موقف جماعة العدل و الإحسان من المبادرة الملكية بشأن التعديل العميق للدستور المغربي، لم يكن مفاجئا. و هو يأتي في سياق سياسة " خالف تعرف " التي تنتهجها الجماعة منذ زمن بعيد. و هكذا خرج الناطق الرسمي باسمها ليعلن أن المبادرة لا تعدو أن تكون التفافا على المطالب الشعبية، و هروبا إلى الأمام من أجل ربح مزيد من الوقت...
المتتبعون لجماعة " عبد السلام ياسين " يدركون جيدا التخبط الذي تعرفه منذ " كابوس 2006 ". و على الرغم من طابعها التنظيمي المتميز على مستوى تعبئة الشارع، و الذي يشبه أسلوب " جماعة الإخوان المسلمين في مصر "، فإن حضورها عرف انحسارا كبيرا، حيث فشلت إلى حد بعيد في تجديد خطابها السياسي، و ظلت حبيسة مرجعية " بركات الشيخ ". ذلك أن المشروع السياسي " للعدل و الإحسان " يستند إلى كتابات مرشد الجماعة، التي تعتبر نبراسا يهتدي على ضوئه كل من ينتمي إلى هذا التنظيم. و من المعلوم أن هذا المشروع يتأسس على " نظرية العصيان " التي تدعو إلى شق عصا الطاعة على الحاكم مادام لا يحتكم إلى شرع الله. و هذا يعني أن البديل الذي تطرحه الجماعة هو الحكم بشرع الله، وتطبيق " المنهاج النبوي " و فق الرؤية الخاصة التي يسطرها منظرها الأكبر. و يتجلى التأويل العملي لهذه النظرية في موقف الجماعة من الممارسة السياسية في إطار القانون المنظم لها. حيث تعتبر أن العمل السياسي من داخل الوضع القائم هو مضيعة للوقت و هدر للمجهودات.و هي لا تختلف بهذا الخصوص عن تصورات تنظيمات " الإسلام السياسي" في العالم الإسلامي. هذه المرجعية هي التي تفسر تقليل الجماعة من شأن الإعلان عن التغيير الدستوري. وهي تبرر موقفها من خلال الحديث عن أن الدستور المنتظر ليس إلا امتدادا للدساتير الممنوحة. غير أنه تبرير لا عضد له، لأن أي تعديل من هذا النوع في كل دول العالم يستوجب اتباع قنوات محددة ... و على الفرقاء السياسيين و الإجتماعيين و النقابيين الذين سيشاركون في صياغة التعديلات الجديدة أن يكونوا في مستوى تطلعات المغاربة للوصول إلى دستور يعبر عن إرادة الشعب.
إن " العدل و الإحسان " تحمل مشروعا سياسيا يستغل الدين لخدمة أهداف محددة تفرض الوصاية على الشعب باسم هذا الدين . و هذا ما لا يمكن أن يقبله المغاربة، لأن الخيار الأفضل من أجل " مغرب جديد " يمر عبر تعزيز آليات الممارسة الديموقراطية و تقوية دولة المؤسسات. و قد كان الخطاب الملكي الذي أعلن عن التعديل الدستوري واضحا في هذا الشأن. و عندما يتعلق الأمر بجماعة تقوم مرجعيتها على تكفير الديموقراطية و مؤسساتها، فأي موقف ينتظر منها في هذا الإطار؟. غير أن الموقف الذي أعلنت عنه الجماعة و إن كان منتظرا، فإنه لا يخدم استراتيجيتها على المدى البعيد. وذلك شكل آخر من أشكال التخبط التي تميز مواقفها. فحينما نعود إلى مشروع الجماعة نجد أن آليات تنفيذ الخط السياسي تتوقف على قاعدتين هما: النصيحة و التدافع. و واضح أن رسالة " الإسلام أو الطوفان" التي كتبها " عبد السلام ياسين " خلال مرحلة حكم " الحسن الثاني" تعبر عن القاعدة الأولى في أدبيات الجماعة. و هي تنسجم مع ثوابت الجماعات الإسلامية التي ترفع شعار: " الإسلام هو الحل ". لكنه في الحالة المغربية: إسلام على مقاس " العدل و الإحسان". لذلك فأية مبادرة خارج هذه القراءة تعتبر مرفوضة عند الجماعة... غير أن القاعدة الثانية ( التدافع ) تؤكد على ضرورة استغلال الفرص التي تراها الجماعة مفيدة لمشروعها السياسي. و هذا ما يبرر المحاولات المتكررة لركوب موجات الحراك الشعبي سواء تلك التي تؤججها أحداث دولية مثل ما يقع في العراق و فلسطين، أو تلك التي تعبر عن مطالب شعبية كما هو الشأن في " حركة 20 فبراير "... و ربما كان من الأجدر بالجماعة انسجاما مع هذه القاعدة أن تعبر عن موقف إيجابي من الخطوة الملكية... لكن يبدو أن المرشد - و بالرغم من نكسة حلم 2006 - مازال يفضل التغيير ب" القومة " ( تغيير الفرد بقومته إلى الله. الأمر الذي يترتب عنه تغيير المجتمع من خلال قومة سياسية و اقتصادية و أخلاقية...).
إن أي نقاش سياسي حول التعديل الدستوري المرتقب، ينبغي أن ينضبط لقواعد الديموقراطية و الحق في إبداء الرأي، لكن اختلاف المواقف بشأن هذا الموضوع ينبغي أن يضع في الإعتبار مصلحة المغرب و المغاربة. أما ما عدا ذلك فلن يعدو أن يكون مجرد رؤية أو رؤيا تخص صاحبها وحده. محمد مغوتي.12/03/2010.
التعليقات (0)