" الصمت" إلى أين يؤدي؟!
الصمت عادة لقنت لنا منذ الصغر ، حيث ارتبطت في أذهاننا بأنها تعني الابتعاد عن المشاكل ، وأنها الطريق الأسلم لتجنبها ، أو حتى لحلها .
هذا ما قيل لنا وتربينا عليه ، لكن من المؤسف أن أحداً لم يعلمنا تلك الحقيقة المرة وهي أن الصمت وسيلة الضعفاء للعيش !! ، وكأننا لا ندرك أن أضعف مخلوقات الله لا تتنازل عن حقها بسهولة ، فأي منهج ذلك الذي يحثنا على البقاء فاغرين أفواهنا أمام انتهاكات البعض لحقوقنا، بكل أشكالها وصورها ،خصوصا حينما يجدون منا مبالغة غير مبررة في الصمت !!
وفي هذا الإطار كثيراً ما تعود بي الذاكرة إلى أيام المدرسة حين كنت أشكو لأمي ظلم بعض المعلمات ، فتحثني على الصمت خوفا من أن يبطشن بي في الدرجات الدراسية أو إعادة المادة وعندما كبرت قليلا : عرفت أن هناك نظاماً يحدد وضع الدرجات ، عبر اختبارات مثبتة بأوراق رسمية ، وندمت بعدها لأني لم أشتكيهن ، خاصة عندما كنت اسمع معاناة الزميلات الأخريات ، وبالطبع أكون أنا أكثر من يعرف مرارة ما يمررن به ، ولهذا أدركت أن الصمت يشجع الطاغي على أن يزيد في طغيانه واغتصاب الحقوق يزيد من عظمته أمام نفسه،وهذا ما نلمسه جميعاً في القطاعين العام والخاص ،أو في حياتنا الاجتماعية ، بل وربما يحرض الآخرين على حذو حذوه فلا يوجد أجمل من شعور القوة والتباهي بها,ولو دققنا الآن لوجدنا مثلاً أن كثيراً من الناس أصبحوا يشتكون للقضاء حالات الأخطاء الطبية التي تقع عليهم ،إذ تعلم الناس كيف يجدون حقوقهم وكيف يحافظون عليها ، لأن الإهمال ليس جزءاً من القضاء والقدر، لذا كان واجباً على كل فرد المساهمة في تطبيق القانون ، ولكي يحصل ذلك يجب أن تكون هناك جريمة مكتملة الأركان فالعدالة عمياء لا ترى إلا وقائع وأركان وأدلة ملموسة فلا يمكن أن تهبط العدالة من السماء كي تحاكم المجرم كما نتمنى أن يحصل دوما ، وكما ربينا للأسف ، وهذا ليس صحيحاً ، وعلى الرغم من أني أؤمن وبشدة بالعدالة الإلهية وبأنها الأقدر على إنصاف العباد ، لكنني مع ذلك أرى ضرورة أن ينال الظالم جزاءه على الأرض ولذلك وجد القضاء بتشريعاته المستمدة من الأديان السماوية ، ووجدت الدولة لانتزاع حق المظلوم ممن ظلمه.
لكن المحير فعلاً أنه بالرغم من ذلك نجد الكثيرين يحبسون أنفسهم داخل جدران صمتهم ، مكبلين بسلاسل خوفهم ، ولا ينالهم من ذلك إلا المرض والقهر وحصول الفساد في الأرض ، وربما زاد الضرر على ذلك كثيراً جراء هذا الصمت ، بينما قد يحميه كلامه ولو قليلا ، وعلينا أن لا ننسى أنه لا يحق لأي كان أن يستغل سلطته استغلالاً غير مشروعاً، أو ينتهك حقوق الآخرين ممن يقعون تحت سلطته وأمثال هؤلاء لا يمكن إيقافهم إلا بالقانون الذي يردع أمثالهم,
وأخيراً أقول أن البعض قد يرى في الصمت حكمة ، لكنني أجزم أنها حكمة الضعفاء.
التعليقات (0)