مواضيع اليوم

" السوق الحرة " .. مصطلح في مفترق الطرق

ملف اخضر

2009-03-30 15:17:48

0

" السوق الحرة " .. مصطلح في مفترق الطرق
 

----------------------------------

مبنى بنك ليمان برازرز بنيويورك
لا شك أن الأزمة المالية الأمريكية الحالية التي سببتها قروض "الرهون العقارية" ستترك تداعيات كبيرة على الأسواق العالمية في المدى القصير والبعيد، وسيكون من الشاق جدا معالجتها بالطرق التقليدية.
لكن هذه الأزمة ستفتح المجال واسعا أيضا أمام مناقشة مفاهيم اقتصادية لطالما طرحت علينا بشكل وصفات دقيقة يحظر علينا تعديلها أو المساس بها، فإما تطبيقها وإما أن نبقى خارج الإطار الاقتصادي العالمي.
من هذه المفاهيم التي ستعيد الأزمة المالية الأمريكية إنتاج الجدل حولها مفهوم "السوق الحرة" ومفهوم "تدخل الدول في اقتصاد السوق"، حيث ستطرح تساؤلات عديدة على بساط البحث من جديد، ليس أقلها: متى تتدخل الدولة؟ ما الهدف من هذا التدخل؟ ما هي المؤشرات التي تسمح لها بالتدخل؟ أين هي معايير السوق الحرة وآلياتها؟ ما مدى تأثير ذلك على مفهوم السوق الحرة؟
من المعلوم أن الولايات المتحدة تعتبر المروج الأساسي لمفهوم "امتناع الدولة عن التدخل في قوى السوق المفتوحة" وترك الآليات الذاتية للسوق تقوده في الاتجاه الذي يحدده لنفسه بنفسه، وقد قامت العديد من المنظمات العالمية، ولا سيما البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، بتبني هذا المفهوم والعمل على تعميمه على الصعيد العالمي، سواء بشكل وصفات اقتصادية، أو عبر الإشارة إلى النموذج الأمريكي الذي لطالما أبهر الكثيرين فيما يتعلق بعدم تدخل الدولة في الاقتصاد.
لكن هذا المفهوم ما لبث أن شهد إدخال تعديلات جوهرية عليه في إطاره العام والتفصيلي، حتى من قبل الذين ابتدعوه وأولئك الذين يروجون له.
فالولايات المتحدة تشهد منذ أكثر من 10 سنوات تحولات جوهرية من غير المعروف إذا ما كانت مؤقتة أو دائمة، لكن الأكيد أنها تتعارض مع المفهوم العام "لعدم تدخل الدولة في اقتصاد السوق"، حتى وصل الأمر إلى البنك الدولي لأن يدعو مؤخرا إلى أن تقوم الدولة بدور في إعادة دعم القطاع الزراعي في الدول النامية، وهو الذي طالما كان يدعو إلى عكس ذلك عبر تبني سياسة التصدير والاستيراد الزراعي كبديل لها.
جدل حول مفهومين
وهناك من بدأ يرى أن الأزمة المالية الأمريكية الحالية مؤشر على إعادة تعريف دور الدولة المتدخلة في السوق، مشيرا إلى العمليات التي قامت بها الحكومة الأمريكية مؤخرا من إنقاذ لشركتي الرهن العقاري "فاني ماي" و"فريدي ماك"، وإلى توسط مجلس الاحتياطي الاتحادي في بيع بنك الاستثمار المنهار "بير ستيرنز" لـ "جيه.بي. مورجان تشيس".
وحتى في بريطانيا تجاهلت الحكومة قيود منع الاحتكار لدمج بنكين، "بنك لويدز تي.إس.بي" وبنك "إتش.بي.أو.إس"، مما سيؤدي إلى ظهور بنك مهيمن على الرهون العقارية والمدخرات، وهو ما يعني عمليا تخلي الحكومة في هذه الحالة عن سياستها في مكافحة الاحتكار.
لكن هناك من يرى في المقابل أن مفهوم عدم تدخل الدولة في السوق وترك السوق تقود نفسها بنفسها لا يعني أن لا تكون هناك ضوابط وأطر عامة حاكمة، وأن لا تتدخل الدولة في السوق إذا كان الوضع الاقتصادي والمالي برمته يشكل خطرا على الدولة بأكملها.
وعليه فإن ما يحصل حاليا في السوق المالية الأمريكية وما له من تداعيات على الأسواق العالمية أكبر من أن يتم تركه للسوق وآليات السوق الذاتية لتصحح نفسها بنفسها، وتأسيسا على هذا الكلام فإن ما تقوم به الولايات المتحدة حاليا لا يتعارض ومفهوم السوق الحرة وعدم تدخل الدولة في الاقتصاد.
المعيار.. وضع السوق
ويبرر أصحاب التدخل "المدروس" للدولة في السوق هذا الأمر بأنه يحتاج إلى ضوء أخضر ليتحرك، وأن هذا الضوء لا ينطلق إلا عندما تحدث مؤشرات على وجود "خطر حقيقي" من أن تنهار السوق، أو أن ينهار الوضع الاقتصادي برمته، وأن هذا وضع يجيز للدولة التدخل ضمن أطر وضوابط معينة يكون الهدف منها معالجة الأزمة الخطيرة، وإعادة الدور الذاتي للسوق إلى إطارها الطبيعي.
ولما كانت الأزمة المالية الأمريكية الحالية ضخمة ولها تداعيات، ليس على المستوى الداخلي المحلي فحسب، بل على مستوى النظام المالي العالمي ككل دفعت البنوك المركزية إلى ضخ ربع تريليون دولار بشكل مباشر لحماية الأسواق من الانهيارات كما أنفقت الولايات المتحدة حتى حينه 900 مليار دولار لدعم النظام المالي وسوق الإسكان، كان دور الدولة هنا ضرورة تفرضها الوقائع، وليس خيارا يتم بحثه.
فهناك مؤسسات مالية عريقة يزيد عمرها عن الـ100 والـ150 سنة اختفت من خريطة المؤسسات نتيجة لهذه الأزمة المالية، كبنك "ليمان بروذرز" الأمريكي العملاق الذي يبلغ عمره 150 عاما، والذي أعلن إفلاسه منذ أيام، وكبنك "ميريل لينش" الذي لا يقل حجما وأهمية، ويقارب عمره المائة العام، والذي اشتراه "بنك أوف أمريكا" لضمه.
مصلحة الدولة العليا
وإن كان من الممكن تبرير تدخل الدولة في الاقتصاد في ظل وجود "خطر حقيقي"، فإن الذين يشيرون إلى أن تحولا حقيقيا ظهر ضمن مفهوم دور الدولة والسوق الحرة يرجعون بالذاكرة إلى تجربة الولايات المتحدة مع شركة مواني دبي العالمية التي منعت من إدارة بعض المواني الأمريكية رغم استيفائها كافة الشروط المطلوبة التي تنطبق على غيرها من الشركات الأجنبية، وبالتالي حرمت من دخول السوق الأمريكية.
كذلك شركة الصين الوطنية للبترول "سينوبك" التي منعها قرار حكومي من الكونجرس صدر خصيصا بشأنها من شراء "أونكل" النفطية الأمريكية بحجة أن هذا الشراء يهدد الأمن القومي الأمريكي.
فالولايات المتحدة وغيرها من الدول ما كانت لتشجع على العولمة الهادفة إلى التحرر نهائيا من القيود وفتح الأسواق وتدفق الاستثمارات لولا أنها مستفيدة بشكل كبير، وذلك عبر ممارسة نفوذها وإغلاق الأبواب أمام الاستثمارات.
وعلى الرغم من أن معيار "الخطر الحقيقي" الذي يتيح للدولة التدخل غير متوافر في هذه الحالة، فهذا يشير إلى أن المسألة استثنائية، وتعتمد على معيار "مصالح الدولة العليا" مما يقودنا إلى التشكيك في فكرة وجود السوق الحرة التي تعمل هذه المعايير على تقويضها.
بين التدخل وعدمه
بطبيعة الحال فلنظرية عدم تدخل الدولة أنصار في العالم النامي، وفي الدول العربية كذلك، ولا شك أن هناك من يدعو أيضا إلى دور أكبر للدولة في الاقتصاد في مواجهة هذا المفهوم، خاصة أن هناك عددا كبيرا من التحديات التي تضطر الدولة معها إلى أن تكون مسئولة عن تداعياتها، وبالتالي يجب عليها أن تلعب دورا أكبر.
ولا بد أن الأزمة الأمريكية تلقي بظلالها على الفريقين، لكن سيكون من الخطأ عقد مقارنة بين أسباب ومسوغات التدخل الأمريكي الحالي في السوق وبين وضع السوق والاقتصاد في الدول النامية، فهناك فرق شاسع وكبير، واستخدام المبررات والمسوغات الحالية لتبرير وضع الدولة يدها على السوق والاقتصاد بشكل كلي في الدول النامية سيكون عبثا.
فحرية السوق لا تعني ترك الأمور على غاربها، كما أن وضع الدولة الأطر المطلوبة للسوق والآليات المناسبة التي تتيح لها التدخل لا يعني إطلاق يدها في السيطرة على السوق والعبث بها بشكل استثنائي.
ولا شك أن دور الدولة في الاقتصاد مطلوب، كما أوضحت التجارب عند الفريقين، لكن الاختلاف يبقى في حجم هذا الدور، ومسوغات ومبررات تدخله، وتوقيت هذا التدخل، والهدف منه.

 




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !