209، تموز 1996.
21. د. مؤيد عزيز " الأبعاد الحضارية في فكر أحمد ميشيل عفلق " ، ندوة مكتب الثقافة والاعلام في الذكرى الثالثة عشرة لرحيل القائد المؤسس 2002م.
22. محي الدين إسماعيل، " في البقاء الحضاري "، في، تحدي البقاء الحضاري للأمة العربية، بغداد: مكتب الثقافة والأعلام، 1994.
23- محمود عبد الرحمن الشيخ، في، الاستعمار الأوربي والشعوبية في أفريقيا، في، ندوة مواجهة الدس الشعوبي، الجزء الثالث. بغداد: هيئة كتابة التاريخ، 1989م.
24. د. محمد عمارة، في، الحوار القومي ـ الديني، بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، 1989.
25. اليونسكو، التنمية الثقافية ـ تجارب إقليمية، ترجمة: سليم مكسور، بيــروت: د. ن، 1983.
التعليقات (0)